منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02 Oct 2017, 05:53 PM
مهدي بن صالح البجائي مهدي بن صالح البجائي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 591
افتراضي جلاء الأفهام في بيان ما وقع في قضيَّة بجاية من الأوهام «توجيهٌ علميٌّ وسردٌ تاريخيٌّ»


جلاء الأفهام في بيان ما وقع في قضيَّة بجاية من الأوهام
«توجيهٌ علميٌّ وسردٌ تاريخيٌّ»

«اعلم أن ذِكر الإنسان بما يكره محرَّم إذا كان المقصود منه مجرد الذمِّ والعيب والنَّقص
فأمَّا إن كان فيه مصلحة لعامة المسلمين، أو خاصَّة لبعضهم، وكان المقصود منه تحصيل تلك المصلحة فليس بمحرَّم، بل مندوب إليه»
[الفرق بين النَّصيحة والتعيير لابن رجب (2/403)].

مقدِّمة:
الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلَّا على الظَّالمين، وصلَّى الله على نبيِّه الأمين، وعلى آله وصحبه الغرِّ الميامين، ومن تبعم بإحسان إلى يوم الدِّين، أمَّا بعدُ:
فبعد أكثر من سنة من ظهور هذه الكتابات نعيد نشرها لما ظهر من تمادي أحد طلَّاب العلم عندنا -أصلحه الله- ومن معه فيما كان لا ينبغي لهم أن يتمادوا فيه، فأُلجئنا إلى البيان بعد البيان، وإنَّ لأصحاب الحقِّ مقال! وهاهنا ردودٌّ علميَّة وحقائق تاريخيَّة تجلِّي القضيَّة، وتنفي التخرُّصات الوهميَّة، وفيها ما يثلج صدور أهل السنَّة، ويبصِّر الملبَّس عليهم، ويلجم المتعصِّبةـ، وقد قدَّمنا للكتابات ببضع نقاط مهمَّات، وتمهيد لتوجيه نصيحة شيخنا عبد الغنيِّ عوسات (حفظه الله) لأهل بجاية، قدَّمناها تشرُّفا بها، ومن باب تقديم الأكابر الذين البركة معهم، وفي ثناياها ثلاثة فصول للحقائق مبيِّنات، وأردفناها بتصحيح مفاهيم خاطئة بتقسيم الطلَّاب إلى طبقات، وخاتمة خير بإذن الله فيها فوائد واستخلاصات، والحمد لله ربِّ الأرض والسَّماوات.
نقاط مهمَّة:
• أسباب كتابتنا هي رفع اللَّبس والتَّدليس الواقعين وبيان الحقِّ والسنَّة، والذبُّ عن أعراض المشايخ ومن أخذ بكلامهم أو نقله، في بيانٍ لتاريخ الفتنة وملابساتها، ليعلم أن المردود عليه هو المسيء وأنَّه قد صُبر عليه وحُلم، وأنَّه لم يُظلم بحال من الأحوال.
• تحرَّينا في هذه الكتابات الصِّدق والدقَّة، وتركنا أمورا لمجرد أنها تحتاح مزيد تثبت، ونراقب في هذا ربنا عز وجل قبل كل شيء، وإذا بلَغنا خبر ثابت على خلاف ما ذكرنا بادرنا إلى تصحيحه، كما أشرنا إلى هذا من قبل.
• اجتهدنا في عدم ذكر الأسماء وتوخَّينا ذلك قدر المستطاع إلَّا ما لا بدَّ منه، وما لا مفسدة في ذكره، بل تتعلَّق به مصلحة عامَّة، وذلك درءا للمفاسد التِّي قد ترتَّب على ذلك وحفظا لأعراض إخواننا وإبعادا لهم عن مواضع التُّهم والرِّيَب ودفعا للأذى عنَّا وعنهم.

