منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 28 Jun 2012, 04:33 PM
أبو عثمان سعيد مباركي أبو عثمان سعيد مباركي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
الدولة: سعيدة
المشاركات: 254
افتراضي وصايا رمضانية [ قرض لها الشيخ عبد الحكيم دهاس]

وصايا رمضانية


كتبه أبو عبد الحق أمين


بسم الله الرحمان الرحيم

الحمد لله الذي لا إله إلا هو المتفرد بالكمال, والصلاة والسلام على عبده ورسوله البالغ أسنى المراتب والأحوال، وعلى آله وصحبه وأتباعهم بإحسان أهل الصدق في الأقوال والأفعال، وبعد:

أخي المسلم أختي المسلمة،

فهذا شهر مبارك قد أظلنا, أيامه قليلة معدودة، وساعاته نافدة محدودة، ولكنّ الأجور فيه مضاعفة مزيدة:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿183﴾ أيام ا مَعْدُودَاتٍ﴾ إلى قوله سبحانه: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة/185]،

~شهر تفضل الله علينا به فنشر فيه رحمته وأفاض فيه بركته، ويسّر فيه رضوانه، وصفّد الشيطان وأعوانه، ونادى المنادي أن يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر

~شهر أحبه الله تعالى فأودعه شريعة الصيام، وجعل في لياليه العظام التهجد والقيام، ومع ذلك كله الصدقات والذكر والقرآن

~ ثم أودعه ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر هي ليلة ﴿خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) ﴾ [القدر/3-5]

~فيرى الله تعالى عباده في أيام هذا الشهر ولياليه, يتقلبون في مراضيه, أضناهم الجوع والعطش وأتعبهم القيام والسهر، وهم مع ذلك كله يقولون: "مخلصين له الدين ولو كره المشركون"

~ فلا يُرى الله سبحانه أرحم -منه في هذا الشهر- ولا أرأف ولا أكرم، ولا أعفى لذنب، ولا أستر لعيب، ولا أمن بالهدى، ولا أجود بالندى.

~ فيا لهفي على هذا الشهر كم له من الفضائل ويا شوقي إليه فكم له من الخصائص والخصائل

~فمهما كتب الناس وذكروا, وألفوا وأكثروا, وجمعوا وحصروا, فهو البحر ملؤه الدرر

وإليك أخي القارىء الكريم هذه النخبة المختارة من كلام سيد الأنام، نزيّن بها المقام، ونخرجها عن الأعلام، بأسانيدها القوام:

- فعَنْ مَالِك عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: "إذا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ." [موطأ مالك 2 /415]

- وقال مَالِك أيضا: عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ إِنَّمَا يَذَرُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي فَالصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ الأ الصِّيَامَ فَهُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ." [موطأ مالك - 2 /414]

- وقال البخاري: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ." [صحيح البخاري - 1 /67]

- وقال البخاري: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ." [صحيح البخاري - 1 /65]

- وقال البخاري: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا." [صحيح البخاري - 6 /457]

- وقال مسلم: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ." [صحيح مسلم 5 /372]

- وقال الترمذي: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ الأعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ." [سنن الترمذي - 3 /103]

- وقال النسائي: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ إن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كَانَ يَقُولُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ." [سنن النسائي 2068 ]

- وقال النسائي: أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ." [سنن النسائي 2079]

- وقال النسائي: أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يُخْبِرُنَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةٍ مِنْ الأنْصَارِ: "إذا كَانَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي فِيهِ فإن عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً." [سنن النسائي - 7 /261]

- وقال ابن ماجه: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ عَنْ الأعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ مَا شَاءَ اللَّهُ يَقُولُ اللَّهُ الأ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ." [سنن ابن ماجه - 5 /133]

- وقال ابن ماجه: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ الْمِصْرِيُّ أَنْبَأَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ إن مُطَرِّفًا مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيَّ دَعَا لَهُ بِلَبَنٍ يَسْقِيهِ قَالَ مُطَرِّفٌ إِنِّي صَائِمٌ فَقَالَ عُثْمَانُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ مِنْ النَّارِ كَجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْقِتَالِ". [سنن ابن ماجه 629]

- وقال أحمد: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِى هَاشِمٍ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ أَبُو الْعَوَّامِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِى الْمَلِيحِ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ في أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ وَالإِنْجِيلُ لِثَلاَثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ وَأُنْزِلَ الْقُرْآنُ لأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ» [مسند أحمد 17447] حسن: السلسلة الصحيحة 1575.


