منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 09 Feb 2008, 10:45 PM
أم جهان أم جهان غير متواجد حالياً
وفقها الله
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
المشاركات: 118
افتراضي إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان

إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان



إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان

ص -25- إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان لابن قيم الجوزية
الحمد لله الحكيم الكريم العلي العظيم السميع العليم الرءوف الرحيم الذي أسبغ على عباده النعمة وكتب على نفسه الرحمة وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته تغلب عضبه فهو ارحم بعباده من الوالدة بولدها كما هو اشد فرحا بتوبة التائب من الفاقد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة إذا وجدها واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين وارحم الراحمين الذي تعرف إلى خلقه بصفاته وأسمائه وتحبب إليهم بإحسانه وآلائه واشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ختم به



ص -26- النبيين وأرسله رحمة للعالمين وبعثه بالحنيفية السمحة والدين المهيمن على كل دين فوضع به الإصار والإغلال وأغنى بشريعته عن طرق المكر والاحتيال وفتح لمن اعتصم بها طريقا واضحا ومنهجا وجعل لمن تمسك بها من كل ما ضاق عليه فرجا ومخرجا فعند رسول الله السعة والرحمة وعند غيره الشدة والنقمة فما جاءه مكروب إلا وجد عنده تفريج كربته ولا لهفان إلا وجد عنده إغاثة لهفته فما فرق بين زوجين إلا عن وطر واختيار ولا شتت شمل محبين إلا عن إرادة منهما وإيثار ولم يخرب ديار المحبين بغلظ اللسان ولم يفرق بينهم بما جرى عليه من غير قصد الإنسان،



ص -27- بل رفع المؤاخذة بالكلام الذي لم يقصده بل جرى على لسانه بحكم الخطأ والنسيان او الاكراه والسبق على طريق الاتفاق فقال فيما رواه عنه أهل السنن من حديث عائشة أم المؤمنين : "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" رواه الإمام احمد وأبو داود



ص -28- وابن ماجه والحاكم في صحيحه وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه قال ابو داود "في غلاق" ثم قال : والغلاق أظنه الغضب وقال حنبل : سمعت ابا عبدالله - يعني احمد بن حنبل - يقول : هو الغضب ذكره الخلال أبو بكر عبد العزيز ولفظ احمد : يعني الغضب . قال أبو بكر سالت أبا محمد وابن دريد وأبا عبد الله وأبا طاهر النحويين عن قوله "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" قالوا : يريد الإكراه لأنه إذا اكره انغلق عليه رأيه ويدخل في هذا المعنى المبرسم "مكرر" والمجنون فقلت لبعضهم والغضب أيضا فقال :



ص -29- ويدخل فيه الغضب لان الإغلاق أحدهما الإكراه والآخر ما دخل عليه مما ينغلق به رايه عليه وهذا مقتضى تبويب البخاري فإنه قال في صحيحه : باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون يفرق بين الطلاق وفي الإغلاق وبين هذه الوجوه وهو أيضا مقتضى كلام الشافعي فانه يسمي نذر اللجاج والغضب يمين الغلق ونذر الغلق



ص -30- هذا اللفظ يريد به نذر الغظب وهو قوله غير واحد من أئمة اللغة والقول بموجبه وهو مقتضى الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين وأئمة الفقهاء ومقتضى القياس الصحيح والاعتبار وأصول الشريعة . أما "الكتاب" فمن وجوده : "احدها" قوله تعالى : {لا يؤاخذهم الله باللغو في ايمانكم و لكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} قال ابن جرير في تفسيره حدثنا ابن وكيع "ثنا" مالك بن إسماعيل عن خالد عن عطاء بن رستم عن ابن عباس قال : لغو اليمين أن تحلف وأنت عضبان حدثنا ابن حمبد "ثنا" يحيى بن واضح "ثنا" أبو حمزة عن عطاء عن طاووس قال : كل يمين حلف عليها