«الإشارة في تفصيل البِشارة»
توجيه نصيحة شيخنا عبد الغنيِّ عوسات (حفظه الله)
لأهل بجاية حول الفرق بين النَّصيحة والتَّعيير
تمهيد
أخرج الإمام أحمد في مسنده -بإسناد صحيح(1)- وغيره عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا، ثُمَّ قَالَ:«هَذَا سَبِيلُ اللهِ»، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: «هَذِهِ سُبُلٌ - قَالَ يَزِيدُ: مُتَفَرِّقَةٌ - عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ»، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ، فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام:153].
إنَّ دعوة السنَّة الحقِّ سرَت في بجايةَ وغيرها سريان الماء العذب في المجرى المستقيم الصَّوب(2)، وكما هي سنَّة الله في خلقه يظهر الشرُّ وتكون له جولة وصولة ثمَّ يضمحل إلى زوال.
جاء من أهل بجاية من حاول تغيير مسار الماء العذب، بل تغييرَه هو في نفسه، تحمَّل الأمانة فكانت أثقل من أن يتحمَّلها عاتقه ولم يؤدِّها كما تحمَّلها، حلِم عليه المصلحون، وصبر عليه الصَّابرون، وتمنَّوا منه الأوبة وعدم الرُّكون، طال ظلام الليل واشتدَّت حُلكته (سواده)، ظهر النُّصح باديا للعيان، والبيان صار يراه كلُّ إنسان، لكن...
توجيه النَّصيحة(3):
إنَّ شيخنا عبد الغني عوسات (حفظه الله) عالم بحال الماء العذب ومجراه، وما يرام من تغييره، وهو نبَّه في نصيحته إلى أنَّ الخطأ لا يعالج بالخطأ، والسنَّة إنَّما تنصر بالسنَّة، وقد أخبر الله عز وجال عن الصَّحابه رضي الله عنهم -وهم خير أهل الأرض بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلم يومها وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها- في غزوة أحد لمَّا خالف الرُّماة أمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقع ما وقع يومها، فقال سبحانه: ﴿هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (138) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)﴾ [آل عمران]، قال الإمام الطّبري: «يعني تعالى ذكره: ﴿وتلك الأيام نداولها بين الناس﴾ أيام بدر وأحُد»، ويقول تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
ومن مهمَّات المسائل المنهجيَّة معرفة مراتب المخالفة والمخالفين، فالذين لم يأخذوا بتحذير المشايخ تتفاوت أحوالهم، فمنهم المتعصِّب المتعسِّف، ومنهم الملبَّس عليهم والمتعاطف، ومنهم المتريِّث والخائف، وهكذا، فكلٌّ منهم له حظُّه ونصيبه من التعامل الشَّرعي، وهذا من الميزان العادل الذي تميَّز به أهل السنَّة السَّلفيين، فالشَّيخ يراعي كلَّ مرتبة من هذه المراتب، ويخاطب كلَّ عقل بما يعقِل، قال عليٌّ رضي الله عنه -كما روى البخاري تعليقاً-: «حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟!».
وإنَّنا إذ نحاول أن نصلح ونصحِّح مجرى الماء العذب (دعوة الحقِّ) لا شكَّ أنه سيكون شيء من التُّراب والطين الذي يختلط به، فيذهب بشيء من صفائه ونقائه، ممَّا يستلزم عدم وضوح الرُّؤية عند كثير من إخواننا –وفَّقهم الله-، لكن كما قال ربُّنا: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ﴾ [الرعد(17)]، وممَّا تناقله أهل العلم كلمة الحسن البصري (رحمه الله): «إن هذه الفتنة إذا أقبلت عرفها كلُّ عالم، وإذا أدبرت عرفها كلُّ جاهل»، والعلماء هاهنا هم كبارنا، فالشَّيخ عبد الغني (حفظه الله) يرى بما رزقه الله من بصيرة وصدق فراسة ما قد يخفى على الكثير.
إنَّ الحريَّ والجدير بطالب الحقِّ المنصفِ هو النَّظر في مضمون نصيحة الشَّيخ (حفظه الله) وما تضمَّنته من التوجيهات السلفيَّة السَّديدة والرَّشيدة، فالشَّيخ أدَّب ووجَّه من أخطأ من أبنائه المقرِّين له بالعلم والفضل ربَّما بما لم يكلم به غيرهم، وهذا يدلُّ على عناية ورحمة، فحفظ الله الشَّيخ بما يحفظ عباده الصَّالحين، قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة (رحمه الله): «وتعلمون أيضًا: أَنَّ ما يجري من نوع تغليظ أو تخشين على بعض الأصحاب والإخوان، فليس ذلك غضاضة ولا نقصًا في حق صاحبه، ولا حصل بسبب ذلك تغيُّر منَّا ولا بغض، بل هو - بعدما عومل به من التغليظ والتخشين - أرفع قدرًا وأنبه ذكرًا وأحب وأعظم، وإِنَّمَا هذه الأمور هي من مصالح المؤمنين التي يُصلِح الله بها بعضهم ببعض؛ فإن المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى» [مجموع الفتاوى (28/ 53)].
ثمَّ إنَّ الحقَّ والسنَّة فوق الجميع، وهذه الدَّعوة دين الله تبارك وتعالى وهي أمانه في أعناق حملتها، والحقُّ أحقُّ أن يتَّبع، وهو يعلو ولا يعلا عليه، وقد قيل «إرضاء النَّاس غاية لا تدرك، كما أنَّ إرضاء الله غاية لا تترك»...
أمَّا صرف النَّظر عن المضمون بسبب الملابسات والقرائن –على ما فيها!- والتِّي احتفَّت بنصيحة شيخنا (حفظه الله) فهي من أساليب قومٍ لا يفقهون الأساليب الشرعيَّة، ونحن ولله الحمد والمنَّة لسنا منهم.
هذا آخر التَّوجيه، والحمد لله ربِّ العالمين.