وقد جمع العلامة حافظ حكمي رحمه الله تعالى في "السبل السوية على السنن المروية" بعض هذه الفضائل فقال:


~و هو لهذ ا الدين ركن رابع ... وكم له قد صح فضل ساطع

~تفتح أبواب الجنان إن دخل ... شهر الصيام والشياطين تغل

~شهر به تُفتح أبواب السما ... وتغلق الأبواب من جهنما

~شهر بصومه الذنوب تغفر ... و تعتق الرقاب نصاً يؤثر

~خلوف فِي الصائم دون شك ... تفضل عند الله ريح المسك

~و إنّ في الجنة للصُوّام ... بابا له الريان اسمٌ سامي

~و قد روى نبيُّنا عن ربه: ... لي الصيامُ وأنا أجزي به

~و صحَّ : للصائم فرحتان ... مع فطره ومع لقا الرحمن

~وغير هذا من فضائل تُعد ... وكم بتركه وعيدٌ قد وَرد



فينبغي علينا يا معاشر الإخوان أن نكون على اغتنامه في استعداد، وأن نتهيأ ليكون حسنة في ميزاننا يوم المعاد، فاغتنامه هدى ورشاد، وتوفيق وسداد، ومنة من رب العباد؛ وتضييعه خزي وعار، ودليل على أمر كُبّار، من السفه والجهل والظلم والإصرار.

وحتى يتيسر لنا حسن اغتنامه, حبذت أن أضع بين يديك أخي الكريم وأختي الكريمة, هذه الوصايا العظيمة، والطرق المستقيمة، فتكون عونا على المقصود، وسرجا تنير درب جنات الخلود،وقد جعلتها ثلاثة وصايا، والله الموفق والمعين:

1- الوصية الأولى: التوبة النصوح:


اِعلم يا عبد الله ويا أمة الله -وفقني الله وإياكم لكل خير- أن الذنوب أعظم الحواجز التي تحول دون التوفيق، وتُحِلُّ بالعبد التقصير والتفريط، والعجز والكسل، وتُسبب له الكراهة والضجر، ناهيك عما ينزل بساحته من البليّات، وما يتوالى عليه بسببها من العقوبات، وقد ذكر الإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في كتابه "الداء والدواء" أكثر من خمسين أثرا من آثارها وعظيم ضررها وكبير شرِّها، فكانت التوبة إلى الله العظيم، والرجوع إلى مولانا الرحمن الرحيم، هي الكاسر لتلك الحواجز, والدرع الحصين من البلايا الخوالف والنواجز.

وإليكم -إخواني في الله- ثلاث آيات مباركات، وشيئا من التعليقات، تدلّ على فضلها والأمر بها وبعض آثارها تكفي اللبيب الأريب:

1. قال الله تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور/31]، فها هو ربنا الكريم سبحانه يأمر بالتوبة عباده، ويخبر أن بالتوبة الفلاح كل الفلاح، والسعادة كل السعادة، والفلاح اسم جامع لكل المعاني الخيرة في الدنيا والآخرة، وهو الذي تريده كل النفوس وتهواه، وتسعى في أسبابه وتتمناه، بل لو تسألُ أربابَ الفلاح ممن سعدوا في الدنيا بالعلم والإيمان وفي الآخرة بالجنة والرضوان: ما سر هذا النجاح؟ لقالوا: جمع الهم على الله بتَسنُّن وتجرد، ولزوم التوبة قبلَ ومع وبعدَ كلِّ تعبد، قال ابن القيم: "ومنزل التوبة أول المنازل وأوسطها وآخرها، فلا يفارقه العبد السالك ولا يزال فيه إلى الممات، وإن ارتحل إلى منزل آخر ارتحل به واستصحبه معه ونزل به، فالتوبة هي بداية العبد ونهايته، وحاجته إليها في النهاية ضرورية كما أن حاجته إليها في البداية كذلك، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ وهذه الآية في سورة مدنية خاطب الله بها أهل الإيمان وخيار خلقه أن يتوبوا إليه بعد إيمانهم وصبرهم وهجرتهم وجهادهم، ثم علق الفلاح بالتوبة تعليق المسبَّب بسببه، وأتى بأداة "لعل" المشعرة بالترجي إيذانا بأنكم إذا تبتم كنتم على رجاء الفلاح، فلا يرجو الفلاح إلا التائبون، جعلنا الله منهم." اهـ [مدارج السالكين - (ج 1 / ص 178)]

2. وقال تعالى وتقدس أيضا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إلى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ إن يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [التحريم/8]

قال ابن كثير: ﴿تَوْبَةً نَصُوحًا﴾ أي: توبة صادقة جازمة تمحو ما قبلها من السيئات وتلم شعث التائب وتجمعه، وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات. [تفسير ابن كثير - (ج 8 / ص 168)].

