منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 Mar 2012, 02:09 PM
أبو عبد الرحمن أسامة أبو عبد الرحمن أسامة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 509
افتراضي [صوتية وتفريغها] الحثُّ على الصّدق لفضيلة الشيخ: عبد الله البخاري -حفظه الله-

الحمدُ لله والصّلاة والسّلام على رسول الله وبعد:

فهذا تفريغٌ للقاء هاتفيّ بالإخوة بمدينة تمارة بالمغرب يوم الأحد الموافق 18 ربيع الثاني من عام 1433هـ
لفضيلة الشيخ الدّكتور:
عبد الله بن عبد الرحيم البخاري -حفظه الله-
لسماع المادّة الصّوتية: من هُنا

الحثُّ على الصّدق

التفريغ:


بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده تعالى ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيّنا محمدًا عبدُه ورسوله –صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.


﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ


﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي َتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً


﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

أما بعد:


فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


وبعد:


أيّها الإخوة
؛ فهذا لقاءٌ يُراد منه التذكير والمُذاكرة، وأن يُذكّر بعضنا بعضاً فيما ينفعنا عند الله جلّ وعلا، وقد رغب الإخوة في هذه المشاركة منّي في كلمة أو كُليمة نسأل الله أن ينفع بها الجميع، فنزولا عند هذه الرغبة مع ضيق شديد في الوقت لبّينا هذا الطّلب ورغب الإخوة أيضاً في موقع ميراث الأنبياء نشرها عبر الإنترنت فجزى الله الجميع خير الجزاء وأوفاه.

ثمّ إنّ ما أرغب أن أذكّر به في مثل هذا المقام -أيّها الإخوة- عن أمر مهمّ جدًّا في نظري يحتاجه المرء في كلّ حين وآن ذلك أنّ الخطأ أو الخلط فيه كثُر وجاءت علامات كثيرة تدلّ على ضعفه عند كثيرين واختلاله عند جمع وتباينه من أقوام، والتذكير به مهم كما قلت في مثل هذه المقامات خاصّة مع وجود هذه الفتن وكثرتها وتتابعها وتتايعها التي نسأل الله جلّ في علاه أن يعصِمنا وإيّاكم منها وأن يعصم إخواننا أهل السُنّةِ جميعاً من الوقوع فيها وفي شراكها، فإن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان يستعيذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ولا شكّ أنّ الفتنة فتنتان: فتنة الشّهوات وفتنة الشّبهات، وأعظم تلك الفتن فتنة الشّبهات –والعياذ بالله-، ولا يُمكن دحضُها والتّخلّص منها إلاّ بلزوم سُنّة المعصوم –صلوات الله وسلامه وبركاته عليه-، فتحكيمها والتّحاكم إليها في دقيق الأمور وجليلها وصغيرها وكبيرها برضًا تامّ واستسلامٍ كامل مع حُبٍّ وذُلٍّ لله جلّ وعلا في ذلك فيه الخيرُ والفلاح والسّعادة والفوز في الدّارين لمن رغب الفوز ولمن رام النّجاة، فلا يُمكن للعبد أن يتوصل إلى السعادة الحقيقيّة إلاّ بلزوم هذه السُنّة -على صاحبها أفضل صلاةٍ وأزكى سلام-، فهي زاد المرء في سفره وسيره إلى الله جلّ وعلا كما قال الإمام ابن القيّم مجيبا لمن سأل: فما زاد هذا السّفر؟ وما مركبه؟ قال: (
فزاده هو العلم الموروث عن رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-) ومن لم يتزود من هذا الزّاد فَلْيقعُد مع الخالفين فرفقاء التّخلّف البطّالون كُثُر ولا ينفعه التّأسّي بهم،