فصل
إن بعضًا من إخواننا -بارك الله فيهم- يتوهمون أن المشايخ وطلبة العلم إنما تكلموا في هذا الطَّالب وأتباعه من غير رويَّة ولا صبر عليه، وهذا خلاف الواقع وبعيد عن الحقيقة، ذلك أنَّه -هداه الله- لوحظ عليه خلل في منهجه وطريقته من أيام دراسته في الجامعة ( لاحظ هذا غير واحد من بجاية وغيرها).
ثم لا زالت تظهر ملاحظات عليه وكان ممن نصحه قديما -كما قال بنفسه- وهو يدافع عنه اليوم أحد أقرب النَّاس إليه (وهذا سمعه غير واحد في مجلس مع الشيخ عبد الغني حتى أن الشيخ أسكته حينها درءا للفتنة ، لتعلم حكمة الشيخ وحلمه لا كما يصوره من لا يعرف الشيخ، والمجلس مسجَّل)، وكان يقول هذا بنفسه عن هذا الطَّالب ومن معه لما رأى اشتغالهم بالدنيا والذهاب والإياب، كان يقول: متى يطلب العلم هؤلاء؟!
وكان هذا الطَّالب -ألهمه الله رشده- من سنوات يُسأل عن الاستماع لبعض المنحرفين المعروفين أمثال الحويني (الذي تكلم فيه وحذر منه شيخه عبد المالك رمضاني وغيره) ومحمد حسَّان فيقول استمعوا لهم بل قال ﻷحدهم عن أحدهم: استمع له ولا تسمع لمن يقول لك لا تسمع له!! وقد نوصح في ذلك لكن تهرَّب أو كذب إذ قال للشيخ عبد الغني أن الذي قال له بالاستماع لمحمد حسان من العوامِّ (على اضطرابٍ في كلامه)، وذكر رجلا مناضلا في حزب من الأحزاب السِّياسيَّة المعروفة ولا يصلِّي -موهمًا أنَّه الوحيد- ( وهذا مسجَّل موجود) وهو قد قال بذلك لشباب مستقيمين بلِحاهم!! وهذا ما يعلمه غير واحد وثابت قطعا.
ثم لا زال هذا الطَّالب -هداه الله- يقع في مخالفات يرقِّق بعضها بعضا:
منها إلقاء الدروس والصلاة في مساجد فيها قبور ومنها مسجد (ت) الذي أفتى أحد مشايخنا الفضلاء -وأصله من تلك المنطقة- بعدم جواز الصلاة فيه، ولما سئل عن صنيع هذا الطَّالب -هداه الله- قال -كما أخبرنا بذلك الذي سأل الشيخ وهو من أقاربه-: حذِّروا منه حتى الصبيان! نعم فالرَّجل يهوِّن من شأن الشرك -والعياذ بالله- وإن مجرد قصِّ مثل هذا ليقشعِّر منه البدن، ولمَّا نُصح في ذلك قال للنَّاصح (وهو من طلبة العلم) قال له: فعلت ذلك عن علم، ثم في المجلس الأخير قال للشيخ عبد الغني أنه نُزع الرُّفات سرا، ولما سئل الشباب الذين يسكنون قرب ذلك المسجد (والمراد هنا مسجد سيدي يحيى بملَّالة) قالوا أنه لم يقع ذلك!! ثم إنه فعل ذلك في أكثر من مسجد فهل نزع الرُّفات في جميعها، ثم كما هو معلوم عند أهل العلم أن القبر إذا كان أسبق فالواجب هدم ذلك المسجد وإذا كان المسجد أسبق فالواجب إخراج القبر، ثم كيف يعبد القبر جهرا وينزع الرفات سرا!! ومن عظيم الفقه الذي بلغنا من العلَّامة الشيخ ابن عثيمين (رحمه الله) أنَّه سئل عن مسجد كان فيه قبر فنبش وأخرج، وبقيت لوحة تشير إلى وجود ضريح فيه، فأفتى بعدم جواز الصَّلاة فيه.
وقال ابن القيِّم رحمه الله [زاد المعاد" (3/500)]: «وعلى هذا: فيهدم المسجد إذا بني على قبر، كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد، نص على ذلك الإمام أحمد وغيره ، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه ، وكان الحكم للسابق، لو وضعا معا : لم يجز، ولا يصح هذا الوقف، ولا يجوز ولا تصح الصلاة في هذا المسجد لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ولعنه من اتخذ القبر مسجدا، أو أوقد عليه سراجا، فهذا دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله ونبيه ، وغربته بين الناس كما ترى» انتهى.
ومنها المشاركة في دورات وندوات مع منحرفين بعيدين عن السنَّة معلومٌ حالهم حتى عنده هو نفسه، وهذا فيه تغرير عظيم للعامَّة الذين يثقون فيه، إذ لمَّا يرونه يشارك معهم يظنُّون أنَّهم على السنَّة والحقِّ فيأخذون عنهم دينهم، وهذا فيه تضييع للناس.
ولأنَّ هذا الطَّالب كان من أشدِّ ما وقع فيه تمييع أصول أهل السنَّة في معاملة المخالف، نُطنِب نوعًا ما في هذا المقام، فنقول: معلومٌ عند أنَّ أهل العلم أنَّهم إنَّما ينظرون إلى الأصول التي يمشي عليه الرَّجل، ولا يعتنون بالمخالفة في الجزئيَّات عنايتهم بالمخالفة في الكليَّات، إلَّا أن تكثر كثرة تدلُّ على فساد الأصول، وكذا إذا كانت المسألة ممَّا اشتهر فيه الخلاف بين أهل السنَّة وأهل البدع، قال الشَّاطبي في [الاعتصام (2/200-202)]: «المسألة الخامسة : وذلك أن هذه الفرق إنما تصير فرقاً بخلافها للفرقة الناجية في معنىً كلي في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة لا في جزئي من الجزئيات إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعاً و إنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية لأن الكليات تقتضي عدداً من الجزئيات غير قليل و شأنها في الغالب أن لا يختص بمحل دون محل ولا باب دون باب»، وقال أيضا: «ويجرى مجرى القاعدة الكلية كثرة الجزئيات فإن المبتدع إذا أكثر من إنشاء الفروع المخترعة عاد ذلك على كثير من الشريعة بالمعارضة كما تصير القاعدة الكلية معارضة ايضا»، وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة [مجموع الفتاوى (2496/)]: «نعم من خالف الكتاب المستبين والسنة المستفيضة أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافا لا يعذر فيه فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع».
وهاهنا نقل للإجماع عن الإمام البغوي على هجران أهل البدع ومعاداتهم: قال (رحمه الله [شرح السنة (1/227)] –خلال تعليقه على قصة كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية –رضي الله عنهم-: «وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم، وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة، ومهاجرتهم».
والأدلَّة على هذا من الكتاب والسنَّة، وما نقل عن السَّلف في هذا الباب كثير متضافر بحمد الله، وليس هذا موضع استيفائها.
ولكن تأمَّل–بارك الله فيك- في موقف واحد لم ينتهج فيه منهج أهل السنَّة في معاملة أهل البدع كيف كان له من الأثر السَّيء، فكيف بمن صار هذا ديدنه (ولهذا تفصيل ليس هذا محلُّه، أي كون هذا ديدنه)، نقل الحافظ الذهبي رحمه الله في كتابه تذكرة الحفاظ (3|1105) عن أبي الوليد الباجي في كتاب فرق الفقهاء عند ذكر أبي بكر الباقلاني: لقد أخبرني أبو ذر وكان يميل إلى مذهبه فسألته من أين لك هذا؟ قال: كنت ماشيا مع الدارقطني فلقينا القاضي أبا بكر فالتزمه الدارقطني وقبَّل وجهه وعينيه فلما افترقا قلت: من هذا؟ قال: هذا إمام المسلمين والذاب عن الدين القاضي أبو بكر بن الطيب فمن ذلك الوقت تكررت إليه.
قال الحسن بن بقي المالقني : حدثني شيخ قال قيل لأبي ذر أنت هروي فمن أين تمذهبت بمذهب مالك ورأي الأشعري؟ قال :قدمت بغداد فذكر نحو مما تقدم وقال واقتديت بمذهبه، وذكر هذه الحادثة ابن عساكر في تبيين كذب المفتري (255).
وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية أنه هو الذي نقل مذهب الأشاعرة إلى الحجاز، ومنه إلى المغرب، قال في [درء التعارض (1|149)]: «وكان أبو ذر الهروي قد أخذ طريقة ابن الباقلاني وأدخلها إلى الحرم ويقال إنه أول من أدخلها إلى الحرم وعنه أخذ ذلك من أخذه من أهل المغرب فإنهم كانوا يسمعون عليه البخاري ويأخذون ذلك عنه».
بل إن هذا الطَّالب -رزقه الله الصِّدق- شارك في دورة مع امرأة أخبرنا من يعرفها أنها إخوانية (وهذا لا يرتاب فيه من الكتب التي تقرؤها والدروس التي تسمعها).
ومن مخالفاته إقدامه على الفتوى، والإجابة على المسائل الكبار، ولا تُعرف له أهلية لذلك، ولا من شهد له بجواز الإقدام عليها، وهذا مزلق خطير، قال الإمام مالك (رحمه الله ) : «ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك»، وعن خلف بن عمرو قال : سمعت مالك بن أنس يقول : «ما أجبت في الفتيا حتى سألت من هو أعلم مني : هل يراني موضعاً لذلك؟ سألت ربيعة، وسألت يحيى بن سعيد فأمراني بذلك، فقلت له: يا أبا عبد الله فلو نهوك؟ قال: كنت أنتهي، لا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلاً لشيء حتى يسأل من هو أعلم منه» رواها أبو نعيم في الحلية.
ومن مخالفات هذا الطَّالب–بصَّره الله بالحقِّ- طعنه ولمزه لبعض مشايخ السنة وعلمائها المشهود لهم بالعلم والتقوى، فقد قال عن علامة المغرب ومفتيه بحقٍّ الشيخ محمَّد علي فركوس (حفظه الله: عنده فتاوى مضحكة (وهذا ثابت عنه من غير وجه عن ثقتين من طلبة العلم أو أكثر) وما قاله عن الشيخ عبد الغني يستحيا حتى من ذكره، وكذا طعن في الشَّيخ أزهر، والله المستعان، وممَّا تناقله أهل العلم قول الحافظ ابن عساكر (رحمه الله) كما في تبيين كذب المفتري: «اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب»، قال الشيخ ابن عثيمين (رحمه الله) في شرح حديث «يا عبادي إني حرمتُ الظلم» من رياض الصالحين : «إن غيبة العلماء تُقلل من شأن العلم الذي في صدورهم ، والذي يعلمونه الناس، فلا يَقبل الناس ما يأتون به من العلم، وهذا ضرر على الدين» ( 2/122)، وقد قيل علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر، وأيُّ شيء يبقى للرجل إذا طعن في أولياء الله وورثة أنبيائه؟!
وأرجو أن ينظر القارئ الكريم في هذه الكلمات بعين الإنصاف والتجرد...والحمد لله رب العالمين.