وقال العلامة السعدي: قد أمر الله بالتوبة النصوح في هذه الآية، ووعد عليها بتكفير السيئات، ودخول الجنات، والفوز والفلاح، حين يسعى المؤمنون يوم القيامة بنور إيمانهم، ويمشون بضيائه، ويتمتعون بروحه وراحته، ويشفقون إذا طفئت الأنوار، التي لا تعطى المنافقين، ويسألون الله أن يتمم لهم نورهم فيستجيب الله دعوتهم، ويوصلهم ما معهم من النور واليقين، إلى جنات النعيم، وجوار الرب الكريم، وكل هذا من آثار التوبة النصوح. اهـ [تيسير الكريم الرحمن 1/874]

فإذا أقبل العبد على الله فتاب وأناب فلا تسل عن آثارها وعن جليل ثمارها،

فكل من دمّرته الذنوب، وأفسدته وشانته العيوب، فالتوبة تصلحه وتلم شمله، وتقويه وترفعه, فهي معاكسة للذنوب في كل شيء، فهي الجنة بعينها في الدنيا والآخرة, وكيف لا؟ وهي بابها, وستر حجابها، والذنوب بعكس ذلك فهي عين الجحيم والعذاب الأليم،


رأيت الذنوب تميت القلوب *** وقد يورث الذلَ إدمانها

وترك الذنوب حياة القلوب *** وخير لنفسك عصيانها



ثم أليس حب الله لعبده هو أسمى المراتب، وأسنى المواهب، فاسمع إلى قوله تعالى:

3. ﴿ إِنَّ اللَّهَ َيُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة/222] قال السعدي: ﴿يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾ أي: من ذنوبهم على الدوام، ﴿وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ أي: المتنـزهين عن الآثام، فهو يشمل أيضا التطهر المعنوي عن الأخلاق الرذيلة، والصفات القبيحة، والأفعال الخسيسة. اهـ[تفسير السعدي1/100 بتصرف].

وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: "...التوبة تثمر للعبد محبة من الله خاصة لا تحصل بدون التوبة، بل التوبة شرط في حصولها وإن حصل له محبة أخرى بغيرها من الطاعات فالمحبة الحاصلة له بالتوبة لا تُنال بغيرها، فإن الله يحب التوابين ومن محبته لهم فرحه بتوبة أحدهم أعظم الفرح وأكمله، فإذا أثمرت له التوبة هذه المحبة ورجع بها إلى طاعاته التي كان عليها أولا انضم أثرها إلى أثر تلك الطاعات فقوي الأثران فحصل له المزيد من القرب والوسيلة، وهذا بخلاف ما يظنه من نقصت معرفته بربه من أنه سبحانه إذا غفر لعبده ذنبه فإنه لا يعود الود الذي كان له منه قبل الجناية. اهـ

وقال أيضا: "... التوبة من أجلِّ الطاعات وأوجبها على المؤمنين وأعظمها غناء عنهم وهم إليها أحوج من كل شيء، وهي من أحب الطاعات إلى الله سبحانه... وإذا كانت بهذه المثابة فالآتي بها آت بما هو من أفضل القربات وأجل الطاعات..." اهـ [من طريق الهجرتين ص 254]

فإذا تقرر للجميع ذلك وأنه لابد من التوبة إلى الله عز وجل من كل السيئات وأنها من أفضل القربات والطاعات، وسبب الخيرات والحسنات، وأنه على العبد أن يستصحبها في كل الحالات:

فلنعلم أن شهر رمضان الكريم لا ينتفع ببركاته ونفحاته أتم النفع وأكمله إلا بالتوبة والإنابة، فكل خير أنت ترجوه في هذا الشهر الكريم وتود أن توفق له فاعلم يقينا أن الذنوب ستقف دون ذلك "وتضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة أو تعوقه وتوقفه وتعطفه عن السير فلا تدعه يخطوا إلى الله خطوة هذا إن لم تردّه عن وجهته إلى ورائه، فالذنب يحجب الواصل ويقطع السائر وينكس الطالب، والقلب إنما يسير إلى الله بقوته فإذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة التي تسيره فإن زالت بالكلية انقطع عن الله انقطاعا يبعد تداركه." (الجواب الكافي - ج 1 / ص 48) بل إن الإعراض عن التوبة والجهل بقدرها هو من خزي الذنوب وشؤمها لذلك فلنجنح جميعا إلى التوبة، ولنفرَّ إلى الله بالأوبة، وعلينا أن لا نغتر بالإمهال فلا دوام لأي حال.

