منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 29 Jun 2014, 11:49 PM
أبو مالك أبو بكر حشمان أبو مالك أبو بكر حشمان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
الدولة: الجزائر
المشاركات: 225
إرسال رسالة عبر ICQ إلى أبو مالك أبو بكر حشمان
افتراضي فوائد وعبر من قصة ذي القرنين


بسم الله الرحمان الرحيم

الحمد لله رب العالمين والعاقبة الحسنى للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين المعتدين وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله

وبعد :

فهذه هي الحلقة الثانية من سلسلة الفوائد والعبر من قصص القرآن الكريم التي أسأل الله أن تكون خالصة لوجهه وأن ينفع بها كاتبها و قارئها، وقبل أن أدخل في صلب البحث أحببت أن أنقل كلاما لعلامة تونس الشيخ المفسر الطاهر بن عاشور رحمه الله حول أهمية النظر في قصص القرآن الكريم فيقول رحمه الله في المقدمة السابعة من تفسيره التحرير والتنوير:"
وأبصر أهل العلم أن ليس الغرض من سوقها قاصرا على حصول العبرة والموعظة مما تضمنته القصة من عواقب الخير أو الشر ، ولا على حصول التنويه بأصحاب تلك القصص في عناية الله بهم أو التشويه بأصحابها فيما لقوه من غضب الله عليهم كما تقف عنده أفهام القانعين بظواهر الأشياء و أوائلها ، بل الغرض من ذلك أسمى وأجل، إن في تلك القصص لعبرا جمة وفوائد للأمة ولذلك نرى القرآن يأخذ من كل قصة أشرف مواضيعها ويعرض عما عداه ليكون تعرضه للقصص منزها عن التفكه بها. من أجل ذلك كله لم تأت القصص في القرآن متتالية في سورة أو سور كما يكون كتاب تاريخ، بل كانت مفرقة موزعة على مقامات تناسبها، لأن معظم الفوائد الحاصلة منها لها علاقة بذلك التوزيع، هو ذكر موعظة لأهل الذين فهو بالخطابة أشبه " .

والقصة التي أردت أن أذكر فوائدها وأجمع عبرها في هذه الحلقة هي تلكم القصة التي سئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم عنها ثم نزل الوحي ذاكرا تفاصيلها مبينا لمعانيها، فهي دالة على صدق نبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم ، ومن المناسبة أن أذكرها بعد قصة أهل الكهف التي كانت موضوع الحلقة الأولى، لأنه وقع السؤال عنها من طرف اليهود وكفار قريش في نفس سياق هذه القصة، ألا وهي قصة الرجل الذي بلغ مشارق الأرض ومغاربها المعروف بـ "ذي القرنين ".

قال الشيخ المفسر محمد بن صالح العثيمين في تفسيره :" ولماذا سمي بذي القرنين؟ قيل: معناه ذي الملك الواسع من المشرق والمغرب، فإن المشرق قرن والمغرب قرن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن المشرق: "حيث يطلع قرن الشيطان" ، فيكون هذا كناية عن سعة ملكه، وقيل: ذي القرنين لقوته، ولذلك يعرف أن الفحل من الضأن الذي له قرون يكون أشد وأقوى، وقيل: لأنه كان على رأسه قرنان كتاج الملوك، والحقيقة أن القرآن العظيم لم يبين سبب تسميته بذي القرنين، لكن أقرب ما يكون للقرآن العظيم "المالك للمشرق والمغرب"، وهو مناسب تماماً؛ حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الشمس إنها: "تطلع بين قرني شيطان".

وأنبه على التزامي بالمنهج الذي ذكرته في الحلقة الأولى ألا وهو : تقسيم الفوائد إلى فوائد عقدية منهجية ثم أختم بالفوائد المتنوعة و ليس لي في هذه الحلقات إلا الجمع والترتيب.


أولا: الفوائد العقدية .

