منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » قــســـــــــــم الأخــــــــــــوات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #16  
قديم 08 Jan 2021, 01:01 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي





مقاصد ومعاني سورة الكهف

لمعالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله تعالى

للاستماع من هنا

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيّه وخليله، نشهد أنّه بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة، ونصح الأمّة، وجاهد في الله حق الجهاد، حتى تركها على ملة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده صلى الله عليه وسلم إلاّ هالك.

اللّهمّ صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد كلما صلى عليه المصلون، اللّهمّ صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد كلّما غفل عن الصلاة عليه الغافلون، وسلّم اللّهمّ تسليمًا مزيدًا، أما بعد:

فيا أيها الإخوة في الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإنّها لساعة مباركة أن نلتقي في حلقة من حِلق العلم والهدى في هذا الجامع الذي بناه سمو أمير هذه المنطقة، الأمير/ عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي، ودعاني –جزاه الله خيرًا- لإلقاء محاضرة فيه بمناسبة افتتاح معرض وسائل الدعوة إلى الله في عرعر السادس عشر، وأشكر له هذه الدعوة، وهذه الحفاوة والحرص والتعاون الذي كان من جميع الجهات الحكومية والأهلية والناس في إنجاح هذا الموسم الدعوي الذي يفرح بها كل من يحب الدعوة ونشرها في الناس.

موضوع المحاضرة بحسب ما أعلن عنه رأيت أن أتكلم في غير ذلك الموضوع لمناسبة الحاضرين، لأنّ الموضوع المعلن عنه له شبه تخصّص، والموضوع العام الذي يناسب الدعوة العامّة، ويناسب جملة الحاضرين والمتلقين اليوم رأيت أن يكون في (مقاصد ومعاني سورة الكهف)، وذلك لأن أكثرنا يقرأ سورة (الكهف) كلّ جمعة، إمّا حفظًا، وإمّا تلاوة، وذلك لما ورد في تلاوتها يوم الجمعة، وفي حفظ آيات منها من الترغيب، فقد ثبت في صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ من أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف، عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ)،(1) وفي لفظ: (مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ، عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ)،(2) وأيضًا جاء عنه صلى الله عليه وسلم بإسناد جيّد بطرق يشهد بعضها لبعض: (مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يوم الْجُمُعَةِ، أَضَاءَ له من النُّورِ ما بين الْجُمُعَتَيْنِ).(3)

وسورة (الكهف) سورة عظيمة من سور القرآن التي لقراءتها كل جمعة معان كبيرة ومقاصد عظيمة، ومن المقرر عند أهل التخصص في التفسير من أهل العلم أنّ سور القرآن العظيم لها مقاصد، يعني: لها موضوع أو موضوعات رئيسة تدور عليها الآيات ويتصل بعض الآيات برقاب بعض في إفهام المعنى، والمقصد الذي أراده الله –جل وعلا- من هذه السورة، فقد ذكر أهل العلم كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية مثلاً أنّ سورة (البقرة) في حفظ الضروريات الخمس، وأن سورة (المائدة) في العقود، وهكذا في موضوعات شتّى، وقد بالغ بعض أهل العلم حتى استنتج من كل سورة مقصد وغاية، فما بين مستقل ومستكثر، فبعضها يظهر المقصد أو المقاصد من السورة وآياتها، وبعضها لا يظهر إلا لذوي التحقيق من أهل العلم.

سورة (الكهف)، قال الله –جل وعلا- في أولها: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا}[الكهف:7، 8]، والذي يظهر للمتأمّل من أهل العلم بأنّ موضوع هذه السورة هو في الابتلاء، حياة الإنسان كلّها ابتلاء، ولكن في هذه السورة ذكر الله –جل وعلا- هذا المعنى فيما أورده من قصص وأخبار، فبدأها الله –جل وعلا- بحمده، والثناء عليه، فقال سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا * قَيِّمًا}[الكهف:1، 2]، فحمد الله –جل وعلا- نفسه، يعني أثنى على نفسه بأنواع الثناء، والحمد هو: الثناء بأنواع المحامد والصفات، والثناء يكون في معانٍ جاءت في الكتاب والسنة:

-أوّلاً: الحمد بإثبات ربوبية الله –جلّ وعلا- وما له من صفات الكمال في ربوبيته.
-ثانيًا: والحمد في ألوهيته سبحانه بما له من استحقاقات عظيمة أن يُعبد وحده لاشريك له، وأنّ أعظم ظلم أن يُعبد معه في ملكوته أحد.
-ثالثًا: الحمد على ما له من الأسماء الحسنى والصفات العلى، قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:11]، بلغ الكمال والنهاية فيما له من الأسماء ودلالاتها، وفيما يتصف بها من صفات على الحقيقة، وآثارها في ملكوته.
-رابعًا: الحمد والثناء على الله –جل وعلا- فيما أنزله من كتب، لأنّ الكتب هي التشريع، وهي التي تبين الحق من الباطل، وتبين الهدى من الضلال، وتبين للناس طريق الخير، وطريق الشر، وتبصّرهم من العمى، وتنقذهم من الضلالة، فله الثناء كل الثناء لإنزاله هذه الكتب، وخاتم هذه الكتب والمهيمن عليها والحاكم عليها هو القرآن العظيم، الذكر الحكيم، النور المبين، ولذلك قال هنا في أول هذه السورة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ}، وفي الربوبية قال: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ}[الأنعام:1]، وهكذا في موضوعاتها.
-الخامس: أنّه عزوجل محمود على خلقه، وقدره، وهو عزوجل له تصريف هذا الملك، وله في كل شيء قدر، كما قال عزوجل: (”إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ”) [القمر:49]، وله سبحانه وتعالى أوامر كونية في ملكوته منها: الإنعام على مَن شاء أن يُنْعِم علىهم، ومنها: المصائب على مَن شاء أن يبتليهم…وهكذا، فهو عزوجل محمود على خلقه، وقدره، وكل أنواع تقديره عزوجل يستحق أن يُثنى علىه بها، وهذا النوع بعضه يستحضره الناس حينما يقولون: الحمد لله، أي: على ما أولاهم به من نعمة، فيحمدون الله عزوجل، ويثنون علىه بما أفاض علىهم من النعم، وهذا ولا شك نوع من أهم موارد الحمد، أما أهل العلم المتبصّرون بما يستحقّه عزوجل من الأسماء والصفات، وما له عزوجل من النعوت والكمالات، فإنّهم يستحضرون من معاني الحمد أكثر من ذلك الذي يستحضره أكثر الخلق، من أنّ الحمد لا يكون إلاّ على ما أولوا من النعمة. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمد الله عزوجل في السراء، والضراء، يحمده عزوجل إذا أتته نعمة، وإذا جاءه ما لايسره حمد الله عزوجل، ويثني على الله عزوجل باستحقاقه للربوبية على خلقه، ويثني على الله عزوجل باستحقاقه للعبادة من خلقه وحده دونما سواه، ويثني علىه عزوجل بأنواع من الثناء.

ومن المهمات أن يستحضر الحامد لله عزوجل هذه الموارد، وإن لم يمكنه ذلك لضيق وعاء القلب عنده، فإنّه يستحضر شيئًا فشيئًا منها، حتى يُعوّد قلبه على الثناء على الله عزوجل بجميع أنواع الثناء علىه سبحانه وتعالىالتي يستحقها. (4)

فبدأ بـأنواع المحامد لله –جل وعلا- على إنزاله الكتاب، لأنّه أنزل هذا الكتاب لكي يكون لنا نورًا، وليكون لنا برهانًا، ويكون لنا ضياءً في هذه الدنيا، فمَن استرشد به رشد، ومَن أخذ به هُدِيَ، ومَن اتّبع هذا القرآن فلا يضلّ ولا يشقى، وهذا له صلة بموضوع السورة وهو الابتلاء، فكأنّه قال –جلّ وعلا-: إذا أردت النّجاة من هذا الابتلاء العظيم {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} فهو راجع إلى هذا الكتاب العظيم.

