منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 08 Feb 2014, 09:39 AM
عبد الحميد الهضابي عبد الحميد الهضابي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 300
افتراضي الشهب السلفية في نقض الشبهات الحلبية ........ الحلقة الرابعة

" كلام أهل العلم في أهل الأهواء والبدع غير ملزم الأخذ به وأنه محلّ اجتهاد وذلك كاختلاف النقّاد في الرواة جرحا وتعديلا وفي الأحاديث تصحيحا وتضعيفا "



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
هذه الحلقة الرابعة في دحر ونقض بعض الشبهات الحلبية التي يلبسون ويدلسون بها علي بعض الخيّرين الطيبين من الشباب السلفي وهي أن: " كلام أهل العلم في أهل الأهواء والبدع غير ملزم الأخذ به وأنه محلّ اجتهاد وذلك كاختلاف النقّاد في الرواة جرحا وتعديلا وفي الأحاديث تصحيحا وتضعيفا ":
سئل أحدهم -عفا الله عنا وعنه-عن علي الحلبي فقال : مدحه وزكاه الشيخ ناصرـ رحمه الله ـ
فقال له السائل : وكلام الشيخ ربيع والمشايخ فيه.
قال : والله كلّ يؤخذ من قوله ويردّ ، كان علماء الحديث قديما يختلفون في الراوي ، فبعضهم يصحّح حديثه وبعضهم يضعفه.
فقال له السائل : نحن لما قلنا لهم ذلك قالوا أنما العبرة بالدليل والعبرة بالحجّة ،وأنت يلزمك اتباع الحجّة ولا يجوز لك مخالفة الحجّة إذا ظهرت لك .
فقال : القضيّة وجود الخطأ ، لا ينكر الإنسان وجود الخطأ ، لكن أن يقال لا يسمع له ،أو أنه ليس من أهل العلم أو صار مبتدعا ,الإشكال هو واقع هنا، الآن هم صاروا يأتون ببعض الأخطاء الذي وقع فيها أهل العلم ثم ينزلونهم أو يبدعونهم ،أو شيء من هذا .اهـ1
قلت : لنا مع كلامه هذا عدّة وقفات :
أولا :
قال الشيخ أحمد بازمول ـ حفظه الله ـ-معلقا على كلامه-:من قواعده الفاسدة أنه يقول كل يؤخذ من قوله ويردّ وهذه قاعدة حقّ ولكنه يطبّقها تطبيقا فاسدا وتطبيقا باطلا فهو يطبّقها في جانب قبول الباطل وردّ الحقّ،فهو يقول كل يؤخذ من قوله ويردّ لكن أكمل القاعدة إلا الرّسول صلى الله عليه وسلم ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول في الفرقة الناجية الطائفة المنصورة ما أنا عليه اليوم وأصحابي،فهل أنت اتبعت الحقّ هل أنت اتبعت ماكان عليه السلف الصالح والذي يسيروا عليه الشباب السلفيون، أنت تقول كلّ يؤخذ من قوله ويردّ وكأنك تقول كلّ يؤخذ من قوله ويردّ بهواي وبعقلي وبقلبي لا بالحقّ ولا بالدّليل والحجة والبرهان فإن هذه لاشكّ أن هذه قاعدة باطلة ؛نعم العلماء قالوا:كلّ يؤخذ من قوله ويردّ وهي قاعدة تردّ عليك لأن معناها كلا يؤخذ من قوله إذا وافق الحقّ ، ويردّ قوله إذا خالف الحق وأنت تريد أن نقبل قول من خالف الحق،وتدافع عنهم وتثني عليهم.اهـ
ثانيا :
أهل التمييع من حزب الحلبي يَسعَون جادّين -خيّب الله سعيهم- لتخريب الأصول السلفية فمن ذلكم محاولة إلزام -زعموا- أهل الحق بأن السلف من أهل الحديث اختلفوا في الرواة وفي الأحاديث تصحيحا وتضعيفا،ولم ينقم بعضهم على بعض ،فعلى هذا فليسعنا ما وسعهم ، بمعنى أن الذين بدّعوا علي حسن وحذّروا منه هذا رأيهم فيه، و نجد في المقابل من مدحه وزكاه وأثنى عليه فهذا الاختلاف كالاختلاف في الرواة تجريحا وتعديلا، وهذا كلام باطل وقياس مع الفارق كما يقال ، وهذا كلّه تهويش وتشغيب وتشكيك في القواعد والأصول السلفية.
فبتقعيدك لهذه القاعدة الباطلة تجرّئ الناس على ردّ الحق، قال لي شيخنا عبيد الله الجابري ـ حفظه الله ـ : ياولدي لايجوز لأيّ أحد من الناس ردّ كلام العالم المدعم بالأدلة والبراهين لا في المسائل الفقهية ولافي مسائل الجرح ولا غير ذلك إلا بشروط ثلاثة : أن يخالف كتاب الله تعالى ، أو يخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،أو يخالف الإجماع .اهـ
وقال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ:عليكم أن تنظروا في الأدلّة وتأخذوا بها كما فعل العلماء وطلاب الحقّ الصادقون، ولا يجوز لكم أن تخالفوا العلماء الذين حكموا على فلان أو فلان بالأدلة الواضحة والبراهين القاطعة؛ فهذا هو المنطق الذي قرره القرآن والسنة وعلماء الإسلام، بخلاف ما يقرّره بعض الخارجين ويدعون إليه من التقليد الأعمى مخالفين في ذلك هذا المنهج العظيم.
وقال ـ حفظه الله ـ: عندكم علم من الجرح والتعديل، الكلام الذي قلناه، ناس جرحوا، ناس ما جرحوا، ناس يزكون ويدافعون عن هذا المجروح، نحن نطلب من الجارحين التفسير، إذا بينوا أسباب الجرح الصحيحة فيجب اتباعهم، لأن هذا اتباع للحق، و ردُّ ما عندهم من الحق رفضٌ للحق… فيجب على من يخالفهم أن ينصاع و يرجع إلى الحق و الصواب، و أن يأخذ بالحجة – بارك الله فيكم- فكثير من الناس يكذّبون بالحق، و يرفضون الحق، و هذا أمر عظيم جدًّا.2
و للأسف أن العمل بالأدلة والقواعد السلفية أصبح مغيباً حتى عند كثير من الحلبيين ومن لفّ لفهم ممن ينتسبون إلى السلفية.
فكم نسمع اليوم من طلبة علم - يزعمون العمل بالدليل - لا يقبلون كلام علماء أبرزوا الأدلة و الحجج والبراهين على جرحهم لأهل الأهواء ،و يقولون لا نقبل حتى يتكلم فلان من العلماء,أو نحن معه فيما عدّل ويردون الحقّ الظاهر المدعم بالأدلة ، فيحصرون العلم والحق في عالم واحد فقط ،وهذا إن دلّ فإما يدل على جهلهم ومخالفتهم لما كان عليه السلف الصالح كما بيّنا ذلك.
سئل شيخنا زيد بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ ما نصه: هل يستفاد من هذا الأثر3 الرد على الذين يخالفون العلماء في أحكامهم وتجريحهم للأشخاص بدعوى أنهم لا يقلدون العلماء؟
فأجاب بقوله:
هؤلاء ما فرّقوا بين التقليد وبين ما يقوله العلماء من الشرع الشريف فالعلماء الذين هم أهل الاجتهاد ينظرون في نصوص الكتاب والسنة ويفهمون الأحكام ويقيسون النظير بالنظير، يجتهدون في النوازل، وهؤلاء الذين يعلقون عليهم ويدعون بأنهم هم أحرار وهؤلاء أحرار، وأولئك مجتهدون وهؤلاء مجتهدون، هذا قياس غير صحيح، فهم غير سليم، فإذا قال العلماء قولهم سواء في النوازل أو في الأحكام لا يجوز لطلاب العلم الصغار أن يقولوا هم مجتهدون ونحن مجتهدون لأن طالب العلم الصغير ما بلغ رتبة الاجتهاد حتى يجعل نفسه قرينا لعالم كبير السن، مجرَب له قدم راسخة في العلم عقيدة وشريعة، هذا من سوء الفهم يصل طالب العلم لهذا الحد، فيخالف كبار العلماء ثم هو يعتبر نفسه صاحب اجتهاد وصاحب فهم صحيح أحسن من غيره.
ومن المعلوم أن قبول الحكم بدليله يسمى اتباعا عند أرباب أهل الفن وليس تقليدا كما يسميه أهل الأهواء ومن لفّ لفّهم وذلك لتنفير الناس عن أهل العلم كما صرح هو بذلك ، ودفاعا لمن هم معهم في خندق واحد من أهل البدع.
وأن فيها طعنا في العالم الجارح؛ وذلك لأننا إذا رددنا كلامه بدون حجّة،فكأنّنا كذّبناه!؛ قال السّخاوي ـ رحمه الله ـ:وغاية قول المعدّل إنه لم يعلم فسقاً ولم يظنه فظن عدالته؛إذ العلم بالعدم لا يتصور والجارح يقول: أنا علمت فسقه ،فلو حكمنا بعدم فسقه كان الجارح كاذباً، و لو حكمنا بفسقه كانا صادقين -أي :المعدل والجارح- فيما أخبرا به.4
هذا في حال الاختلاف فكيف إذا لم يخالف العالمَ أحد ؟ ثم حتى لو كان هناك اختلاف فما العمل تجاه هذا الاختلاف ؟؟
قال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ :إذا اختلف عالمان من علماء الجرح والتعديل أو غيرهم في أمر ديني فالحكم في القضية لله لا للهوى وأهله الذين يأخذون بقول المخطئ ويردون قول المصيب ، والواجب فيما اختلف فيه من أمر الدين الرد إلى الله والرسول ، قال تعالى: { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } [النساء:59] .فينظر في قول المتنازعين في ضوء الشريعة وقواعدها المستمدة منها لا المفتعلة فمن وافق قوله شريعة الله وجب الأخذ بقوله ومن خالفها رد قوله مع احترامه واعتقاد أنه مجتهد له أجر المجتهد المخطئ ، ولا يقف المسلم المتبع موقف أهل الأهواء فيقول قد اختلف العلماء فلا يلزمني قول فلان وفلان ويذهب يتلاعب بعقول الناس فإن مثل هذا القول يجرّئ الناس على ردّ الحقّ وإسقاط أهله وصاحب الحجة يجب الأخذ بقوله اتباعاً لشرع الله وحجته لا لشخص ذلك الرجل وسواد عينيه.5
ثالثا :
معنى كلامك أن تحذير أهل العلم لأهل البدع أمثال الحلبي والحويني وغيرهم المبني على الأدلة والحجج والبراهين غير ملزم ، بمعنى: لو أنّ عالما معتبرا جرّح شخصاً معيناً وذكر الأسباب التي أوجبت هذا الجرح بالأدلة الصريحة والبراهين القاطعة ، فليس تبديعه ملزم لغيره من الناس ولو اطَّلع على تلك الأسباب ، و دلّلت على ذلك تلبيسا وتدليسا بما ورد عن أئمة أهل الحديث من اختلافٍ في جرح الرواة، فزعمت أنَّ هذا مما يسوغ فيه الخلاف أي من غير إنكار.
وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على تأثّرك بمنهج الحلبي المبتدع،وبرهان ذلك أنك تجد استدلالهم في حرب السنة وأهلها هو عين ما تستدل به.
وهذا هو حقيقة الخلاف بين علماء السنة وبين دعاة التمييع وأنصارهم اليوم، وإن هذا الإطلاق يؤدي إلى هدم السنة.
فهذه الطريقة لم تَرد عن السلف الصالح قال الإمام أبو نصر السجزي ـ رحمه الله ـ فكل مدّع للسنة يجب أن يطالب بالنقل الصحيح بما يقوله،فإن أتى بذلك عُلم صدقه،وقُبل قوله،وإن لم يتمكن من نقل ما يقوله عن السلف،عُلِمَ أنه محدث زائغ.6
وقال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ:في تعليقه على كتاب "حادي الأرواح" لابن القيم ـ رحمه الله ـ: قال محمد بن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا إبراهيم بن المختار عن ابن جريج عن عطاء عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:{ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}
وهذا إسناد فيه ابن حميد فيه كلام ، “محمد بن حميد الرازي “وفيه كلام عند المحدثين ، يزكيه الإمام أحمد وينتقده غيره وضعفه ويبالغ في تضعيفه ، وممن يضعفه ابن خزيمة - رحمه الله - ، فقيل له :إن أحمد يعدله أو يزكيه ، فقال :لو عرفه أحمد كما عرفناه ما زكاه .
وهذا منهج يسير عليه أهل السنة والجماعة وأهل الحديث ، وهو أن من علم حجة على من لم يعلم ، وأن الجرح مقدم على التعديل ، وأنه لا غضاضة في هذا ولا نقص من أي إمام يزكي رجلاً ثم يأتي من هو مثله أو دونه فيثبت بالحجة والبرهان الطعن في هذا الرجل الذي زكاه ذلكم الإمام .
لا ضير في هذا ولا حرج ولا يقال تنقص ولا يقال مخالف ولا يقال شيء .
لماذا ؟ لأنهم يدورون مع الحجج والبراهين ، لا يريدون إلا الحق ، ولا يريدون إلا وجه الله عز وجل ، فلا تأخذهم في الله لومة لائم
ولا يقول والله زكاه أحمد !!فلماذا أنا أجرحه !!!والله هذا غلط !! ، ما يقولون هذا الكلام ، بل يصدعون بالحق ، ويتلقاه أئمة السنة كلهم بصدورٍ رحبة ، لا يرون في ذلك حرجا أبدا .
لكن الآن نحن في عصر الظلمات ، والجهل الكثيف ، الذي شنه أهل البدع والأهواء على منهج أهل السنة والجماعة .
فالإمام أحمد إمام أهل السنة ، ما قال أحد أن مخالفة ابن واره وابن خزيمة وغيرهم ممن جرَّحوا "محمد بن حميد "ما قالوا إنهم ينتقصون الإمام أحمد أو يخالفوه .
لا كلهم سلَّموا ، فتجد أصحاب أحمد وأصحاب الشافعي إذا كان الرجل مدحه أحمد وجرحه غيره والحجة معهم ، يقبلون جرح صاحب الحجة ، وكذلك أتباع الشافعي ، إذا زكى مثل [إبراهيم بن أبي يحيى ]وجرحه غيره ، تلقوا هذا الجرح بالقبول ، وما قالوا والله إمامنا والله نتعصب له ، لأنه زكى فلان ونحن بهذه العصبية العمياء نثبت أركان هذا الرجل المجروح ، وندفع بحجة: [ إمامنا ] الحجة والبرهان ؟!حاشاهم أن يقولوا هذا .
وهكذا يكون تربوا على هذا المنهج المبارك الطيب ، ويجب ترك التعصب لأي شخصٍ كائن من كان إلا محمداً صلى الله عليه وسلم فهو الذي لا ينتقد ولا تقبل مخالفته من أحد ، فإن محمداً صلى الله عليه وسلم يدور مع الحق أين ما دار وأصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم كذلك يدور معهم الحق أين ما داروا .
رابعا :
هل ورد عن السلف على نحو تقعيدك وتشغيبك في أصول أهل السنة والجماعة ؟
أي: هل ثبت عن أحدهم أنه ثبت عنده تبديع عالم من العلماء الأمناء لأحد من أهل البدع فقال لا يلزمني ، والمسألة محلّ اجتهاد مثل ما حصل الخلاف في الرواة وغير ذلك من الشبهات الآثمة التي يُردّ بها الحق الظاهر المبني على الحجج والبراهين الساطعة النيرة ؟؟
الجواب: لاوألف لا ،بل الذي ورد عنهم الإلزام بالتبديع إن كان مبنيا على الأدلة والحجج والبراهين ،وإليك بعض النماذج القليلة من الكثيرة :
1 ـ السلف الصالح كانوا يلزمون بالجرح المفسّر المبيّن المعتبر ،قال ابن أبي حاتم في "مقدمة الجرح والتعديل"7 سمعت أبي يقول سمعت عبد العزيز الأويسي يقول لما خرج إسماعيل بن أبي أويس إلى حسين بن عبد الله بن ضميرة ،وبلغ مالكا هجره أربعين يوما، قال أبو محمد: هجره لأنه لم يرضه.اهـ
قلت : فيه أن الإمام مالك ألزم إسماعيل بن أبي أويس بجرحه لحسين بن عبد الله فلما لم يوافقه ابن أبي أويس هجره مع أنه ابن أخته، إذ أنه يرى أن حال هذا الرجل لا يخفى.
وما قال إن إسماعيل ربما يرى أن ضعفه ضعفٌ محتمل فيكتب حديثه اعتباراً أو أنه ما اقتنع،لأن الأدلة قد قامت على نكارة حديثه ، ومالك أمكن بالصنعة من إسماعيل فكان ينبغي أن يصير إلى قوله.
2ـ ولما قدم سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ البصرة، جعل ينظر إلى أمر الربيع - يعني ابن صبيح - وقدره عند الناس، سأل أي شيء مذهبه؟
قالوا: ما مذهبه إلا السنة.
قال: من بطانته؟.
قالوا: أهل القدر.
قال: هو قدري.8
قلت : هل الإمام سفيان بن سعيد الثوري ـ رحمه الله ـ لما بدّع الربيع بن صبيح البصري القدري عنده غلوّ في الجرح كما تفوّه به أحد الذين تدافع عنهم في علماء السنة السلفيين؟؟
وهل ظلمه في إلحاقه بالقدرية بسبب بطانته ؟؟
لماذا الإمام سفيان حجّر واسعا ولم يجعل في الأمر سعة، كذلك بالنسبة للذي أخذ بقوله وعمل به وطبّقه.؟؟
وذلك لأن غيره مدحه وأثنى عليه.
كما قال عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه : لا بأس به ـ أي: الربيع ـ رجل صالح.9
وقال عنه يحيى ابن معين: ثقة.
وذكره شعبة فقال: هو عندي من سادات المسلمين.10
وسئل عنه أبو زرعة فقال: شيخ صالح صدوق .11
وقال ابن حبان : كان من عباد أهل البصرة وزهّادهم ، و كان يشبه بيته بالليل ببيت النحل من كثرة التهجد.12
وهل الذي ينقل كلام الإمام سفيان بن مسروق الثوري في الربيع بن صبيح ـ وكانت الحاجة ماسة في ذلك سواء كان في حفظ الديانة أو في حفظ الرواية يوصف بأنه صاحب فتن وقلاقل وبلابل وو ؟؟
3 ـ قال أبو داود السجستاني ـ رحمه الله ـ : قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل:أرى رجلاً من أهل السنة مع رجل من أهل البدعة ، أترك كلامه ؟ قال : لا أو تعلمه أن الرجل الذي رأيته صاحب بدعة ، فإذا ترك كلامه فكلّمه وإلا ألحقه به.13 -أي: في الحكم-
وقال إسحاق بن إبراهيم: سمعته-أي: الإمام أحمد- يقول: أخزى الله الكرابيسي، لا يجالس ولا يكلم، ولا تكتب كتبه، ولا تجالس من يجالسه.
قلت :هل إذا رأينا _مثلا_ رجلا مع العيد الشريفي الضال المنحرف بعد البيان والنصح وألحقناه به، هل نحن ظالمون له وأتينا بمنهج جديد مخالف للسلف كما يتشدّق به ركنك الأيمن ـ هداه الله ـ؟؟
وهل الإمام أحمد لمّا يلزم غيره بعدم مجالسة أهل البدع وعدم مجالسة من يجالسهم14 ،هل فيه منهج الإقصاء والغلوّ الذي يبجّح به بعض رموز التمييع؟؟
وإذا لم يترك كلامه مع أحد المبتدعة مع أن أسباب الجرح بينة ظاهرة بحجة عدم الاقتناع أو أنه مختلف فيه كما اختلف النقّاد في كثير من الرواة ثم ألحقه به في الحكم في الابتداع أكان ظالما جائرا ؟؟
هل يا تُرى منهج السلف فيه خلل لابد من إعادة النظر فيه؟،كما قاله الذي هو أمّة لوحده، أو أنهم معتدون وظالمون في ذلك.؟؟
4 ـ وقال صالح بن أحمد: جاء الحزامي إلى أبي وقد كان ذهب إلى ابن أبي دؤاد، فلما خرج إليه ورآه، أغلق الباب في وجهه ودخل.15
قلت :فلماذا اشتدّ نكير الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ على الحزامي بمجرد أنه ذهب إلى رجل من أهل البدع وهو ابن أبي دؤاد ،فعلى مذهبك عنده غلوّ ، لأنه يلزم غيره بقوله ، ولم يجعل في الأمر سعة لأن المسألة محلّ اجتهاد كاختلاف النقاد في الرواة جرحا وتعديلا وفي الأحاديث تصحيحا وتضعيفا ؟؟.