إذن: أيها الإخوة
: الخير في الدّنيا والآخرة سببه موافقة هَدي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كما قال الإمام ابن القيّم –رحمه الله – في التّبوكيّة:(من تدبّر شرور العالم -الشرور الواقعة في العالم اليوم- علِم أنّ سببها مخالفة ما جاء به الرسول –صلى الله عليه وسلم-) إلى أن قال –رحمه الله:(أنّه عاد خير الدّنيا والآخرة بموافقة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وآلام الدّنيا والآخرة وشرورهما بسبب مخالفة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-) أو كما قال –رحمه الله-، فهذه فتن تعصف بالنّاس فتن الشّهوات وفتن الشّبهات فيجبُ على العبد دائماً أن يصدُق مع الله جلّ جلاله في أن يعصمه من الوقوع فيها، ويسأله جلّ وعلا دائماً أن يُثبّته على الحقّ وأن يُنوّر بصره وبصيرته فيكون بذلك من السّالمين الغانمين -إن شاء الله تعالى-.

ومن ذلك أعني وهذا عود إلى الموضوع الذي رغبت أن أذكّر فيه أو أشير إليه ممّا وقع فيه الخلط عند كثيرين مسألة الصِّدق؛ الصّدق في القول والصِّدقُ في العمل، الصِّدق مع الله جلّ وعلا في الأقوال والأعمال والعبادات والإتيان بمراضي الله –جلّ وعلا- على وجهٍ صادق صحيح، هذا الأمر وهذا الخُلُق النّبيل الذي وصّى الله به وأمر فقال –جلّ في علاه-:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ ووعد من أطاع نبيّه –عليه الصّلاة والسّلام- وأطاعه جلّ وعلا بأن يكون مع النبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسُن أولئك رفيقاً، والله جلّ وعلا يُحبّ الصّادقين من عباده وأمرهم كما قُلت وحثّ على الصِّدق في آيات كثيرات وجاءت سُنّة النبيّ –صلى الله عليه وآله وسلّم- تُبيّن ذلك فتحُثُّ وتُحذّر من ضدّه ألا وهو: الكذب -بِئْسَتِ الخصلة هذه والعياذ بالله- ولعلّي لا أقول -يعني سرّاً- إن قُلت إنّ ضدّ الصّدق أعني الكذب قد ظهر في مواطن عدّة وبين كثيرين، وقد صار الأمر شبه ظاهرة في بعض المجتمعات وفي بعض الأماكن وقلّ فيه الصّدق وقلّ الصادقون وهذا نذير شرٍّ أيها الإخوة نذيرُ شرٍّ، فإنّ النبيّ -صلى الله عليه وآله وسلم- قد بيّن لنا في سُنّته الشّريفة أهمية الصّدق فقال –صلى الله عليه وآله وسلّم- في حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- المخرّج في الصّحيحين أنه -صلى الله عليه وآله وسلّم- قال: ( إنّ الصّدق يهدي إلى البِرّ وإنّ البِرّ يهدي إلى الجنّة وإنّ الرّجل ليصدق حتّى يُكتب عند الله صِدِّيقاً) هذا الحثُّ منه –صلى الله عليه وسلّم- بل والأمر في أحاديث أخرى فقد جاء عنه –صلى الله عليه وآله وسلم- أن قال مُحذّراً من الكذب حاثًّا على الصّدق كما في حديثٍ عند الإمام ابن ماجة –رحمه الله- والإمام أحمد في المسند والبخاري في الأدب المفرد أنّ أبا بكر الصّدّيق –رضي الله تعالى عنه- كان يقول بعدما قُبض رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بسنة فقال: قال رسول الله –صلّى الله عليه وآله وسلّم- عام أوّل مقامي هذا ثُمّ بكى أبو بكرٍ –رضي الله تعالى عنه- ثمّ قال:(عليكم بالصّدق فإنّه من البِرّ وهُما في الجنّة وإيّاكم والكذب فإنّه مع الفجور وهُما في النّار) -نعوذ بالله من النّار وأهلها-.

