منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 06 Jul 2017, 10:52 AM
أبو عبد السلام جابر البسكري أبو عبد السلام جابر البسكري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2014
المشاركات: 1,229
إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبد السلام جابر البسكري
افتراضي ظاهرة التميّع الدنيوي.

بسم الله الرحمن الرحيم


ظاهرة التميّع الدنيوي.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أمابعد:

فشهوة حب الدنيا هي ظاهرة التميّع الجديد ، نعم تجده سلفيا ولكن غرته الدنيا وملذاتها فتوسع فيها فضيع بعض الواجبات ، بل ربما وقع في المحظورات كحب المال حبا جما أو السعي وراءها من أجل الرفاهية الزائدة ، وقد حذر صلى الله عليه وسلم من التنعم الزائد : فقال صلى الله عليه وسلم : ( إيَّاي والتَّنعُّمَ ، فإنَّ عبادَ اللهِ ليسوا بالمُتنعِّمين ) [ السلسلة الصحيحة 353].
قال الصنعاني في التنوير شرح الجامع الصغير : (إياك والتنعم) في المأكل والملبس (فإن عباد الله) الذين هم عباده المستحقون الإضافة لذاته. (ليسوا بالمتنعمين) أن التنعم بالمباح، وإن كان جائزًا لكنه يدعو إلى الإنس بالدنيا والاسترسال فيها، وقد يجر إلى الحرام؛ لأن الحلال في الأغلب لا يتسع للتنعم. [ الجزء 4 ص 386 ].
وقد ذكر الله تعالى حقيقة الدنيا فتدبر هذه الآية الكريمة :
قال -عز وجل-: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد: 20].
يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية : يخبر تعالى عن حقيقة الدنيا وما هي عليه، ويبين غايتها وغاية أهلها، بأنها لعب ولهو، تلعب بها الأبدان، وتلهو بها القلوب، وهذا مصداقه ما هو موجود وواقع من أبناء الدنيا، فإنك تجدهم قد قطعوا أوقات أعمارهم بلهو قلوبهم، وغفلتهم عن ذكر الله وعما أمامهم من الوعد والوعيد، وتراهم قد اتخذوا دينهم لعبا ولهوا، بخلاف أهل اليقظة وعمال الآخرة، فإن قلوبهم معمورة بذكر الله، ومعرفته ومحبته، وقد شغلوا أوقاتهم بالأعمال التي تقربهم إلى الله، من النفع القاصر والمتعدي.
و التميع الدنيوي هو بداية الفتنة بالشهوات:
قال تعالى : ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ والبَنِينَ والقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [ال عمران / 14].
قال صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ, وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا, فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ؟ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا, وَاتَّقُوا النِّسَاءَ, فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ, كَانَتْ فِي النِّسَاءِ). [رواه مسلم].
قال الشيخ بن عثيمين في شرحه للحديث : " إن الدنيا حلوة خضرة " حلوة في المذاق خضرة في المرآى والشيء إذا كان خضرا حلوا فإن العين تطلبه أولا ثم تطلبه النفس ثانيا والشيء إذا اجتمع فيه طلب العين وطلب النفس فإنه يوشك للإنسان أن يقع فيه ، فالدنيا حلوة في مذاقها خضرة في مرآها فيغتر الإنسان بها وينهك فيها ويجعلها أكبر همه ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الله تعالى مستخلفا فيها فينظر كيف نعمل هل تقومون بطاعته وتنهون النفس عن الهوى وتقومون بما أوجب الله عليكم ولا تغتروا بالدنيا أو أن الأمر بالعكس ولهذا قال فاتقوا الدنيا أي: قوموا بما أمركم به واتركوا ما نهاكم عنه ولا تغرنكم حلاوة الدنيا ونضرتها كما قال تعالى فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور
ثم قال :" فاتقوا الدنيا واتقوا النساء" اتقوا النساء أي: احذروهن وهذا يشمل الحذر من المرأة في كيدها مع زوجها ويشمل أيضا الحذر من النساء وفتنتهن ولهذا قال فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء فافتتنوا في النساء فضلوا وأضلوا والعياذ بالله ولذلك نجد أعداءنا ... إهـ [ شرح رياض الصالحين ].
ومن فتنتها أن ينتكس الرجل أو يرتد بسبب تميعه فيها :
و حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من أناس يبيعون الدين بعرض الدنيا ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم : يُصبح الرجل مؤمنا ويُمسي كافرا ، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا ، يبيع دينه بعرض من الدنيا ).
يقول الشيخ بن باز رحمه الله تعالى: المعنى: أن الغربة في الإسلام تشتد حتى يصبح المؤمن مسلماً، ثم يمسي كافراً، وبالعكس يمسي مؤمناً، ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا، وذلك بأن يتكلم بالكفر، أو يعمل به من أجل الدنيا، فيصبح مؤمناً، ويأتيه من يقول له: تسب الله تسب الرسول، تدع الصلاة ونعطيك كذا وكذا، تستحل الزنا، تستحل الخمر، ونعطيك كذا وكذا، فيبيع دينه بعرض من الدنيا، ويصبح كافراً أو يمسي كذلك، أو يقولوا: لا تكن مع المؤمن ونعطيك كذا وكذا لتكون مع الكافرين، فيغريه بأن يكون مع الكافرين، وفي حزب الكافرين، وفي أنصارهم، حتى يعطيه المال الكثير فيكون ولياً للكافرين وعدواً للمؤمنين، وأنواع الردة كثيرة جداً، وغالباً ما يكون ذلك بسبب الدنيا، حب الدنيا وإيثارها على الآخرة. [سؤال موجه لسماحته في حج عام 1415هـ، الشريط رقم 49/9. الموقع الرسمي للشيخ ]
من أراد الآخرة ترك التميع في الدنيا :
وعنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ»، قَالَ: قُلْنَا: "يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ ِللهِ"، قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ، وَلكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّاْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ»المشكاة (1608)
قال عبد الله بن المبارك :
أرى أناسا بأدنى الدين قد قنعوا ** ولا أراهم رضوا في العيش بالدون
فاستغنِ بالدين عن دنيا الملوك كما ** استغنى الملوك بدنياهم عن الدين