الفائدة الأولى : أن الله تعالى مطلع على كل شيء.
قال تعالى : " وكذلك قد أحطنا بما لديه خبرا "، رغم ما ذكر الله تعالى من عظيم ملك ذي القرنين والأسباب التي سخرها الله له في سبيل السعي في مشارق الأرض ومغاربها ذكر سبحانه أنه مطلع على جميع أخباره وأحاول جيشه، لا يخفى علينا شيء، وإن تفرقت أممهم وتقطعت بهم الأرض (1).

الفائدة الثانية : من شكر النعمة إرجاعها لمنعمها .
قال الزمخشري في تفسيره : هذه الآية " قال هذا رحمة من ربي"، هو إشارة إلى السد، أي هذا نعمة من الله ورحمة على عبادة، أو هذا الإقدار والتمكين من تسويته(2) .
وقال السعدي في تفسيره : " هذا رحمه من ربي " أي من فضله وإحسانه علي، وهذه حال الخلفاء الصالحين، إذا من الله عليهم بالنعم الجلية ازداد شكرهم وإقرارهم واعترافهم بنعمة الله كما قال سليمان عليه السلام لما حضر عنده عرش ملكة سبأ مع البعد العظيم، قال :" هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر " بخلاف أهل التجبر والتكبر، والعلو في الأرض فإن النعم الكبار تزيدهم أشرا وبطرا، كما قال قارون ـ لما آتاه الله من الكنوز، ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبة ألي القوة ـ قال " إنما اوتيته على علم عندي" اهـ. وقالها ذو القرنين(هذا رحمه من ربي) وانظر إلى عباد الله الصالحين، كيف لا يسندون ما يعملونه إلى أنفسهم، ولكنهم يسندونه إلى الله وإلى فضله(3).


الفائدة الثالثة : كل من في الأرض سائر لزوال وفناء .
قال جل وعلا " فإذا جاء وعد ربي جعله دكا " هكذا قال ذي القرنين نطقا بالحكمة لأنه يعلم أن كل صائر إلى زوال، ولأنه علم أن عملا عظيما مثل ذلك يحتاج إلى التعهد والمحافظة عليه من الانهدام، وعلم أن ذلك لا يتسنى في بعض أزمان انحطاط المملكة الذي لا محيص منه لكل ذي سلطان (4).

ثانيا: الفوائد المنهجية .

الفائدة الأولى : أن الله يقص علينا من القصص ما يكون لنا عبرة وعظة .
قال تعالى: " سأتلوا عليكم منه ذكرا "وجعل خبر ذي القرنين تلاوة وذكرا للإشارة إلى أن المهم من أخباره ما فيه تذكير وما يصلح لأن يكون تلاوة حسب شأن القرآن فإنه يتلى لأجل الذكر ولا يساق مساق القصص وقوله:" منه ذكرا " تنبيه على أهم أحواله وأخباره كثيرة وأنهم إنما يهمهم بعض أحواله المفيدة ذكرت وعظة، ولذلك لم يقل في أهل الكهف : نحن نقص عليك من نبئهم، لأن قصتهم منحصرة فيما ذكر، وأحوال ذي القرنين غير منحصرة فيما ذكر منا(5).
وقال السعدي رحمه الله في تفسيره : " فيه نبأ مفيد، وخبر عجيب ، أي : سأتلو عليكم من أحواله، ما يتذكر فيه، ويكون عبرة، وأما ما سوى لك من أحواله فلم يتله عليهم" .

الفائدة الثانية : الناس يعطوا الأسباب الموصلة فمنهم من ينتفع ومنهم من لا ينتفع .
قوله تعالى:"فَأَتْبَعَ سَبَباً " أي: تبع السبب الموصل لمقصوده فإنه كان حازماً، انتفع بما أعطاه الله تعالى من الأسباب؛ لأن من الناس من ينتفع، ومن الناس من لا ينتفع، ولكن هذا الملك انتفع {)فَأَتْبَعَ سَبَباً } وجال في الأرض.(6) .