الصّدقُ أيّها الإخوة:
من تمثّل به بصِدقٍ فاز وأصلح وكان من الفائزين المُفلحين -بإذن الله تعالى-، كما قُلتُ: إنّ الله يُحبُّ الصِّدق ويُجازي عليه ويُحبُّ الصّادقين ولا يُحبّ الكاذبين جلّ في عُلاه، فالصّادق مُتّقٍ لله خائف من الله يُراقب الله في أقواله وأفعاله بل واعتقاداته قريبٌ من الله –جلّ وعلا- يبحث عن الوصول إلى مراضيه بصِدقٍ وإخلاصٍ لله –جلّ وعلا- لا بكذبٍ وغشٍّ وخديعةٍ ومكرٍ، فمن فعل ذلك فإنّما قد أضاع نفسه ومُكر به فالله جلّ وعلا يقول: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ﴾، فكم فوّت النّاسُ أو بعضُ النّاسِ خيراً كثيراً بعدم لزومهم الصّدق في القول والفعل بل بلزوم كثيرين -والعياذ بالله- إلى ضدّ ذلك أعني الكذب وما أدراك ما الكذب ذاك الدّاءُ الخطير والجريمة الكُبرى، يقول النبيّ –صلى الله عليه وآله وسلّم- كما في الصّحيحين من حديث عبد الله بن عمرو –رضي الله تعالى عنهما- :(أربعٌ من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً وإن كانت فيه خصلةٌ منهُنّ كانت فيه خصلةٌ من النِّفاق حتّى يدعها: إذا وعد أخلف، وإذا حدّث كذب، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر) نعوذ بالله من الغدر والخيانة والكذب والفجور في الخصومة وخلف المواعيد، هذه الجريمة الكُبرى استبدلها بعض النّاس من صِدق الحديث وحِفظ أمانته وعِفّة في الطّعمة إلى الأضداد من ذلك ونسي هؤلاء وتناسوا أنّ المرء كلما كان صادقاً يتحرّى الصِّدق في القول والفعل كان قريباً من الله جلّ وعلا، كان قريباً من الله والله يُحبّ الصّادقين، قال عمارة بن أبي حفصة سمعتُ أبا مجيز –رضي الله عنه- يقول لرجل أو قال رجلٌ لقومه :(عليكُم بالصِّدق فإنّه نجاةٌ -هُو كذا- فمن صدق نجا) جاء في ترجمة الرّبعيّ بن حراش –رحمه الله تعالى وغفر له- أحد التّابعين الثّقات كان آيةً في الصدق هذا الرّجل جاء في ترجمته أنّه لم يكذب قطّ بل ولم يُورّي قطّ، وكان له ابنان عاصيان ممّن خرج على الحجّاج بن يوسف وتواريا عن أنظار الحجّاج فصار يبحثُ عنهما هنا وهناك ولم يجدهما فقيل للحجّاج جاءه أحد زبانيته فقال: أيّها الأمير إنّ النّاس يزعمون أنّ ربعيّ بن حراش لم يكذب قطّ وقد قدم ابناه من خراسان وهما عاصيان وهو يعرف عن الحجّاج أنّهما عاصيان وأنّهما ممّن ألّب عليه وخرج عليه وتواريا فطلبه الحجّاج فلمّا جيء به إليه سأله أين فلان وفلان من أبنائك؟ قال: هُما في البيت، هُما-يعني متواريان في البيت- رِبعيّ –رحمه الله- يعلمُ أنّه ليس بين سيف الحجّاج ورقبة ابنيه إلاّ أن يُخبر لكن لعلمه أنّ الصّدق نجاة وأنّ الصّدق منجاة قال: هُما في البيت، فقال له الحجاج: قد عَفوتُ عنهما لصِدقك، وهكذا الصّدق يهدي إلى البِرّ والبِرُّ يهدي إلى الجنّة وهذا في السّلف كثير صِدقهم مع الله جلّ وعلا في القول والفعل لا يطلبون بذلك مدحًا ولا جزاءً ولا شُكورًا إنّما المراد بذلك أن يتقرّبوا إلى الله جلّ وعلا بصدقهم ونُصحهم في ذلك، وقال الإمام أحمد –رحمه الله- إمام أهل السُنّة:( إنّما رفع الله عفّان وأبا نُعيم بالصّدق حتّى نوّه بذكرهما-أي رفع من شأنهما-) وكما قُلتُ: هم صادقون مُصدّقون لوعد الله صادقون في تعبّدهم لله جلّ وعلا، يتقرّبون إلى الله جلّ وعلا بالقيام بهذه الشّعيرة العظيمة والبُعد كلّ البعد عن ضدّها أعني: الكذب تلك الخصلة الخسيسة والجريمة العظيمة -نعوذ بالله ومن أهلها- جاء عند الإمام ابن أبي الدّنيا في الصّمت عن أبي بكر الصّدّيق أنه قال –رضي الله عنه-:( أيّها النّاس إيّاكم والكذب فإنّه مُجانِب الإيمان) وجاء عند الإمام ابن أبي شيبة في الإيمان وصحّح إسناده الإمام الألباني –رحمه الله- أنّ ابن مسعود –رضي الله تعالى عنه – قال:(المُؤمن يُتبع على الخلال كلّها إلاّ الخيانة والكذب)، وعن الحسن البصري –رحمه الله- في كتاب الصّمت –أيضاً- أنه قال:(يُعدّ من النّفاق اختلاف القول والعمل واختلاف السّرّ والعلانية والمدخل والمخرج وأصلُ النّفاق والذي بُني عليه النّفاق الكذب) وجاء عنه –رحمه الله- يعني الإمام الحسن البصري –رحمه الله- كما في المصنّف لابن أبي شيبة:(إنّ المؤمن أحسن الظّنّ بربّه فأحسن العمل، وإنّ المنافق أساء الظّنّ بربّه فأساء العمل).