فصل
والله الذي لا إله غيره لقد صبر المشايخ وطلبة العلم على هذا الطَّالب -أصلحه الله- زمنا غير قصير فقد صبروا عليه سنوات تفوق الخمسة بل أكثر!
فقد كانت انحرافاته تبلغ المشايخ كل مرَّة ويعلم بها طلبة العلم فيردُّون الخطأ ويتمنون تراجعه -هداه الله- ويحفظون له مكانته وغير ذلك، فما زاد حلم الناس عليه إلا تماديا في مخالفاته وانحرافاته، حتى كأنه ظنَّ نفسه قد امتلك حصانة تمنع عنه الكلام بحقٍّ.
ولا زال المشايخ يترفَّقون به ويرحمون حاله، وينظرون إلى مصلحة الدَّعوة، حتى بلغ الأمر مبلغا لا يسع السُّكوت معه، فقد تربَّى بعض الشَّباب على أيدي هذا الطالب ومن معه تربية غير صحيحة ولا سليمة (وهذا ما نرى أثره باديا للعيان كالغلظة مع النَّاس من الشَّباب وعموم المصلين وتحدِّيهم من كراسي دروس المساجد والله المستعان، وكذا إقحام العامة في هذه المسائل، نعم إن أوَّل وأشدَّ من يقحمهم في هذه المسائل هو ومن معه من خلال دروسهم العامة الفجَّة).
وبلغ الأمر به أن صار يفتي الناس بجواز أخذ قروض تشغيل الشباب، وهو مضطرب كثيرا في هذه المسألة مما يدل على اضطراب في علمه أو خلل في مصداقيَّته أو الأمرين معا، فمرَّة يجيزها ومرة يحرمها (وربَّما يفعل ذلك بحسب الأشخاص!!) ومرَّة احتج بأنه أفتى بجواز صيغة لا ربا فيها، وهذا مخالف للواقع ويعلمه كل من سأله عن ذلك، ومن أراد أن يتأكَّد فليسأل الذين أفتاهم بذلك، ونحن نعرف شابَّا اضطربت حاله وساءت بسبب تلك الفتوى...