قال –سبحانه-: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا} فإذا أردت أن تفسر أكثر ما تراه في الحياة من أشياء تأنس لها فتأمل أنّها زينة، {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ} فكل ما على الأرض جعله الله –جل وعلا- زينة، قال:{لِنَبْلُوَهُمْالابتلاء ما معناه؟ معناه الاختبار: هل يذهب الإنسان لهواه، أم يتخلّص من هواه ويذعن لمراد الله جل وعلا، هذا أعظم ابتلاء في الحياة، ولذلك جاء في الحديث وإسناده لا بأس به: (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبِعًا لما جِئْت بِهِ)،(5)

الابتلاء: اختبار، وهذه السورة ذكر الله أنواعا من الابتلاء:
قصة أصحاب الكهف ابتلاء، وسيأتي ذكر بعض المعاني في ذلك.
قصة الرجلين صاحب الجنتين ومن معه، ابتلاء.
الحياة وإخراج آدم عليه السلام من الجنة، وابتلائه بالشيطان ابتلاء.
قصة الخضر مع موسى عليه السلام ابتلاء لموسى عليه السلام .
قصة ذي القرنين، ابتلاء الملك، ابتلاء الحكم، ابتلاء المسؤولية.

أمّا أوّلها فـقصّة أصحاب الكهف:

قصة أصحاب الكهف قال الله –جل وعلا- في شأنهم:{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا* إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}[الكهف:9، 10]، فتية آمنوا بربّهم، قال الله –جل وعلا-: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}[الكهف:13]، حقّقوا الإيمان من قلوبهم فزادهم الله هدى، كقوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}[محمد:17]، فالله –جل وعلا-إذا أقبل عليه العبد شبرًا أقبل عليه الله –جل وعلا- ذراعا، كما ثبت في الحديث الصحيح في الصحيحين وغيرهما: (إِذَا تَقَرَّبَ العَبْدُ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا..) إلى آخر الحديث،(6) أصحاب الكهف فتية تيقّنوا التّوحيد، وتيقّنوا أن الله –جل وعلا- هو المستحق للعبادة وحده، في قومهم رأوا ما يخالف ذلك فآمنوا بالله وحده، فحاصرهم قومهم حتى أدى بهم الأمر إلى أن يحفظوا دينهم بالهجرة، فهاجروا إلى أن كتب الله لهم أن يكونوا في الكهف، فألقى عليهم النوم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا.

ما الابتلاء في قصتهم؟ عدّة ابتلاءات- والابتلاء الموجود في قصتهم يتكرر مع كل واحد منا في حياته-:

الابتلاء الأول: أنّ الناس ليسو عبرة في الكثرة والقلّة في معرفة الحق، الحق يُعرف من دليله وبرهانه:
فقد يكون الناس على حق كثير، مثلما كان في عهد النبوّة، والخلافة الرّاشدة، وفي صدر الإسلام، والقرون المفضّلة، فقد كان الأكثر على حق، فلم تفشُ فيهم الضلالات والفرق، فكان الحق بدليله موجود.
وقد يكون الناس على غير الحق وإن كانوا كثيرين وإن كانوا جماهير، لهذا قال –جل وعلا-:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}[النحل:120]، على الرغم من أنّه واحد،(7) قال الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب ‘ في تفسيره لهذه الآية: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}، لئلا يستوحش سالك الطريق من قلة السالكين،
(قانتا لله) لا للملوك، ولاللتجار المترفين، (حنيفا) : لا يميل يمينًا ولا شمالًا، كفعل العلماء المفتونين، (ولم يك من المشركين) خلافا لمن كثر سوادهم، وزعم أنه من المسلمين.

معك أمة، إبراهيم أمّة، والأنبياء أمّة، وكل نبي أمّة، ومَن معهم من أهل الدين والتوحيد والحق والهدى أمّة.
فأصحاب الكهف ابتلوا بمواجهة الكثرة، وكان معهم يقين بدليله وبرهانه أنهم على حق، فاختاروا الحق بدليله وبرهانه.
يغلط بعض الناس في القلة والكثرة:
بعضهم يرى أن الكثرة دائما صواب، والقلّة دائما غلط على خلاف الحق.
وبعضهم يرى العكس، يرى أنّ القلة دائما المبتلاة في دينها على حق، وأنّ الكثرة على غلط، فأيّ قلة مبتلاة في دينها على صواب، وأيّ كثرة معاندة لهم أو مضادة لهم تكون على غلط، وهذا غير صواب.

