منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 11 Jun 2017, 05:33 PM
أبو عاصم مصطفى السُّلمي أبو عاصم مصطفى السُّلمي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2016
المشاركات: 607
افتراضي التّحذير الهام من مغبّةِ النَّفيِ العام

بـــسم الله الرحمـــن الرحيـــم

الحمد لله وحده ، و الصّلاة و السلام على نبيّه ، و على آله و صحبه . و بعد :

من المَقاتِل التي يجبُ على المُناظر و المُفتي و المُعلّم ، أن يدَّرِعَ عليها بالسّوابغِ ، و لا يترك بين حلقاتها منفذا لسهم الباطل و فَتْكَتِه سبيلًا . النّفيُ العامُّ *، لردِّ قولِ المُخاصم أو السّائل و المُستفهم ، فإنّ المرءَ قد يَعلقُ في موقفٍ ، يقتضي فيه المقام نُصرة الحق ، و ردَّ باطلِ المُعاند المُخاصم . و ذاك بعدَ أن يكون مُتأهِّلًا للمقارعة و المناظرة . أو يُستفهَم أو يُناقَش في مسألةٍ و هو لا يعلمُ فيها إلّا قولًا واحدًا ، فيُورِد عليه أحدُ هؤلاء قَولًا ينصُرُ به مذهبَهُ أو يُذاكرُه بمُقتضاه . فينفي هذا القولَ رأسًا و يردُّه أصلًا و فصلًا ، و يرى أنّ في ذلك إحقاقًا للحق و نُصرةً لجانبه .
و لكنّه في واقع الأمر و حقيقة الحال ، قد رمى دِرعه و كشف مَقاتِله لخصمه و مُذاكِرِه . إذ لا يبقى لمُصاوِله إلّا جولةٌ في النّزال ، و ضربةٌ تحتَ القَذَال *. و ذلك بأن يُثبت الدّليل على وجود على القولِ ـــ أو هذا الأمر ـــ و يُظهر قائلهُ من الأئمة و العلماء . و حينئذ يصيرُ النّافي مُجندلًا من وقع الحسام المهنّد ، و السّهم المُسدّد . فيَبِينُ أنّه مُزجى البضاعة ، ضعيف الاطِّلاع . و أنّ خصمهُ أدلى بالحُجّة ، و أحقُّ بالاضطلاع . و قد يكونُ من آثار هذا و مآلاته ، خفاءُ الحقِّ و اشتباهه بالباطل ، و مَيلُ النّاسِ إلى قولِ المُخاصِم و لو كان مرجوحا أو باطلا ، لظنّهم أنّه أبصرُ و أعلم .
و لهذا صورٌ مأثورةٌ جديرةٌ بالتّدليلِ للمقصود و المرام ، و منها :
1 - ما أخرجه البخاريُّ في كتاب التّفسير من صحيحه ، بسنده إلى سعيد بنِ جُبير قال : قال إنا لعند ابن عباس في بيته ، إذ قال سلوني . قلت : أي أبا عباس ، جعلني الله فداءك بالكوفة رجل قاص ، يقال له نوف يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل ، أما عمرو فقال لي : قال قد كذب عدو الله ، وأما يعلى فقال لي : قال ابن عباس : حدثني أبي بن كعب : قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « موسى رسول الله عليه السلام قال : ذكَّر الناسَ يوما حتى إذا فاضت العيون ، ورقت القلوب ، ولَّى فأدركه رجلٌ فقال : أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك ؟ قال : لا ، فعَتَب عليه إذ لم يرد العلم إلى الله ، قيل : بلى ، قال : أي رب فأين ؟ قال : بمجمع البحرين ، قال : أي رب اجعل لي عَلَمًا أعلم ذلك به ... » الحديث (البخاري 4726)
