الجزء الثاني من الكلام على "مختصر خليل".
قال الشيخ أبو يعلى الزواوي ـ رحمه الله ـ:
اعتنى المتأخرون من العلماء الذين يدرسون المختصر بالاحتفال والدعوة إلى حضور ختم دراسة الشيخ خليل فصار العامة وبعض الخاصة يجيبون تلك الدعوة النافعة ويحضرون الختم تبركا فيطعم أصحاب الدعوة المدعوين وهؤلاء يجودون بدفع ما تيسر لهم من الدراهم معاملة لأصحاب الدعوة واغتناما للدعوات الصالحة وذلك كله حسن إن صحبته النيات للحديث الصحيح: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) الحديث. فلله در ابن الوردي إذ يقول:
واحتفل للفقه في الدين ولا *** تشتغل عنه بمال وخول
واهجر النوم وحصله فمن *** يعرف المطلوب يحقر ما بذل
لا تقل ذهبت أربابه *** كل من سار على الدرب وصل
غير أنه بقي شيء غفل عنه المدرسون الذين يختمون وهو أن الدرس الذي يختمون به من كلام صاحب المتن عن الخنثى المشكل في الفرائض غير مناسب لذلك الجمع الغفير الحافل إلا بتصرف في الدرس والتعبير وذلك أن القول المختتم به مستقبح وهو: (فإن بال من واحد أو أكثر أو أسبق أو نبتت له لحية أو ثدي أو حصل حيض أو مني فلا إشكال) والحال أن البربر عموما والزواوة خصوصا كانوا كثيري الحياء من ذكر الألفاظ الفاحشة التي يضطر إليها الفقهاء ولا يمكن التعبير بدونها لبناء الأحكام عليها وقد لا تفي الكتابة بها، فكان من المتعين على الشيوخ الذين يختمون أن يعدلوا عن ذلك إلى المناسب لذلك الجم الغفير أو يتصرفوا في التعبير إذ ليس قول الشيخ خليل رحمه الله بتنزيل، وترتيبه لا يقبل التقديم ولا التأخير، فأما المناسب عندي لو كنت مدرسا أن أختم بباب الشهادة والقضاء لعلي أفيد بذين البابين العظيمين، ولا أدع ذلك الجمع منفضا من حولي على غير جدوى إلا قولهم الختمة الختمة أكلنا وأكلنا وأعطينا وأعطينا وتذهب الأنفس وتضيع الفرص بدون انتهازها، فأقول مبتدئا الدرس بعد الثناء على الله والصلاة والسلام على رسول الله بالشكر للحاضرين الذين أجابوا الدعوة الاختيارية من غير جبر ولا قهر إلا جانب العلم والدين، وأذكر فضل حضور الدرس مستشهدا بالحديث حضور مجلس علم أفضل من ألف ركعة، وعيادة ألف مريض، وشهادة ألف جنازة أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
ثم اعرف الشيخ خليل لهم أنه من العلماء العاملين الصالحين فقط يصح لنا أن نقول إنه ولي أو غير ولي أو فعل أو ما فعل بالخوارق أو الكشف أو لا يستطيع أحد أن يعمل مثلما عمل بل هناك من هؤلاء الشبان طلبة العلم من إذا ساعدته الأحوال يؤلف ويكتب ويأتي بأفضل مما أتى به الشيخ خليل وأحرى أن أقول لكم إنه كان وكان أو قبل النبي صلى الله عليه وسلم مثلا أو هو والنبي سواء أو هو صاحب الشريعة بل هو ألف هذا الكتاب وجمع فيه أقوال ما جرى عليه مالك الإمام السلفي التابع مما فهم من كتاب الله القرآن وسنة رسول الله ومن أقوال الصحابة والتابعين وعمل أهل المدينة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم كما جمع من قبل الشيخ خليل ذلك في كتاب مثل المدونة سحنون والموطأ قبلها والعتبية وابن الحاجب وصاحب الرسالة رحمهم الله جميعا.
ثم آخذ في الاستيعاب من باب الطهارة وألاحظ أن المتأخرين من فقهاء مذهبنا المالكي ابتدأوا هذا الباب بناء على أن الإيمان والإسلام اللذين هما شرط في صحة الطهارة وبهما ابتدأ البخاري ومسلم وابن أبي زيد من قدماء المالكية مما يختص به علم الكلام وعلى أن الطهارة المحسوسة ثم الصلاة والزكاة والصوم والحج والمباح من الطعام والأيمان والنذر والقتال والدماء والجنايات والنكاح والطلاق والعدة والرضاع والنفقة والبيوع والمعاملات من القرض والقراض والرهن والصلح والضمان والشركة والوكالة والإقرار والغصب والمزارعة والمغارسة والإجارة والجعل والكراء والوقف والهبة والقضاء والشهادة والفرائض والوصية وهلم جرا.
ويتكلم في هذه الأبواب كلها وبيانها ومعرفتها إجمالا لا تفصيلا لتكون في أذهان الحاضرين ومعرفتهم أنها من شريعتهم الإسلامية ومن أحكام ربهم المنزلة بواسطة رسوله ويندد المدرس بالأبواب التي قصر فيها الناس لعلهم يذكرون ويخشعون ويتوبون مثل باب الفرائض والدماء وسائر الحقوق ويختم بذكر آيات الوصية كقوله تعالى: ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله، ووصينا الإنسان بوالديه حسنا، يوصيكم الله في أولادكم، ويختم منتهيا بقوله تعالى: والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
وإذا ختم بباب القضاء والشهادة فحسن أيضا ويشير إلى القضاء بما تيسر وكذلك الشهادة والشهود ويختم بالحديث: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة.
|