وكان سلفنا الصالح يقتنعون بما عندهم من رزق ولا يتطلعون للتميع والتوسع في الدنيا ويكتفون بالزاد القليل ويستعدون للرحيل ليوم شديد حسابه، لأنهم يعلمون أن البناء الحقيقي و السعادة الأبدية في الآخرة .
قال ابن رجب الحنبلي - رحمه الله :
دخل رجل على أبي ذر فجعل يقلب بصره في بيته فقال يا أبا ذر أين متاعكم فقال إن لنا بيتا نتوجه إليه فقال إنه لا بد لك من متاع ما دمت هاهنا فقال إن صاحب المنزل لا يدعنا هاهنا .
ودخلوا على بعض الصالحين فقلبوا بصرهم في بيته فقالوا إنا نري بيتك بيت رجل مرتحل فقال لا أرتحل ولكن أطرد طردا .
كان على بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل .
قال بعض الحكماء :عجبت ممن الدنيا مولية عنه والآخرة مقبلة إليه يشغل بالمدبرة ويعرض عن المقبلة .[جامع العلوم والحكم ].
والمصيبة أن بعضهم دخل في ما حرم الله بعذر أن الرزق لا يكفيه فأصبح لا يتحاش في طلبه أحلال هو أو حرام أو من المشتبهات فيقع في معاملة محرمة كالربا والعياذ بالله ، وهذا ما خشي النبي صلى الله عليه وسلم في زمننا هذا ،عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قال: «لَيأتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمانٌ لاَ يُبَالِي المَرءُ بِمَا أَخَذَ المالَ أَمِنْ حَلالٍ، أمْ مِنْ حَرامٍ»- أخرجه البخاري
فويل للمتميع في أمور الدنيا المكثرين منها حتى ضيعوا حقوق الله فيها:
قال صلى الله عليه وسلم : ( ويلٌ للمُكثِرين ؛ إلَّا من قال بالمالِ هَكَذا وهَكَذا وهكذا وهكذا ، أربعٌ : عن يمينهِ ، وعن شِمالِهِ ، ومن قدَّامهِ ، ومن ورائِهِ ) .[ السلسلة الصحيحة 2412 ].
قال صلى الله عليه وسلم : ( إنما أخشى عليكم شهواتِ الغَيِّ في بطونكم وفروجِكم ، ومُضِلَّاتِ الهوَى) .صحيح الترغيب [2143].
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :( إن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة ). [ صحيح الجامع 1577].
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى :
هلال الهدى لا يظهر في غيم الشبع، ولكن يبدو في صحو الجوع وترك الطمع، واحذر أن تميل إلى حب الدنيا فتقع، ولا تكن من الذي قال: سمعت وما سمع، ولا ممن سوف يومه بغده فمات ولا رجع، كلا ليندمن على تفريطه وما صنع؛ وليسألن عن تقصيره في عمله وما ضيع، فيا لها من حسرة وندامة وغصةٍ تجرع، عند قراءة كتابه وما رأى فيه وما جمع، فبكى بكاء شديداً فما نفع، وبقى محزوناً لما رأى من نور المؤمن يسعى بين يديه وقد سمع، فلا ينفعه الحزن ولا الزفير ولا البكاء ولا الجزع. ["المواعظ "لابن الجوزي].
تنبيه : ليس معنى ذم الدنيا تركها بالكلية وإنما لا تجعلها هي المقصد والغاية ، كما قيل للإمام أحمد رحمه الله تعالى: " أيكون الرجل زاهدا وعنده مائة ألف دينار؟، قال: نعم، بشرط ألا يفرح إذا زادت، ولا يحزن إذا نقصت".
و قيل لسفيان الثوري: أيكون الرجل زاهداً، ويكون له المال؟ قال: نعم، إن كان: إذا ابتلي صبر، وإن أُعطي شكر. حلية الأولياء(6/ 387 - 388).
وقال صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ هَذا المالَ حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ ووَضَعَهُ في حَقِّهِ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ ومَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ ولا يَشْبَعُ ) [رواه مسلم ].
فجمع المال من حله لا يدخل في التميع الدنيوي ، بل هو مأمور به فالمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف ، و كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (نِعْمَ الْمالُ الصّالِحُ لِلرَّجُلِ الصّالِحِ ) [ رواه مسلم ].
اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا ونعوذ بك أن نتميع فيها على حساب ديننا .

كتبه : أبو عبد السلام جابر البسكري
الخميس : 12 شوال 1438 هـجري


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد السلام جابر البسكري ; 06 Jul 2017 الساعة 07:59 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06 Jul 2017, 12:40 PM
أبو إكرام وليد فتحون أبو إكرام وليد فتحون غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
الدولة: الجزائر
المشاركات: 1,798
افتراضي

جزاك الله خيرا وبارك فيك أخي الكريم
وإثراءا للموضوع أستسمحك بإدراج:

صوتي / مفرغ:
التحذير من فتنة المال وأثرها في الانحراف المنهجي
الشيخ محمد بن هادي المدخلي حفظه الله .

