بحث في حكم في الجمع بين صلاتي الجمعة والعصر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
إن الجمع بين صلاة الجمعة و صلاة العصر من المسائل المختلف فيها بين أهل العلم ، ولعل القول الأقرب للصواب 1 أنه يجوز للمسافر إذا صلى الجمعة أن يجمع معها صلاة العصر ، وهو قول عند الشافعية وصححه السيوطي واعتمده الزركشي وأفتى به الرملي2 ، وبه قال الألباني وصالح اللحيدان ووصي الله عباس ومحمد على آدم الأثيوبي وغيرهم .
أولا :
قال النووي رحمه الله : يجوز الجمع بين صلاة الجمعة والعصر للمطر.3
قال تقي الدين محمد الحسيني الشافعي رحمه الله: وكما يجوز الجمع بين الظهر والعصر يجوز الجمع بين الجمعة والعصر.4
وجاء في "حاشية البجيرمي على الخطيب": ويجوز للحاضر في المطر أن يجمع ما يجمع بالسفر ولو جمعة مع العصر "في وقت الأولى منهما.5
ولابن القاسم من "المالكية" رحمه الله كلام قد يدل على شيء مقارب لقول الشافعية ، فقد سئل : أرأيت لو أن إماماً لم يصل بالناس الجمعة حتى دخل وقت العصر ؟ قال : يصلي بهم الجمعة ما لم تغيب الشمس ، وإن لا يدرك بعض العصر إلا بعد الغروب . 6
فمفهوم كلام ابن القاسم رحمه الله أنه إذا صلى الجمعة بعد دخول وقت العصر فإنه سيصلي بعدها العصر . وهذه صورة من صور الجمع بينهما.
ثانيا :
إن صلاة الجمعة تتفق مع صلاة الظهر في مسائل كثيرة؛ ومنها: باب الأعذار؛ فإن الجمعة كالظهر في الأعذار التي تبيح التخلف عنهما ،كذلك لا تفرّق حاجة الجمع بينهما ؛زيادة على ذلك أن الجمعة لا تجب في حق المسافر على القول الراجح، و تسقط حتى على المقيم إذا كان في يوم مطير ، وينتج عن هذا الإلزام إلحاق الجمعة بها في الحكم ولا يختلف هذا عن ذاك ، ويؤيده ما ثبت عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:أنه قال لمؤذنه في يوم مطير : إذا قلت : أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة قل : صلوا في بيوتكم قال : فكأن الناس استنكروا ذلك فقال : أتعجبون من ذا ؟ قد فعل ذا من هو خير مني إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أخرجكم فتمشون في الطين والدحض . 7والسياق لمسلم وفي رواية له : أذن مؤذن ابن عباس يوم جمعة في يوم مطير.... 8
و عن أبي المليح عن أبيه رضي الله عنه: أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في يوم جمعة وأصابهم مطر لم تبتل أسفل نعالهم فأمرهم أن يصلوا في رحالهم.9
ثالثا :
إن الشارع لا يفرّق بين المتماثلات؛ كما أنه لا يجمع بين المختلفات، فما الفرق بين جمع صلاة الجمعة مع صلاة العصر وجمع صلاة الظهر مع صلاة العصر إذا استويا في الحاجة إلى الجمع بين الصلاتين ؟.
رابعا :
ولعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم لما جمع في الحضر من غير سفر ولا مطر قال "أراد ألا يحرج أمته" . فدل على أن علة الجمع هي رفع الحرج و المشقة
خامسا :
إن قياس صلاة على صلاة في رخصة واحدة أولى من قياس رخصة على رخصة في صلاة واحدة ، إذ لا فرق بين عصر يوم السبت والخميس وبين عصر يوم الجمعة ، ثم إن الذين لم يجوّزوا الجمع بين الجمعة و العصر للمسافر أو المقيم الذي يحتاج إلى الجمع ، نلزمهم بوجود المشقة في الظهرين كما هو الحاصل في العشاءين ، ولا شك أن الأصل جواز الجمع بين كل صلاتين مشتركتي الوقت وتبقى المسألة على الأصل أنه يجوز جمع العصر مع صلاة الجمعة والتفريق في الجمع بين عصر يوم الجمعة مع صلاة الجمعة وبين غيرها من الأيام يحتاج إلى دليل ، و ليس ثمة دليل ، فتنبه.
ولمن عنده فائدة في هذا المسألة فلا يبخل بها علينا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الحواشي :
ـ سألت شيخنا وصي الله عباس و محمد علي آدم الأثيوبي ـ حفظهما الله ـ عن القول الراجح في هذه المسألة ، فأجابا بأن القول الراجح هو من قال بجواز جمع صلاة الجمعة مع صلاة العصر.
ـ "أسنى المطالب" (1/242)، و"شرح البهجة" (1/454)،و" المنهاج القويم"( 1/233)، و"الأشباه والنظائر"( 163"،و" البحر المحيط" (7/78)،و" فتاوى الرملي "(1 /273)
ـ " روضة الطالبين وعمدة المفتين "(1 / 502 ) ،وانظر : "المجموع" ( 4 / 237 )و" البيان" ( 2 / 494 ) ، و"تحفة المحتاج" للهيثمي ( 2 / 294 ) ،و"نهاية المحتاج" ( 2 / 280 ) .ومذهب الشافعية هو جواز جمع الجمعة مع العصر جمع تقديم لا تأخير، ومذهبهم هو جواز الجمع سواء لمطر كما ذكر النووي، أو للسفر كما ذكر الأنصاري في "أسنى المطالب"، وكما في" شرح البهجة."
ـ "كفاية الأخيار" لتقي الدين الشافعي الدمشقي( ص140 ).
ـ "حاشية البجيرمي "(1/370)
ـ "المدونة" ( 1 / 239 ) ، و انظر "التمهيد "( 8 / 71) ، وانظر : "مواهب الجليل شرح خليل للحطاب" (1 / 381 – 386) ، و"الشرح الكبير" للدرديري (1 / 177 - 184 ) ، و"الفواكه الدواني شرح رسالة أبي زيد القيرواني" للنفراوي (1 / 166)
ـ الدَّحض : بفتح الدال المهملة وسكون الحاء المهملة ، ويجوز فتحها ، هو الزلق . "الفتح" ( 2 / 384 )
ـ أخرجه مسلم ( 699 )
ـ أخرجه أبو داود (1059 ) ، والحاكم (1/431) ، و البيهقي في " سننه " ( 3 / 186 ) ، و ابن خزيمة ( 1863 ) ، و صححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود "( 1059) ، وانظر " تمام المنة " ( ص 330 ) .
التعديل الأخير تم بواسطة عبد الحميد الهضابي ; 09 Apr 2014 الساعة 04:17 PM
|