منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 Aug 2014, 02:58 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي تأملات في فقرات من كتاب "البداية والنهاية" للحافظ ابن كثير رحمه الله

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.

أمَّا بعد:

فبينما أنا أقلِّبُ النَّظرَ في كتاب «البداية والنِّهاية» للحافظ ابن كثير –رحمه الله- وقفت على فقرات اجتمع فيها ما كنت ألتمسه من ابن كثير –رحمه الله- أحيانا في مواضع متفرِّقة من حسن ترتيب، وجودة عبارة، ودفع ما قد يقع من إشْكال أو يتوهَّم دون إشارة، والتأكيد على المعنى الخفيِّ وعدم التنبيه على الجليّ، فودّدت أنها لم تنته وأنَّ ذلكم الشعور الجميل لم ينقض، فأحببت أن أنقلها مع الإشارة إلى ما ذكر أداء لحقِّه عليَّ ومعرفة لفضله وجميله الواصل إليَّ، وحتى يستفيد منها الإخوان، والله الموفِّقُ.

قال الحافظ ابْنُ كثيرٍ –رحمه الله-(1/245-246):

«وقال تعالى: (ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النّبوة والكتاب) [الحديد: 26] الآية.

فكل كتاب أُنزِلَ من السَّماء على نبي من الأنبياء بعد إبراهيم الخليل فمن ذريته وشيعته، وهذه خِلْعة سنيَّة لا تضاهى، ومرتبة عليَّةٌ لا تباهى، وذلك أنه ولد له لصلبه ولدان ذكران عظيمان: إسماعيل من هاجر، ثم إسحق من سارة، وولد لهذا يعقوب وهو إسرائيل الذي ينتسب إليه سائر أسباطهم، فكانت فيهم النُّبوة وكثروا جدا بحيث لا يعلم عددهم إلا الذي بعثهم واختصهم بالرسالة والنبوة حتى ختموا بعيسى ابن مريم من بني إسرائيل.

وأما اسماعيل عليه السَّلام فكانت منه العرب على اختلاف قبائلها كما سنبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى، ولم يوجد من سلالته من الأنبياء سوى خاتمهم على الإطلاق، وسيدهم وفخر بني آدم في الدنيا والآخرة: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي المكي ثم المدني صلوات الله وسلامه عليه، فلم يوجد من هذا الفرع الشريف، والغصن المنيف سوى هذه الجوهرة الباهرة، والدرة الزاهرة، وواسطة العقد الفاخرة، وهو السيد الذي يفتخر به أهل الجمع، ويغبطه الأولون والآخرون يوم القيامة.

وقد ثبت عنه في «صحيح مسلم» كما سنورده أنه قال: «سأقوم مقاما يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم» فمدح إبراهيم أباه مدحة عظيمة في هذا السِّياق ودل كلامه على أنَّه أفضل الخلائق بعده عند الخلَّاق في هذه الحياة الدُّنيا ويوم يكشف عن ساق.

وقال البخاري حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول: «إن أباكما كان يعوذ بهما اسمعيل وإسحق: أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة» ورواه أهل «السُّنن» من حديث منصور به» اهـ كلامه رحمه الله.

أما حُسنُ العبارة وجودة الأسلوب فظاهر جليٌّ في بيانه لفضل إبراهيم وفضل نبينا عليهم الصَّلاة والسَّلام، إذ قال في بيان مرتبة الخليل: «وهذه خِلْعة سنيَّة لا تضاهى، ومرتبة عليَّةٌ لا تباهى» وقال في نبينا صلى الله عليه وسلم: «فلم يوجد من هذا الفرع الشريف، والغصن المنيف سوى هذه الجوهرة الباهرة، والدرة الزاهرة، وواسطة العقد الفاخرة» فهي عبارات راقية رائقة من الحافظ ابن كثير –رحمه الله- تمرُّ بك أحيانا في كلامه مما يزيدها حلاوة ويزيدك اشتياقا، ومن المواضع الَّتي فيها مثل هذا قوله لما ذكر إسرافيل(1/77): «وإسرافيل: موكل بالنَّفخ في الصُّور، للقيام من القبور، والحضور يوم البعث والنشور، ليفوز الشَّكور، ويجازى الكفور، فذاك ذنبه مغفور، وسعيه مشكور، وهذا قد صار عمله كالهباء المنثور، وهو يدعو بالويل والثبور».