الفائدة الثالثة : العدل بين الرعية من السياسة الشرعية وإحسان المعاملة يدل على صلح الولاية .
قال الله جل ذكره" فقلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنى" أي : إما أن تعذبهم بقتل، أو ضرب، أو أسر أو نحوه، وإما أن تحسن إليهم، فخير بين الأمرين، لأن الظاهر أنهم إما كفار أو فساق أو فيهم شيء من ذلك، لأنهم لو كانوا مؤمنين غير فساق لم يرخص له في تعذيبهم، فكان عند ذي القرنين من السياسة الشرعية ما استحق به المدح والثناء فقال : سأجعلهم قسمين " أما من ظلم " بالكفر " فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا" أي: تحصيل له العقوبتان، عقوبة الدنيا وعقوبة الآخرة، " وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى" أي فله الجنة والحالة الحسنة عند الله جزاء يوم القيامة " وسنقول له من أمرنا يسرا" أي : سنحسن إليه ونلطف له بالقول، ونيسر له المعاملة، وهذا يدل على كونه من الملوك الصالحين والأولياء العادلين العاملين حيث وافق مرضاة الله في معاملة كل احذ بما يليق بحاله "(7) .

الفائدة الرابعة: العقوبات تطهر المؤمن ولا تطهر الكافر .
قال تعالى : "ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُكْراً" لأن العقوبات لا تطهر الكافرين، فالمسلم تطهره العقوبات، أما الكافر فلا، فإنه يعذب في الدنيا وفي الآخرة، نعوذ بالله من ذلك.(8) .

الفائدة الخامسة : يجب حبس أهل الفساد وإيقاف فسادهم.
قال الله حل وعلا :" فهل نجعل لك خرجا على ان تجعل بيننا وبينهم سدا "، في هذه الآية دليل على اتخاذ السجون، وحبس أهل الفساد فيها، ومنعهم من التصرف لما يريدون، ولا يتركون وما هم عليه، بل يوجعون ضربا ويحبسون أو يكلفون (ينكلون) ويطلقون كما فعل عمر رضي الله عنه " (9).

الفائدة السادسة : على الملك أن يحمي الناس ويعينهم على حوائجهم .
قال تعالى:"قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينه ردما"، في هذه الآية دليل على أن الملك فرض عليه أن يقوم بحماية الخلق في حفظ بيضتهم، وسد فرجتهم، وإصلاح ثغورهم، من أموالهم التي تفيء عليهم، وحقوقهم التي تجمعها خزائنهم تحت يده ونظره، حتى لو أكلتها الحقوق، وأنفدتها المؤن، لكان جبر ذلك من أموالهم، وعليه حسن النظر لهم، وذلك بثلاث شروط: ألا يستأثر عليهم بشيء. الثاني أن يبدأ بأهل الحاجة فيعينهم. الثالث أن يسوي العطاء بينهم على قد منازلهم، فإذا فنيت بعد هذا وبقيت صفرا فأطلعت الحوادث أمرا بذلوا أنفسهم قبل أموالهم، فإن لم يغني ذلك فأموالهم تؤخذ منهم على تقدير، وتصرف بتدبير، فهذا ذو القرنين لما عرضوا عليه المال في أن يكف عنهم ما يحذرون من عادية يأجوج ومأجوج؛ قال: لست أحتاج إليه وإنما احتاج إليكم. (فأعينوني بقوة) أي اخدموا بأنفسكم معي، فإن الأموال عندي والرجال عندكم.(10). قال ابن العربي : "وضابط الأمر ( أخذ أموال الناس) فيه أنه لا يحل أخذ مال أحد إلا لضرورة تعرض فيؤخذ ذلك المال جهرا لا سرا، وينفق بالعدل لا بالاستئثار، وبرأي الجماعة لا بالاستبداد بالرأي والله الموفق للصواب "(11) .