ص -31- رجل وهو غضبان فلا كفارة عليه فيها لقوله {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} وهذا احد الأقوال في مذهب مالك ان لغو اليمين هو اليمين في الغضب وهذا اختيار اجل المالكية وأفضلهم على الإطلاق وهو : القاضي إسماعيل بن اسحق فانه ذهب إلى أن الغضبان لا تنعقد يمينه ولا تنافي بين هذا القول وبين قول ابن عباس وعائشة ان لغو اليمين هو قول الرجل لا والله وبلى والله وقول عائشة وغيرها أيضا : انه يمين الرجل على الشيء يعتقده كما حلف عليه فيتبين بخلافه فان الجميع من لغو اليمين والذي فسر لغو اليمين بأنها يمين الغضب يقول بان النوعين الآخرين من اللغو وهذا هو الصحيح فإن الله سبحانه جعل لغو اليمين مقابلا لكسب القلب ومعلوم أن الغضبان والحالف على الشيء يظنه كما حلف عليه والقائل : لا والله وبلى والله من غير عقد



ص -32- اليمين لم يكسب قلبه عقد اليمين ولا قصدها والله سبحانه قد رفع المؤاخذة بلفظ جرى على اللسان لم يكسبه القلب ولا يقصده فلا تجوز المؤاخذة بما رفع الله المؤاحذة به بل قد يقال : لغو الغضبان اظهر من لغو القسمين الآخرين : لما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
فصل
"الوجه الثاني" من دلالة الكتاب قوله سبحانه {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} وفي تفسير ابن ابي نجيح عن مجاهد : هو قول الإنسان لولده وماله إذا عضب عليهم "اللهم لا تبارك فيه والعنه" فلو يعجل لهم الاستجابة في ذلك كما يستجاب في الخير لأهلكهم . انتهض الغضب مانعا من انعقاد سبب الدعاء الذي تاثيره في الإجابة أسرع من تأثير الأسباب في أحكامها فان الله سبحانه يجيب دعاء الصبي والسفيه والمبرسم ومن لا يصح طلاقه ولا عقوده فإذا كان الغضب قد منع كون الدعاء سببا لان الغضبان لم يقصده بقلبه فان عاقلا لا يختار أهلاك نفسه وأهله وذهاب ماله وقطع يده ورجله وغير ذلك بما يدعو به فاقتضت رحمة العزيز العليم أن لا يؤاخذه بذلك ولا يجيب دعاءه لأنه عن غير قصد منه بل الحامل له عليه الغضب الذي هو من الشيطان . "فإن قيل" إن هذا ينتقض عليكم بالحديث الذي رواه ابو داود عن جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : "لا تدعوا على أولادكم ولا على أموالكم ولا تدعوا على خدمكم لا توافقوا من الله ساعة لا يسال فيها شيئا إلا أعطاه".



ص -33- "قيل" : لا تنافي بين الآية والحديث . فان الآية اقتضت الفرق بين دعاء المختار و دعاء الغضبان الذي لا يختار ما دعا به والحديث دل على : أن لله سبحانه أوقاتا لا يرد فيها داعيا ولا يسال فيها شيئا إلا اعطاه . فنهى الأمة إن يدعوا احدهم على نفسه أو أهله أو ماله خشية أن يوافق تلك الساعة فيجاب له ولا ريب أن الدعاء بالشر كثيرا ما يجلب الدعاء بالخير والإنسان