أما حسن الترتيب فيظهر من انتقاله –رحمه الله- من بيان فضل إبراهيم أنه جعل في ذريته النبوة والكتاب ثم بعد ذلك ذكر ابنيه إسماعيل وإسحاق وبعدها ذكر يعقوب على طريقة اللف والنشر غير المرتب إذ إنه ما بدأ بذكر إسماعيل حتى يختم بنبيِّنا صلى الله عليه وسلم الذي سيورد حديثه فيما بعد، فلو قدَّم الكلام على إسماعيل لما حصل هذا المقصود، وبعد أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم استشهد بحديث فيه إشارة خفية إلى المشابهة بين إسماعيل وإسحاق وبين الحسن والحسين (1).

أما ما يتعلق بدفع الإشكالات التي قد ترد في الذِّهن فمثاله ما ذكره –رحمه الله- من ثنائه على إبراهيم وإبرازه لفضله وبيان أن مرتبته علية لا تدرك فقد يشكل هذا كون النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الرُّسل فدفع هذا الإشكال الوارد بسياقه لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي فيه أنَّه يرغب إليه الخلائق حتى إبراهيم فدل على فضل إبراهيم عليه السلام على غير النبي صلى الله عليه وسلم من الأنبياء ولهذا خُصَّ عليه السَّلام بأن قرن في التَّشهد مع نبينا صلى الله عليه وسلَّم.

ومن إشارات ابن كثير –رحمه الله- اللطيفة التي يستفاد منها فائدة دون تصريح وإنما بملاحظة استعماله والتأمل فيه ما فعله (1/51) بعد إيراد حديث عمر أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خلق الله ألف أمة منها ستمئة في البحر، وأربعمئة في البر، وأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد، فإذا هلك تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه» وضعفه الحافظ –رحمه الله- وأورد بعد تضعيفه له قوله عز وجل: ï´؟وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يرجعونï´¾[الأنعام: 38] فإيراده للآية –رحمه الله-لبيان أنَّ أصل ما في الحديث صحيح وهو أنَّ المذكورات أمم مختلفة كثيرة كما دلَّ عليه القرآن، لكن لا يقطع بعدد معين لتلك الأمم مادام أن النَّص لم يصحَّ .

وتنبيهه –رحمه الله- على أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلَّم قد أثنى على إبراهيم عليه السلام ثناء بليغا وتأكيده عليه دفعٌ لما قد يتوهَّم من أنَّ فيه إظهار فضله وحاجة النَّاس إليه حتَّى إبراهيم عليه السَّلام، فأبرز –رحمه الله- فضل إبراهيم عليه السَّلام إذ كان فضل النبي صلى الله عليه وسلَّم ظاهرًا وكان الأول هو المراد من سياق الحديث.

فهذا ما يسَّر الله تعالى جمعه والإشارة إليه والمقصود أمران:

-أن يعتني طالب العلم بالكتب المطوَّلة ففيها من العلم ما لا يوجد في سواها فليغص بحرها لاستخراج درِّها، ولا يشتد عوده في الطَّلب إلَّا إذا جَرَدَ.

-ويعتني بتأمُّل كلام العلماء –رحمهم الله- وإعادة النَّظر فيه ومحاولة الاستنباط والتدقيق في صنيع المصنف حتى يقف على فوائد جمَّة.

آخره، والحمد لله رب العالمين.


فتحي إدريس
19 شوال 1435

ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)كتب في المشابهة بينهما الشيخ خالد حمودة -وفقه الله- مقالا بعنوان: «تشبيه الحسن والحسين بإسماعيل وإسحاق النبيين» لمن أراد الزيادة والاستفادة.


