تعارض التعديل مع جرح أهل البلد

[مراد براهيمي]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.أما بعد:
فإنَّ الناقد إذا عدل أو جرح بلديه كان أصح مذهباً فيهم من الغرباء ، ولا يستغرب ذلك ، فكونه من أهل داره يوجب مزيد اطلاع .
قال أبو بكر المروذي : سألت أحمد بن حنبل عن قطن الذي روى عنه مغيرة ؟ فقال : " لا أعرفه إلا بما روى عنه مغيرة " ، قلت : إن جريراً ذكره بذكر سوء، قال : " لا أدري ، جرير أعرف به وببلده ". العلل ، رواية المروذي ( النص : 98 ) ، وجريرٌ هوَ ابنُ عبد الحميد .
وقال أبو زرعة الدمشقي : قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل : يا أبا عبد الله ، ما تقول في سعيد بن بشير ؟ قال : " أنتم أعلم به ". تاريخ أبي زُرعة ( 1 / 540 ) ، وإنما قال أحمد ذلك لأن سعيداً هذا دمشقي .
وقال ابن عدي في ( شقيق الضبي ) : " كان من قصاص أهل الكوفة ،والغالب عليه القصص ، ولا أعرف له أحاديث مسندة كما لغيره ، وهو مذموم عند أهل بلده ، وهم أعرف به ". الكامل ( 5 / 71 ) .
وكان محمد بن عبد الله بن نمير من نقاد الكوفيين ، قال علي بن الحسين بن الجنيد : كان أحمد بن حنبل ويحيى بن معين يقولان في شيوخ الكوفيين : " ما يقول ابن نمير فيهم ؟ ". أخرجه ابنُ أبي حاتمٍ في " التقدمة " ( ص : 320 ) عن ابنِ الجنيد .
وقال ابن عدي في ( محمد بن عوف الحمصي ) : " هو عالم بأحاديث الشام ، صحيحها وضعيفها ". الكامل ( 1 / 231 ) .
وقال حماد بن زيد : كان الرجل يقدم علينا من البلاد ويذكر الرجل ويحدث عنه ويحسن الثناء عليه ، فإذا سألنا أهل بلده وجدناه غير ما يقول . وكان يقول : بلدي الرجل أعرف بالرجل. أنظر: الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (106).

وقال العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله : يقولون: إن بلدي الشخص أعرف به وبحاله، ويقدمونه على غيره، بل الغريب إذا أتى إلى بلد ربما يتزين له المحدث ويحدثه بأحاديث صحاح، فيحكم عليه من ضمنها، كما ذكروا هذا في بعض من يوثقه يحيى بن معين ويضعفه أهل بلده، ويقولون أهل بلده أعرف به، ربما تزين ليحيى بأحاديث وحدثه به...ا فوثقه يحيى. اهـ ( المقترح / 84 , 85 ) .
فتأمل كلام هذا العالم المحدث المحقق , وكيف أورد مثالا في غاية الحسن , حيث إن يحي بن معين (ت 233هـ) مثلا متعنِّتٌ في الجرح متثبِّتٌ في التعديل , فإذا جاء منه توثيق فإنه يُعضُّ عليه بالنواجذ لشدة تثبُتِه في التوثيق , إلّا إذا خالف أهل بلد الرجل فيقدم الجرح هنا لأن بلدي الشخص أعرف به وبحاله .
- ومن دقيق فقه إمام السنة والحديث العلامة الرباني محمد ناصر الدين ابن نوح النجاتي الألباني رحمه الله في علل الحديث ما ذكره في تضعيف حديث : (إن أدنى الرياء شرك، وأحب العبيد إلى الله تبارك وتعالى الأتقياء الأخفياء، الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا شهدوا لم يعرفوا، أولئك أئمة الهدي ومصابيح العلم) . ضعيف جدا [ الضعيفة : 2975 ]
فبعد تخريجه للحديث قال معقبا على من صححه :
قلت: علته أن بعض رواته أسقط من بين (عياش بن عباس) - وهو القتباني - وزيد بن أسلم (عيسى بن عبد الرحمن) المذكور في الرواية التي قبلها، وأظن أن ذلك من قبل الربيع بن سليمان وهو المرادي؛ فإنه مع كونه ثقة؛ فقد كان ذا غفلة وصفه بذلك من هو أعرف الناس به وهو ابن بلده مسلمة فقد قال:
" كان يوصف بغفلة شديدة، وهو ثقة ". [ انظر الضعيفة : 6 / 547 ].
فتأمل كيف تفطن لعلة الحديث واستعمل القاعدة المذكورة .
فينبغي لطالب العلم أن ينتبه لهذه القاعدة جيدا , خاصة إذا شغب بعضهم في هذا الزمن بإيراد تزكيات لشخص من عند أحد العلماء , غير أن علماء بلده قد جرحوه جرحا مفسرا , فيجب مع كونهم أعرف الناس به تقديم جرحهم لأن جرحهم هنا قد أتى مفسرا , وكيف لا يقبل جرحهم أيضا وقد صدر الجرح منهم جميعا , بل وانضاف إلى هذا جرح أحد العلماء الكبار من غير بلده .

[مهدي بن صالح البجائي]

جزاك الله خيرا على الفائدة الطيبة، وهذا القاعدة في الحقيقة تطفئ فتنا لو عقلناها.

[مراد براهيمي]

وإياكم أخي الحبيب مهدي