هذه الجريمة:
جريمةُ الكذب وعدم الصّدق في القول والفعل إنّما تبدأ –والعياذ بالله- وتسري ابتداءً في اللِّسان وتبدأ من اللِّسان –نعوذ بالله من الكذب في القول والفعل- إذا بدأ في اللِّسان استسرى بعد ذلك في بقيّة البدن استسرى لبقيّة البدن، وله مفاسد كُبرى ويظنّ هؤلاء الكذّابون المُعادون للصِّدق أنّهم على هُدًى وأنّهُم على فتنة وكياسة وما علم هذا المسكينُ أنّه قد أضاع نفسه وضيّعها بكذبه -والعياذ بالله-،يقول الإمام ابن القيّم –رحمه الله-:(إيّاك والكذب فإنّه يُفسد عليك تصوّر المعلومات على ما هي عليه ويُفسد عليك تصويرها وتعليمها للنّاس فإنّ الكاذب يُصوّر المعدوم موجوداً والموجود معدوماً والحقّ باطلاً والباطل حقًّا والخير شرًّا والشّرّ خيراً فيفسد عليه تصوّره وعلمه عُقوبة له) قال:(ثُمّ يُصوّر ذلك في نفس المخاطب المُغترّ به الرّاكن إليه فيُفسد عليه تصوّره وعلمه ونفسُ الكاذب مُعرضة عن الحقيقة الموجودة نزّاعة إلى العدم مُؤثرة للباطل)-لأنّه خلاص استسرى في قلبه المرض واستسرى على لسانه فهي مُعرضة عن الحقيقة الموجودة-(نزّاعة إلى العدم) يكذب، يُنشئُ من اللاّشيء شيئًا كذباً وزوراً، قال:(مُؤثرة للباطل) لأنّ الحقّ على خلافها، قال:(وإذا فسدت عليه قُوّة تصوّره وعلمه التي هي مبدأ كل فعل إراديّ فسدت عليه تلك الأفعال وسرى حُكم الكذب إليها فصار صُدورها عنه كمصدر الكذب عن اللّسان فلا ينتفع بلسانه ولا بأعماله) قال:(ولهذا كان الكذب أساس الفُجور) كما قال النبيّ –صلى الله عليه وسلم- (إنّ الكذب يهدي إلى الفجور وإنّ الفجور يهدي إلى النّار) وهذا حديث في الصّحيحين، قال:(وأوّل ما يسري الكذب من النّفس إلى اللّسان فيُفسده ثمّ يسري إلى الجوارح فُيفسد عليها أعمالها كما أفسد على اللِّسان أقواله فيعُمّ الكذب أقواله وأعماله وأحواله فيستحكم عليه الفساد ويترامى داؤه إلى الهلكة إن لم يتداركه الله بدواء الصّدق يقتلع المادّة من أصلها) قال:(ولهذا كان أصل أعمال القلوب كلّها الصّدق وأضدادها هي: الرّياء والعجب والكِبر والفخر والخيلاء والبطر والأشر والعجز والكسل والجبن والمهانة وغيرها –نعم- أصلها الكذب، فكل عمل صالح ظاهر أو باطن منشؤه الصّدق وكل عمل فاسدٍ ظاهر أو باطن فمنشؤه الكذب والله تعالى يُعاقب الكذّاب بأن يُقعده ويثبّطه عن مصالحه ومنافعه ويُثيب الصّادق بأن يوفقه للقيام بمصالح دُنياه وآخرته، فما استجلبت مصالح الدّنيا والآخرة بمثل الصّدق، ولا مفاسدها ومضارّهما بمثل الكذب، قال الله جلّ وعلا﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ وقال جلّ وعلا: ﴿هَذَا يَومُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾ وقال: ﴿فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ﴾ وقال: ﴿وَجَاءَ المُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ
سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، انتهى كلامه –رحمه الله وغفر له-.