5 ـ وقال علي بن أبي خالد: قلت لأحمد بن حنبل -رحمه الله- : إن هذا الشيخ - لشيخ حضر معنا- هو جاري ، وقد نهيته عن رجل ، ويحب أن يسمع قولك فيه: حارث القصير -يعني حارثاً المحاسبي- وكنت رأيتني معه منذ سنين كثيرة ، فقلت لي: لا تجالسه ، فما تقول فيه؟:
فرأيت أحمد قد احمرّ لونه ، وانتفخت أوداجه وعيناه ، وما رأيته هكذا قط ، ثم جعل ينتفض ، ويقول: " ذاك؟ فعل الله به وفعل ، ليس يعرف ذاك إلا من خَبَره وعرفه ، أوّيه ، أوّيه ، أوّيه ،ذاك لا يعرفه إلا من قد خبره وعرفه ، ذاك جالسه المغازلي ويعقوب وفلان ، فأخرجهم إلى رأي جهم ، هلكوا بسببه .
فقال له: يا أبا عبدالله يروي الحديث ، ساكنٌ خاشعٌ ، من قصته ومن قصته؟
فغضب أبو عبدالله ، وجعل يقول: لا يغرّك خشوعه ولِينه ، ويقول: لا تغتر بتنكيس رأسه ، فإنه رجل سوء ذاك لا يعرفه إلا من خبره ، لا تكلّمه ، ولا كرامة له ، كل من حدّث بأحاديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مبتدعاً تجلس إليه؟! لا ، ولا كرامة ولا نُعْمَى عين ، وجعل يقول: ذاك ، ذاك."16
قلت :إذا كان الإمام أحمد لا يلزم أحدا بجرحه للحارث المحاسبي ـ الذي أثنى عليه بعضهم ـ ،فلماذا يغضب وينتفض و يحّذر من الكلام معه أو الحضور عنده و...؟؟
فعلى مبدأ هؤلاء يعتبر من غلاة التجريح.
6 ـ وقال الإمام البربهاري - رحمه الله -:وإذا رأيت الرجل جالساً مع رجل من أهل الأهواء فحذّره وعرّفه، فإن جلس معه بعد ما علم فاتقه؛ فإنه صاحب هوى.17
7 ـ وقال العلامة شيث بن إبراهيم القفطي المعروف بابن الحاج - رحمه الله-:" فبين سبحانه بقوله{ وقد نزل عليكم في الكتاب} ما كان أمرهم به من قوله في السورة المكيّة{ فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} ثم بيّن في هذه السورة المدنيّة أن مجالسة من هذه صفته لحوقٌ به في اعتقاده، وقد ذهب قوم من أئمة هذه الأمة إلى هذا المذهب، وحكم بموجب هذه الآيات في مجالس أهل البدع على المعاشرة والمخالطة منهم أحمد بن حنبل والأوزاعي وابن المبارك فإنهم قالوا في رجل شأنه مجالسة أهل البدع قالوا: يُنهى عن مجالستهم، فإن انتهى وإلا ألحق بهم يعنون في الحكم.
قيل لهم: فإنه يقول: إني أجالسهم لأباينهم وأردّ عليهم.
قالوا: ينهى عن مجالستهم فإن لم ينته ألحق بهم.18
8 ـ وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله -: في معرض كلامه على طائفة من أهل البدع: ومن كان محسناً للظن بهم وادعى أنه لم يعرف حالهم؛عرّف حالهم ،فإن لم يباينهم ويظهر لهم الإنكار،وإلا أُلحق بهم،وجعل منهم.19
وقال ـ رحمه الله ـ :ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم، أو ذب عنهم، أو أثنى عليهم أو عظم كتبهم، أو عرف بمساندتهم ومعاونتهم، أو كره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يدرى ما هو، أو من قال إنه صنف هذا الكتاب، وأمثال هذه المعاذير، التي لا يقولها إلا جاهل، أو منافق؛ بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم، ولم يعاون على القيام عليهم، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات؛ لأنهم أفسدوا العقول والأديان، على خلق من المشايخ والعلماء، والملوك والأمراء، وهم يسعون في الأرض فساداً، ويصدون عن سبيل الله.20
9 ـ وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في شرحه لكتاب " فضل الإسلام "، ما نصّه: الذي يثني على أهل البدع ويمدحهم، هل يأخذ حكمهم؟
فأجاب - عفا الله عنه -: نعم ما فيه شكّ، من أثنى عليهم ومدحهم هو داعٍ لهم، يدعو لهم، هذا من دعاتهم، نسأل الله العافية.
قلت :فهذا كلام العلامة ابن باز ـ رحمه الله ـ وغيره مما سبق ذكره في حكم من مدح وأثنى على أهل البدع وذلك بعد العلم والذي هو محلّ إجماع لدى السلف الصالح ، وأنت قد أثنيت ومدحت كبار أهل البدع كعلي الحلبي والحويني ومحمد حسان وأشكالهم بل دافعت عنهم بالشبه الماكرة الباطلة وقد نوصحت في ذلك وأقيمت عليك الحجة ولم تبين حق الله في هؤلاء ، فلو طبّقنا منهج السلف الذي سبق ذكره وحذّرنا منك أكنّا ظلمة فجرة أم نصحة بررة لدين الله تبارك و تعالى.؟؟
خامسا :
يشتد النقد البناء المبني على الأدلة والبراهين في حال كون المجروح من أهل البدع لأنه من حفظ الديانة، ولأنَّ انحرافه يكون في مسائل عقدية ومنهجية، وهذا أعظم وأظهر من الغلط في الرواية.
قال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ: إنَّ أحكام الشيخ ربيع على الرجال، ليست مبنية على الاجتهاد، وإنما هي قائمة على دراسة واسعة لأقوال من ينتقدهم من المخالفين للمنهج السلفي وأهله، وفي مسائل أصولية؛ بعضها عقدي وبعضها منهجي.21
وقال الشيخ محمد بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ: من أقام الحجة بالجرح أو في جرحه فقوله المقدم على من خالفه كائنًا من كان، كائنًا من كان.
ولكن أحب أن أنبه هنا اليوم إلى شيء يغالط به اليوم، وهي قاعدة خبيثة أثرت وفتّكت في صفوف السلفيين فتك السهام بلا قوس ولا وتر، هذه القاعدة المجرمة الظالمة الآثمة الفاجرة" اختلافنا في غيرنا لا نجعله سببًا في اختلافنا فيما بيننا"، ما شاء الله.
يعني : إذا كان أنا وأنت نختلف هذا مبتدع وأنت تراه من علماء السنة أو من رؤوس السنة، وأنا أقيم لك الكلام من كلامها لأدلة من كلامه من طعنه في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعنه في كتاب الله، وطعنه في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعنه في بعض خلفاءه الراشدين، مثل هذا يقال فيه: (اختلافنا في غيرنا لا ينبغي أن يكون سببًا في اختلافنا فيما بيننا)؟، أبدًا هذا فجور وكذب.
إذ هذا مصنف مع أهل البدع، وأنت تريدني أصنّفه مع أهل السنة؟، أنت تدافع عنه وأنا أنصر السنة تريدنا سوا؟، لا والله حتى يعود اللبن في الضرع، أنا وأنت لسنا سوا، أنت في باب وأنا في باب آخر، أنت في المشرق وأنا عنك في المغرب، ما يمكن أن نلتقي أنا وإياك.... يا ناس: الحمية الدينية، والغيرة على دين الله-تبارك وتعالى-في قلوبكم الله الله أن تغتال فيسرقها هؤلاء السرَّاق، قطاع الطريق، إذا كان أهل التحزب سمَّاهم بعض مشايخنا قطاع طريق العلم أنا أقول: هؤلاء قطاع الطريق على السلفيين، ولم يرق لهم ذلك فوجهوا سهامهم إلى كل من دافع عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمَّوهم المجرحين، وغلاة التجريح، والإقصائيين وكذا وكَذا لأنهم لا يملكون الحجّة على ردّ ما قالوه، وهؤلاء يأتون بكلامهم مسجل بأصواتهم اسمعوا ماذا يقولون في أصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستطيعون أن ينكرونه... إذا اختلفنا في هذا هذا ثقة هذا ضعيف هذا صدوق هذا منكر الحديث هذا صح، هذا تقول لي كذاب أقول لك لا والله ما عرفت عليه الكذب صادق وهو سنّي، هذا ما يوجب الاختلاف بيننا، أما أن أقول لك بدعي وهذه بدعه وأنت تدافع عنه وتقول سنّي! كيف نجتمع أنا وأنت؟، أبدًا ما نجتمع.
فالكلام هذا يلبَّس بهذا الآن، يجعل عليه ثوب آخر، يقال كان الأولون يختلفون هذا يوثّقه وهذا يضعفه، طيب اختلفوا في توثيقه وتضعيفه، أما في البدعة أحمد إذا بدّع اتبعوه، إذا لم يستبن الأمر للعالم بينوا له، إذا لم يستبن الأمر للسني بينوا له، طيب بعد ذلك إذا ما عاد ألحقه به، يا أبا عبد الله أرأيت الرجل من أهل السنة مع رجل من أهل الأهواء أهجره لا أكلمه؟، قال: لا، حذره منه يمكن ما يدري صح ولا لأ؟، لا تظلمه يمكن ما يدري صح ولا لأ؟، لا تظلمه يمكن ما يدري، حذره منه، ثم بعد ذلك إيش؟، ثم إن رأيته بعد ذلك يماشيه فألحقه به هذه القاعدة عندنا.
سادسا :
إن لهذا التقعيد الباطل المبطل أثرا سيّئا في فتح الباب لأهل الأهواء والبدع بأن يحتجوا بروايات المجروحين إذا أيّدت مذهبهم بحجّة أن هؤلاء –المجروحين- لم يجمع أهل العلم على جرحهم ولأن أهل الحديث اختلفوا فيهم جرحا وتعديلا ،والأمثلة في ذلك لا تعدّ ولا تحصى بل جلّ المسائل التي خالف فيها مشركوا زماننا لهم مستند من الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، فبهذه القاعدة الفاسدة التي قعّدتها لا يحقّ لك أن تنكر على أحد منهم حتى ولو احتج على شركه أو على بدعته بحديث ضعيف ، -ولو أنك تراه حديثا لم يثبت- لأن كثيرا من الرواة مختلف فيهم جرحا وتعديلا ، -وهذا على مذهبك-، وهذا هو عين الضلال والانحراف والعياذ بالله ،والنماذج في ذلك كثيرة جدا لا تعدّ ولا تحصى ولولا مخافة أن يتعلّق أحد القراء بهذه الشبّه الخاطفة الضالة المضلّة لأكثرنا الأمثلة في ذلك ،لكن حسبنا أن ندلّل بمثالين اثنين:
1 ـ ما أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (9/17) رقم (5269) والطبراني في "الكبير"(10/267) رقم (10518) ، وابن السني في "عمل اليوم والليلة"ص(455) رقم (508).عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد يا عباد الله احبسوا ، يا عباد الله احبسوا، فإن لله حاضرا في الأرض سيحبسه.