2 - و منها كذلك قصّة أبي السّنابل مع سبيعة بنت الحارث لمّا رآها قد تجمّلت للخُطّاب بعد أن تعلّت من نفاسها ، و كانت قد وضعت حملها بعد وفاة زوجها بأيام ، فقال لها : ما لي أراك تجملت للخطاب ترجين النكاح فإنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر و عشر . فجمعت عليها ثيابها حين سمعت ذلك ، ثمّ أتت رسول الله صلى الله عليه و سلّم تستفتيه ، فقال : « كذب أبو السنابل ، ليس كما قال قد حللت فانكحي ، إذا أتاك أحد ترضينه فأتيني » و أصل القصّة في الصّحيحين . و معنى كذب ههنا أي : أخطأ ، إذا أنّه أخبر بخلاف الواقع . و ليس الكذب المعروف ، كما قال أهل العلم .
3 - و من ذلك أيضا ما ذكره ابن عساكر في ترجمة الإمام الزّهري ـــ رحمه الله ـــ من أنّ واعظا ذكر حديثا ، فقال له الزهري : لم يرد هذا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم فجلس الواعظ ، فقام غلام فقال : يا إمام قال : نعم ، قال : أحفظت السنة كلها ؟ قال : لا . قال : أحفظت ثلثها ؟ قال : لا . قال : أحفظت شطرها ؟ قال : لا ، قال : هب أنك حفظت شطرها ، فاجعل حديث الشيخ في النصف الذي لم تحفظه ! فسكت الزهري وأقرّ بقوّة حجّة هذا الصبيّ . (تاريخ دمشق)
و هي صورٌ جليّةُ الدّلالة على المراد . فلا يتسرّع العبد في النّفي العام لمسألةٍ أو قولٍ حتّى يُحيط بها خُبرا و يُميتها طبخا . و بذلك يسلم من جريرة التّقوُّل بغير علم في المذاكرة ، و من تنكيس الرأس خجلًا عند الانقطاع و الإفحام في المناظرة .
و هذا البابُ تستفيضُ صُوره في غرائب المسائل و مُعضِلاتها و في علوم الحديث و فنِّ القراءات ، فإنّ كثيرا من طلبةِ العلم ـــ فضلا عن العامّة ـــ قد يسمع قارئا يتلو القرآن صحيحا بقراءة أحد القّرّاء العشرة ، فيُسارع إلى الإنكار ، و مبادرة التّصحيح ، و ما علمَ أنّها قراءة صحيحة ثابتة . فإذا بُيِّن له ، بُهتَ و استحى و ربّما انكسر ، خاصة إذا جادل عن إنكاره و دافع عن رأيه . و إذا أردتَ أن تعرف من ذلك طرفا صالحا فاقرأ ما ذُكر في "تصحيفات المحدّثين" للعسكري و "أخبار الحمقى و المغفّلين" لابن الجوزي و غيرهما من كتب الأوائل ، و ما ذُكر فيها من تصحيفات المحدّثين و ما أشكل من ألفاظ الحديث و أوهام العُلماء و غير ذلك .