ص -34- يدعو على غيره ظلما وعدوانا مع ذلك فقد يستجاب له لكن اجابة دعاء الخير من صفة الرحمة وإجابة ضده من صفة الغضب والرحمة تغلب الغضب والمقصود ان الغضب مؤثر في عدم انعقاد السبب في الجملة ومن هذا قوله تعالى : {وَيَدْعُ الإنسان بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإنسان عَجُولاً} وهو الرجل يدعو على نفسه واهله بالشر في حال الغضب
فصل
"الوجه الثالث" قوله تعالى {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} ووجه الاستدلال بالآية : ان موسى "صلوات الله عليه" لم يكن ليلقي الواحا كتبها الله تعالى فيها كلامه من على راسه الى الارض فيكسرها اختيارا منه لذلك ولا كان فيه مصلحة لبني اسرائيل ولذلك جره بلحيته وراسه وهو اخوه وانما حمله على ذلك الغضب فعذره الله سبحانه به ولم يعتب عليه بما فعل اذ كان مصدره الغضب الخارج عن قدرة العبد واختياره فالمتولد عنه غير منسوب الى اختياره ورضاه به يوضحه "الوجه الرابع" وهو قوله [/color[color=#FF4040]]{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ} فعدل سبحانه عن قوله سكن الى قوله "سكت" تنزيلا للغضب منزلة السلطان الآمر الناهي الذي يقول لصاحبه : افعل لا تفعل فهو مستجيب لداعي الغضب الناطق فيه المتكلم على لسانه فهو أولى بان يعذر من المكره الذي لم يتسلط عليه غضب يأمره وينهاه كما سياتي تقريره بعد هذا ان شاء الله وإذا كان الغضب هو الناطق على لسانه


ص -35- الأمر الناهي له لم يكن ما جرى على لسانه في هذا الحال منسوبا الى اختياره ورضاه فلا يتم عليه أثره . "الوجه الخامس" قوله تعالى {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} في ثلاثة مواضع من القران . وما يتكلم به الفضبان في حال شدة غضبه من طلاق و أو شتم ونحوه هو من : نزغات الشيطان فإنه يلجئه إلى ان يقول ما لم يكن مختارا لقوله : فإذا سرى عنه علم ان ذلك من القاء الشيطان على لسانه مما لم يكن يرضاه واختياره والغضب من الشيطان واثره منه كما في الصحيح ان رجلين استبا عند النبي حتى احمر وجه احدهما وانتفخت أوداجه فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اني لاعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد : "اعوذ بالله من الشيطان الرجيم" وفي السنن ان النبي صلى الله عليه وسلم قال "ان الغضب من الشيطان وان الشيطان من النار وانما تطفأ النار بالماء فإذا غضب احدكم فليتوضأ" .



ص -36- وإذا كان هذا السبب واثره من الجاء الشيطان لم يكن من اختيار العبد فلا يترتب عليه حكمه
فصل
فاما دلالة السنة فمن وجوه احدهما حديث عائشة المتقدم وهو قوله "لا طلاق ولا عتاق في اغلاق" . وقد اختلف في الاغلاق فقال اهل الحجاز : هو الاكراه . وقال اهل العراق : هو الغضب وقالت طائفة : هو جمع الثلاث بكلمة واحدة . حكى الأقوال الثلاثة صاحب كتاب مطالع الانوار وكان الذي فسره بجمع الثلاث اخذه من التغليق وهو ان المطلق غلق طلاقه كما يغلق صاحب الدين ما عليه وهو من غلق الباب فكأنه اغلق على نفسه باب الرحمة بجمعه الثلاث فلم يجعل له الشارع ذلك ولم يملكه اياه رحمة به انما ملكه طلاقا يملك فيه الرجعة بعد الدخول وحجر عليه في وقته ووضعه وقدره . فلم يملكه اياه في وقت الحيض ولا في وقت طهر جامعها فيه ولم يملكه ان يبينها بغير عوض بعد الدخول فيكون قد غير صفة الكلام وهذا عند الجمهور فلو قال لها : انت طالق طلقة لا رجعة لي فيها أو طلقة بائنة لغا ذلك وثبتت له الرجعة وكذلك لم يملكه جمع الثلاث في