الفائدة السابعة :من ادعى أن السد قد انهد وأن يأجوج ومأجوج هم روسية فهو باطل .
قال الشنقيطي: "وذلك يدل بطلان قول من قال : إنهم روسية، وأن السد فتح منذ زمن طويل ...، أن هذا البيان بهذه الآيات ليس وافيا بتمام الإيضاح إلا بضميمة السنة له، ولذلك ذكرنا أننا نتمم مثله من السنة لأنها مبنية للقرآن ( ثم ذكر حديث مسلم في الإخبار عن الدجال ويأجوج ومأجوج ) ... وهذا الحديث الصحيح قد رأيت فيه تصريح النبي صلى الله عليه وسلم : بأن الله يوحي إلى عيسى ابن مريم خروج يأجوج ومأجوج بعد قتله الدجال، فمن يدعي أنهم روسية، وأن السد قد اندك منذ زمن فهو مخالف لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مخالفة صريحة ولا وجه لها، ولا شك أن كل خبر ناقض خبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فهو باطل "(12).



ثالثا : الفوائد المتنوعة .

الفائدة الأولى : الزيادة في المبنى زيادة في المعنى .
قال تعالى " فما اسطاعوا ان يظهروه وما استطاعوا له نقبا " واسطاعوا تخفيف استطاعوا، والجمع بينهما تفنن في فصاحة الكلام كراهية إعادة الكلمة، ومقتضى الظاهر أن يبدأ بفعل ((استطاعوا)) ويثني بفعل ((اسطاعوا)) لأنه يثقل بالتكرير، كما وقع في قوله آنفا ((سأنبئك بتأويل مالم تستطع عليه صبرا)) ثم قوله((ذلك مالم تسطع عليه صبرا)) ومن خصائص مخالفة الظاهر هنا إيثار فعل ذي زيادة في المبنى بموقع فيه زيادة المعنى لأن استطاعة نقب السد أقوى من استطاعة تسلقه، فهذا من مواضع دلالة زيادة المبنى على زيادة في المعنى .(13).

وهذه هي آخر الفوائد والعبر من قصة ذي القرنين، فأرجو من الله أنني قد وفقت في جمعي فما كان صوابا فمن الله وما كان خطأ فمن تقصيري ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومرحبا بكل انتقاد وتصحيح من إخواننا الطلبة ومرحبا كذلك بكل زيادة تجمل هذا البحث وتزينه .

وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): ابن كثير (9/190).
(2): أضواء البيان (4/232).
(3): تفسير ابن العثيمين.
(4): التحرير والتنوير (16/ 39). (5): التحرير والتنوير: (16/23). (6): تفسير ابن العثيمين.
(7): تفسير السعدي.
(8): تفسير ابن العثيمين.
(9): الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله محمد القرطبي، (11/59).
(10): المرجع السابق،(11/60).
(11): أحكام القرآن، (3/243) .
(12): أضواء البيان (4/233،236).
(13): التحرير والتنوير (16/38)


التعديل الأخير تم بواسطة أبو مالك أبو بكر حشمان ; 29 Jun 2014 الساعة 11:55 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30 Jun 2014, 01:16 AM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي الفاضل أبو بكر على هذا الجمع الطيِّب المبارك بإذن الله مع حسن ترتيب وعنونة، فحفظك الله أخي الكريم ووفقك لإتمام ما قصدت، وبلوغ ما أردت.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 30 Jun 2014, 11:27 AM
محمد الأمين عمروش محمد الأمين عمروش غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 40
افتراضي

جزاكم الله خيرا.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 30 Jun 2014, 03:44 PM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

اللهم لك الحمد.
جزاك الله خير أبا مالك على هذه المقالة المحرَّرة المسدَّدة.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 30 Jun 2014, 05:48 PM
أبو مالك أبو بكر حشمان أبو مالك أبو بكر حشمان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
الدولة: الجزائر
المشاركات: 225
إرسال رسالة عبر ICQ إلى أبو مالك أبو بكر حشمان
افتراضي

أخي فتحي و محمد الأمين وشيخ خالد .

ولكم خير الجزاء .
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, قرآن

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013