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴿٧٠﴾ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴿٧١﴾{ ]الأحزاب:70-71[، أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما بعد، فإن المسلم في هذه الحياة لابد وأن يجد فيها أحيانًا ما يسره وأحيانًا ما يسوؤه، فالحال لا تستمر على وتيرة واحدة، فهي تتقلب، والله – سبحانه وتعالى – يبتلي عباده، ويختبرهم، لينظر كيف يعملون، يبتليهم ويختبرهم ليعلم الصادق من الكاذب، يبتليهم ويختبرهم ليعلم المؤمن من المنافق، } الم ﴿١﴾ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴿٢﴾ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴿٣﴾ { ]العنكبوت:1-3[، فالله يبتلي عباده بالسراء وبالضراء، فبعض الناس يبتلى بالسراء فينكص على عقبيه، وينقلب على عقبيه، وتتبدل حاله، من حال حسنة أيام الفقر والضعف والقلة، إلى حال سيئة في أيام السراء، والعكس، وقد يكون على حال تسر واسعة، رغد في العيش، بسط في الرزق، صحة في الجسم، أمان في الوطن، عافية في الأبدان، ثم بعد ذلك سلامة في الأديان، ثم يبتلى، فينتكس بعد ذلك، ولله في ذلك الحكمة البالغة – جل وعلا – } وَعَلَى اللَّـهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ ۚ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٩﴾{ ]النحل:9[، } وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴿٣٥﴾ { ]الأنبياء:35[، فالله يبتلي عباده بهذا وهذا، وإن الإنسان إذا ما نظر في هذه الحياة الدنيا، ونظر كيف حال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وكيف كان حال أصحابه – رضي الله تعالى عنهم – استفاد الفائدة الصحيحة، وإن هو أغفل ذلك ولم ينظر إليه، فإنه لن يستفيد الفائدة الصحيحة، فالله – سبحانه وتعالى – قد ابتلى عباده المؤمنين بالسراء والضراء، وإن من أعظم ما يبتلى به الناس اليوم، نعمة السراء، المال، والمال فتنة، المال يميل بقلوب الرجال، وقد أخبر بذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما صحّ عنه: (( إن لكلِّ أمَّةٍ فتنةٌ وإن فتنة أمَّتي المال، أما والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أنْ تُبسَطَ عليكم الدنيا، فتنافسوها كما تنافسوها، ثم تُهلِكَكم كما أهلكتهم))، فالمال يميل في الرجال إلا ما عصم الله وثبته، }الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴿٤٦﴾ { ]الكهف:46[،} إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ{ ]التغابن:15[، والله – سبحانه وتعالى – يبتلي عباده، والله- سبحانه وتعالى- يبتلي عباده، وكم وكم وكم تنظر فترى فتنة الناس بالمال، لا تُعَد ولا تُحصى، وقد تؤدي الفتنة بالمال إلى الكُفر بالله- تبارك وتعالى- والإستمرار عليه والعنجهية في ذلك، كما حصل لفرعون، كما حصلَ لهامان وقارون، فأنكروا ما أخبر اللهُ -سبحانهُ وتعالى- به عن نفسهِ، وعلى لسانِ رسوله إليهم- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - موسى قالَ فرعون:{ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي}[ القصص 38] حاكيًا ربُنا تبارك وتعالى عنه وعن مبلغ كبره:{أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ﴿٥٢﴾ } [ الزخرف 52]، فأخبرَ سبحانهُ وتعالى بحالَ هذا الرجُل:{ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ﴿٥٣﴾ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ } [ الزخرف 53-54]، صدقوه فتبعوه وكذبوا موسى- عليهِ الصلاة والسلام- فالمالُ فتنة، قصة قارون ليست ببعيدة فلهذا خشيَ النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على هذه الأُمة المرحومة خشيَ عليهم فتنةُ الدنيا، خشيَ عليهم فتنة المال، وأخبرَ إنها فتنة عظيمة، وصدَقَ رسول الله-صلى الله عليهِ وسلم- فيما أخبرَ وهو الصادِق المصدوق ولو لم نرى نحنُ الحدث فكلامهُ صدق وحكمهُ عدِل -صلوتُ الله وسلامهُ عليه- لأنه وحيٌّ من الله، ووحيّ الله إن كانَ حُكمًا فهو عدل وإن كانَ خبرًا فهو صدقٌ وحقّ، فالحاصِل أخبرَ عليهِ الصلاة والسلام- أنَّ هذه الأُمة فتنتها في المال، ونحنُ نرى كثيرًا من الناس على حالٌ سَويّة في العلم والتعلّم والتَمَسُك بالسُنة، والإتباع لها والدعوة إليها والولاية لأهلها والبراءة ممن خالفها والحرص على هدايتهِ إن كانَ جاهلًا، ودعوتهِ إن كانَ مُتعلِمًا أو عالِمًا فإن رُؤيَ منه العناد والكِبِر فالحرص على البعد عنه ومُعاداتهِ في ذاتِ الله- تباركَ وتعالى- لأنَّ هذا هو أوثق عُرى الإيمان، أوثق عُرى الإيمان الحب في الله والبغضُ في الله، فكثير من الناس تراه بينما هو على هذه الحال، إذ يدرُجُ إلى قلبهِ المال فيتعلقُ بهِ فيفتنُ بصره ويتعلقُ بنياط قلبهِ، وإذا بكَ تراهُ قد انقلبَ شيئًا فشيئًا فارتكس وانتكس نسأل الله العافية والسلامة، وفي هذا وأمثاله يقولُ - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : (( تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيلة تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ إنْ أَعْطَى رَضِيَ وَإِنْ لم يُعطى لَمْ يَرْضَى)) وكانَ عليه الصلاة والسلام- يُعطي الرجل ويدع غيرهُ والذي يدعهُ أحب إليهِ ممن أعطاه، مخافةً أن يَكبهُ اللهُ في النار، ونحنُ نرى كما قُلتُ لكم في هذه الآونة كثير ممن يكون على الحالة السابقة التي ذكرناها فيدّب إلى قلبهِ حُب المال، فيُفسِدُ عليهِ دينهُ ويدبُ فيهِ حُب الدنيا فيُفسِدُ عليهِ دينه، وقد ضرب الرسول- صلى الله عليه وسلم- في هذا المثل العظيم، كما جاء في الحديث الصحيح في الترمذي وغيرهِ ومُسند أحمد أنهُ قال (( مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حُبِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِه)) حب الرياسة والوجاهة وحب المال (ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ) ماذا تتصورون يعملونَ فيهما؟ يلعبون فيهما لعب هذان الذئبان الجائعان لا يأخذانِ فقط حاجتهما من الأكل وإنما يُفسدان الغنم إفسادًا عظيمًا، فما هذين الذئبين الجائعين الذين أُرسلا في هذه الأغنام بأفسدَ لها من حب الإنسان للشرف والمال لدينه، فحب الولايات والزعامات أفسدت كثيرًا من النّاس، لا يريدُ إلاّ أن يكون متبوعًا حتى ولو كان على الباطل، ويحبّ الزعامة والوجاهة ويكونَ رأسًا، فلا بدّ وأن يستقلّ، ولا بدّ وأن يخالف لأنّ الشيطان يأتيهِ ويقول له: قد قرأت القرآن وتعلمت فما لهم لا يتّبعون كما يتبّعُ الضِلال!!!

ما هم بمتّبعيّ إلاّ أن أُحدِث لهم، فيحدثَ لهم على خلاف السنّة لأجل أن يتبعوهُ ثمّ يستقلّ بهؤلاءِ ليكون رئيسًا عليهم.

وهكذا المال، ونحن نرى كثيرًا ممن ابتُليَ بسبب هذا؛ فانتكس من حالٍ إلى حال، من حالٍ صالحة طيّبة إلى حالٍ خبيثةٍ سيئّة بسبب المال، فترى هذا يذهب مع الحزبييّن لأنّهم أعطَوهُ وظيفة، أو أعطَوهُ مالًا، أو أعطَوهُ سيارة، أو ولَّوْهُ رئاسة المكتب الفلاني في بلدهِ ونحوِ ذلك، وهذا يذهب مع الجمعيّة الحزبييّة الفلانيّة المعروفة، لأنّها تدعمهُ، أو سيطمع منها أن تدعمهُ، أو يطمع فيها أن تفتح لهُ مركزًا، أو يطمع أن تدعم له مسجدًا ونحو ذلك، فيبيعُ دعوتهُ الصحيحة ودينهُ الصحيح التي كان يُوالي ويُعادي عليها في ذات الله-تبارك وتعالى-، وإذا بك تراهُ مع هؤلاءِ المغموسين المطعون فيهم وفي عقائدِهم، بلْ هو بالأمس ربّما كان يتكلّمُ فيهم، فيرميهم بالتحزُّب، ويرميهم ربّما بالبدعة ونحو ذلك؛ وإذا بهِ اليوم قدْ انتكس فإذا بهؤلاء الذين بالأمس يطعنُ فيهم؛ يزكّيهم اليوم، أو يدافعُ عنهم.

فصدق أحمد-رحمه الله- مع الفرق العظيم، مع الفرق العظيم حينما قال لعلي بن المدِيني، وقد أجاب مُتأوّلًا في ذكرةِ بخلق القرآن، وعلي بن المَدِيني كان بينهُ وبين ابن أبي دُؤاد صلة، وكان يُغدِق عليهِ باسم الحاكم، فلم يزل بهِ وهو إمام من الأئمّة، حتى وقع فيهِ ما وقع وأجاب مُداراةً وخوفًا لاعتقادهِ، ومع ذلك ما قبِلَ أحمد منه! –رحمه الله ورضي عنهُ-، قال: "لا لأنك أنت يشار إليك بالبنان" يعني محل إتّباع، ما قبِلَ أحمد منه، وكتب لهُ تلك الأبيات:

يا ابن المَدِينيّ الذي عرضت له دنيا فجاد بدينهِ لِينالها

ماذا دعاك إلى انتحالِ مقالةٍ قدْ كنتَ تزعُمُ كافِرًا مَن قالها

إن الرزية من يرزى دينه لا من يرزى ناقة وفصالها

هذا هو المَرَزّة، الرَزّية: أن تحلّ بالدّين هذه هي الرَزّية ما هو ذهاب الناقة ولا الفصيل، و وألقيت إلى علي بن المَدِيني في بيتهِ فقرأها فجاء بها إلى ابن أبي دؤاد فقال: "ما أظنها إلا من أحمد أو كلمةً نحوها"، فإذا كان هذا علي بن المَدِيني، الإحسان إلى القلوب يستميلِ النّاس، فالّذي أوصي بهِ نفسي وإخواني؛ الصدق مع الله-تبارك وتعالى-، والثّبات على هذه الدعوة السلفية المباركة، الصحيحة التي هي ميراثُ رسول الله-صلى الله عليه وسلم-ورّثناه، قال-عليه الصلاة والسلام-:(( اِفترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة (أو ملّة والألفاظ في هذا متعدّدة) وافترقت النصارى على اثِنتين وسبعين فرقة (في رواية ملّة، ويُروى في الموضعين) (كُلُّها في النّار إلاّ واحدة) (كلّها في النّار إلاّ واحدة وستفترِقُ هذه الأمّة على ثلاث وسبعين)) ، كلُّها في النّار إلاّ واحدة، من هم؟ قال: ((من كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي))، في اللفظ الآخر الجماعة، والجماعة تكونُ على الحقّ ولو كنت وحدك.

والمصيبة أن تترُك الذي كنت تعرفهُ بالأمس وتراهُ حقّا، وتركب ما كنت تراهُ بالأمسِ منكرا وباطلًا، فتراهُ اليوم حقا، فالتلوُّن في دينِ الله لا يصلح، ودينُ اللهِ واحد والحقُّ قديم، واعلم: أنّك إن فعلت ذلك وحاولت المغالطة؛ فإنّ الله يكشِفُك، والنّاس يعرِفون منك، الخبيرون بك والمتابِعون والعارِفون بحالِك وسيرتِك، يعرِفون؛ هل أنت بالأمسِ كاذب أو اليوم كاذب، فهذه الآن الرَّزية كُلَّ الرَّزيَّة أننا كل يوم نرى بعض إخواننا يتساقطون ويتهافتون على المال فيميلُ بهم، فبالأمس الجمعية الفُلانية حزبية واليوم سلفية أكبر من ينشر الدعوة السلفية بالعالم، وبالأمس الجمعية الفلانية كذا واليوم كذا، وبالأمس هذا حزبي واليوم صار أخوه وهكذا .

فأوصيكم معشر الإخوة والأبناء بالثبات على دين الله -تبارك وتعالى-، ومعرفة الحقَّ بدلائِله، تعرفون من كان عليه فإنَّ الرجال يُعرفون بالحقِّ، والحقُّ ما يُعرف بالرجال، الرجال هم الذين يُعرفون بالحقِّ، بماذا؟ بالدَّلائل التي قامت على هذا الحقَّ واضحة جليَّة ساطعة من كتاب الله -تبارك وتعالى- وسًنَّة رسوله –صلى الله عليه وسلم-، وأقوال أصحابه-رضي الله تعالى عنهم-، وعبارات السلف الصالحين.

فنحن نزن الناس بهذه الأشياء؛ فمن كان عليها فهو السلفي حقَّاً، ومن خالفها فليس بسلفي وإنْ ادَّعى وملأ الدنيا صُراخاً، ولنعلم أنَّ دين الله واحد، والحق واحد لا يتعدد، والتَّلون في دين الله من أعظم البلايا، ومن أكثر مُخالطة أهل الأهواء ومُداخلتهم فإنه سيُكثر التنقُل، اليوم على وجهٍ وغداً سيكون على وجهٍ وبعد غدٍ سيكون على وجهٍ حتى يعود أخسَّ مما كان عليه من ينتقدهم هو بالأمس.

فأوصي إخوتي وأبنائي بالثبات على هذا، ووزن الرِّجال بالدليل الذي كان عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه –رضي الله تعالى عنهم- وعليه عباراتُ السلف الصالحين، فإنَّ من وزن الناس بهذا لا يكادُ يُخطأ، ومن نظر إلى مناصبهم أو مراكزهم أو نحو ذلك فإنَّ هذا لابد وأن يُخطأ، هذا أولاً.

وثانياً: أوصيكم بالحرص على السبيل لتصحيح هذا الميزان ألا وهو العلم، بطلب العلم الشرعي الصحيح فإنَّ هذا الميزان لا يُحسن أن يزن به إلا من كان على درجةٍ من العلم،

العلم معرفة الهدى بدليله ما ذاك والتقليدُ يستويان

والجهلُ داءٌ قاتلٌ ودواءه أمران في التركيب متَّفقان

نصٌ من القرآن أو من سنَّةٍ وطبيب ذلك العالم الرَّباني

اليوم يأتي الفروخ يطلع من البيضة يظنُّ نفسه مثل الديك لا يُحسن أن يصيح فيرى نفسه مثل الديك الذي إذا صاح أسمع البلدة كلَّها والقرية كلها هذا غير صحيح، فمن رسخت قدمه بالدَّعوة، وشابت لحيته ورأسه فيها، وطال عمره وعالجها وعرف أهلها على مرِّ الدَّهور لا يمكن أن يكون والأحداث مثله بحالٍ من الأحوال، ومن شهد له أئمة الدين والهدى بالاستقامة على دين الله وعلى طريق الخير والحق والهدى لا يمكن أن يُزحزحك عنه أو يُزلزلك عن الجلوس إليه كلامُ من لا يوثق به ولا يُأبه به ولا يُنظر إليه.

فالواجب علينا جميعاً أن نَسْلُك هذا الطريق؛ طريق التعلم والإتقان لطرائق الاستدلال التي يُعرف بها كيفية الاستدلال، وهذا لابد فيه من معرفة أصول الفقه، كما أنَّه لا بد في معرفة الدليل وثبات الدليل وصحَّة الدليل، لابد فيه من معرفة أصول الحديث، فهنا لا بد من معرفة أصول الفقه حتى تعرف كيف تستدل وتُثبّت حُجَّتك بالدلائل الواضحة وتعرف كيف ترد على الـمُغالطين، فإنَّ الـمُغالطين اليوم كثير لا كثَّرهم الله .

فأوصيكم أخوتي وأبنائي، بالجد في التَّعلُّم والأخذ بحزمٍ وبقوةٍ بهذا العلم الشرعي، فإنَّ المتلاعب لا يكشفه إلا العلم الشرعي، المتلاعب الذي عنده آله وعنده معرفة وعنده علم لكنَّه مُتلاعب لا يُكْشفُ إلا بمعرفة العلم الشرعي، لأنك تُعامله من نفس ما يُعاملُك، فأوصيكم بالحرص على الازدياد من العلم.

في ازدياد العلم إرغامُ العِدى، وصلاح العلم إصلاح العمل، فتُرغم عدوك وتُصلح عملك وكفى بهاتين فائدتين عظيمتين لهذا العلم الشرعي.

فأوصيكم معشر الأبناء بالحرص على الازدياد من العلم لإرغام عدوكم فلا يجد مدخلاً عليكم، والعدو عام من الإنس والجن،} وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴿١١٢﴾ وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ﴿١١٣﴾ { [الأنعام:112-113].