الصواب: أنّ القلة والكثرة ليست ميزانا، ابتلى الله الناس بالقلة والكثرة، فمنهم مَن وقع فريسة الكثرة والجماهير، ومنهم مَن وقع فريسة القلّة، قال: نحن قلّة على حق، وهذا ليس صوابا، وذاك ليس صواب، بل الصواب أنّ الحق يُعرف بدليله، ببرهانه، بمنهجه، بطريقته، وليس اعتبارا بأنّهم كثير أو بأنّهم قليل، أتى في أزمنة الله –جل وعلا- كثرة على الحق، وقلة على الباطل، في زمن الصحابة رضي الله عنهم الخوارج(9) كانوا قلّة وكانوا هم الباطل، والصحابة رضي الله عنهم كانوا الكثرة وكانوا هم الحق، يأتي في زمن يكون العكس، قال صلى الله عليه وسلم: (بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كما بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ).(10)

***فإذًا الابتلاء الأول: أن لا تضع في ميزانك للصواب كثرة الجماهير أو قلّتها، الدليل ما هو، الحق ما هو، منهاج النبوة ما هو ، منهاج الصحابة ما هو، منهاج الأئمة الصالحة ما هو، منهاج العلماء ما هو، المنهاج الذي عليه الأكثر، ولنفرض: واحد منتسب لأهل العلم قال كلامًا يخالف إخوانه من أهل العلم، العالم يزل، ما جعل الله العصمة إلا لأنبيائه، ولكن أتباع الأنبياء يحصل منهم ويحصل، والعالم إذا زل في الأمور العظام المتعلّقة بالأمّة يزل معه العالم، ولذلك قال أهل العلم في القواعد: زلّة العَالِم زلّة العَالَم،(11) ومن هنا يظهر لك نوع الابتلاء، أصحاب الكهف نجوا من ذلك فأثنى الله عليهم، دخلوا في الكهف، فابتلاهم الله –جل وعلا- بقومهم، فهربوا من قومهم وأووا إلى الكهف، قالوا:{فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا}[الكهف:16]، قضى الله عليهم أنّهم ينامون هذه النومة الطويلة، ثم أيقظهم الله –جل وعلا- ابتلاء لمن؟ ابتلاء لهم، وابتلاء لقومهم مرة أخرى، قال الله –جل وعلا- في وصف ذلك: {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ}، فقوله:{وَكَذَلِكَ} هذا ربط للأمر بموضوع السورة، {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ} فلا يزالون يتذكرون الخوف الأول، {وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا * إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا}[الكهف:19، 20]، بعد الثلاثمائة وتسع سنين من النوم لا زال في ذهنهم الأمر الأول وهو أنهم مبتلين، وأنهم في ابتلاء عظيم مع هؤلاء القوم، قال الله –جل وعلا- مرة أخرى: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ}، يعني: أعثر الله قوم أصحاب الكهف بأصحاب الكهف، يعني: أرشدهم إليهم، {لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا}، فحتى العثور عليهم فيه ابتلاء هل تؤمنون بالآخرة أم لا تؤمنون؟،{لِيَعْلَمُوا} اللاّم هنا يسمّيها العلماء: لام التعليل، يعني: لماذا أعثر عليهم؟ {لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} جاء الابتلاء هنا، هل لمّا هؤلاء القوم المشركون رأوا ما أكرم الله به هؤلاء الفتية، وهم كانوا كم؟ أكثر شيء سبعة وثامنهم كلبهم، هؤلاء الفتية هل استفادوا منهم وقالوا: لننظر ما كانوا عليه، ماذا كانوا يؤمنون به؟ لا، حتى في هذه فشلوا في الابتلاء، قال الله –جل وعلا-: {إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ}، يعني: ما زالوا مشككين، ثلاثمائة وتسع سنين، وقد رأوا معهم عملة هذه العملة لو عرضوها على أهل الخبرة لقالوا: هذه من ثلاثمائة سنة، لقالوا: هؤلاء أناس شباب ولتذكروا ان هناك أناس شباب هربوا من المدينة وفقدوا إلى آخره، ولتذكروا، إذًا هؤلاء حالة استثنائية، إذًا ما تتذكرون لم هربوا من قومهم؟ ما كانوا عليه من الدين، وما كانوا عليه من الهدى، وأن الله أكرمهم بهذه النومة العظيمة في هذه السنين ليبتليكم أنتم؟ ما استفادوا، ففشلوا في الابتلاء، فجاءهم الشيطان بحيلة، لا تؤمنون بما آمنوا به ولكن كرموهم، أعطوهم كرامة، {ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ}، يعني: لا ندري عنهم، ولكن ربهم أعلم بهم، ولكن أهل النفوذ {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا}[الكهف:21]،