والحديث ضعيف لا يصحّ لأن مداره على معروف بن حسان السمرقندي وهو ضعيف، قال ابن عدي ( 6/325):" منكر الحديث قد روى عن عمر بن ذر نسخة طويلة كلها غير محفوظة " قال الهيثمي في المجمع (10/132):" هو ضعيف ".
والحديث ضعّفه جماعة من أهل العلم ،انظر "الضعيفة"(655) .
وما أخرجه الطبراني في "الكبير" (17/117-118):حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي، حدثنا عبد الرحمن بن شريك ، حدثني أبي، عن عبد الله بن عيسى، عن زيد بن علي، عن عتبة بن غزوان، عن نبي الله صلى الله عليه وسلم، قال:" إذا أضل أحدكم شيئاً، أو أراد أحدكم عوناً وهو بأرض ليس بها أنيس، فليقل: يا عباد الله أغيثوني، يا عباد الله أغيثوني، فإن لله عباداً لا نراهم".وقد جُرِّب ذلك.
وهذا إسناد ضعيف، عبد الرحمن بن شريك القاضي ضعيف.
و أبوه وهو شريك بن عبد الله القاضي ضعيف أيضا.
والحديث قد ضعّفه جماعة من أهل العلم .انظر "الضعيفة" رقم (656) .
وما أخرجه ابن أبي شيبة (10/424): حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا نفرت دابة أحدكم أو بعيره بفلاة من الأرض لا يرى بها أحداً، فليقل: أعينوني عباد الله، فإنه سيعان".
و هذا إسناد رجاله ثقات، ما عدى محمد بن إسحاق فإنه صدوق، موصوف بالتدليس وقد عنعن هذا الخبر.وفيه علّة الإرسال.
الشاهد من هذا الحديث الضعيف وشواهده التي لا تنجبر:
أن الرواة الذين ضُعّف بسببهم هذا الحديث اختلف النقاد فيهم جرحا وتعديلا ولم يجمع على تبديعهم.
فلو جاءك قبوري مشرك يا مخلوف واستدل به وذكر في ذلك عن النووي وغيره ،فهل تغشّه وتلبّس وتدلّس عليه أمر دينه بأن أهل العلم اختلفوا في الرواة والأحاديث تصحيحا وتضعيفا،وأن المجال فيه سعة ،ولا يلزم التشديد في ذلك ؟؟
أو هو نفسه ذكر لك هذه الشبهة الشيطانية بأن أهل العلم لم يجمعوا على تبديعه ،هل تسلّم له في ذلك ؟؟؟
2 ـ من أدلّة القائلين بجواز التوسل بالأنبياء حديث دفن فاطمة بنت أسد الذي فيه" : الله الذي يحيي و يميت وهو حي لا يموت اغفر لأمي فاطمة بنت أسد و لقّنها حجتها و وسّع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين"
الشاهد من هذا الحديث أن رجال سنده رجال الصحيح ماعدى روح بن الصلاح اختلف فيه النقاد جرحا وتعديلا وممن وثّقه الإمام ابن حبان والحاكم .
وقد أورده الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في "الضعيفة"(ح 23) وأعلّه بروح بن الصلاح الذي قواه جماعة من أهل الأهواء بحجة أن ابن حبان والحاكم قد وثّقاه 22!!
فردّ عليهم الشيخ الألباني بجرح من جرّحه من العلماء محتجا بقاعدة سلفية ـ التي تقضّ مضاجع القوم ـ وهي قوله:الجرح مقدم على التعديل.
فبناء على قاعدتك المحدثة لا يجوز الإنكار على هؤلاء المبتدعة الذين أخذوا بهذا الحديث لأن الخلاف قائم في جرح وتعديل أحد رواته وهو "روح بن الصلاح" ولم ينعقد الإجماع على تبديعه.
أو الجرح المفسّر قد لا يكون مقنعاً على مذهبك ، أوعندما يأتي ابن عدّي وغيره بأسباب الجرح لهذا الراوي هل يصلح أن يقال له ومن لا يخطيء ؟
وهل الثقة لا بد أن يكون معصوماً من الخطأ ؟
و هذا هو عين منطق القوم اليوم.
سابعا:
إذا جرح أهل العلم بالأدلة والبراهين أهل الأهواء والبدع فإنه ملزمٌ الأخذُ به لمن بلغه ذلك وثبت عنده، ولا يقال مثلما يقوله المميّعون لأصول السلف الصالح: لا يلزمني الأخذ به لأن المسألة محل اجتهاد، ولازم هذا الأصل الفاسد الكاسد أن لا يقبل صاحبه بتبديع العلماء لا للجهم بن صفوان ولا للحارث المحاسبي ولا لحسين الكرابيسي ولا للجعد بن درهم ولا لواصل بن عطاء ولا لعمرو بن عبيد ولا لبشر المريسي ولا لسيد قطب ولا لابن لادن ولا لعلي بلحاج و لا لعلي الحلبي ولا للعيد شريفي ولا لغيرهم من أهل البدع قديماً وحديثاً، ولازم عدم تبديع هؤلاء أنّ أصولهم لا تخالف أصول السلف الصالح، ولهذا فهم لا يخرجون عن إطار أهل السنة والجماعة، وهذا من أبطل الباطل، بل هو داخل في تحريف الدين وتبديل الشرع المستبين.
سئل الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله:ما نصه :هل مسائل الجرح والتعديل اجتهادية؟ وكيف نرد على مَنْ يقول ذلك؛ وأنه لا يلزمني قول الشيخ الفلاني؟!
فأجاب بقوله:
مجموعة من المدسوسين على المنهج السلفي واللابسين للمنهج السلفي زوراً، ركَّزوا عل قضية الجرح والتعديل، "نصحح ولا نجرح" "نريد منهجاً واسعاً أفيح يسع الأمة كلها" "نصحح ولا نهدم"، يعني ما في تغيير لمنكر ولا بدعة ولا أي شيء، والأمة كلها في المنهج الواسع الأفيح، حتى الروافض يدخلون، وشرعوا يكيلون التّهم للجرح والتعديل ومن يقوم به، حتى وصل بعضهم [وهو الحلبي] إلى أن يقول: "إنَّ الجرح والتعديل ليس له أدلة في الكتاب ولا في السنة" الله أكبر!، قلتُ لهذا القائل: كيف تقول هذا الكلام؟! قال: "خطأ لفظي"!، بعدما نشره في أشرطة قال: "هذا خطأ لفظي"!، هذا خطأ جوهري، القران مليء بأدلة الجرح والتعديل، طعن في قوم فرعون، طعن في قوم نوح، طعن في قوم هود، في قوم صالح، في قريش، في أبي لهب في..، السنة فيها مليئة، منهج السلف فيها مليء، وهو سلاح في وجه أهل البدع، فيريدون تحطيم هذا السلاح، وتجريد السلفيين من هذا السلاح الذي استمد من كتاب الله ومن سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، طلع أول واحد يحارب الجرح والتعديل!، وطلع الثاني!، والثالث!، والرابع!...، والعاشر!، ويتبعهم أفواج!!، وهؤلاء الذين حذرتكم منهم، يلبسون لباس السلفية ويفرقون السلفيين بهذه القواعد وبهذه التأصيلات، بارك الله فيكم ...فهؤلاء يريدون أن يسقطوا قواعدنا التي قام عليها ديننا، وحديث رسول الله، والنقل عن الصحابة، والنقل عن الأئمة، بارك الله فيك، كثير منه يأتي عن العدل الواحد عن العدل الواحد ويمشي، ويجب قبول هذا بدليل {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} ، { وأشهدوا ذوي عدل منكم } وفي الأخبار يُكتفى بخبر الواحد فقط، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرسل شخصاً واحداً إلى كسرى وتقوم به الحجة، ويرسل إلى قيصر شخصاً واحداً فتقوم عليه الحجة، وإذا ما دخل في الإسلام بتبليغ رسالة هذا الفرد العدل الصادق، إذا رفض الإسلام ولم يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، رسول الله يجهز له الجيش، وجهز عليه الصلاة والسلام لغزوة تبوك للروم بناء على إنهم رفضوا هذه الدعوة التي بلغها رجل واحد، ويرسل إلى البحرين، ويرسل إلى عمان، ويرسل إلى اليمن، أفراداً يرسل وتقبل أخبارهم، وتبنى عليهم الحجة ومَنْ لا يقبل خبرهم تجهز له الجيوش، كيف الآن عشرة، خمسة عشر سلفياً يتفقون على قضية معينة فترفض، ويقول لا بد من الإجماع، ومن قواعدهم: أنه لا يقبل جرح وتعديل شخص ولو قال عشرة من الأئمة المعاصرين أنَّ فلاناً مبتدع، عنده كذا وكذا ما يقبل منهم. هذا من هؤلاء الذين حذرتكم منهم يدعون السلفية وهم يهدمون المنهج السلفي وقواعده وأصوله. وكم لهم من التأصيلات الفاسدة "لا يلزمني"، تجيء تنقلُ من كتاب: فلان قال في الكتاب الفلاني في الصفحة الفلانية كذا وكذا؛ ضلالاً واضحاً كالشمس، يقول لك: "ما يلزمني هذا الكلام"، أيّده عشرات في هذا الكلام يقول لك: "ما يلزمني"، عندهم قاعدة "ما يلزمني"، عندهم قواعد لرفض الحق، وقواعد لرد الحق، وقواعد في رد قواعد الجرح والتعديل، فتعلّموا قواعد الجرح والتعديل وانظروا منهج السلف، وسيروا على نهجهم، ودعوكم من هؤلاء المضللين المهوشين على دين الله الحق وعلى المنهج السلفي وأهله...وهكذا يتلاعبون بدين الله ، والآن التّلاعب ما يأتي من ناس واضحين ، معتزلي ، خارجي ، رافضي ، باطني ، ما تأتيك الشبه من هؤلاء ، تأتيك الشبه من ناس يدّعون أنهم سلفيّون ، وهم يقذفون بهذه الشّبه على المنهج السلفي ، وعلى الجرح والتعديل ، ومذهبهم هذا يعود على أصول السنة بالبطلان.23
ثامنا :
إن هذا التقعيد الذي قعّدته -أصلحك الله وهداك- معناه أنه لا ينكر على من أخذ بجرح أي جارح من العلماء الثقات الأمناء ،لأن مسائل الجرح والتعديل عنده لا يجوز الإنكار فيها ما دام أن أهل الحديث اختلفوا في الرواة جرحا وتعديلا.