ص -37- مرة واحدة بل حجر عليه في هذا وهذا وكان ذلك من حجة من لم يوقع الطلاق المحرم و لا الثلاث بكلمة واحدة لانه طلاق محجور على صاحبه شرعا وحجر الشارع يمنع نفوذ التصرف وصحته كما يمنع نفوذ التصرف في العقود المالية فهذه حجة من اكثر من ثلاثين حجة ذكروها على كلام وقع الطلاق المحجور على المطلق فيه . والمقصود هاهنا ان هؤلاء فسروا الاغلاق بجمع الثلاث لكونه اغلق على نفسه باب الرحمة الذي لم يغلقه الله عليه الا في المرة الثالثة "واما الآخرون" فقالوا : الإغلاق مأخوذ من إغلاق الباب وهو ارتاجه واطباقه فالأمر المغلق ضد الأمر المنفرج والذي أغلق عليه الأمر ضد الذي فرج له وفتح عليه فالمكره "مكرر" الذي اكره على أمر إن لم يفعله وإلا حصل له من الضرر ما اكره عليه قد أغلق عليه باب القصد والإرادة لما اكره عليه فالإغلاق في حقه بمعنى أغلاق أبواب القصد والإرادة له فلم يكن قلبه منفتحا لإرادة القول والفعل الذي اكره عليه ولا لاختيارهما فليس مطلق الإرادة والاختيار بحيث إن شاء طلق وان شاء لم يطلق وان شاء تكلم وان شاء لم يتكلم بل أغلق عليه باب الإرادة إلا للذي قد اكره عليه . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن



ص -38- شئت ولكن ليعزم المسالة فان الله لا مكره له" فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الله لا يفعل إلا إذا شاء بخلاف المكره الذي يفعل ما لا يشاؤه فانه لا يقال يفعل ما يشاء إلا إذا كان مطلق الدواعي وهو المختار وأما من الزم بفعل معين فلا ولهذا يقال المكره غير مختار ويجعل قسيم المختار لا قسما منه ومن سماه مختارا فانه يعني أن له إرادة واختيارا بالقصد الثاني فانه يريد الخلاص من الشر ولا خلاص له إلا بفعل ما اكره عليه فصار مريدا له بالقصد الثاني لا بالقصد الأول والغضبان الذي يمنعه الغضب من معرفة ما يقول وقصده فهذا من أعظم الاغلاق وهو في هذا الحال بمنزلة المبرسم والمجنون والسكران بل أسوأ حالا من السكران لان السكران لا يقتل نفسه ولا يلقي ولده من علو والغضبان يفعل ذلك وهذا لا يتوجه فيه نزاع انه لا يقع طلاقه والحديث يتناول هذا القسم قطعا . وحينئذ فنقول الغضب ثلاثة أقسام :



ص -39- "احدها" إن يحصل للإنسان مبادئه وأوائله بحيث لا يتغير عليه عقله ولا ذهنه ويعلم ما يقول وما يقصده فهذا لا إشكال في وقوع طلاقه وعتقه وصحة عقوده ولا سيما إذا وقع منه ذلك بعد تردده فكره "القسم الثاني" أن يبلغ به الغضب نهايته بحيث ينغلق عليه باب العلم والإرادة فلا يعلم ما يقول ولا يريده فهذا لا يتوجه خلاف في عدم وقوع طلاقه كما تقدم والغضب غول العقل فإذا اغتال الغضب عقله حتى لم يعلم ما يقول فلا ريب انه لا ينفذ شيء من أقواله في هذه الحالة فإن أقوال المكلف إنما مع علم القائل بصدورها منه ومعناها وإرادته للتكلم بها . "فالأول" يخرج النائم والمجنون والمبرسم والسكران وهذا الغضبان "والثاني" يخرج من تكلم باللفظ وهو لا يعلم معناه البتة فإنه لا يلزم مقتضاه "والثالث" يخرج من تكلم به مكرها وان كان عالما بمعناه . "القسم الثالث" من توسط في الغضب بين المرتبتين فتعدى مبادئه ولم ينته إلى أخره بحيث صار كالمجنون فهذا موضع الخلاف ومحل النظر والأدلة الشرعية تدل على عدم نفوذ طلاقه وعتقه وعقوده التي يعتبر فيها الاختيار والرضا وهو فرع من الاغلاق كما فسره به الأئمة وقد ذكرنا دلالة الكتاب على ذلك من وجوه . "وأما دلالة السنة" فمن وجوه "أحدهما" حديث عائشة وقد تقدم ذكر وجه دلالته . "الثاني" ما رواه احمد والحاكم في مستدركه من حديث عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين" .