أسأل الله سبحانه وتعالى- أن يرزُقنا وإياكم العلم النَّافع والبصيرة في الدين والفقه فيه والثبات عليه حتى نلقاه، كما أسأله -سبحانه وتعالى- أن يُجنبنا وإياكم مُضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعل أعمالنا خالصةً لوجهه، صواباً على سُنَّة رسوله –صلى الله عليه وسلم-، وأن لا يُزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين.

المصدر:
http://ar.alnahj.net/audio/1648
الملفات المرفقة
نوع الملف: mp3 sh-mohamed-hadi-fetnat-al-mal.mp3‏ (5.01 ميجابايت, المشاهدات 947)
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06 Jul 2017, 05:21 PM
أبو عبد السلام جابر البسكري أبو عبد السلام جابر البسكري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2014
المشاركات: 1,229
إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبد السلام جابر البسكري
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي وليد على هذه الإضافة القيمة - حقا إن التعلق بالدنيا والمال غير كثيرا من الرجال -
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 06 Jul 2017, 06:19 PM
أبو أيوب صهيب زين أبو أيوب صهيب زين غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
الدولة: بسكرة
المشاركات: 351
افتراضي

نسأل الله العافية
جزاك الله خيرا أخي جابر على التنبيه المناسب لأيام الإجازة هذه.

فقط هناك ما قد نسيته ربما :
[quote= أبو عبد السلام جابر البسكري;]
أمابعد:
شهوة ...
[quote/]
قال ابن مالك : أما كمهما يك من شيء وفا * لتلو تلوها وجوبا ألفا
قال ابن عقيل :أما حرف تفصيل وهي قائمة مقام أداة الشرط وفعل الشرط ولهذا فسرها سيبويه بمهما يك من شيء والمذكور بعدها جواب الشرط فلذلك لزمته الفاء نحو أما زيد فمنطلق والأصل مهما يك من شيء فزيد منطلق
فتكون العبارة والحال هذه : أما بعد فإن شهوة... أو ما أشبه

تقبل مروري وجزاك الله خيرا ابن مدينتي .

التعديل الأخير تم بواسطة أبو أيوب صهيب زين ; 06 Jul 2017 الساعة 06:25 PM
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06 Jul 2017, 07:53 PM
أبو عبد السلام جابر البسكري أبو عبد السلام جابر البسكري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2014
المشاركات: 1,229
إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبد السلام جابر البسكري
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي صهيب ، تنبيه جيد ومنكم نتعلم - زادك الله حرصا-
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 06 Jul 2017, 11:19 PM
عبد الباسط لهويمل عبد الباسط لهويمل غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: May 2017
الدولة: الجزائر
المشاركات: 96
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو إكرام وليد فتحون مشاهدة المشاركة
جزاك الله خيرا وبارك فيك أخي الكريم
وإثراءا للموضوع أستسمحك بإدراج:

صوتي / مفرغ:
التحذير من فتنة المال وأثرها في الانحراف المنهجي
الشيخ محمد بن هادي المدخلي حفظه الله .

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴿٧٠﴾ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴿٧١﴾{ ]الأحزاب:70-71[، أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما بعد، فإن المسلم في هذه الحياة لابد وأن يجد فيها أحيانًا ما يسره وأحيانًا ما يسوؤه، فالحال لا تستمر على وتيرة واحدة، فهي تتقلب، والله – سبحانه وتعالى – يبتلي عباده، ويختبرهم، لينظر كيف يعملون، يبتليهم ويختبرهم ليعلم الصادق من الكاذب، يبتليهم ويختبرهم ليعلم المؤمن من المنافق، } الم ﴿١﴾ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴿٢﴾ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴿٣﴾ { ]العنكبوت:1-3[، فالله يبتلي عباده بالسراء وبالضراء، فبعض الناس يبتلى بالسراء فينكص على عقبيه، وينقلب على عقبيه، وتتبدل حاله، من حال حسنة أيام الفقر والضعف والقلة، إلى حال سيئة في أيام السراء، والعكس، وقد يكون على حال تسر واسعة، رغد في العيش، بسط في الرزق، صحة في الجسم، أمان في الوطن، عافية في الأبدان، ثم بعد ذلك سلامة في الأديان، ثم يبتلى، فينتكس بعد ذلك، ولله في ذلك الحكمة البالغة – جل وعلا – } وَعَلَى اللَّـهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ ۚ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٩﴾{ ]النحل:9[، } وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴿٣٥﴾ { ]الأنبياء:35[، فالله يبتلي عباده بهذا وهذا، وإن الإنسان إذا ما نظر في هذه الحياة الدنيا، ونظر كيف حال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وكيف كان حال أصحابه – رضي الله تعالى عنهم – استفاد الفائدة الصحيحة، وإن هو أغفل ذلك ولم ينظر إليه، فإنه لن يستفيد الفائدة الصحيحة، فالله – سبحانه وتعالى – قد ابتلى عباده المؤمنين بالسراء والضراء، وإن من أعظم ما يبتلى به الناس اليوم، نعمة السراء، المال، والمال فتنة، المال يميل بقلوب الرجال، وقد أخبر بذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما صحّ عنه: (( إن لكلِّ أمَّةٍ فتنةٌ وإن فتنة أمَّتي المال، أما والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أنْ تُبسَطَ عليكم الدنيا، فتنافسوها كما تنافسوها، ثم تُهلِكَكم كما أهلكتهم))، فالمال يميل في الرجال إلا ما عصم الله وثبته، }الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴿٤٦﴾ { ]الكهف:46[،} إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ{ ]التغابن:15[، والله – سبحانه وتعالى – يبتلي عباده، والله- سبحانه وتعالى- يبتلي عباده، وكم وكم وكم تنظر فترى فتنة الناس بالمال، لا تُعَد ولا تُحصى، وقد تؤدي الفتنة بالمال إلى الكُفر بالله- تبارك وتعالى- والإستمرار عليه والعنجهية في ذلك، كما حصل لفرعون، كما حصلَ لهامان وقارون، فأنكروا ما أخبر اللهُ -سبحانهُ وتعالى- به عن نفسهِ، وعلى لسانِ رسوله إليهم- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - موسى قالَ فرعون:{ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي}[ القصص 38] حاكيًا ربُنا تبارك وتعالى عنه وعن مبلغ كبره:{أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ﴿٥٢﴾ } [ الزخرف 52]، فأخبرَ سبحانهُ وتعالى بحالَ هذا الرجُل:{ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ﴿٥٣﴾ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ } [ الزخرف 53-54]، صدقوه فتبعوه وكذبوا موسى- عليهِ الصلاة والسلام- فالمالُ فتنة، قصة قارون ليست ببعيدة فلهذا خشيَ النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على هذه الأُمة المرحومة خشيَ عليهم فتنةُ الدنيا، خشيَ عليهم فتنة المال، وأخبرَ إنها فتنة عظيمة، وصدَقَ رسول الله-صلى الله عليهِ وسلم- فيما أخبرَ وهو الصادِق المصدوق ولو لم نرى نحنُ الحدث فكلامهُ صدق وحكمهُ عدِل -صلوتُ الله وسلامهُ عليه- لأنه وحيٌّ من الله، ووحيّ الله إن كانَ حُكمًا فهو عدل وإن كانَ خبرًا فهو صدقٌ وحقّ، فالحاصِل أخبرَ عليهِ الصلاة والسلام- أنَّ هذه الأُمة فتنتها في المال، ونحنُ نرى كثيرًا من الناس على حالٌ سَويّة في العلم والتعلّم والتَمَسُك بالسُنة، والإتباع لها والدعوة إليها والولاية لأهلها والبراءة ممن خالفها والحرص على هدايتهِ إن كانَ جاهلًا، ودعوتهِ إن كانَ مُتعلِمًا أو عالِمًا فإن رُؤيَ منه العناد والكِبِر فالحرص على البعد عنه ومُعاداتهِ في ذاتِ الله- تباركَ وتعالى- لأنَّ هذا هو أوثق عُرى الإيمان، أوثق عُرى الإيمان الحب في الله والبغضُ في الله، فكثير من الناس تراه بينما هو على هذه الحال، إذ يدرُجُ إلى قلبهِ المال فيتعلقُ بهِ فيفتنُ بصره ويتعلقُ بنياط قلبهِ، وإذا بكَ تراهُ قد انقلبَ شيئًا فشيئًا فارتكس وانتكس نسأل الله العافية والسلامة، وفي هذا وأمثاله يقولُ - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : (( تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيلة تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ إنْ أَعْطَى رَضِيَ وَإِنْ لم يُعطى لَمْ يَرْضَى)) وكانَ عليه الصلاة والسلام- يُعطي الرجل ويدع غيرهُ والذي يدعهُ أحب إليهِ ممن أعطاه، مخافةً أن يَكبهُ اللهُ في النار، ونحنُ نرى كما قُلتُ لكم في هذه الآونة كثير ممن يكون على الحالة السابقة التي ذكرناها فيدّب إلى قلبهِ حُب المال، فيُفسِدُ عليهِ دينهُ ويدبُ فيهِ حُب الدنيا فيُفسِدُ عليهِ دينه، وقد ضرب الرسول- صلى الله عليه وسلم- في هذا المثل العظيم، كما جاء في الحديث الصحيح في الترمذي وغيرهِ ومُسند أحمد أنهُ قال (( مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حُبِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِه)) حب الرياسة والوجاهة وحب المال (ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ) ماذا تتصورون يعملونَ فيهما؟ يلعبون فيهما لعب هذان الذئبان الجائعان لا يأخذانِ فقط حاجتهما من الأكل وإنما يُفسدان الغنم إفسادًا عظيمًا، فما هذين الذئبين الجائعين الذين أُرسلا في هذه الأغنام بأفسدَ لها من حب الإنسان للشرف والمال لدينه، فحب الولايات والزعامات أفسدت كثيرًا من النّاس، لا يريدُ إلاّ أن يكون متبوعًا حتى ولو كان على الباطل، ويحبّ الزعامة والوجاهة ويكونَ رأسًا، فلا بدّ وأن يستقلّ، ولا بدّ وأن يخالف لأنّ الشيطان يأتيهِ ويقول له: قد قرأت القرآن وتعلمت فما لهم لا يتّبعون كما يتبّعُ الضِلال!!!