ثم ها هنا تنبيهان:

* الأول: إنه قد يخطيء بعض المسلمين فيظن أنه متى صام وقام فإن ذلك يكفي في درء الآثام ويغني عن التوبة إلى الله لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: « الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ» [صحيح مسلم574] قال ابن القيم رحمه الله: "...وكاغترار بعضهم على صوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة، حتى يقول بعضهم: يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر، ولم يدر هذا المغتر أن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجلّ من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء وهي إنما تكفر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر فرمضان إلى رمضان والجمعة إلى الجمعة لا يقويان على تكفير الصغائر إلا مع انضمام ترك الكبائر إليها، فيقوي مجموع الأمرين على تكفير الصغائر، فكيف يكفر صوم تطوع كل كبيرة عملها العبد وهو مصر عليها غير تائب منها؟ هذا محال، على أنه لا يمتنع أن يكون صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء مكفرا لجميع ذنوب العام على عمومه، ويكون من نصوص الوعد التي لها شروط وموانع، ويكون إصراره على الكبائر مانعا من التكفير، فإذا لم يصر على الكبائر تساعد الصوم وعدم الإصرار وتعاونا على عموم التكفير، كما كان رمضان والصلوات الخمس مع اجتناب الكبائر متساعدين متعاونين على تكفير الصغائر..." الجواب الكافي - (ج 1 / ص 13)

* الثاني: ما ذكره ابن القيم رحمه الله إذ قال: "وههنا دقيقة قلَّ مَن يتفطن لها إلا فقيه في هذا الشأن وهي: أن كل تائب لا بد له في أول توبته من عَصرة وضغطة في قلبه من همّ أو غمّ أو ضيق أو حزن، ولو لم يكن إلا تألمه بفراق محبوبه، فينضغط لذلك وينعصر قلبه ويضيق صدره، فأكثر الخلق رجعوا من التوبة ونُكسوا على رؤوسهم لأجل هذه المحبة، والعارف الموفَّق يعلم أن الفرحة والسرور واللذة الحاصلة عقيب التوبة تكون على قدر هذه العصرة، فكلما كانت أقوى وأشد كانت الفرحة واللذة أكمل وأتم..." اهـ (طريق الهجرتين - ج 1 / ص 369)

فيا أخي الكريم ويا أختي الكريمة، فَلْيَرَنا الله سبحانه وتعالى من أفضل عباده في أرضه في هذا الشهر بل وفي كل الشهور، ولنعش رمضان عيش التائبين المتطهرين، عيش الصالحين، عيش الذاكرين، عيش المتقين، ولنتلذذ بالعبودية، ونرقَ المقامات السنية العلية، ونأنس إلى المناجاة, ونركن إلى الإخبات، فما جعل هذا الشهر إلا لهذا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أياما مَعْدُودَاتٍ...﴾ [البقرة/184].


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عثمان سعيد مباركي ; 28 Jun 2012 الساعة 04:48 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28 Jun 2012, 04:34 PM
أبو عثمان سعيد مباركي أبو عثمان سعيد مباركي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
الدولة: سعيدة
المشاركات: 254
افتراضي

2- الوصيّة الثانية: "عِبَادةِ الإِخْلاَص"


الروأمّا الوصيّة الثانية, والمَدْرجة التّالِية, فهي -إخوانِي الكرام والجالسين معِي في مَجلِسِ النُّصْح والوِئام- في "عِبَادةِ الإِخْلاَص", وعَقْدِ الخَلاص, في انْجِذابِ الرّوح, إلى ربّ المَلائِكَةِ والرُّوح, في الإقْبَالِ بالكُلِيَّة, على ربِّ البَرِيَّة, في مِلَّةِ أبِينَا إبْرَاهيم, وحَقيقَةِ دِينِ نبيِّّنا الأمِين، عَليْهِما أفْضَلُ صَلاةٍ وأزْكى تسْلِِيم.

نَعم هو الإخْلاص, تِلْكُمُ الخَصْلة ُالغالية ُبلِ الأغْلَى, والرُّتبَة ُالعَالِيَة الفُضلى, واللـّذةُ البَاقِيَةُ الأحْلى, والحَسَنَة ُالوَافِيَة ُفي الدّنيا والأخْرَى.

~ أعظمُ المَطالبِ الإلهيَّة, وأكبرُالأوامرِ الرّبّانيّة،

~ لبُّ القرْآن, وسِرُّ الإيمان, وعماد ُالإحسان.

~ بلْ هو سر الخَلق ِوالأمْر, والخَيْرِ والشّر, والمَحْيا والمَمَات, والنّارِ والجَنّات.