فيجب على العبد كما قلت الذي يبحث عن الصِّدق أي الذي يبحث عن السّعادة في الأولى والآخرة أن يلزم الصِّدق مع الله والصّدق مع النّاس والصّدق مع النّفس فيُقبل على الله جلّ وعلا بكُلّيّته ولا يتوانى ويبتعد ويحذر كلّ الحذر من الوقيعة في ضدّ ذلك أعني الكذب فالمرءُ يُطوى على الخلال كُلّها إلاّ الخيانة والكذب –نعوذ بالله من ذلك-، فهذا أمرٌ أيّها الإخوة هذا أمر يحتاجه النّاس ويحتاجون إلى التّذكير به وهذا من تمام الفقه في دين الله أن يعرف العبد الشّرّ ليجتنبه قال الإمام سفيان بن عيينة كما في الحلية لأبي نعيم:(ليس العاقل من عرف الخير والشّرّ وإنّما العاقل من عرف الخير فاتّبعه وعرف الشّرّ فاجتنبه)، وإذا كان من المهمّات ومن فقه الدّعوة أن يُؤمر النّاس بترك المعاصي وأن يُحثَّ النّاس على الإتيان بضدّ ذلك أعني بالطاعات قال الإمام ابن القيّم –رحمه الله-:(العارف لا يأمر النّاس بترك الدّنيا فإنهم لا يقدرون على تركها ولكن يأمرهم بترك الذّنوب مع إقامتهم على دنياهم فترك الدّنيا فضيلة وترك الذّنوب فريضة فكيف يُؤمر بالفضيلة من لم يُقم الفريضة؟
! فإن صعب عليهم ترك الذّنوب فاجتهد أن تُحبّب الله إليهم بذكر آلائه وإنعامه وإحسانه وصفات كماله ونعوت جلاله فإنّ القلوب مفطورة على محبّته جلّ جلاله، فإذا تعلّقت بحُبّه هان عليها ترك الذّنوب والإصرار عليها والاستقلال منها)، وقد قال يحيى ابن معاذ:(طلب العاقل الدّنيا خير من ترك الجاهل لها)، ولهذا أقول تحبيب النّاس وتذكيرهم بأهميّة الصّدق والحثّ عليه والترغيب فيه والتّحذير من ضدّه أمر مُرغّبٌ فيه ومن فقه دعوة النّاس خاصّةً إذا ما انتشر هذا البلاء –أعني: الكذب- وقلّ هذا الدّواء –أعني: الصّدق- فيجبُ والحالة هذه نشر هذا الدّواء في النّاس وحثّ النّاس على الاستكثار منه والتّحلّي به والاستشفاع به بعد ثواب الله جلّ وعلا ذلك ليعُمّ الصّدق في النّاس ويقلّ هذا البلاء وهذا المرض، والمُوفّق من وفّقه الله جلّ وعلا ومعلومٌ أنّ من أعظم أبواب انصراف النّاس عن معرفة هذه المعاني الدّقيقة هُو الجهل؛ الجهل بالحقّ وبطرائق أهل الحقّ وبمسالك هداية الخلق