ص -40- وهو حديث صحيح وله طرق وجه الاستدلال به أنه صلى الله عليه وسلم الغي وجوب الوفاء بالنذر إذا كان في حال بالغضب مع أن الله "سبحانه وتعالى" اثنى على الموفين بالنذور وأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناذر لطاعة الله بالوفاء بنذره . وقال "من نذر أن يطيع الله فليطعمه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه".



ص -41- فإذا كان النذر الذي أثنى الله من أوفى به وأمر رسوله بالوفاء بما كان منه طاعة قد اثر الغضب في انعقاده لكون الغضبان لم يقصده وإنما حمله على بيانه الغضب فالطلاق بطريق الأولى و الأخرى فإن قيل : فكيف رتب عليه كفارة اليمين "قيل" ترتب الكفارة عليه لا يدل على ترتب موجبه ومقتضاه عليه والكفارة لا تستلزم التكليف ولهذا تجب في مال الصبي والمجنون إذا قتلا صيدا أو غيره وتجب على قاتل الصيد ناسيا أو مخطئا وتجب على من وطئ في نهار رمضان ناسيا عند الأكثرين فلا يلزم من ترتب الكفارة اعتبار كلام الغضبان وهذا هو الذي يسميه الشافعي نذر الغلق ومنصوصه عدم وجوب الوفاء به إذا حلف به بل يخير بينه وبين الكفارة . وحكى له قول آخر بتعين الكفارة عينا وقول آخر بعين الوفاء به إذا حنث كما يلزمه الطلاق والعتاق وهذا قول مالك واشهر الروايتين عن أبي حنيفة



ص -43- "الثالث" ماثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال : "لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان" ولولا أن الغضب يؤثر في قصده وعلمه لم ينهه عن الحكم حال الغضب وقد اختلف الفقهاء في صحة حكم الحاكم في حال غضبه على ثلاثة أقوال سنذكرها بعد إن شاء الله
فصل
"وأما آثار الصحابة" فمن وجوه "أحدها" ما ذكره البخاري في صحيحه عن ابن عباس انه قال الطلاق عن وطر والعتق ما ينبغي به وجه الله فحصر الطلاق فيما كان عن وطر وهو الغرض المقصود والغضبان لا وطر له وهذا في الطلاق عن ابن عباس نظير قوله وقول أصحابه لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان "الوجه الثاني" أن الزهري روى عن أبان بن عثمان عن عثمان انه رد طلاق



ص -44- السكران ولا يعرف له مخالف من الصحابة وهذا هو الصحيح وهو الذي رجع إليه الإمام احمد أخيرا قال في رواية أبي طالب والذي لا يأمر بالطلاق فإنما أتى خصلة واحدة والذي يأمر الطلاق قد أتى خصلتين حرمها عليه وأحلها لغيره فهذا خير من هذا وانا اتقي جميعها وقال في رواية عبدالله الميموني قد كنت أقول : ان طلاق السكران يجوز حتى تبينته فغلب علي انه لا يجوز طلاقه لان لو اقر لم يلزمه ولو باع لم يجز بيعه "قال" : والزمه الجناية وما كان من غير ذلك فلا يلزمه . قال ابو بكر : وبهذا أقول وقال في رواية ابي الحرث : ارفع شيء في حديث



ص -45- الزهري عن أبان بن عثمان عن عثمان : ليس لمجنون ولا سكران طلاق وهو اختيار الطحاوي وابي الحسن الكرخي وإمام الحرمين وشيخ الإسلام ابن تيمية واحد قولي الشافعي وإذا كان هؤلاء لا يوقعون طلاق السكران لأنه غير قاصد للطلاق فمعلوم ان الغضبان كثيرا ما يكون أسوأ حالا من السكران.