~لأجْلِهِ أُنزِلتِ الكُتُبُ السَّواطِع، وأُرْسِلتِ الرُّسُلُ لأقْوَامِها تَتْرَى توَابِع, وأُذِنَ الخِصَامُ بالحُجَج ِالنّوَاصِع، وشُرِع َالجِهَادُ بالسُّيُوفِ القوَاطِع.

~ تَضَمّنَتْ كَلِمَة ُالتّوحِيدِ جَمِيعَ مَعناه، فكانتْ أفضَلَ ما رَدََّّدَتْهُ الأفْوَاه، وأنْفَعَ الكَلام ِوأصْفَاه، فمَا ذُكِرَتْ في قلِيلٍ إلاّ كثـَّرََتْه، ولاعَسِيرٍ إلاّ يَسَّرَتْه، ولا وَعْرٍ إلاّ سَهّلَتْه, ولا صَعْبٍِ إلاّ ذَلّلتْه، ولا كرْبٍ إلاّ فرّجَتْه, ولاهَمٍّ إلا أجْلتْه ُوأذْهَبَتْه.

~ بَلْ ما فُتِحَ الإخْلاصُ على عَبْدٍ إلاّ عَزَّ وسَاد, وأنَالَهُ اللهُ ما أرَاد, في الدُّنيَا والمَعَاد ~فالمُخلِصُونَ هُمُ الصَّفْوَة، وأهْلُ القُرْبِ والحَظْوَة، والوِلايَةِ والقُدْوَة، من الرُّسُلِ والأنْبِيَاء, والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاء, والصَّالِحِينَ والأتْقِيَاء.

~ عَرَفُوا قدْرَ الله ِحَقَّ المَعْرِفَة, وأيْقنُوا بِكُلِّ اسْمٍ لهُ وَصِفَة, فاسْتَحْكَمَتْ قُلُوبَهُمُ المَهَابَةُ، وفَزِعَتْ نُفُوسُهم للإخْبَاتِ والإنابَة، وعَلِمُوا أنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللهِ بَاطِل, وكلَّ نَعِيمٍ لاَ مَحَالَةَ زَائِل, فشَحُّوا بِأعمَالِهِمْ أنْ تكُونَ إلاّ لله, واعْتَصَمُوا بهِ اعْتِصَامَ الغَرِيقِ لِمَن ِامْتَدَّتْ يَدَاه ~صَارَ سُبْحانَهُ أكبَرَ هُمُومِهِمْ وأعْظَمَ مَطْلُوبِهِمْ فلا يُرْضِيهِمْ إلاّ رِضَاه, ولا يُحَرِّكُهُمْ إلاّ ما أرَادَهُ وابْتَغَاه, فهو مَعْبُودُهُمْ فَلا مَعْبُودَ لَهُم سِوَاه، وهو مَقْصُودُهُمْ فلا مَقْصُودَ إلاّ إيَّاه.

~ وبعد هذا عَقَدُوا لِوَاءَ الوَلاَءِ لِكُلَّ هؤلاء وأحَبُّوا كلَّّ مَنْ عَبَدَهُ وذَكَرَه, وكلَّ منْ دَعَى إليْهِ ونَصَرَه, ومنْ سَعَى في دِينِهِ ونَشَرَه، ذَلُّوا لهم فلا ترَاهُم جَبَّارِين, وتَواضَعُوا فلا تَراهُم مُتكبِّرِين, واجْتَمَعُوا فلا ترَاهُم مُتفرِّقِين, وتنَاصَحُوا فيمَا بَينَهُم بالنُّصْح ِالأمِين.

.للهِ ذَيَّاكَ الفَرِيقُ فإنّهُم ... خُصُّوا بخَالِصَةٍ مِنَ الرّحمن ِ

.شُدَّتْ رَكَائِبُُهُم إلى مَعْبُودِهِم ... ورسُولِهِ يا خَيْبَة َالكَسْلان ِ

~ فالإخلاصُ رُوحُ الإسْلام, وبَلسَمُ جَمِيع ِالأسْقَام, وسَبَبُ حُسْنِ الخِتَامِ، والأمْنِ التَّامِّ في يَوْمٍ هو أشدُّ الأيَّام.

~ فالسَّاعِي في تحْصِيلِهِ وتحْقِيقِهِ قدْ أدْرَكَ البَاب، -والنَّاسُ قدْ فرَّقتهُم كثرَة ُالأبْواب-، فليُكثِرِ الطَّرْقَ ولِيَلْزَمِ الأسباب، فإذا فُتِحَ لَهُ فقَدْ فَازَ وَرَبِّ الأرباب.