فصل
تقدَّم الكلام عن جرأة هذا الطَّالب على الفتوى مع عدم أهليته لذلك، ومن توضيح هذا المقام نقول: إن أحد طلبة العلم وهو أكبر سنًّا منه تعجَّب من ذلك! وسأل قديما شيخنا أزهر (حفظه الله): هل بلغ هذا الطَّالب في مرحلة قصيرة ذلك المبلغ من العلم الذي يخوِّل له الإقدام على الفتوى (كما وقع لأفراد من العلماء) فأجابه الشيخ بالنَّفي، أي أنَّه لم يبلغ ذلك، وقد قال الشَّيخ لأحد الإخوة أنه لاحظ على الرَّجل سِيما (أي علامة) التعالم من بداياته.
وتقدَّم الكلام على لمزه لمشايخ السنَّة المشهود لهم بالعلم والصَّلاح، ولا غرو فإن الرَّجل كان مقرَّبا جدَّا من العيد شريفي كما شهد بذلك أحد مقرَّبيه، وكان صديقا لعبد الحميد العربي كما شهد على نفسه، وهؤلاء قد انحرفوا جدًّا، بل بلغ بالأخير أن يدخل في حزب سياسيٍّ، وكان كذلك مقرَّبا من عبد الحليم توميَّات (ولأحد مشايخنا ردٌّ علميٌّ رصين عليه) كما شهد بذلك أحد من زامله في الجامعة، وتأثُّره بهذا الأخير واضح جدَّا حتى في طريقة كلامه وحركته، ومن أراد أن يتأكَّد بنفسه فليسمع لهذا ولهذا وليحكم بالعدل، بل بلغ به الأمر أن يأخذ خطبة كاملة بألفاظها (وهي خطبة التحذير من التنصير)، حتَّى اعتذار توميَّات عن سلسلة في الصَّلاة أخذه واعتذر هو عن سلسلة أخرى!!
قد يقول قائل إنَّ هذا كان قبل أن يتكلَّم فيهم، فنقول: أين براءته منهم بعد ذلك! والأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يرِد النَّاقل.
ولا تعجبوا أيُّها الأحبَّة من صنيعه الأخير فهو ديدنه، إذ كثير من دروس هذا الطالب -رزقه الله الصِّدق- أو أكثرها ليست له، إذ هي مأخوذة من الأنترنت لا الكتب! وعن المنحرفين ومواقع المنحرفين كسلمان العودة ومحمد المختار الشنقيطي وراغب السرجاني، وهذا ما سينشر فيه -بإذن- بحث كامل بعد أن يعرض على المشايخ وطلبة العلم الكبار، موثَّقا بالدرس والدّقيقة!
عودا إلى السَّرد التاريخي لقصَّة التعالم (وإن كان لنا غير هذا لنضيفه)، نقول: ممَّا فجَّر قضيَّة هذا الطَّالب -ألهمه الله رشده- استقباله مع من معه لشيخه عبد المالك رمضاني الذي أفتاه قديما بجواز الدُّخول إلى فرع جمعيَّة العلماء المسلمين في بجاية، متعلّلين في ذلك بأنها لا صلة لها بالجمعيَّة الأم (في العاصمة؛ الحزبيَّة التي حذَّر منها مشايخنا)، ولا ندري مدى صحَّة استقلال هذه عن تلك -والله اعلم-، وقد خرج منها منذ مدَّة ولا ندري لمَ؟! نعم استقبل ومَن معه الشَّيخ عبد المالك رمضاني الذي حذَّر منه كبار العلماء والمشايخ، وحاله لا يكاد يجهله أحد حتَّى هذا الطَّالب نفسه، إذا لمَّا سأله الشيخ عبد الغني في المجلس الأخير الذي عقد قبل رمضان بقليل، قال -رزقه الله الصِّدق- أنَّ ذلك لم يكن بدعوة منهم إنَّما كانت دعوة حكوميَّة!! (أي من الشؤون الدينيَّة)، والحقُّ أنَّ هذا ممَّا لا يكاد يستساغ، وليسعفنا القارئ الكريم برأيه، ولمَّا سأله الشَّيخ عبد الغنِّي عن توزيع كتبه -أي عبد المالك رمضاني- تعلَّل بعلّة عليلة -كما هي عادته- بأنَّه ومن معه إنَّما سمع بالكلام عن شخص الشَّيخ عبد المالك لا عن توزيع كتبه! وكأنَّ شجاعته التَّي يتحلَّى بها أمام العوامِّ في دروسه مع تحدِّيه لهم بالمغالبة قد خانته في هذا الموضع، والحقُّ أنَّ هذه هي حال مثله مع مثل الشَّيخ عبد الغني من أسود السنَّة، تهرُّب ومراوغة، ولا زلنا نستعظم الكذب وإن كانت دلائله في غاية الوضوح.
وأخيرا نقول: أتعبتنا هذه القضيَّة وشغلتنا وشغلت النَّاس وشوَّشت عليهم أمور دينهم، لكن البيان في مثل هذا المقام يُضطر إليه اضطرارا، والله المستعان.