و لذا فنَفيُكَ ما يُثبِتُه غيرك ، مظِنّة زلل و موضع عطب . ذلك لأنّ القاعدة تقول : « المُثبتُ مُقدّم على النّافي لأنّ معه زيادة علم » ، و هو دليل على اتّساع سواحل العلم و عُمق أغواره . و هي شبيهةٌ بالقاعدة الأولى من وجودة متعدّدة ، و من صور هذه القاعدة :
ما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت : « مَن حدّثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يَبُول قائما فلا تصَدِّقوه ، ما كان يبول إلا قاعداً » رواه الترمذي و صحّحه الألباني (صحيح سنن الترمذي برقم 11) . في حين قد جاء في الصّحيحين عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم « أنه أَتى سُبَاطَةَ قومٍ فبالَ قائِماً » (متفق عليه) . و من المعلوم قطعا أنّ الصّحابة عدول و أهل صدق ، فأخبر حذيفة رضي الله عنه بما رأى ، و تكلّمت عائشة رضي الله عنها بما علِمت . و المُثبت مقدّم على النّافي لأنّ معه زيادة علم . و مثل ذلك مسألة رفع اليدين في السجود بين المثبت (حديث وائل و مالك ابن الحويرث) و النّافي (حديث ابن عمر) و غيرها . و نظائر هذا كثيرة في الشّريعة .
فاحفظ هاتين القاعدتين و اجعلهما نُصب عينيك ففيهما خير كثير ، و على المرء أن يتثبّت و لا يتعجّل ، قال الخليل بن أحمد : " إن الرّجل ليُسأل عن المسألة و يعجل في الجواب ، فيُصيب ، فأذُمّه . و يسأل عن مسألة فيتثبّت في الجواب ، فيُخطئ فأحمده " .
و قال أبو عثمان الحدّاد : " و من تأنّى و تثبّت تهيّأ له من الصّواب ما لا يتهيّأ لصاحب البديهة " (أعلام الموقعين 1 / 36) .
و ما أحسن ما ذكره سحنون بن سعيد : " أجسر النّاس على الفُتيا أقلّهم علما ، يكون عند الرّجل الباب الواحد من العلم يظنُّ أنّ الحقّ كلّه فيه " (جامع العلم و فضله 2 / 817)
و من عرف قدر نفسه ، و عَلم أنّ العِلم لا ساحل له ، و تأنّى و تثبّت ، و لم يحتقر قولا و لا علما و لو من صغير ، فإنّ الهدهد قال لسُليمان عليه السّلام و هو نبيّ الله ، و في جُنده من الجنّ و الإنس و سباع الوحش و كواسر الطّير :﴿ أحطتُ بما لم تُحط به و جئتك من سبإ بنبإ يقين ﴾ ، كان حرِيّا أن يفلح و ينجح .
و الله تعالى أعلم و هو الموفّق للصّواب .
ـــــــــــــــــــــ
* جاء في كتاب "الأصول العامة و القواعد الجامعة للفتاوى الشّرعية" د. حسين بن عبد العزيز آل الشيخ :
القاعدة الرابعة عدم التسرع في النفي العام
* القذال : مجمع عظام الرأس من الإنسان (الوسيط)
أبو عاصم مصطفى بن محمد
السُّــــلمي
تبلبــــالة الأحد 16 رمضان 1438 هـ