ما هم بمتّبعيّ إلاّ أن أُحدِث لهم، فيحدثَ لهم على خلاف السنّة لأجل أن يتبعوهُ ثمّ يستقلّ بهؤلاءِ ليكون رئيسًا عليهم.

وهكذا المال، ونحن نرى كثيرًا ممن ابتُليَ بسبب هذا؛ فانتكس من حالٍ إلى حال، من حالٍ صالحة طيّبة إلى حالٍ خبيثةٍ سيئّة بسبب المال، فترى هذا يذهب مع الحزبييّن لأنّهم أعطَوهُ وظيفة، أو أعطَوهُ مالًا، أو أعطَوهُ سيارة، أو ولَّوْهُ رئاسة المكتب الفلاني في بلدهِ ونحوِ ذلك، وهذا يذهب مع الجمعيّة الحزبييّة الفلانيّة المعروفة، لأنّها تدعمهُ، أو سيطمع منها أن تدعمهُ، أو يطمع فيها أن تفتح لهُ مركزًا، أو يطمع أن تدعم له مسجدًا ونحو ذلك، فيبيعُ دعوتهُ الصحيحة ودينهُ الصحيح التي كان يُوالي ويُعادي عليها في ذات الله-تبارك وتعالى-، وإذا بك تراهُ مع هؤلاءِ المغموسين المطعون فيهم وفي عقائدِهم، بلْ هو بالأمس ربّما كان يتكلّمُ فيهم، فيرميهم بالتحزُّب، ويرميهم ربّما بالبدعة ونحو ذلك؛ وإذا بهِ اليوم قدْ انتكس فإذا بهؤلاء الذين بالأمس يطعنُ فيهم؛ يزكّيهم اليوم، أو يدافعُ عنهم.

فصدق أحمد-رحمه الله- مع الفرق العظيم، مع الفرق العظيم حينما قال لعلي بن المدِيني، وقد أجاب مُتأوّلًا في ذكرةِ بخلق القرآن، وعلي بن المَدِيني كان بينهُ وبين ابن أبي دُؤاد صلة، وكان يُغدِق عليهِ باسم الحاكم، فلم يزل بهِ وهو إمام من الأئمّة، حتى وقع فيهِ ما وقع وأجاب مُداراةً وخوفًا لاعتقادهِ، ومع ذلك ما قبِلَ أحمد منه! –رحمه الله ورضي عنهُ-، قال: "لا لأنك أنت يشار إليك بالبنان" يعني محل إتّباع، ما قبِلَ أحمد منه، وكتب لهُ تلك الأبيات:

يا ابن المَدِينيّ الذي عرضت له دنيا فجاد بدينهِ لِينالها

ماذا دعاك إلى انتحالِ مقالةٍ قدْ كنتَ تزعُمُ كافِرًا مَن قالها

إن الرزية من يرزى دينه لا من يرزى ناقة وفصالها


هذا هو المَرَزّة، الرَزّية: أن تحلّ بالدّين هذه هي الرَزّية ما هو ذهاب الناقة ولا الفصيل، و وألقيت إلى علي بن المَدِيني في بيتهِ فقرأها فجاء بها إلى ابن أبي دؤاد فقال: "ما أظنها إلا من أحمد أو كلمةً نحوها"، فإذا كان هذا علي بن المَدِيني، الإحسان إلى القلوب يستميلِ النّاس، فالّذي أوصي بهِ نفسي وإخواني؛ الصدق مع الله-تبارك وتعالى-، والثّبات على هذه الدعوة السلفية المباركة، الصحيحة التي هي ميراثُ رسول الله-صلى الله عليه وسلم-ورّثناه، قال-عليه الصلاة والسلام-:(( اِفترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة (أو ملّة والألفاظ في هذا متعدّدة) وافترقت النصارى على اثِنتين وسبعين فرقة (في رواية ملّة، ويُروى في الموضعين) (كُلُّها في النّار إلاّ واحدة) (كلّها في النّار إلاّ واحدة وستفترِقُ هذه الأمّة على ثلاث وسبعين)) ، كلُّها في النّار إلاّ واحدة، من هم؟ قال: ((من كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي))، في اللفظ الآخر الجماعة، والجماعة تكونُ على الحقّ ولو كنت وحدك.