تصحيح مفاهيم خاطئة ومعلومات مغلوطة
ربَّما يظن بعض إخواننا -وفقهم الله- توهُّما أو إيهاما أن كثيرا أو أكثر طلبة العلم في بجاية موافقون لهذا الطَّالب -رزقه الله الصدق- وأنهم معه وعلى منهجه وأفكاره، وهذا غَلَطٌ بيِّن، وبعيد عن الواقع والحقيقة غاية البعد:
ويمكن إيضاح ذلك ببيان مجمل لطبقات طلاب العلم في بجاية، ونجعلها نسبة لطبقة هذا الطَّالب –من باب التَّوضيح والضَّبط فقط لا لعلوِّ كعبه كما زُعم!-:
الطَّبقة العامَّة الأولى: وهم من سبق هذا الطَّالب في طلب العلم والدعوة والسن، ولا نعلم منهم إلا واحدا على طريقته ولا يعرف بتميُّز في العلم ولا بنشاط في الدعوة، والمشتغلون منهم بالعلم والدَّعوة وهم يَكبُرون هذا الطَّالب بسنوات، فهؤلاء لا نعلم منهم واحدا موافقا له، بل منهم من تفطَّن لفساد منهجه من قديم، ومنهم من تبيَّن له ذلك من عهد أقرب ثلاث سنوات أو أكثر، ووالله إنَّ أسماءهم لعندنا لكن المصلحة الآن لا تقتضي ذكرها، وسيأتي وقتها بإذن الله.
الطَّبقة العامَّة الثانيَّة:
وهم طبقة هذا الطَّالب -كفانا الله مؤنة تصحيح ما أفسد- ومن معه ومن هو قريب من طبقتهم، وهؤلاء منهم الرؤوس المتعصبَّة له، ومثلهم ومن ربَّاهم هؤلاء تربيَّتهم الخاصة، ومنهم من هو ملبَّس عليه، ومنهم من يعلم حقيقة وفساد منهجه لكن هو متريّث أو خائف على سمعته أو منصبه، ومنهم من صدع بالحق وصرَّح بفساد منهج الرَّجل.
الطَّبقة العامَّة الثَّالثة: وهم من جاء بعد هذا الطَّالب بزمن غير قصير، وهؤلاء قد يكون فيهم بعض تقسيمات الطبقة العامة الثَّانية لكنهم شراذم قليلون، أمَّا جلُّهم فلا نعلم عنهم إلا معرفة انحراف وسوء طريقته ومن معه، والله عصمهم بأمرين:
الأوَّل: استنكافه عن التواصل معهم تواصلا متينا، فقد كان لا يأبه لهذا كثيرا، حتَّى اشتدَّ عليه الحال فجعل له حلقة مع بعض الصِّغار.
الثَّاني: أن هؤلاء عرفوا قدر كبار مشايخ بلدهم واجتهدوا في الحضور لهم والرُّجوع إليهم، وهذا الأمر في الحقيقة موجود عند كلِّ من تبصَّر بحقيقته وفساد طريقته من جميع الطَّبقات الثلاث المتقدمة.
فالخلاصة أن الرَّجل إنما استحوذ على بعض من كان قريبا أو مقرَّبا منه، ونترك تحليل هذه الظاهرة للقارئ الكريم.
وقد تركنا ذكر الأسماء -وإن كانت عندنا بيِّنة- كما تقدَّم مراعاة للمصلحة الحقيقيَّة لا كوهميَّات أدعياء المصلحة في مقابل تضييع الثوابت.

خاتمة خير بإذن الله
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾
يقول الله جلَّ وعلا: ﴿الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ(3) ﴾ [العنكبوت].
قال الشَّيخ ابن سعدي (رحمه الله) في تفسير هذه الآيات: «يخبر تعالى عن تمام حكمته، وأن حكمته لا تقتضي أن كل من قال »إنه مؤمن» وادَّعى لنفسه الإيمان، أن يبقوا في حالة يسلمون فيها من الفتن والمِحن، ولا يعرض لهم ما يشوِّش عليهم إيمانهم وفروعه، فإنَّهم لو كان الأمر كذلك، لم يتميَّز الصَّادق من الكاذب، والمُحقُّ من المبطل، ولكن سنَّته وعادته في الأوَّلين، وفي هذه الأمَّة، أن يبتليهم بالسَّراء والضرَّاء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، والغنى والفقر، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن، التي ترجع كلها إلى فتنة الشُّبهات المعارضة للعقيدة، والشَّهوات المعارضة للإرادة، فمن كان عند ورود الشُّبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل، ويدفعها بما معه من الحقِّ، وعند ورود الشَّهوات الموجبة والدَّاعية إلى المعاصي والذنوب، أو الصَّارفة عن ما أمر اللّه به ورسوله، يعمل بمقتضى الإيمان، ويجاهد شهوته، دلَّ ذلك على صدق إيمانه وصحَّته.
ومن كان عند ورود الشبهات تؤثِّر في قلبه شكًّا وريبا، وعند اعتراض الشَّهوات تصرفه إلى المعاصي، أو تصدفه عن الواجبات، دلَّ ذلك على عدم صحَّة إيمانه وصدقه.
والنَّاس في هذا المقام درجات لا يحصيها إلا اللّه، فمستقلٌّ ومستكثر، فنسأل اللّه تعالى أن يثبِّتنا بالقول الثَّابت في الحياة الدُّنيا وفي الآخرة، وأن يثبِّت قلوبنا على دينه، فالابتلاء والامتحان للنُّفوس بمنزلة الكير، يخرج خبثها وطيبها
».
تأمَّل –وفَّقك الله- آخر كلام الشَّيخ (رحمه الله) إذ قال: «فالابتلاء والامتحان للنُّفوس بمنزلة الكير، يخرج خبثها وطيبها!».
ولا شكَّ أنَّ الفتن شرٌّ وبلاء، ويكون فيها من الاضطراب وفساد الأحوال ما الله به عليم ! لكن الشرُّ ليس إلى الله عزَّ وجلَّ، ولا يكون في دنيا ربِّنا جلَّ وعلا الشرُّ المحضُ الذي لا خير معه كائن أو يرجى، بل لابدَّ لكلِّ ما قضاه العزيز الحكيم من حكمة بالغة، وخيرٍ بالغ محِلَّه الذي قدَّره له البرُّ الرَّحيم.
وإنَّه من جرَّاء ما وقع في بلدتنا بجاية من الفتن والفرقة حصل ما حصل ممَّا أحزن النُّفوس وصدَّع الشَّمل، وكان في ذلك من الشَّرِّ ما كان! وإلى الله المشتكى، ولولا رحمةٌ من الله وفضلٌّ جعلهما في بقيَّةٍ صالحة، وعلى أيديهم لربَّما هدِّمت دعوة الحق وقوِّضت أركانها، ولوقع من الفساد وسوء الحال ما لا يكاد يتدارك! ولكنَّ الله سلَّم، وأنعم وامتنَّ، وإنَّ السَّعيد لمن جنِّب الفتن.
إنَّ كلَّ هذا وغيرَه ترك أثره وما خلَّفه، والسَّعيد من وُعظ بغيره، وإنَّ لنا فيما جرى لعبرة وعظة، ولنا في ذلك أيضا لخيرا يرجى أو هو حاصل، نعم حصل خير ووقع بِرٌّ، فتصدَّع شمل ليُرأب صدع، وحصل حزن ليجلى بفرح، ومن ذلك الخير والبرِّ:
• تمحيص الصُّفوف ومَيْز الخبيث من الطيِّب، فلطالما تزيَّنت نفوس بما ليس فيها، وتزيَّت بغير أثوابها، ولطالما تمسَّح قوم بقومٍ الله أعلم بما تكنُّه صدورهم، وإليه المصير، قال الإمام ابن بطَّة (رحمه الله): «فَإِنَّ هَذِهِ الْفِتَنَ وَالْأَهْوَاءَ قَدْ فَضَحَتْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَكَشَفَتْ أَسْتَارَهُمْ عَنْ أَحْوَالٍ قَبِيحَةٍ، فَإِنَّ أَصْوَنَ النَّاسِ لِنَفْسِهِ أَحْفَظُهُمْ لِلِسَانِهِ، وَأَشْغَلُهُمْ بِدِينِهِ، وَأَتْرَكُهُمْ لِمَا لَا يَعْنِيهِ» [الإبانة الكبرى (2/596) من الشَّاملة]
• ومنها تماسك الأخوَّة الصَّادقة وتقوِّي أواصر المحبَّة بين أهل المنهج الواحد من غير جفاء ولا شطط، منهج الكتاب والسنَّة على فهم سلف الأمَّة الأوَّلين وأئمَّة الدِّين الرَّاسخين، فإنَّ الضيق والشدَّة تظهر معادن الرِّجال، ويشتدُّ صاحب الخير في الخير، ويسعى صاحب الفضل به بين إخوانه.
• ومنها وهي من أجلِّها، أو هي أجلُّها معرفة النَّاس بمشايخهم الكبار وعلماء بلدهم الأجلَّاء، واتِّفاق العامَّة والخاصَّة أنَّهم هم المرجع وأنَّهم هم الموجِّهون والنَّاصحون، وعلى رأسهم مشايخنا الشَّيخ محمَّد علي فركوس والشَّيخ عبد الغني عوسات والشَّيخ أزهر سنيقرة وغيرهم (حفظهم الله جميعا)، لا لشيء إلَّا لأنَّهم أوَّل العدول الذين يحملون هذا العلم وينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، ولو لم يكن من آثار كلِّ ما جرى إلَّا هذا الأثر العظيم النَّفع لكفى، فالحمد لله أتمَّ الحمد وأوفاه.
• ومنها تعلُّم النَّاس كثيرا من أحكام دينهم من ذلك مهمَّات هذا المنهج السَّلفي المبارك القائم على الدَّعوة إلى التَّوحيد وإخلاص العبادة لله، وتجريد متابعة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، والدَّعوة إلى مكارم الأخلاق ومعالي الأمور، والتَّحذير من الشِّرك والبدع المعاصي، والتَّحذير من سفاسف الأمور ورذيل الأخلاق، وتعلُّمهم أنَّ الدِّين دين ربّ العالمين لا يحابى فيه أحد –كائنا من كان- على حساب الحقِّ وعلى حساب السنَّة الغرَّاء، فمن أحسن شُكر وشجِّع، ومن أساء نُصح ووُجِّه، فإن أصرَّ واستكبر ولم ينتصح هُجر وحذِّر منه بقدر ما عنده من المخالفة، مع شدَّة العناية بكون الخطأ لا يعالج بالخطأ، وأنَّ السنَّة إنَّما تنصر بالسنَّة، كما نبَّه على ذلك شيخنا عبد الغني عوسات (حفظه الله).
والحمد لله ربِّ العالمين.