فالجهلُ داءٌ قاتل وشفاؤه *** أمران في التّركيب مُتّفقان

نصّ من القرآن أومن سنّة *** وطبيب ذاك العالم الرّبّاني

فيجبُ على الإنسان أن يعرف دين الله وأن يتعلّمه وأن يتفقّه فيه، قال -صلّى الله عليه وآله وسلّم- كما في الصحيحين:(من يُرد الله به خيراً يُفقّهه في الدّين)، فَلْيحرِص المرء كما قلت الباحث عن الحقّ في نشر الخير في النّاس وتعليم السُنّة لهم والحرص على إفادتهم برفقٍ وتُؤدة وإقبالٍ من غير إدبار والصّبر على ذلك فإنّ عاقبة الصّبر حميدة.


نسأل الله العظيم ربّ العرش الكريم أن ينفعنا جميعاً بما نقول ونسمع ونسأله جلّ وعلا أن يُبارك لنا ولكم في الأعمال والأعمار والأوقات وأن يُسدّدنا جميعاً في القول والعمل إنّه جواد كريم.

وصلّى الله وسلّم وبارك على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم،نعم.

المُتصّل: أحسن الله إليكم شيخنا وبارك الله فيكم ونفعنا الله بتوجيهاتكم، شيخنا نستأذنكم في طرح بعض الأسئلة.


الشيخ
: نعم.


المتّصل
: يقول السّائل: أخ في دارنا تعلمّ كتاب الله حفظًا وتجويداً وهو الذي يتولّى تعليم القرآن حفظاً وتجويداً فقط فهل يُشترط لهذا الأمر تزكية؟


الشيخ
: يعني أيّ أمر؟ تدريس النّاس القرآن؟


المتصّل
: نعم، يُدرّس الإخوة والشّباب المبتدئ.


الشّيخ
: إذا كان الأخ يقرأ القرآن وحفظه وأتقنه –نعم- وأخذه من الحاذقين العارفين به لا حرج أن يُدرّسهم لا حرج أن يُدرّس القرآن أو أن يُحفّظ القرآن كما قال الوليد بن مسلم –رحمه الله-:( لا يُؤخذ العلم من الصُّحُفيّين ولا يُقرأ القرآن إلاّ من أفواه الرّجال)، نعم.


المتّصل
: نعم، أحسن الله إليكم؛ يكتُب الطّالب القرآن في اللّوح ثُمَّ بعد حفظه يغسله بالماء وتمشي في مجاري المياه الأرضية فما حُكم هذا العمل؟


الشّيخ
: على كلّ حال إذا مسح هو وذهب الأولى أن تُكرم لكن على كلّ حال لا حرج، نعم، لأنّه بعد ذهابه وبعد مسحه ما عادَ قُرآناً؛نعم.