نجد في المقابل أنه أول من يهدم وينقض هذه القاعدة الباطلة ،وذلك أنه لمّا قيل له أن بعضهم يحّذر من علي حسن عبد الحميد الملقب بالأثري بهتانا وزرا والحويني وأشكالهما من أهل الأهواء بناء على كلام أهل العلم فيهم ، غضب ودافع عنهم واعتذر لهم وقعّد لهم القواعد الباطلة في حمايتهم ،ورمى من يحذر منهم بالفواقر والعظائم من الإرجاف والحسد والحقد و.....
فعلى مذهبك أنك جنيت على إخوانك السلفيين باتهامك لهم بالأوصاف القبيحة المستهجة ،لأن أهل العلم مختلفون فيهم جرحا وتعديلا، والسلفي لا يتجنى على السلفيين ،كما قاله العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ فالواجب عليك أقلّ الأحوال أن تسكت وهذا على مذهبك ـ وإن كنا لا نقول به ـ.
قال الشيخ أحمد بازمول ـ حفظه الله ـ-معلقا على كلامه-: أيضا في كلامه هذا الرجل السابق الذي ذكرته ومع أيضا ما نقلته سابقا أننا نجد التناقض ففي الوقت الذي يدافع عن هؤلاء عن أهل الباطل نجده يحذّر أو يطعن من طرف خفيّ في أهل السنة وأيضا مما يلاحظ على هذا الرجل أنه يقول للشباب اسكتوا لا تخوضوا في هذه المسائل وهو يدافع عن هؤلاء ويقعد القواعد لهؤلاء ويضلّل الشباب السّلفي.
إذا أنت ماسكت وتريد من أهل الحق أن يسكتوا ماهذا التناقض وماهذه القواعد الجديدة التي لم نرها إلا عند هؤلاء المغرضين المخالفين للمنهج السلف الصالح رضوان الله عليهم.اهـ
تاسعا :
إن إجماع السلف منعقد على وجوب بيان حال المبتدعة والتحذير منهم وذلك من باب النصيحة وعدم الغش لهذه الأمة و عدم التعرض لسخط الجبار جلّ جلاله في كتمان الحق الذي أمروا بتبليغه، ثم تأتي يا هذا تزعم أنَّ جرح المبتدعة من قبل أهل العلم غير ملزم بحجة أن النقاد اختلفوا في الرواة جرحا وتعديلا، بل الأعجب من ذلك أنك تعلم أنَّ بعض هؤلاء الذين تدافع عنهم عندهم مخالفات عقدية، ولكن لا يلزم تبديعهم بل ولا توافق من بدعهم من أهل العلم ، و لو كان جرحهم مفسَّراً معتبراً، وعليه أدلة صحيحة صريحة وبراهين قاطعة مستنيرة، فأنت مخالف لهم في هذا الأصل ،وبيننا وبينك كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وكتب السلف.
ولقد حذر السلف الصالح من الثناء على أهل البدع والأهواء أشد التحذير وأجمعوا على ذلك نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم فإليك أخي القارئ المنصف بعضا من أقوالهم في نقلهم الإجماع فمن ذلك :
1 ـ قال الإمام الأوزاعي ـ رحمه الله ـ: اتقوا الله معشر المسلمين، واقبلوا نصح الناصحين، وعظة الواعظين، واعلموا أنَّ هذا العلم دين فانظروا ما تصنعون وعمن تأخذون وبمن تقتدون ومن على دينكم تأمنون؛ فإنَّ أهل البدع كلهم مبطلون أفَّاكون آثمون، لا يرعوون ولا ينظرون ولا يتقون ولا مع ذلك يؤمنون على تحريف ما تسمعون، ويقولون ما لا يعلمون في سرد ما ينكرون وتسديد ما يفترون، والله محيـط بما يعملون، فكونوا لهم حذرين متهمين رافضين مجانبين، فإنَّ علماءكم الأولين ومَنْ صلح من المتأخرين كذلك كانوا يفعلون ويأمرون، واحذروا أن تكونوا على الله مظاهرين، ولدينه هادمين، ولعراه ناقضين موهنين بتوقير لهم أو تعظيم أشد من أن تأخذوا عنهم الدين وتكونوا بهم مقتدين ولهم مصدِّقين موادعين مؤالفين، معينين لهم بما يصنعون على استهواء من يستهون، وتأليف من يتألفون من ضعفاء المسلمين لرأيهم الذي يرون، ودينهم الذي يدينون، وكفى بذلك مشاركة لهم فيما يعملون.24
2 ـ وقال الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني - رحمه الله - حاكياً مذهب السلف أهل الحديث:واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم، وإخزائهم، وإبعادهم، وإقصائهم، والتباعد منهم، ومن مصاحبتهم، ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم.25
وقال أيضاً: ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرّت وجرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرّت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره.26
3 ـ وقال القاضي أبي يعلى ـ رحمه الله ـ: بعد أن تكلم عن هجر أهل المعاصي والبدع: ولأنّه إجماع الصحابة، روى أبو بكر الخلال بإسناده عن عطاء أن رجلاً باع ذهباً أو ورقاً بأكثر من وزنها، فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل فقال الرجل: ما أرى به بأسا فقال أبو الدرداء: من يعذرني من فلان أحدثه عن رسول الله ويخبرني عن رأيه، لا ساكنتك بأرض أنت ساكنها أبدا.
وروى بإسناده عن سعيد بن جبير: أن قريباً لعبدالله بن المغفل خذف فنهاه وقال: إنّ رسول الله نهى عن الخذف؛ لأنّها لا تصيد صيداً ولا تنكئ عدواً ولكنها تكسر السنّ وتفقأ العين، قال: فعاد، فقال: أحدّثك عن رسول الله ثم تخذف لا أكلمك أبداً ... ثم ذكر عدداً من الآثار عن الصحابة في ذلك ثم قال:
ولأنه إجماع التابعين، فروى أبو بكر بإسناده عن أيوب قال: قال لي سعيد بن جبير: أراك مع طلق -يعني ابن حبيب؟ قال: قلت بلى. قال: لا تجالسه فإنه مرجئ.
وبإسناده عن محل الضبي قال: تكلم رجل عند إبراهيم في الإرجاء، فقال له إبراهيم: إذا قمت من عندنا فلا تعد إلينا.27
4 ـ وقال الإمام البغوي - رحمه الله -: وفيه دليل –أي: حديث كعب بن مالك- على أن هجران أهل البدع على التأبيد، وكان رسول صلى الله عليه وسلم خاف على كعب وأصحابه النفاق حين تخلفوا عن الخروج معه فأمر بهجرانهم إلى أن أنزل الله توبتهم، وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم براءتهم، وقد مضت الصحابة والتّابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم.28
5 ـ وقال الإمام القرطبي ـ رحمه الله ـ:- بعد أن ذكر تحريم الهجر فوق ثلاث -: وهذا الهجران الذي ذكرناه هو الذي يكون عن غضب لأمر جائز لا تعلق له بالدين.
فأما الهجران لأجل المعاصي والبدعة فواجب استصحابه إلى أن يتوب من ذلك، ولا يختلف في هذا.29
6 ـ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: صح عنه أنه هجر كعب بن مالك، وصاحبيه - رضي الله عنهم - لما تخلفوا عن غزوة تبوك وظهرت معصيتهم وخيف عليهم النفاق فهجرهم، وأمر المسلمين بهجرهم حتى أمرهم باعتزال أزواجهم بغير طلاق خمسين ليلة، إلى أن نزلت توبتهم من السماء.وكذلك أمر عمر - رضي الله عنه - المسلمين بهجر صبيغ بن عسل التميمي، لما رآه من الذين يتبعون ما تشابه من الكتاب، إلى أن مضى عليه حول، وتبين صدقه في التوبة، فأمر المسلمين بمراجعته.
فبهذا أو نحوه رأى المسلمون أن يهجروا من ظهرت عليه علامات الزيغ من المظهرين للبدع الداعين إليها والمظهرين للكبائر، فأما من كان مستتراً بمعصيته أو مسراً لبدعة غير مكفرة، فإن هذا لا يهجر، وإنما يهجر الداعي إلى البدعة إذ الهجر نوع من العقوبة وإنما يعاقب من أظهر المعصية قولاً وعملاً وأما من أظهر لنا خيراً فإنّا نقبل علانيته، ونكل سريرته إلى الله تعالى، فإن غايته أن يكون بمنزلة المنافقين الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم، ويكل سرائرهم إلى الله، لما جاءوا إليه عام تبوك يحلفون ويعتذرون.
ولهذا كان الإمام أحمد وأكثر من قبله وبعده من الأئمة كمالك وغيره لا يقبلون رواية الداعي إلى بدعة ولا يجالسونه بخلاف الساكت، وقد أخرج أصحاب الصحيح عن جماعات ممن رمي ببدعة من الساكتين، ولم يخرجوا عن الدعاة إلى البدع.
وقال - رحمه الله -:ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبارات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحبّ إليك أو يتكلم في أهل البدع ؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل.
فبيّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً.31
7 ـ قال ابن مفلح في كتابه" الآداب الشرعية ":قال القاضي: وروى الخلال عن ابن مسعود أنه رأى رجلا يضحك في جنازة. فقال: أتضحك مع الجنازة؟ لا أكلمك أبداً … وبإسناده عن مجاهد قلت لابن عباس: إن أتيتك برجل يتكلم في القدر؟ فقال: لو أتيتني به لأوجعت رأسك، ثم قال: لا تكلمهم ولا تجالسهم.
وقال سعيد بن جبير لأيوب: لا تجالس طلق بن حبيب فإنه مرجئٌ.