ملاحظة مهمَّة:
اطَّلع على هذه الكتابات بعض كبار مشايخنا وكبار إخواننا من طلبة العلم، وأثنوا عليها، وأذنوا بنشرها ومنهم من أكَّد على ذلك.

ــــــــــــــــــ
1 قاله الشَّيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند.
2 تقول العرب: فلانٌ مُسْتَقِيم الصَّوْب: إِذالم يَزِغْ عَن قَصْده يَمِينا وشِمالاً فِي مَسيره [تهذيب اللغة للأزهري].
3 والتَّوجيه في اصطلاح أهل العلم بيان وجه وحجَّة كلام المتكلِّم.

التعديل الأخير تم بواسطة مهدي بن صالح البجائي ; 03 Oct 2017 الساعة 11:36 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02 Oct 2017, 06:33 PM
أبو صهيب منير الجزائري أبو صهيب منير الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
المشاركات: 208
افتراضي

بارك الله فيك أخي مهدي على هذا البيان وأصلح الله المردود عليه، وإخواننا في بجاية نحسن بهم الظن وبخاصة ممن نعرفهم كالأخ فارس وفقه الله، وأما ما يفعله أهل التمييع في كل بلدة فهو من منبع واحد، منبع حب الدنيا وشهوة التصدر وتوسيع المنهج على قدر اهواءهم والله المستعان.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 02 Oct 2017, 08:09 PM
أبو معاذ محمد مرابط
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

أخي مهدي قرأت مقالتك من أولها إلى آخرها.
فقد سحرت الناظر بفحواها وأرحت الخاطر بمعناها
فجزاك الله خيرا على جرأتك وشجاعتك
وليعلم أولئك المساكين أن لدين الله حماة لن يتأخروا عن نصرته وحماية بيضته
وليدرك المخذلّة أن موقفهم من مثل هذه المقالات لا يساوي (بصلة) عند أهل الحق!
فسواء لزموا الصمت أو صرخوا -طبعا من وراء حجاب- فلن يحركوا بموقفهم شعرة من رؤوسنا! لأننا اخترنا طريقنا ورضينا بها وبمخرجها ومدخلها.
والحمد لله
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 02 Oct 2017, 08:58 PM
أبو عبد السلام جابر البسكري أبو عبد السلام جابر البسكري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2014
المشاركات: 1,229
إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبد السلام جابر البسكري
افتراضي