المُتّصل
: نعم، يقول السّائل: ما هي المنهجيّة الصّحيحة لطالب العلم الذي يتلقّى العلم من الكتب والأشرطة؟


الشّيخ
: نحنُ قُلنا –بارك الله فيك- العلم يُؤخذ من أفواه أهله من الحاملين له
﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِع قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ، الأصلُ أن يُؤخذ العلم من أفواه أهله وحملته الصّادقين الصّالحين المُخلصين المعروفين بالسّلامة والاستقامة على السُنّة هذا هو، لكن إذا كان في مكانٍ لا يوجد فيه أهل علم ولا نقول والحالة هذه خلاص تبقى جاهلاً لا شكّ أنّ الله سخّر هذه الوسائل أعني الأشرطة أو يعني ما شابه ذلك فلا شكّ أنّ الإنسان يستمع إليها ويستفيد منها، لكنّ النّقطة المُشكلة هُنا نحنُ نقول: تسمع وتستمع ولا بدّ أن يكون من تستمع له أيضاً من المعروفين بأنّه من علماء ومشايخ السُنّة، لا أن تسمع لكلّ من هبّ ودرج وأقبل وأدرب وعرف وجهل لا هذا ممنوعٌ، فمثل هذا إذا ما أراد أن يقرأ أو يستمع يستمع لعالم من علماء السُنّة وشيخٍ من مشايخها ثُمّ يُحاول أن يفيد نفسه، الإشكال الذي يحصل أنّ ثمّة في بعض المقالات أو بعض العبارات المذكورة لبعض مشايخ السُنّة والعلماء قد تكون من الشّيخ سبق لسان خرجت عليه سبق لسان وهُو لا يقصدها ولا يُريدها سبق بها لسانه فيظنّ هذا الأخ المستمع أنّها صواب وأنّها حقّ فتعلق في ذهنه على أنّ فلان قد قالها ثمّ يتعبّد الله جلّ وعلا بها وهذا خطأ من مفاسد أخذ العلم عن الكُتب أو عن مثل هذه المقامات أنّ الإنسان قد يقع في خطأ أعني المُدرّس أو المُعلّم هذا أو الشّارح من سبق لسان أو رأي كان يراه ثمّ صار مرجوحاً عنده وتبيّن أنّه غير صحيح فيبقى الأخ على ذلك العلم الذي قد صُحّح أو رُجع عنه وهذه أيضاً مُشكلة، فلهذا من المهمّ أن يقرأ وأن يستفيد إذا كان تدرّج في الأخذ لكن يجب أن تكون معه كُنَّاشة فيستشكل إذا ما كان ثمّة استشكال ويُسجّل فيها الاستشكالات، فإذا يسّر الله له تواصلاً مع أحد من أهل العلم بيّن له هذا الاستشكال أو رجع إلى صاحب ذلك الشّرح فشرحه له أو نحو هذا، نحنُ نخشى من مثل هذا، ولكن لا نمنع أنّ الناس تستفيد من هذه الأشرطة هذه نعمة سخّرها الله للنّاس لكن يبقى أنّ الدّارس على هذه الأشرطة لا يعني أنّه درس العلم وأخذه من أفواه أهله،نعم.