*وأمّا عَدُوُّ الإخلاص ِوالصَّفَاء, وفِتْنَتُهُ العَمْيَاءُ الصَّمَّاء, ودَاءُهُ الّذِى أعْيَى الأطبَّاءَ الحُكَمَاء, فهُو الرِّيَاء:

~ صَنَمُ السِّرِّ وطَاغُوتُ الخَفَاء, والشَّبَحُ الّذِي يُعْبَدُ مِنْ دُونِ رَبِّ السَّمَاء,

~ أكبَرُ الوَسَاوِسِ والأوْهَام, وأخْطرُ الذّنُوبِ والآثام,

~أصلُ الشِّركِ ومَادَّةُ النِّفاق, وأسَاسُ المَعَاصِي ومَسَاوِئ ِالأخلاق,

~ حِجَابُهُ أغلظُ الحُجُبِ، فالقُلُوبُ قدْ عَدِمَتِ الإبْصَارَ فلا تَرَى الحَقائِق, وسُحُبُهُ أكْثفُ السُّحُبِ فهي إعْصَارٌ فيهِ نَارٌ تُنْذِرُ بالحَرَائِق,

~اغْتَرَّ بِلَذَّتِهِ المُنَافِقُونَ فهو أنْعَمُ الجِنَانِ وأنْعَمُ القَرَار, واسْتَرْوَحَ لَهُ أهْلُ الدُّنيَا فهُوَ الرُّوح ُوالرَّيْحَانُ في هذِهِ الدَّار, وتـَلى المُؤْمِنُونَ عَليْهِم القُرْءَانَ: ﴿قُلْ تَمَتـَّعْ بكُفْرِكَ قَلِيلا ًإنَّكَ مِن ْأصْحَابِ النَّار﴾ [الزمر/8].

~ ألمْ تَرَ أنَّّهُ سَيِّئَة تسْلخُ منْ كلِّ الفضَاِئل, وتضَعُ أرْبَابَهَا أحَطَّ المَنَازِل, فلفْظُهُمُ الصَّلاحُ والعِبَادَة، ومَعْنَاهُمْ أبُو الحِنْبَص ِوَأبُوالجَعَادَة:

فقلتُ لهُ أبَا جَعَادَة إنْ تَمُتْ ... يَمُتْ سَيِّءُ الأخلاق ِلا يُتَقَبَّلُ

~لِسَانُهُمُ المَحَبَّة ُوالصِّدْق, وفِعَالُهُمُ المُرَاوَغَة ُوالمِذْق

~ اسْتكْسَوْهُ فكَسَاهُمُ الجُبْنَ والبُخْلَ والخَوْف, واسْتَسْقَوْهُ فسَقَاهُمُ الذِّلة َُوالصَّغَارَ في الشِّتاءِ والصَّيف,

~ اتَّخَذَ النَّاسُ أرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فكانَ أخَسَّ الأربَابِ في البِلاد، وكان أصحابُهُ هُمُ الأرْذَلُ مِنْ كلِّ هَؤُلاءِ العُبَّاد, لذلك كانَ أوَّلَ مَنْ تُسَعَّرُ بِهِ النَّارُ يَومَ القِيَامَةِ المُرَاؤون مِنْ أهلِ العِلمِ والعِبَادَةِ والجِهَاد, إذْ كانتْ صُوَرُهُم صُوَرَ العُلمَاءِ وهُمُ الجَاهِلُون، ولِسَانُهُمْ لِسَانَ الفُقهَاءِ وهم المُتَنَطِّعُون, وحَالهُم حَالَ الصُّلحَاءِ وهُمُ المُفسِدُون, وخُلاصَة ُماَكانَ من أمرِهِمُ المَأفُون, ﴿هُمُ العَدُوُّ فاحذَرْهُمْ قاتلهُمُ اللهُ أنَّى يُوفَكُون﴾ [المنافقون/4]

~فمَا نَالُوا الكَمَالَ، ولابَلَغُوا رِضْوَانَ الكَبِيرِالمُتَعَال, وحَصَّلُوا المَقْتَ مِنَ الخَلْقِ جَزَاءَ أبِي المِرْقَال:

.إنّ الغُراب وكان يَمشِي مِشيَة .... فيما مَضَى من سَالِفِ الأحْوَالِ

.حَسَد القَطَاةَ فَرَامَ يَمشِي مَشْيها .... فأصَابَهُ ضَرْبٌ من العُقَّالِ

.فأضَلَّ مِشيَتَهَا و أخْطَأ مَشْيَهُ .... فلِذاكَ كََنَّوْهُ أبَا المِرقَالِ

كالشَّاءِ بَيْنَ الغَنَمَيْنِ لا إلى هؤلاءِ ولا إلى هؤلاء.