وفقك الله أخي مهدي البجائي - ردٌّ مسدد في نحور المخذلة - لسان المقال يقول سندك مقالاتكم بالحجج والبراهين الدامغة وسمونا كما أحببتم غلاة أو مداخلة.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 02 Oct 2017, 11:28 PM
لزهر سنيقرة لزهر سنيقرة غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 343
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي مهدي على مقالتك، فقد أحسنت فيها بيانا وصدقت نصحاوصدعت بالحق دفاعا عن هذا المنهج القويم بردك وفضحك للمميعين المخذلين الذين نُصحوا فما استجابوا وذُكروا فأعرضوا وافتروا وكذبوا، أصلحهم الله.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 02 Oct 2017, 11:22 PM
مراد قرازة مراد قرازة غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2014
الدولة: الجزائر ولاية أم البواقي
المشاركات: 438
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي مهدي على هذا البيان
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 03 Oct 2017, 06:30 AM
حبيب تومي البجائي حبيب تومي البجائي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
الدولة: بجاية/ الجزائر
المشاركات: 24
افتراضي

بارك الله فيك اخي مهدي على هدا البيان, لطالما كنا ننتظر مثل هذا المقال و في هذا المنتدى المبارك.
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 03 Oct 2017, 07:17 AM
أمين البجائي أمين البجائي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2014
المشاركات: 77
افتراضي

{ۖ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ۖ }
جزاكم الله خيرا أخي أبا محمد على هذا البيان, وحفظ الله علماءنا الأجلاء ومشايخنا الفضلاء من كل سوء .
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 03 Oct 2017, 08:12 AM
أبو الحسن نسيم أبو الحسن نسيم غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2015
الدولة: الجزائر العاصمة
المشاركات: 390
افتراضي

أخي الكريم،بارك الله فيك وسددك ووفقك،لقد كشفت بهذا الرد حال الرجل،وهو يصلح أن يكون ردا لمن هم على شاكلته وطريقته من المتلونين،الذين يسيرون على طريق معوج،يتظاهرون أنهم على السنة المحضة،ثم إذ بك تراهم يثنون على المنحرفين،ويلمزون في أهل السنة السلفيين مشايخ وطلبة العلم وعموم السلفيين،لأنهم كشفوا باطلهم وعوراهم وانحرافهم.
أسأل الله أن يصلح أحوالنا أجمعين إنه سميع محيب.
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 03 Oct 2017, 10:47 AM
عبد الرحمن رحال عبد الرحمن رحال غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2013
الدولة: الجزائر / بسكرة.
المشاركات: 347
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي أبا محمد، وزادك الله هدى وتقوى.
حفظ الله علماءنا وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
نعوذ بالله من شر الفتن.
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 03 Oct 2017, 10:54 AM
مهدي بن صالح البجائي مهدي بن صالح البجائي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 591
افتراضي

شيخنا الجليل! بارك الله فيكم وفي جهودكم وكلماتكم النَّيَّرة، وشكر الله لكم تأييدكم وتشجيعكم لابنكم، وأسأل الله أن يحفظكم من كيد الأعادي، ويرفع قدركم في الدَّارين.

أخي الكبير أبا معاذ! لا تزال كلماتكم وتوجيهاتكم تقع من القلب موقعها، صانكم الله من كلِّ سوء، وسلَّمكم من كلِّ مكروه.

إخواني الكرام جميعا! أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم كلماتكم الطَّيِّبة، وحفظني الله وإيَّاكم أيُّها الأحبَّة.

اقتباس:
وهو يصلح أن يكون ردا لمن هم على شاكلته وطريقته من المتلونين،الذين يسيرون على طريق معوج،يتظاهرون أنهم على السنة المحضة،ثم إذ بك تراهم يثنون على المنحرفين،ويلمزون في أهل السنة السلفيين مشايخ وطلبة العلم وعموم السلفيين،لأنهم كشفوا باطلهم وعوراهم وانحرافهم.
أسأل الله أن يصلح أحوالنا أجمعين إنه سميع محيب.
صدقت أخي نسيم، وهو مقصود ضمنا وابتداء، فالمنهج واحد، ومن أعظم فائدة هذه الرُّدود ضبط العلم واستخراج دقيقه ، ومعرفة ما يضادُّه، مع العبرة والاتّعاظ.

التعديل الأخير تم بواسطة مهدي بن صالح البجائي ; 03 Oct 2017 الساعة 10:57 AM
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 03 Oct 2017, 02:25 PM
أبو إكرام وليد فتحون أبو إكرام وليد فتحون غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
الدولة: الجزائر
المشاركات: 1,798
افتراضي

جزاك الله خيرا اخونا الكريم مهدي واحسن اليك
و لا حرمنا من مثل هذه المقالات الطيبة
شكرا لك .
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 03 Oct 2017, 04:37 PM
أبو تميم محسن أبو تميم محسن غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
المشاركات: 47
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي مهدي وبارك فيك.
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 03 Oct 2017, 06:04 PM
محمد ناصف الدرابلي محمد ناصف الدرابلي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2015
المشاركات: 90
افتراضي

جزاك الله خيراً أخي الفاضل على هذه المقالة المفيدة التي حوت في طياتها دروساً وعبرا لصفاء هذه الدعوة ووضوحها
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 04 Oct 2017, 07:40 AM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاك الله خيرًا أخي مهدي! لنعم ما كتبت!
فلقد سرَّني ما حواه مقالك من المقدِّمات المُفهِّمة والشَّواهد الموثَّقة، مع ما يدلُّ عليه من عقل إخواننا، وصبرهم، وغيرتهم على المنهج السَّليم، فالحمد لله الَّذي لا يزال يغرس فينا هذا الغرس المبارك.
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013