والمصيبة أن تترُك الذي كنت تعرفهُ بالأمس وتراهُ حقّا، وتركب ما كنت تراهُ بالأمسِ منكرا وباطلًا، فتراهُ اليوم حقا، فالتلوُّن في دينِ الله لا يصلح، ودينُ اللهِ واحد والحقُّ قديم، واعلم: أنّك إن فعلت ذلك وحاولت المغالطة؛ فإنّ الله يكشِفُك، والنّاس يعرِفون منك، الخبيرون بك والمتابِعون والعارِفون بحالِك وسيرتِك، يعرِفون؛ هل أنت بالأمسِ كاذب أو اليوم كاذب، فهذه الآن الرَّزية كُلَّ الرَّزيَّة أننا كل يوم نرى بعض إخواننا يتساقطون ويتهافتون على المال فيميلُ بهم، فبالأمس الجمعية الفُلانية حزبية واليوم سلفية أكبر من ينشر الدعوة السلفية بالعالم، وبالأمس الجمعية الفلانية كذا واليوم كذا، وبالأمس هذا حزبي واليوم صار أخوه وهكذا .

فأوصيكم معشر الإخوة والأبناء بالثبات على دين الله -تبارك وتعالى-، ومعرفة الحقَّ بدلائِله، تعرفون من كان عليه فإنَّ الرجال يُعرفون بالحقِّ، والحقُّ ما يُعرف بالرجال، الرجال هم الذين يُعرفون بالحقِّ، بماذا؟ بالدَّلائل التي قامت على هذا الحقَّ واضحة جليَّة ساطعة من كتاب الله -تبارك وتعالى- وسًنَّة رسوله –صلى الله عليه وسلم-، وأقوال أصحابه-رضي الله تعالى عنهم-، وعبارات السلف الصالحين.

فنحن نزن الناس بهذه الأشياء؛ فمن كان عليها فهو السلفي حقَّاً، ومن خالفها فليس بسلفي وإنْ ادَّعى وملأ الدنيا صُراخاً، ولنعلم أنَّ دين الله واحد، والحق واحد لا يتعدد، والتَّلون في دين الله من أعظم البلايا، ومن أكثر مُخالطة أهل الأهواء ومُداخلتهم فإنه سيُكثر التنقُل، اليوم على وجهٍ وغداً سيكون على وجهٍ وبعد غدٍ سيكون على وجهٍ حتى يعود أخسَّ مما كان عليه من ينتقدهم هو بالأمس.

فأوصي إخوتي وأبنائي بالثبات على هذا، ووزن الرِّجال بالدليل الذي كان عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه –رضي الله تعالى عنهم- وعليه عباراتُ السلف الصالحين، فإنَّ من وزن الناس بهذا لا يكادُ يُخطأ، ومن نظر إلى مناصبهم أو مراكزهم أو نحو ذلك فإنَّ هذا لابد وأن يُخطأ، هذا أولاً.

وثانياً: أوصيكم بالحرص على السبيل لتصحيح هذا الميزان ألا وهو العلم، بطلب العلم الشرعي الصحيح فإنَّ هذا الميزان لا يُحسن أن يزن به إلا من كان على درجةٍ من العلم،

العلم معرفة الهدى بدليله ما ذاك والتقليدُ يستويان

والجهلُ داءٌ قاتلٌ ودواءه أمران في التركيب متَّفقان

نصٌ من القرآن أو من سنَّةٍ وطبيب ذلك العالم الرَّباني

اليوم يأتي الفروخ يطلع من البيضة يظنُّ نفسه مثل الديك لا يُحسن أن يصيح فيرى نفسه مثل الديك الذي إذا صاح أسمع البلدة كلَّها والقرية كلها هذا غير صحيح، فمن رسخت قدمه بالدَّعوة، وشابت لحيته ورأسه فيها، وطال عمره وعالجها وعرف أهلها على مرِّ الدَّهور لا يمكن أن يكون والأحداث مثله بحالٍ من الأحوال، ومن شهد له أئمة الدين والهدى بالاستقامة على دين الله وعلى طريق الخير والحق والهدى لا يمكن أن يُزحزحك عنه أو يُزلزلك عن الجلوس إليه كلامُ من لا يوثق به ولا يُأبه به ولا يُنظر إليه.

فالواجب علينا جميعاً أن نَسْلُك هذا الطريق؛ طريق التعلم والإتقان لطرائق الاستدلال التي يُعرف بها كيفية الاستدلال، وهذا لابد فيه من معرفة أصول الفقه، كما أنَّه لا بد في معرفة الدليل وثبات الدليل وصحَّة الدليل، لابد فيه من معرفة أصول الحديث، فهنا لا بد من معرفة أصول الفقه حتى تعرف كيف تستدل وتُثبّت حُجَّتك بالدلائل الواضحة وتعرف كيف ترد على الـمُغالطين، فإنَّ الـمُغالطين اليوم كثير لا كثَّرهم الله .

فأوصيكم أخوتي وأبنائي، بالجد في التَّعلُّم والأخذ بحزمٍ وبقوةٍ بهذا العلم الشرعي، فإنَّ المتلاعب لا يكشفه إلا العلم الشرعي، المتلاعب الذي عنده آله وعنده معرفة وعنده علم لكنَّه مُتلاعب لا يُكْشفُ إلا بمعرفة العلم الشرعي، لأنك تُعامله من نفس ما يُعاملُك، فأوصيكم بالحرص على الازدياد من العلم.

في ازدياد العلم إرغامُ العِدى، وصلاح العلم إصلاح العمل، فتُرغم عدوك وتُصلح عملك وكفى بهاتين فائدتين عظيمتين لهذا العلم الشرعي.

فأوصيكم معشر الأبناء بالحرص على الازدياد من العلم لإرغام عدوكم فلا يجد مدخلاً عليكم، والعدو عام من الإنس والجن،} وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴿١١٢﴾ وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ﴿١١٣﴾ { [الأنعام:112-113].

أسأل الله سبحانه وتعالى- أن يرزُقنا وإياكم العلم النَّافع والبصيرة في الدين والفقه فيه والثبات عليه حتى نلقاه، كما أسأله -سبحانه وتعالى- أن يُجنبنا وإياكم مُضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعل أعمالنا خالصةً لوجهه، صواباً على سُنَّة رسوله –صلى الله عليه وسلم-، وأن لا يُزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين.