وقال إبراهيم لرجل تكلم عنده في الإرجاء: إذا قمت من عندنا فلا تعد إلينا.
وقال محمد بن كعب القرظي: لا تجالسوا أصحاب القدر ولا تماروهم.
وكان حماد بن سلمة إذا جلس يقول: من كان قدرياً فليقم.
وعن طاووس، وأيوب، وسليمان التيمي، وأبي السوار، ويونس بن عبيد معنى ذلك.
قال القاضي: هو إجماع الصحابة والتابعين.
وقال ـ رحمه الله ـ: وذكر الشيخ موفق الدين - رحمه الله - في المنع من النظر في كتب المبتدعة، قال: كان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع، والنظر في كتبهم والاستماع لكلامهم.
إلى أن قال: وإذا كان أصحاب النبي ومن اتبع سنتهم في جميع الأمصار والأعصار متفقين على وجوب اتباع الكتاب والسنة وترك علم الكلام، وتبديع أهله، وهجرانهم، والخبر بزندقتهم وبدعتهم، فيجب القول ببطلانه وأن لا يلتفت إليه ملتفت ولا يغترّ به أحد.33
8 ـ وقال الإمام الشاطبي ـ رحمه الله ـ:إجماع السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم على ذمّها –أي: البدع- كذلك، وتقبيحها والهروب عنها، وعمن اتسم بشيء منها، ولم يقع منهم في ذلك توقف ولا مثنويّة، فهو - بحسب الاستقراء - إجماع ثابت، فدل على أن كل بدعة ليست بحق، بل هي من الباطل.34
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ ـ رحمه الله ـ: ضمن تحذيره من بعض الضالين من أهل البدع من جهة عمان،كانوا قد كتبوا أوراقاً للتلبيس على عوام المسلمين :ومن السنن المأثورة عن سلف الأمة وأئمتها وعن إمام السنة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل - قدس الله روحه - التشديد في هجرهم وإهمالهم، وترك جدالهم واطّراح كلامهم، والتباعد عنهم حسب الإمكان، والتقرب إلى الله بمقتهم وذمهم وعيبهم.35
"ولو ذهبنا نذكر أقوال العلماء لطال الكلام والمقصود التنبيه على أنّ هذا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهدي أصحابه والتابعين لهم بإحسان هجر أهل المعاصي والبدع، ودرج على ذلك أفاضل العلماء من الأئمة الأعلام فمن أخذ بهديهم وسار بسيرهم، فقد سار على الصراط المستقيم."36
عاشرا :
إن العلماء الذين اختلفوا في الرواة جرحا وتعديلا كما ذكرت وأن المسألة محلّ اجتهاد ولا إلزام في ذلك ، يلزم من هذا التقعيد المستهجن أن تكون معظم السنة مختلف في حكمها من جهة الصحّة والضعف و لا إنكار في ذلك، وبذلك تضيع السنن.
فإذا أراد مبطلٌ تصحيح حديث أحد الضعفاء ، فما عليه سوى أن يأتي بالتوثيق الوارد فيه ولا ننكر عليه لأنها داخلة في مسائل الجرح والتعديل الاجتهادية المختلف فيها ولا إلزام في ذلك!!
وإذا أراد مبطل تضعيف حديث ما , فما عليه سوى إيجاد التضعيف الوارد في أحد رواته الثقات - الذي سيكون بطبيعة الحال من تلكم الكثرة الكاثرة الذين اختلفوا فيهم جرحا وتعديلا - وعلينا بزعمك ألا ننكر عليه فالمسألة محلّ اجتهاد!!
وهذا لا يقوله حتى أطفال أهل الحديث فضلا أن يقرّره من تصدّر للدعوة وإرشاد الناس.
الحادي عشر :
إذا جرح عالم عارف بأسباب الجرح رجلا بأنه من أهل الأهواء ودلّل على ذلك بالحجج و البراهين الساطعة النيرة ، فإنَّ الواجب قبول كلامه، لأنّهَ من باب خبر الثقة وهو واجب قبوله ولا يخالف في ذلك إلا الأهواء والبدع وهو الذي دلَّ عليه الكتاب والسنة والإجماع.
قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } [6/49]
قال عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ مفسرا هذه الآية: وهذا أيضاً من الآداب التي على أولي الألباب التأدب بها واستعمالها، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بخبر أن يتثبتوا في خبره، ولا يأخذوه مجرداً، فإنَّ في ذلك خطراً كبيراً ووقوعاً في الإثم، فإنَّ خبره إذا جعل بمنزلة خبر الصادق العدل حكم بموجب ذلك ومقتضاه؛ فحصل من تلف النفوس والأموال بغير حق بسبب ذلك الخبر، ما يكون سبباً للندامة. بل الواجب عند خبر الفاسق التثبت والتبين؛ فإنْ دلَّت الدلائل والقرائن على صدقه عمل به وصُدِّق، وإنْ دلَّت على كذبه كُذِّب ولم يعمل به، ففيه دليل على أنَّ خبر الصادق مقبول، وخبر الكاذب مردود، وخبر الفاسق متوقف فيه؛ كما ذكرنا، ولهذا كان السلف يقبلون روايات كثير من الخوارج المعروفين بالصدق ولو كانوا فساقاً.37
قال الخطيب البغدادي ـ رحمه الله ـ : في "الكفاية في علم الرواية"38 عدة أدلة على وجوب الأخذ بخبر العدل؛ ثم قال: وعلى العمل بخبر الواحد كان كافة التابعين ومن بعدهم من الفقهاء الخالفين في سائر أمصار المسلمين إلى وقتنا هذا، ولم يبلغنا عن أحد منهم إنكار لذلك، ولا اعتراض عليه، فثبت أنَّ من دين جميعهم وجوبه؛ إذ لو كان فيهم من كان لا يرى العمل به لنقل إلينا الخبر عنه بمذهبه فيه، والله اعلم.
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه "إعلام الموقعين"39 أثناء ردّه على شبهات أهل التقليد :...وقبول خبر المخبر عمن أخبر عنه بذلك وهلم جراً فهذا حق لا ينازع فيه أحد!.
..ومن هذا الباب: تقليد الأعمى في القبلة ودخول الوقت لغيره؛ وقد كان ابن أم مكتوم لا يؤذن حتى يقلد غيره في طلوع الفجر ويقال له: أصبحت أصبحت. وكذلك تقليد الناس للمؤذن في دخول الوقت.
وتقليد من في المطمورة لمن يعلمه بأوقات الصلاة والفطر والصوم وأمثال ذلك.
ومن ذلك: التقليد في قبول الترجمة في الرسالة والتعريف، والتعديل والجرح؛ كل هذا من باب الأخبار؛ التي أمر الله بقبول المخبر بها إذا كان عدلا صادقا.
وقد أجمع الناس على قبول خبر الواحد في الهدية، وإدخال الزوجة على زوجها، وقبول خبر المرأة ذمية كانت أو مسلمة في انقطاع دم حيضها لوقته، وجواز وطئها أو نكاحها بذلك، وليس هذا تقليد في الفتيا والحكم!!.
وإذا كان تقليداً؛ لها فإنَّ الله سبحانه شرع لنا أن نقبل قولها ونقلدها فيه، ولم يشرع لنا أن نتلقى أحكامه عن غير رسوله،فضلاً عن أن نترك سنة رسوله لقول واحد من أهل العلم ونقدم قوله على قول من عداه من الأمة.40
وهذا ليس من باب التقليد، إنما هو من قبيل إتباع الحجة والعمل بالدليل، وهو الأمر بقبول خبر الثقة.
وقال العلامة الصنعاني ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه "توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار" 41 والتزكية والجرح: من باب الأخبار؛ إذ مفاد قوله المزكي: "فلان عدل" أي: آتٍ بالواجبات تارك للمقبحات محافظ المروءة، وقوله جرحاً: "هو فاسق" لشربه الخمر مثلاً، الكل إخبار عدل، يجب قبوله لقيام الأدلة على العمل بخبر العدل، وليس تقليداً له.
كما سلف للمصنف رحمه الله نظيره في قول العدل: "هذا الحديث صحيح"، فإنه قال: إنه خبر عدل، وإنَّ قبوله ليس من التقليد، وإنْ كان ناقض نفسه في محل آخر، وقد قررنا الصحيح من كلاميه.
والحاصل: أنَّ الدليل قد قام على قبول خبر العدل؛ إما عن نفسه بأن يخبر بـ"أنه ابن فلان" أو "أنَّ هذه داره أو جاريته"، فهذا لا كلام في قبول خبره عنه بالضرورة الشرعية، بل يقبل خبر الفاسق بذلك، بل أبلغ من هذا أنه يجب قبول قول الكافر "لا إله إلا الله" ويحقن دمه وماله ونعامله معاملة أهل الإيمان؛ لإخباره بالتوحيد وإن كان معتقداً لخلافه في نفس الأمر كالمنافق.
وإن كان خبره عن غيره كروايته للأخبار قُبِلَ أيضا، وإن كان عن صفة غيره بأنه "عدل" أو "فاسق" قبل أيضاً، إذ الكل خبر عدل، وقبول خبره ليس تقليداً له، بل لما قام عليه من الدليل في قبول خبره، هذا تقرير كلام أهل الأصول وغيرهم، ولنا فيه بحث أشرنا إليه في أوائل" حاشية ضوء النهار".
و قال ـ رحمه الله ـ أيضا : رسمَ الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في كتابه "نخبة الفكر" الحديث الصحيح بأنه: ما نقله عدل تام الضبط متصل السند غير معلل ولا شاذ، وقال: وهو الصحيح لذاته، وقريب منه رسمَ ابنُ الصلاح وزينُ الدين بأنه: ما اتصل إسناده بنقل عدل ضابط عن مثله من غير شذوذ ولا علة قادحة.
إذا عرفتَ هذا؛ فهذه خمسة قيود: ثلاثة وجودية، واثنان عدميان، وكلها إخبار، كأنه قال الثقة حين قال "حديث صحيح": هذا الحديث رواته عدول مأمونون الضبط متصل إسنادهم لم يخالف فيه الثقة ما رواه الناس وليس فيه أسباب خفية طرأت عليه تقدح في صحته، وحينئذ قول الثقة "صحيح" يتضمن الإخبار بهذه الجمل الخمس، وقد تقرر بالبرهان الصحيح: أنَّ الواجب أو الراجح العمل بخبر العدل والقبول له، وتقرر أنَّ قبوله ليس من التقليد لقيام الدليل على قبول خبره.42
فهذه نقول صريحة من كلام أهل العلم أن قول علماء الجرح والتعديل المعتبرين هو من باب الأخبار، وهو مبني على الحفظ والخبرة والمعرفة، وليس مدار كلامهم على الرأي والاجتهاد المبني على تفاوت الأفهام واختلاف العقول.