مَن هم الذين غلبوا على أمرهم؟ هناك ثلاثة أقوال لأهل العلم فيها،(12) والظاهر منها أنّهم أهل النفوذ والقرار في وقتهم، قالوا: هؤلاء نستفيد منهم سياسيا، نستفيد منهم في وقتنا، {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ} يعني: أهل النفوذ والكبراء وأهل القرار {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا}، يعني: نبني عليهم مسجدًا، حتى يعرف الناس أنّنا غير مضادين لهم، بل أكرمناهم وبنينا عليهم مسجدا، فالعبرة في الحق ماذا كان عليه هؤلاء الفتية؟ {إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا * هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ}[الكهف:14، 15]، يعني: أنتم أيها القوم على شرك، فلماذا لم تتذكروا أنّ هؤلاء الفتية أهل توحيد وعبادة لله وحده، فتتبعونهم فيما اهتدوا به؟ أما كونكم تقيممون عليهم مسجدا فهذا أيضًا فشل في الابتلاء. ولذلك من أدلة أهل العلم على عدم جواز بناء المساجد على القبور هذه الآية؛ لأن الله ذمهم بقوله:{لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} إلى أن قال:{قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا}. هذا أول نوع من الابتلاء.

***الابتلاء الثاني: ذكر الله –جل وعلا- العدد، قال: {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ} [الكهف:22]، قال ابن عباس رضي الله عنه: ( أَنَا مِنْ أُولَئِكَ الْقَلِيلِ الَّذِينَ اسْتَثنى اللَّهُ، كَانُوا سَبْعَةً وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ)،(13) وأيّد قول ابن عباس جماعة من أهل العلم، لأنّه قال: {ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ}، وأمّا في السبعة قال:{وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا}، هنا فيه ابتلاء، هذه الآية، ما صلتها بالابتلاء؟ الصلة عظيمة، وهي: الابتلاء بالمعلومات، الابتلاء بالجدل، الابتلاء بقال وقيل، هذا لا فائدة منه، الفائدة فيما فيه حجّة، أمّا ما لا حجة فيه فتُبتلى فيه في الحياة، ولذلك قال الله –جل وعلا- لنبيه صلى الله عليه وسلم ناهيًا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخوض في ذلك: {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا}، لأنّه لا حجة في أيٍّ من ذلك، لم تحضرهم، لهم قرون قد انقرضوا، فأيّ حجّة في أنّ عددهم كان كذا أو كذا؟ هذا واحد، الثاني أي فائدة من العدد؟

قال الله –جل وعلا-: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28]، هنا الفتنة بأيّ شيء؟ بزينة الحياة الدنيا، ليس هناك شك أنّ الحياة الدنيا زينة وابتلاء، قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا}[الكهف:7]، النّجاة من هذا النوع من الابتلاء: أن تصبر نفسك مع الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعدو عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا، لا تترك الأخيار لأجل الدنيا، لأجل المال، لأجل المنصب، لأجل الجاه، لأجل السمعة، لأجل الشهرة، بل نجاحك في الابتلاء أنّه مهما جاءك في هذه الدنيا من هذه الأمور فإنّك تصبر نفسك مع هؤلاء،
{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} الأعظم أنّه ما ترك الدنيا ولكن تطيع مَن أغفل الله قلبه وطبع عليه.



الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	مقاصد ومعاني سورة الكهف.png‏
المشاهدات:	1135
الحجـــم:	749.4 كيلوبايت
الرقم:	8164  
رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013