المُتّصل
: أحسن الله إليكم شيخ، يقول السّائل: ما هي الوسائل على تثبيت العلم؟


الشّيخ
: من أعظم تلك المسائل –بارك الله فيكم- الإخلاص لله جلّ وعلا، فمن صدق الله صدقه الله هذا أوّلاً: أن يُخلص لله جلّ وعلا في طلبه وأنّه لا يريد بهذا العلم إلاّ وجه الله بأن يتعبّد الله جلّ وعلا على بصيرة وعلى نور من الله هذا أمر، الأمر الثّاني: الحرص على العمل بالعلم فإنّ الله ذمّ من لا يعمل بعلمه فقال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَالاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَالاَ تَفْعَلُونَ والنبيّ –صلى الله عليه وسلّم- استعاذ من علم لا ينفع كما هو في الصحيح عند مسلم وغيره فقال:(اللهم إنّي أعوذ بك من عِلمٍ لا ينفع) والعلم الذي لا ينفع هو العلم غير الصّالح العلم غير النّافع، وقد يكون العلم نافعاً في أصله ولكنّ المرء لم ينتفع به بمعنى لم يعمل به كما قال الإمام سفيان بن عُيينة –رحمه الله- في اقتضاء العلم للعمل للخطيب:(العلم إن لم ينفعك ضرّك) علّق الخطيب –رحمه الله- قال:(بأن لا يعمل بعلمه فيكون حُجّة عليه) ومن المهمّات العمل بالعلم قال الإمام وكيع:(كُنّا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به وعلى طلبه بالصّوم) وهذه جاءت عن غير وكيع أيضاً -رحمه الله-، وكذلك –بارك الله فيكم- من الأمور المعينة على تثبيت العلم الاتباع لرسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- كما صَدَقَ الله في طلبه للعم يصدُقِ الله في اتّباعه لرسول الله –صلّى الله عليه وآله وسلّم-، من الأمور المعينة على حفظ العلم وتثبيته مُذاكرته، العلم كالصّيد:


العلمُ صيد والكتابة قيده

فلا بُدّ للإنسان والحالة هذه أن يُوفّق هذا العلم ومذاكرة العلم تُثبّته بأمر الله جلّ وعلا (يا أهل الحديث تذاكروا الحديث، فإنّ مذاكرة الحديث تُهيّج الحديث) كما في معرفة علوم الحديث لحاكم وغيره، هذا بعض ما يُعين إن شاء الله.

نسأل الله للجميع التّوفيق والسّداد.

المُتّصل
:أحسن الله إليكم شيخ، يقول..


الشّيخ
: آخر سُؤالٍ فقط لأنّه خلاص الوقت انتهى.


المُتّصل
:نعم، أحسن إليكم شيخ، يقول السّائل: هل الإخلاص في طلب العلم شرطٌ ابتدائي بمعنى أنّ الإنسان لا يطلب العلم حتّى يُصحّح نيّته أم أنّ الإخلاص يُكتسب مع طلب العلم؟


الشّيخ
: يُحدّث الإنسان نفسه ويبدأ بطلب العلم ويجتهد في الإخلاص، فالذي يعمل أو يطلب العلم بلا إخلاص كما قال الإمام ابن القيّم –رحمه الله-:(فالذي يملأ جرابه رملاً يُثقله ولا ينفعه) فعمل بلا إخلاص لا فائدة منه، وطلب علم بلا إخلاص ما الفائدة منه؟
! فلا بُدّ للإنسان أن يُخلص لله جلّ وعلا في القول والفعل ويجتهد ويتحرّى، وليس كُلّ من طلب العلم ابتداءً كان يعني في ابتداء أمره أخلص قد يكونُ نيّته حسنة ولكن شابها شيء من الشّوائب وأصابتها نزغة من نزغات الشّيطان فيجبُ عليه والحالة هذه أن يُجاهدها وأن يُصحّح النّيّة وأن يراقب الله دائماً بهذا إن شاء الله يُفلح.

المُتّصل
:نعم، أحسن الله إليكم شيخنا وبارك الله فيكم ونفعنا الله بتوجيهاتكم.


الشيخ
: آمين.


المُتّصل
: جزاكُم الله خيراً، الإخوة يشكرونكم شيخنا.


الشّيخ
: وعليكم السّلام ورحمة الله، نسأل الله للجميع التّوفيق.

وصلّى الله على رسول الله، وآله وصحبه وسلّم.
حيّاكم الله.

المُتّصل
: جزاكُمُ الله خيراً شيخنا.


الشّيخ
: في أمان الله، مع السّلامة.



وفرّغه:/ أبو عبد الرحمن أسامة
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين




رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أخلاق, البخاري, الصدق, تزكية


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013