التعديل الأخير تم بواسطة أبو البراء ; 24 Aug 2014 الساعة 03:56 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24 Aug 2014, 06:58 PM
أبو الفضل عثمان المغربي أبو الفضل عثمان المغربي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
الدولة: المملكة المغربية/ جهة دكالة عبدة
المشاركات: 226
افتراضي

انتقاء رائع و توجيه صائب!
و زد على الأول_الكتب المطولة_ ؛ العتيق منها! فوالله علم غزير و درر غوال و أسلوب بليغ راق و تعبير دقيق رزين _ﻻ يحتمل عشر احتمالات!!_ تكتسب من ذلك مع مداومة النظر فيها علما و أدبا و نباهة لا تستقيه من غيرها!
و كل ذلك بدون تكلفة و لا شقشقة في الكلام! و لا غرابة ! فإنها و ربي أوعية العلم و مصدره و معقل السنة و الأدب و الإخلاص الذي هو أساس ذلك كله!
فلله درهم من قوم سالفين!
أسأل الله أن ينفعك و ينفع بك يا إدريس
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 Aug 2014, 08:53 PM
محمد طيب لصوان محمد طيب لصوان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2011
الدولة: الجزائر العاصمة
المشاركات: 219
افتراضي

جزاك الله خيرا فتحي، و رحم الله أسلافنا الكرام فقد تقدموا على الأمم في كل فضيلة فنسأل الله أن يوفقنا لاتباعهم و نصرتهم.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 25 Aug 2014, 12:00 AM
أبو عبد الله طارق أبو عبد الله طارق غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
المشاركات: 123
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي فتحي على هذه الدرر الغالية
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 25 Aug 2014, 02:24 PM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

في كلام علمائنا الكفاية والشفاء، لو نوفَّق لمصابرة قراءة ما كتبوا، والوقوف على معانيه.
حفظك الله أبا حذيفة جادًّا مثابرًا.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 25 Aug 2014, 10:07 PM
مهدي بن صالح البجائي مهدي بن صالح البجائي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 591
افتراضي

المرء يسير على درب أهل مشربه، وينبل على قدر نبل مورده، فلينظر أحدنا من أين يستقي!
جزاك الله خيرا أخي فتحي، لفتة مهمَّة لا ينبغي أن يفرِّط فيها من يطلب المعالي.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 26 Aug 2014, 11:41 AM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

وجزاكم الله خيرا أحبتي سرني مروركم وتعليقكم وإفاداتكم حفظكم الله ووفقكم لكل خير.
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 01 Sep 2014, 03:20 PM
أبو سهيل عبد الوهاب أبو سهيل عبد الوهاب غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: May 2014
المشاركات: 128
افتراضي

لا أدري بماذا أعلّق !! حيّرتني معك فتحي !!
المهمّ ،بارك الله فيك ونفعك ونفع بك
هذا أوّلا ، أمّا ثانيا : لماذا بدأت بالكلام على الحديث الذي فيه { خلق الله .....} ثمّ رجعت إلى التنبيه الذي أتيت به والذي هو تابع للكلام الأوّل ؟
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 01 Sep 2014, 06:46 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

حفظك الله أخي الكريم أبا سهيل وجزاك الله خيرا على مشاعرك الطيبة هذا أولا، وثانيا أشكرك على انتباهك أن ما ختمت به كان تابعا للكلام قبله فما العلة في تأخيره فبارك الله فيك.
علة تأخيره حفظك الله أنني ترددت في إيراد ذلك الكلام والانتباه لتلك الفائدة لأن كلام ابن كثير -رحمه الله- كان في إيراد ما يتعلق بفضل إبراهيم عليه السَّلام ابتداء وذكر الحديث لبيان هذا الأمر، فترددي في ذكره من عدمه جعلني أجعله في الختام ونبهت على كون الثناء على إبراهيم هو المقصود بما ورد في آخر العبارة أن مراد ابن كثير -رحمه الله- بإيراده للحديث هو هذا الأمر.
وهذه مجرد وجهة نظر قد أكون مخطئا فيها أخي الكريم، أحسن الله إليك ووفقك لكل خير.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013