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عاصم مصطفى السُّلمي ; 12 Jun 2017 الساعة 11:12 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11 Jun 2017, 08:11 PM
أبو عاصم مصطفى السُّلمي أبو عاصم مصطفى السُّلمي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2016
المشاركات: 607
افتراضي

و لمن أراد التوسّع في آداب المناظرة ، فلا أروع من كتاب "آداب البحث و المناظرة" للعلامة المفسر محمد الأمين الشّنقيطي ، ففيه المتعة و العجائب
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 Jun 2017, 06:26 PM
أبو عاصم مصطفى السُّلمي أبو عاصم مصطفى السُّلمي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2016
المشاركات: 607
افتراضي

و قد يكون المرء يدينُ الله بالمرجوح من الأقوال ، و الضّعيف أو الخاطئ من أوجه التلاوة أو ألفاظ الحديث . فإذا روجع بالصّواب ، أنكره و نفى أن يكون صوابا فلا ينتفع . و التّصحيف كثيرٌ في القراءات و ألفاظ الحديث . و من الأمثلة على ذلك ما ذكره ابن الجوزي دلالة على تصحيف الطائفتين قوله :
فمن تصحيفات القراء قال :
حدثنا إسماعيل بن محمد قال: سمعت عثمان بن آبي شيبة يقرأ : " فإن لم يصبها وابل فظلّ " قال و قرأ : " من الخوارج مكلّبين "
قال الدارقطني قرأ علينا عثمان ابن أبي شيبة في التفسير : " فلما جهّزهم بجهازهم جعل السقاية في رجل أخيه " فقيل له : (( ... السقاية في رَحل أخيه )) قال أنا و أخي أبو بكر لا نقرأ لعاصم .
و عن محمد بن عبد الله الحضرمي أنه قال : قرأ علينا عثمان ابن أبي شيبة : " فضرب بينهم سنور له ناب " فقيل له : إنما هو : (( بسور له باب )) فقال أنا لا أقرأ قراءة حمزة ، قراءة حمزة عندنا بدعة .
قال حدثني أبو الحسين أحمد بن يحيى قال : مررت بشيخ في حجره مصحف و هو يقرأ : " و لله ميزاب السموات و الأرض " فقلت : يا شيخ ما معنى : و لله ميزاب السموات و الأرض ؟ قال : هذا المطر الذي تراه . فقلت ما يكون التصحيف إلا إذا كان بتفسير . يا هذا : إنما هو : (( ميراث السّموات و الأرض )) . فقال : اللهم اغفر لي ، أنا منذ أربعين سنة و أقرؤها و هي في مصحفي هكذا .
و من تصحيفات المحدثين ذكر :
حدثنا اسحاق قال : كنا عند جرير ، فأتاه رجل و قال : يا أبا عبد الله تقرأ علي هذا الحديث ، فقال : و ما هو ؟ قال : حدثنا خربز عن رقبة ، قال ويحك : أنا جرير .
حدثنا محمد بن سعيد قال : سمعت الفضل بن يوسف الجعفي يقول : سمعت رجلا يقول لأبي نعيم : حدثتك أمُّك ، يريد : حدثك أمِّيّ الصيرفي ( محدث أهل الجزيرة )
حدثنا يحيى بن بكير ، قال : جاء رجل إلى الليث بن سعد ، فقال : كيف حدثك نافع عن النبي صلى الله عليه و سلم في الذي نشرت في أبيه القصة ، فقال الليث : ويحك إنما هو " في الذي يشرب في آنية الفضة "
قال الدارقطني : و حدثني محمد بن يحيى الصولي قال : حدثنا أبو العيناء قال : حضرت مجلس بعض المحدثين المغفلين ، فأسند حديثا عن النبي صلى الله عليه و سلم ، عن جبرائيل ، عن الله ، عن رجل ، فقلت : من هذا الذي يصلح أن يكون شيخ الله ؟ فإذا هو قد صحفه و إذا هو ( عز و جل )
قال حدثنا أبو الحسن الدارقطني أن أبا موسى محمد بن المثنى ، قال لهم يوما : نحن قوم لنا شرف ، نحن من عنزة ، و قد صلى النبي صلى الله عليه و سلم إلينا ، لما روي أنه صلى الله عليه و سلم صلى إلى عنزة ، توهم أنه صلى إليهم ، التي صلى إليها النبي صلى الله عليه و سلم هي حربة كانت تحمل بين يديه فتنصب ، فيصلي إليها .

التعديل الأخير تم بواسطة أبو عاصم مصطفى السُّلمي ; 13 Jun 2017 الساعة 06:29 PM
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 30 Jun 2017, 11:52 AM
أبو عاصم مصطفى السُّلمي أبو عاصم مصطفى السُّلمي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2016
المشاركات: 607
افتراضي

و لا نزال نرى ـ كل يوم مصارع أقوام ، تعجلوا في النفي ، ففجأهم المخالف بالإثبات
فما أحاروا جوابا بعدُ ، و إن كانوا للحق ناصرين
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 30 Jun 2017, 11:05 PM
عز الدين بن سالم أبو زخار عز الدين بن سالم أبو زخار غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
الدولة: ليبيا
المشاركات: 548
افتراضي

سلمت يمينك وبارك الله فيك أخي مصطفي.
والمشكل أن البعض يلزمك بما ليس بلازم.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 01 Jul 2017, 12:53 PM
أبو عاصم مصطفى السُّلمي أبو عاصم مصطفى السُّلمي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2016
المشاركات: 607
افتراضي

بارك الله فيك و أحسن إليك أخي عز الدين
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مميز, مسائل, النفي, التحذيرالهام, فقه

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013