المصدر:
http://ar.alnahj.net/audio/1648
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا على هذه الدرر والفوائد والنكت والنصائح القيّمة الناصعة والهادفة ؛ غير أن لي توضيحا لما قد يفهم منه أن عليّا ابن المديني تكلم في المحنة بسببِ صلة المال وإغداق وزير المعتصم أحمد بن أبي دؤاد ؛ وهذا مخالف لما عليه الناس قديما وحديثا ؛ وهو أنه تحدث في المحنة خوفاً من السيف والعذاب ؛ أي تقيةً ؛ كما تكلم في المحنة أكابر مثل يحي بن معين وهو من هو في علم الرجال وبابة العلم ؛ لكن أبا عبد الله أحمد بن حنبل نقم عليه بعد المحنة لأن عليا ابن المديني من أعلام الناس وأئمة الإسلام ؛ وقوله في المحنة بخلاف الحق فتنةٌ لكثير من النّاس ؛ مع ما كان أحمد بن حنبل يجزيه لعليِّ من التبجيل والتقدير حتى أنه لم يكن يناديه بإسمه ؛ وقد روى عنه ؛ ولهذا فإن توضيح هذا الأمر مهم لكيلا يعتقد الشباب أن إماما مثل ابن المديني تكلم في المحنة طمعاً في المال أو شكرا لإغداق الوزير المعتزلي أحمد بن أبي دؤاد ؛ إنما تكلم خوفا وتقيةً من السيف ؛
يقول الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله- في ترجمة الإمام علي بن المديني :
دخولهُ في محنةِ القولِ بخلقِ القرآنِ وأثرُ ذلك وكيف انتهى أمره -وذكر أمر المحنة وجوابه فيها فقال:
وكان علي بن المديني رحمه الله ممن دخل في محنة القول بخلق القرآن دخول الخائف على نفسه ولم يصبر كما صبر الإمام أحمد بن حنبل وغيره ، بل هاب الإرهاب والقمع الذي حصل لمن لم يوافق دعاة القول بخلق القرآن إلى ما يريدون ومن أجل ذلك لم يرو عنه بعض المحدثين كالإمام مسلم . ولكنه تاب وأناب واتضح من قوله وقول غيره أن دخوله لم يكن عن عقيدة ، وإنما كان خوفا على النفس . وقد صرح بذلك عن نفسه وصرح به غيره ، وقد أورد الذهبي علي بن المديني في كتابه الميزان لكون العقيلي أورده في كتاب الضعفاء وأنحى باللوم على العقيلي لذلك وذب عن هذا الإمام وأشاد بذكره والثناء عليه قال في كتابه الميزان ( 3/138) : " أحد الأعلام الأثبات وحافظ العصر ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء ، فبئس ما صنع ، فقال : جنح إلى ابن أبي دؤاد والجهمية وحديثه مستقيم إن شاء الله"، ثم ذكر الذهبي بعض ثناء الأئمة عليه ثم قال : " وقد بدت منه هفوة ثم تاب منها وهذا أبو عبد الله البخاري - وناهيك به - قد شحن صحيحه بحديث علي بن المديني وقال : ما استصغرت نفسي بين يدي أحد إلا بين يدي علي بن الديني ، ولو ترك حديث علي وصاحبه محمد وشيخه عبد الرزاق وذكر أناسا آخرين سماهم ، لغلقنا الباب وانقطع الخطاب ، ولماتت الآثار ، واستولت الزنادقة ، ولخرج الدجال ، أفما لك عقل يا عقيلي أتدري فيمن تتكلم ، وإنما تبعناك في ذكر هذا النمط لنذب عنهم ولنزيف ما قيل فيهم كأنك لا تدري أن كل واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات بل وأوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك فهذا مما لا يرتاب فيه محدث " . وقال الذهبي في الميزان أيضا : " كان ابن المديني خوافا متاقيا في مسألة القرآن مع أنه كان حريصا على إظهار الخير فقد قال ابن أبي خيثمة في تاريخه : سمعت يحيى بن معين يقول : كان ابن المديني إذا قدم علينا أظهر السنة وإذا ورد البصرة أظهر التشيع ثم قال الذهبي: قلت : كان ذلك بالبصرة ليؤلفهم على حب علي رضي الله عنه، فإنهم عثمانية ". انتهى . وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: " عابوا عليه إجابته في المحنة لكنه تنصل وتاب واعتذر بأنه كان خاف على نفسه "، وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ بعد أن ذكر كثيرا من ثناء الأئمة عليه : " قلت مناقب هذا الإمام جمة لو ما كدرها بتعلقه بشيء من مسألة خلق القرآن وتردده إلى أحمد بن أبي دؤاد إلا أنه تنصل وندم وكفر من يقول بخلق القرآن، فالله يرحمه ويغفر له ". انتهى . وقد جاء عنه الثناء على الإمام أحمد في صبره في المحنة وقال : " إن الله أعز هذا الدين برجلين، أبو بكر الصديق يوم الردة وأحمد بن حنبل يوم المحنة ". وقال ابن أبي حاتم الرازي في كتاب الجرح والتعديل : " وترك أبو زرعة الرواية عنه من أجل ما كان منه في المحنة وكان أبي يروي عنه لنزوعه عما كان منه " . وفي تاريخ بغداد أن عباس العنبري روى عنه أنه قال : " قوي أحمد على السوط وأنا لا أقوى " وقال ابن عمار : " ما أجاب إلى ما أجاب ديانة إلا خوفا "، وقال ابن السبكي في طبقات الشافعية : " وكان علي بن المديني ممن أجاب إلى القول بخلق القرآن في المحنة فنقم ذلك عليه وزيد عليه في القول، والصحيح عندنا أنه إنما أجاب خشية السيف " قال ابن عدي : "سمعت مسددا ابن أبي يوسف الفلوسي يقول : قلت لابن المديني : مثلك في علمك يجيب إلى ما أجبت إليه . فقال يا أبا يوسف : ما أهون عليك السيف "، وعنه : " خفت أن أقتل ولو ضربت سوطا واحدا لمت " . وهكذا نجد أن ابن المديني رحمه الله دخل في المحنة خائفا على نفسه لا معتقدا صحة ذلك كما صرح بذلك عن نفسه وصرح غيره كما في النقول المذكورة وإن دخوله هذا أثر في إعراض بعض المحدثين عن الرواية عنه ولما كان قد تاب واعتذر بأن الذي حمله على الدخول الخوف على نفسه لم يلتفت إلى ما سلف منه كثير من المحدثين فرووا عنه وعلى رأسهم الإمام البخاري الذي شحن صحيحه بالرواية عنه وبلغ جملة ما رواه عنه في الصحيح ثلاثمائة وثلاثة أحاديث .أهـ
وأما تلكم الأبيات فهي منسوبة إلى الإمام أحمد وليس لها سندٌ صحيح ؛ وحتى لو صحت فهي لا تعني أنه طلب بجوابهِ في المحنة دنيا لما تقدم من النقول العلمية الصريحة في براءته من قول ذلك ديانة أو طلبا للدنيا وزينتها إنما تكلم خوفا وخشية من السيف ؛ وإن كان غيره قد عُذر في ذلك فإما أن يكون مثلهم أو أقل منهم قدرا فيستوجب أن يُقبل عذره ؛ وقول أحمد بن حنبل فيه إنما لشدة ما كان أحمد يعظم عليا ويبجله ؛ ولأن قوله خلاف الحق في المحنة فتنةٌ لكثير من الناس بخلاف غيره والله أعلم

التعديل الأخير تم بواسطة عبد الباسط لهويمل ; 06 Jul 2017 الساعة 11:22 PM
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 07 Jul 2017, 03:49 AM
أبو أيوب صهيب زين أبو أيوب صهيب زين غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
الدولة: بسكرة
المشاركات: 351
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عبد السلام جابر البسكري مشاهدة المشاركة
جزاك الله خيرا أخي صهيب ، تنبيه جيد ومنكم نتعلم - زادك الله حرصا-
ومن بعض نتعلم
أحس الله إليك في الدارين
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
متميز, تزكية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013