~ فاحْذَرْهُ ياعَبْدَ اللهِ فإنَّهُ الزَّغَلُ الدَّفِينِ، وامْقُتْهُ أشَدَّ المَقْتِ فليسَ إلاّ التُّرَابَ والطِّين, وقدْ خَفِي في مَسَالِكِ القُلُوبِ فأعْمَاهَا, وطَارَ إلى نُجُومِ سَمَاءِهَا فأطْفَاهَا, وليسَ هُو إلا فِتْنَة َ العَظَمَةِ وصِفَاتِ الكَمَالِ, تَرَاهَا في نَفسِكَ أو ترَاهَا في الرِّجَال, فالأولى تَدْعُوكَ إلى التـَّكَبُّرِ في الأرضِ بغيرِ الحَقِّ, والثانِيَة ُتدْعُوكَ إلى الذِّلةِ بالعُبُودِيَّةِ للخَلق, وفي كلِّ ذلكَ أنتَ تَرْتَعُ في الإشْرَاك, وتَسْتعْمِلُ الرِّيَاءَ للوُصُولِ إلى هُنَاك, فأبْشِرْ بالهَلاك، بَلْ كُلـُّنا ذاك، فلا يَكَادُ يَنجُو منهُ أحَدٌ إلاّ الرُّسُلُ والأمْلاك, لِذلِكَ كانَ يَقُولُ مَنْ صَلّى اللهُ عَليْهِ وَسَلّمْ: «اللّهُمَّ إنَّي أعُوذُ بِكَ أنْ أشرِكَ بِكَ وأنا أعْلَمْ, وأسْتَغْفِرُكَ لِمَا لا أعلم».

~وأكتفِي أخِي المُبَارَكِ الكَرِيمِ -من قرآن ربنا العظيم- ببَعْضِ الدَّلائِل, مُرْفَقَة ًببَعْضِ التَّوضِيحِ والمَسَائِل, تُقَرِّرُ مَا مَضَى مِنَ البُنُود, وتُجَلّي الَمزِيدَ مِنَ المَعْنَى المَنُشُود:

ـ قالَ اللهُ تعَالَى:﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5] قال فيها قتادَة: "يَأمُرُكُم أنْ تُخْلِصُوا لهُ العِبَادَةَ وَأنْ تَسْتَعِينُوهُ على أمْركُم". والدِّينُ يَرْجِعُ كُلُّهُ إلى هَذَيْنِِ المَعْنَيَيْن، وهذا كمَا قالَ بَعضُ السَّلف: الفَاتِحَة ُسِرُّ القُرْآن، وسِرُّها هذهِ الكَلِمَة: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ فالأوّلُ تَبَرُّؤٌ مِنَ الشِّرْك، والثانِي تبرُّؤٌ مِنَ الحَوْلِ والقُوَّة، والتَّفْوِيضُ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلّّ. وهذا المَعنَى في غَيرِ آيَةٍ مِنْ القرْآن، كمَا قالَ تعَالى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [هود: 123]﴿قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا﴾ [الملك: 29]﴿رَبّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا﴾ [المزمل: 9]، وكذلك هذه الآية الكريمَة: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ (تفسيرُ ابنُ كثِير - ج 1 / ص134) بل وحتَّى المَعْنَى الثـَّان، هُو تبَرُّؤٌ من الكُفْرَان, قالَ شيْخُ الإسْلام: وَكَثِيرًا مَا يَقْرِنُ النَّاسُ بَيْنَ الرِّيَاءِ وَالْعُجْبِ, فَالرِّيَاءُ مِنْ بَابِ الْإِشْرَاكِ بِالْخَلْقِ, وَالْعُجْبُ مِنْ بَابِالْإِشْرَاكِ بِالنَّفْسِ, وَهَذَا حَالُ الْمُسْتَكْبِرِ, فَالْمُرَائِي لَا يُحَقِّقُ قَوْلَهُ: ﴿إيَّاكَ نَعْبُدُ﴾, وَالْمُعْجَبُ لَا يُحَقِّقُ قَوْلَهُ: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾, فَمَنْ حَقَّقَ قَوْلَهُ: ﴿إيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ خَرَجَ عَنْ الرِّيَاءِ, وَمَنْ حَقَّقَ قَوْلَهُ ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ خَرَجَ عَنْ الْإِعْجَابِ. [مَجمُوعُ فتاوَى ابنِ تيْمِيَّة - ج 2 / ص 372] ولذلك كانتْ هذهِ الآيَة ُدَعْوَةَ جميع ِالرُّسُلِ, فإنَّهُم كلَّهم دَعَوْا إلى توحِيدِ اللهِ وإخلاصِ عِبَادَتِهِ. [مَدَارِج السالكين لابن القيم ص112 بتصرُّف] وقدْ عَقدَ العَلاّمَة ُابنُ القيِّمِ فصْلا ًفي اشْتِمَالِ هذِهِ السُّورَةِ العَظِيمَةِ عَلى الرَّدِّ على جَمِيعِ المُبْطِلِينَ مِنْ أهلِ المِللِ والنِّحَلِ منَ المُشْرِكِينَ والمُبتدِعِينَ فِي كِتَابِهِ المَاتِعِ المَتِين ِ"مَدَارِجُ السَّالِكِين" بلْ أحْصَى العَلاّمَة "صَدِّيقٌ حَسَنٌ خَان" في كِتابِهِ الفَرِيدِ مِن نوْعِهِ "الدِّينُ الخَاِلصُ" في أوَّلِهِ ثلاثِينَ مَوْضِعًا مِنْ هذِهِ السُّورَةِ العَظِيمَةِ فِيهَا الإرشادُ إلى إخلاصِ التوْحِيدِ للهِ سُبْحَانه ثمّ قال: "وهذِهِ المَوَاضِعُ يُفِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهَا إخلاصَ التَّوْحِيدِ مَعَ أنَّ فاتِحَة َالكِتابِ ليْسَتْ إلاّ سَبْعَ آياتٍ فمَاَ ظَنُّكَ بمَا فِي سَائِرِ الكِتَابِ العَزِيزِ." اهـ فالإعتناءُ بِهَذِهِ السُّورَةِ مِنَ الإعتِنَاءِِ بِأنْفَعِ العِلمِ وأوْجَبِه.