ص -46- والسكر نوعان : سكر طرب وسكر غضب وقد يكون هذا اشد وقد يكون الآخر اشد فإذا اشتد به الغضب حتى صار كالسكران كان أولى بعدم وقوع الطلاق منه لانه يعذر ما لا يعذر السكران ويبلغ به الغضب اشد ما يبلغ به السكران كما يشاهد من حال السكران الغضبان
فصل
"واما الاعتبار وأصول الشريعة" فمن وجوه : "الأول" : ان المؤاخده إنما ترتبت على الأقوال لكونها أدلة على ما في القلب من كسبه وارداته كما قال تعالى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} فجعل سبب المؤاخذة كسب القلب وكسبه هو إرادته وقصده ومن جرى على لسانه الكلام من غير قصد واختيار بل لشدة غضب وسكر أو غير ذلك لم يكن من كسب قلبه ولهذا لم يؤاخذ الله سبحانه الذي اشتد فرحه بوجود راحلته بعد الاباس منها فلما وجدها أخطأ من شدة الفرح وقال : "اللهم انت عبدي وانا ربك" فجرى هذا اللفظ على لسانه من غير قصد فلم يؤاخذه كما يجري الغلط في القران على لسان القارىء ولكن قد يقال هذا قصد الصواب فأخطأ فلم يؤاخذ إذا كان قصده ضد ما تكلم به بخلاف الغضبان إذا طلق فانه قاصد للطلاق . "قيل" لا كلام في الغضبان العالم بما يقول القاصد المختار لحكمه دفعا لمكروه



ص -47- البقاء مع الزوجة وانما الكلام في الذي اشتد غضبه حتى الجاه الشيطان إلى التكلم بما لم يكن مختارا للتكلم به كما يلجئه إلى فعل ما لم يكن لولا الغضب يفعله يوضحه "الوجه الثاني" وهو : ان الإرادة فيه هو محمول عليها ملجأ اليه كالمكره بل المكره احسن حالا منه فان له قصدا وإرادة حقيقة لكن هو محمول عليه وهذا ليس له قصد في الحقيقة فإذا لم يقع طلاق المكره فطلاق هذا أولى بعدم الوقوع . يوضحه "الوجه الثالث" وهو : ان الامر الحامل المكره على التكلم بالطلاق يشبه الحامل للغضبان على التكلم به فان المتكلم مكرها انما يقصد الاستراحة من توقع ما اكره به ان لم يباشر به أو من حصوله ان كان قد باشره بشيء منه فيتكلم بالطلاق قاصدا لراحته من الم ما اكره به وهكذا الغضبان فإنه إذا اشتد به الغضب يألم بحمله فيقول ما يقول ويفعل ما يفعل ليدفع عن نفسه حرارة الغضب فيستريح بذلك وكذلك يلطم وجهه ويصيح صياحا قويا ويشق ثيابه ويلقي ما في يده دفعا لألم الغضب وإلقاء لحمه منه وكذلك يدعو على نفسه واحب الناس اليه فهو يتكلم بصيغة الطلب والاستدعاء والدعاء وهو غير طالب لذلك في الحقيقة فكذلك يتكلم بصيغة الانشاء وهو غير قاصد لمعناها ولهذا يأمر الملوك وغيرهم عند الغضب بأمور يعلم خواصهم انهم تكلموا بها دفعا لحرارة الغضب وانهم لا يريدون مقتضاها فلا يمتثله خواصهم بل يؤخرونه فيحمدونهم على ذلك إذا سكن غضبهم وكذلك الرجل وقت شدة الغضب يقوم ليبطش بولده أو صديقه فيحول غيره بينه وبين ذلك فيحمدهم بعد ذلك كما يحمد السكران والمحموم ونحوهما من يحول بينه وبين ما يهم بفعله في تلك الحالة "الوجه الرابع" : ان العاقل لا يستدعي الغضب ولا يريده بل هو اكره شيء اليه وهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "جمرة في قلب ابن ادم اما رأيتم من احمرار عينيه وانتفاخ أوداجه"
رد مع اقتباس
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013