وقد ردّ الشيخ ربيع بن هادي ـ حفظه الله ـ على علي حسن الحلبي -هذه الشبهة الشيطانية التي تهدم أصلا من أصول أهل السنة- بقوله : إن أقوال أئمة الجرح والتعديل الأمناء الصادقين العادلين من باب الأخبار؛ لأنها قائمة على دراسات لأحوال الرواة ورواياتهم وعلى معرفتهم بسيرهم وأخلاقهم وصدقهم وضبطهم وإتقانهم، أو كذبهم أو سوء حفظهم أو سوء معتقدهم، ومن طرق كثيرة توصلهم إلى معرفة مراتب الرجال ومراتب رواياتهم؛ لأن الله الذي تعهد بحفظ دينه أحلهم هذه المنـزلة.
فيجب على المسلمين قبول أخبارهم عن أحوال الرجال وعن أحوال رواياتهم وعقائدهم، هذا هو الأصل.
ومن الأدلة على أن أقوال العلماء في الجرح والتعديل من باب الأخبار الحديثان النبويان الآتيان :
عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: مر بجنازة فأثني عليها خيرا فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم وجبت وجبت وجبت ومرّ بجنازة فأثني عليها شرا فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم :وجبت وجبت وجبت ،قال عمر فدى لك أبي وأمي مر بجنازة فأثني عليها خيرا فقلت وجبت وجبت وجبت ومر بجنازة فأثني عليها شرا فقلت وجبت وجبت وجبت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض" ، متفق عليه، أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (1367)، ومسلم حديث (949)، واللفظ لمسلم.
الشاهد من هذا الحديث:
1ـ إقرار النبي صلى الله عليه وسلم شهادة بعض أصحابه على أناس بالخير والشر.
2- حكمه صلى الله عيه وسلم بالجنة لمن شُهد له بالخير، وبالنار لمن شُهد عليه بالشر، بناء على هذه الشهادة.
3- قوله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات تأكيداً لما سبق : أنتم شهداء الله في الأرض.
4- أئمة الجرح والتعديل من أفضل وأكمل شهداء الله في الأرض بعد صحابة محمد صلى الله عليه وسلم ، فيجب أن تُقبل أخبارهم في الجرح والتعديل، ولا يردها إلا ضال مضل.
...فعمر والصحابة -رضي الله عنهم- على هذا المنهج في قبول الجرح والتعديل من الثقات، واعتبار ذلك من الأخبار، لا من الأحكام، ولعل الذين شهدوا في عهد عمر -رضي الله عنه- من التابعين، وعلماء السنة على هذا المنهج.
قال الخطيب البغدادي في "الكفاية" (ص39) خلال استدلاله على مشروعية الجرح للنصيحة :ففي قول النبي صلى الله عليه و سلم للرجل بئس رجل العشيرة دليل على أن أخبار المخبر بما يكون في الرجل من العيب على ما يوجب العلم والدين من النصيحة للسائل ليس بغيبة إذ لو كان ذلك غيبة لما أطلقه النبي صلى الله عليه و سلم وإنما أراد عليه السلام بما ذكر فيه والله أعلم أن بئس للناس الحالة المذمومة منه وهى الفحش فيجتنبوها لا أنه أراد الطعن عليه و الثلب له وكذلك أئمتنا في العلم بهذه الصناعة إنما أطلقوا الجرح فيمن ليس بعدل لئلا يتغطى أمره على من لا يخبره فيظنه من أهل العدالة فيحتج بخبره والإخبار عن حقيقة الأمر إذا كان على الوجه الذي ذكرناه لا يكون غيبة.
ثم قال : ومما يؤيد ذلك حديث فاطمة بنت قيس ،وساق إسناده إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب بالشام...وساق الحديث إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "فإذا حللت فآذنيني"، قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبى سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحى أسامة بن زيد"، قالت: فكرهته، ثم قال: "انكحى أسامة بن زيد"، فنكحته، فجعل الله فيه خيرا كثيرا واغتبطت به.
ثم قال: في هذا الخبر دلالة على أن إجازة الجرح للضعفاء من جهة النصيحة لتجتنب الرواية عنهم وليعدل عن الاحتجاج بأخبارهم لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما ذكر في أبى جهم أنه لا يضع عصاه عن عاتقه وأخبر عن معاوية أنه صعلوك لا مال له عند مشورة استشير فيها لا تتعدى المستشير كان ذكر العيوب الكامنة في بعض نقلة السنن التي يؤدى السكوت عن إظهارها عنهم وكشفها عليهم إلى تحريم الحلال وتحليل الحرام وإلى الفساد في شريعة الإسلام أولى بالجواز وأحق بالإظهار .
أقول: الشاهد منه استدلال الخطيب بهذين الحديثين على مشروعية الجرح للنصيحة وبأن قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الرجل: "بئس أخو العشيرة" من باب الإخبار ومن باب النصيحة وتحذير للناس من أن يقعوا في الفحش، وأن أئمة الإسلام إنما أطلقوا الجرح في من ليس بعدل؛ لئلا يتغطى أمره على من لا يخبره فيظنه من أهل العدالة فيحتج بخبره،أي أن العلماء إنما أطلقوا الجرح في المجروحين إلا لأنهم يقصدون بذلك النصح للمسلمين.
واستدل بحديث فاطمة بنت قيس على جواز الجرح للضعفاء من جهة النصيحة.
واعتبر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيحة لفاطمة بأن أبا جهم لا يضع عصاه عن عاتقه، وأخبر أن معاوية صعلوك لا مال له، اعتبر الخطيب هذا الكلام من باب الأخبار، لا من باب الأحكام43 ..ومن قواعدهم: أنه لا يقبل جرح وتعديل شخص ولو قال عشرة من الأئمة المعاصرين أنَّ فلاناً مبتدع، عنده كذا وكذا ما يقبل منهم،هذا من هؤلاء الذين حذرتكم منهم يدعون السلفية وهم يهدمون المنهج السلفي وقواعده وأصوله.44
وقال شيخنا محمد بازمول ـ حفظه الله ـ: هكذا يرد بعض الناس كلام العلماء في التحذير ممن تلبس ببدعة،ويدفع في صدور العلماء بعبارته هذه، مضيعاً حقوق العلماء الثقات اللازمة عليه. وسأبين بطلان هذه العبارة من خلال الوقفات التالية سائلاً الله التوفيق والهدى والرشاد والسداد:
الوقفة الأولى: اعلم ـ وفقني الله وإياك لمرضاته ـ أن كلام العلماء في التحذير من أهل البدع هو من باب الخبر لا من باب الاجتهاد، وعليه فإن الواجب قبول خبر الثقة وعدم ردّه، و لا يدفع في صدره بأن يقول القائل: لا آخذ به حتى أقف على وجود هذا الأمر في الشخص المجروح!
وعلى ذلك؛ فإن هذه العبارة تتعارض مع هذا الأصل المعروف عندأهل العلم (أعني: أن خبر الثقة مقبول).
الوقفة الثانية: قبول خبر الثقة اتباع له، و ليس من باب التقليد، والخلط بين البابين يوقع في خبط لا يليق بطالب العلم، وبيان ذلك:
أن التقليد أخذ بقول غيرك وجعله كالقلادة تحيط بعنقك يحولك إلى أي جهة، بينما الاتباع أخذ بالحجة التي أظهرها لك غيرك. وخبر الثقة أنت تتبعه ولا تتقلده.
ولأوضح لك أكثر: إذا جاءك خبر عن إمام بشأن راوي من الرواة أنه يقول بكذا وبكذا من أقوال أهل البدع، فهل أخذك بكلام هذا الإمام هو من باب التقليد أو الاتباع؟ الجواب: هو من باب الاتباع لا التقليد.
لو فرضنا أن إماماً من أئمة الجرح عدّل هذا الراوي الذي جرحه هذا الإمام، فهل يسع الإمام الذي عدّله أن يرد جرح الإمام الذي جرحه أو يلزمه قبوله؟
الجواب (حسب المقرر في علوم الحديث): يلزمه قبوله، لماذا ؟ لأن الجرح المفسر مقدم على التعديل، ولا يصح أن يقال: على المعدل الذي عرف هذا الراوي بالعدالة أن يرد جرح الراوي حتى يقف هو بنفسه على هذا الجرح لا يصح هذا لأن مع الجارح زيادة علم يجب عليه قبولها، وعلينا اتباعه فيها إذ الجرح مقدم على التعديل...... تطبيق هذه العبارة: يفضي إلى أمور من الباطل لو تنبه لها هذا القائل لعله كان عدل عنها، من ذلك: يلزم منها إسقاط كلام الأئمة في الجرح والتعديل، فما يعود أحد يقبل كلامه في الجرح والتعديل، فهذا الرجل يعرفه فلان فلا يقبل فيه كلام غيره، وهذا يعرفه فلان فلا يقبل فيه كلام غيره، وهكذا يضيع علم الجرح والتعديل
من لوازمها الباطلة إحداث خلل في قواعد العلم يفضي إلى ضرب من العبث والفوضى، مما جعل بعض العلماء يقول: تقليد منظم و لا اجتهاد أهوج.
ومن لوازمها الباطلة: الإخلال بأدب الطالب مع العلماء، وإهدار حقوقهم.
الثاني عشر :
من المعلوم لديك هداك الله أن هناك فرقا بين المسائل الخلافية وبين المسائل الاجتهادية وهي التي ليس فيها نص صحيح صريح أو جاء فيها النص لكنه ليس خاليا من المعارض القريب في القوة من حيث الثبوت أو الدلالة.
أما إذا كانت الأدلة ظاهرة مثل الشمس في رابعة النهار ولا يوجد معارض مثلها أو أقوى منها فهذه لا تعدّ من المسائل الاجتهادية التي مفهومها عندك أنه لا يجوز الإلزام أو الإنكار فيها فتنبّه.
وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلاف له حظ من النظر
فلا يصح الاحتجاج بالخلاف في ردّ الحجج والبراهين فهذا مسلك مشين قد عرف به أهل الأهواء والبدع، ولا يصح إطلاق القول بأنه لا إنكار في مسائل الخلاف!، ولا ينبغي تتبّع رخص العلماء وزلّاتهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : والصواب الذي عليه الأئمة: أنَّ مسائل الاجتهاد لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوبا ظاهراً؛ مثل: حديث صحيح لا معارض من جنسه، فيسوغ له إذا عُدم ذلك فيها الاجتهاد؛ لتعارض الأدلة المتقاربة، أو لخفاء الأدلة فيها.46
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: "وقولهم "إن مسائل الخلاف لا إنكار فيها" ليس بصحيح؛ فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول والفتوى أو العمل.
أما الأول فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعا شائعا وجب إنكاره اتفاقا، وإن لم يكن كذلك فإن بيان ضعفه ومخالفته للدليل إنكار مثله.
وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره بحسب درجات الإنكار.
وكيف يقول فقيه لا إنكار في المسائل المختلف فيها والفقهاء من سائر الطوائف قد صرحوا بنقض حكم الحاكم إذا خالف كتابا أو سنة وإن كان قد وافق فيه بعض العلماء؟
وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم تنكر على من عمل بها مجتهدا أو مقلدا.
وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس ممن ليس لهم تحقيق في العلم.
والصواب ما عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوبا ظاهرا مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه فيسوغ فيها -إذا عدم فيها الدليل الظاهر الذي يجب العمل به- الاجتهاد لتعارض الأدلة أو لخفاء الأدلة فيها.47
وقال ـ رحمه الله ـ: وهذا يردّ قول من قال: لا إنكار في المسائل المختلف فيها، وهذا خلاف إجماع الأئمة، ولا يعلم إمام من أئمة الإسلام قال ذلك ...48
وأنكر الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ أن يكون عدم الإنكار في اختلاف العلماء في الرواة جرحا وتعديلا من باب المسائل الاجتهادية،حيث قال في "الضعيفة"49 بعد تضعيفه لحديث مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم :"يكون في آخر الزمان قوم يُنْبَزُون : الرافضة ؛ يَرْفضون الإسلام ويَلفِظونه ، فاقتلوهم فإنهم مشركون".
قال : وهذا إسناد ضعيف ؛ عمران التغلبي - بالتاء المثناة من فوق والغين المعجمة ، وقيل : بالثاء المثلثة والعين المهملة ، (انظر التعليق على "الإكمال" و"الخلاصة ، للخزرجي) - وهو ضعيف . ومثله الحجاج بن تميم ؛ بل قال فيه الذهبي :" واهٍ "،وأما قول الهيثمي في "المجمع ، (9/22) :"رواه أبو يعلى والبزار والطبراني ، ورجاله وثِّقوا ، وفي بعضهم خلاف فهو من تساهله ؛ لأنه ليس كل خلاف يعتد به ، ولا سيما إذا لم يكن هناك إلا مخالف واحد..... وأما الهيثمي فقال :"رواه الطبراني ، وإسناده حسن" ! كذا قال ، وهو من تساهله الذي أشرت إليه آنفاً ، وخلاصته : أنه اعتمد توثيق ابن حبان للحجاج هذا ، وأعرض عن تجريح من جرحه. قلت :وقد بيّنا عدّة نماذج عن الشيخ ـ رحمه الله ـ فلتراجع.50
الثالثة عشر :
إن مسائل الاجتهاد إذا ظهرت فيها الحجة في أحد الأقوال فيجب الانقياد لها؛ ولا يكون المرء فيها مخيراً بحسب ما يشتهيه هواه، وليس له سعة في اختيار أحد الأقوال.
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ :إنَّ مثل هذه المسألة أو نحوها من "مسائل الاجتهاد"؛ لا يجوز لمن تمسَّك فيها بأحد القولين أن ينكر على الآخر بغير حجة ودليل، فهذا خلاف إجماع المسلمين.51
فالشاهد أنه ـ رحمه الله ـ مع أنها مسائل اجتهادية وقد ضرب عدّة أمثلة من مسائل اختلف فيها أهل العلم ، لكنه أوجب الانقياد إلى أحد الأقوال إذا ظهرت الحجة فيه.
وقال ـ رحمه الله ـ:وقولهم: "مسائل الخلاف لا إنكار فيها" ليس بصحيح؛ فإنَّ الإنكار إما أن يتوجَّه إلى القول بالحكم، أو العمل. أما الأول: فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعًا قديمًا وجب إنكاره وفاقًا، وإنْ لم يكن كذلك فإنه ينكر بمعنى بيان ضعفه عند مَنْ يقول "المصيب واحد" وهم عامة السلف والفقهاء. وأما العمل: فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره أيضًا بحسب درجات الإنكار؛ كما ذكرناه من حديث شارب النبيذ "المختلف فيه"، وكما يُنقض حكم الحاكم إذا خالف سنة؛ وإنْ كان قد اتبع بعض العلماء!!. وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ: فلا ينكر على مَنْ عمل بها مجتهدًا أو مقلدًا.
وإنما دخل هذا اللبس من جهة أنَّ القائل يعتقد: أنَّ مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد!!؛ كما اعتقد ذلك طوائف من الناس!.
والصواب الذي عليه الأئمة: أنَّ مسائل الاجتهاد لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوبًا ظاهرًا؛ مثل: حديث صحيح لا معارض من جنسه، فيسوغ له - إذا عُدم ذلك - فيها الاجتهاد؛ لتعارض الأدلة المتقاربة أو لخفاء الأدلة فيها.52
فالمسائل الاجتهادية لها صورتان؛ تعارض الأدلة المتقاربة، أو خفاء الأدلة؛ كما ذكر ذلك ابن تيمية ـ رحمه الله ـ، وأما إذا كانت الأدلة واضحة والبراهين قاطعة فليست المسألة حينئذ من مسائل الاجتهاد التي لا إنكار فيها، وإنما من مسائل الخلاف التي يسوغ فيها الإنكار، بل يجب فتبّنه.
الرابعة عشر:
إذا كان الجرح والتعديل من مسائل الاجتهاد فلماذا تنكر وتحارب أنت وأشياعك من يبدّع ويحذّر من الحلبي والحويني ومن حذا حذوهم ،وتلزمونهم بلسان الحال بتعديلهم ،مع أن أهل العلم لم يجمعوا على تعديلهم ـ وإن كنا لا نقوله به ـ.
وهذا صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه :
عبد الحميد الهضابي
11 / 10 /1433
بمكة المكرمة


الحواشي :
1 ـ من مقطع صوتي .
2 ـ «الحث على المودة والائتلاف» (ص60-61)
3 ـ وهو قول الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ: و أيضا: فمن زعم أنه لا يرى التقليد ولا يقلد دينه أحدا فهو قول فاسق عند الله ورسوله يريد بذلك إبطال الأثر وتعطيل العلم والسنة والتفرد بالرأي والكلام والبدعة والخلاف.
4 ـ "فتح المغيث" (2/198).والنص هذا نسبه للعضد الشافعي.
5 ـ "أئمة الجرح والتعديل هم حماة الدين"
6 ـ "رسالته إلى أهل زبيد "(ص 100)
7 ـ (ص : 21)
8 ـ "الإبانة "لابن بطة ( 2/453 ) .
9 ـ " العلل " برواية عبد الله: (1/412- رقم: 867) .
10 ـ "سير أعلام النبلاء"(7/288)
11 ـ "الجرح والتعديل" (3/464)
12 ـ" تهذيب التهذيب" (3 / 248 )
13 ـ "طبقات الحنابلة" ( 1/160 ) ، و"مناقب أحمد" لابن الجوزي ( ص : 250 ) .
14 ـ وكان عند السلف الصالح الذي يجالس أهل البدع أشد وأخطر من أهل البدع، قال عبدالله بن عون ـ رحمه الله ـ: «من يجالس أهل البدع أشد علينا من أهل البدع " الإبانة " (2/473) .
15ـ "مناقب أحمد" لابن الجوزي" ( ص : 250 ) .
16 ـ "طبقات الحنابلة" (1/234)
17 ـ "شرح السنة"(ص : 121 ) .
18 ـ "حز الغلاصم في إفحام المخاصم" ( ص : 110-111 ) .
19 ـ مجموع الفتاوى (2/133)
20 ـ مجموع الفتاوى ( 2/132 ) .
21 ـ "نصيحته لأهل العراق"( ص25)
22 ـ انظر " مجمع الزوائد " ( 9 / 257 )
23 ـ "محاضرة ألقاها بالمدينة النبوية" في يوم الخميس 28 شوال 1431 هـ
24 ـ "تاريخ دمشق" (6/361-362)
25 ـ عقيدة السلف وأصحاب الحديث ( ص : 123 )
26 ـ عقيدة السلف وأصحاب الحديث ( ص : 114-115 ) .
27 ـ " الأمر بالعروف والنهي عن المنكر"( ص: 189-200).
28 ـ" شرح السنة" ( 1/ 226-227 ) .
29 ـ "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" ( 6/534 ) .
30 ـ "الفتاوى" ( 24 / 174 - 175 ) .
31 ـ "الفتاوى" ( 28 / 231 - 232 ) .
32 ـ ( 1/231-232 ) .
33 ـ " الآداب الشرعية "( 1/232 ) .
34 ـ" الاعتصام "(1/142 ).
35 ـ "مجموعة الرسائل والمسائل النجدية" ( 3 / 111 ) .
36 ـ من كلام الشيخ سليمان بن سحمان - رحمه الله تعالى - في كتابه "كشف الشبهتين"(ص : 37-48 ) .
37 ـ " تفسير السعدي " ( ص 799 ) .
38 ـ ( ص31)
39 ـ (2/ 254ـ 255)
40 ـ "إعلام الموقعين"(2/286)
41 ـ (2/118ـ119)
42 ـ :"إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد" (ص77-83)
43 ـ من مقال عنونه ب "الحلبي يوهم الناس أنه على منهج الجبال من أئمة الحديث ونقاد"
44 ـ "محاضرة ألقاها بالمدينة النبوية" في يوم الخميس 28 شوال 1431 هـ
45 ـ "عبارات موهمة"
46 ـ "الفتاوى الكبرى" (6/92)
47 ـ "إعلام الموقعين"(3/80)
48ـ "إعلام الموقعين" ( 3/ 299) .
49 ـ"الضعيفة"( 6267)
50 ـ انظر ص : 24 ـ 26
51 ـ "الفتاوى الكبرى" (1/164)
52 ـ "الفتاوى الكبرى"(6/92)

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, مميز, الحلبي, ردود

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013