ـ وقال سُبْحانهُ وتعَالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُاعْبُدُوا رَبَّكُمُالَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)﴾ إلى أن قالِ: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة 21 /22] وهو أوّلُ أمرٍ عَامٍّ في كِتابِ اللهِ تعَالَى لِكُلِّ النَّاس, [تفسير السعدي بتصرف] "والعِبَادَةُ أقْصَى غَايَات الخُضُوع والتَّذلُل، قالَ ابنُ كثِير: و[هي] في الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَمَّا يَجْمَعُ كَمَالَ المَحَبَّةَِ، والخُضُوعَ، والخوفَ."اهـ [فتح القدير - ج 1 / ص 10]

قال ابنُ القيِّمِ فِي نُونِيَّتِه:

وعِبَادَةُ الرَّحْمَنِ غَايَة ُحُبِّهِ..... مَعْ ذُلِّ عَابِدِهِ هُمَا قُطْبَان.

فمَن أحبَبتْهُ ولمْ تكنْ خَاضِعًا لهُ لْم تكنْ عَابِدًا لهُ، ومن خضَعتَ لهُ بلا مَحَبَّةٍ لمْ تكنْ عَابِدًا لهُ حَتَّى تكونَ مُحِبًا خَاضِعًا [المَدَارِج ص87] وبعد الأمْرِ بالعبادة بيّن سبحانه وجهَ استحقاقه لها وأنه الخالق الرازق ذو الربوبية علينا وحده، "ثم خَتَمَ نِدَاءَهُ لهُمْ بتَنْبِيهِهِمْ عنِ اتِخَاذِ شُرَكَاءَ لهُ يَعْبُدُونَهُم مَعَهُ مَعَ عِلمِهِمْ أنّهُمْ لا يَسْتَحِقُّونَ العِبَادَة َلِعَجْزِهِمْ عنْ نفْعِهِِمْ أو ضَرِّهِمْ؛ وفي الآيةِ ثلاثةُ أصُول:

1- وُجُوبُ عِبَادَةِ اللهِ تعَالى، إذ هِىَ عِلَّة ُالحَيَاةِ كُلّهَا.

2- وُجوبُ مَعْرِفَةِ الله ِتعَالى بِأسْمَائِهِ وَصِفَاتِه.

3- تَحْرِيمُ الشِّرْكُ صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ ظَاهِرِهِ وَخَفِيِّه. [أيْسَرُ التّفَاسِير للجَزَائِرِي ج 1 / ص 14بتصرف يسير].

ـ وقال سُبحَانهُ وتعَالى:﴿وَمَا أُمِرُواإِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَوَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمة﴾[البينة:5] أيْ ثابتاً غَايَة َالثبَاتِ إخلاصُهُم ﴿لهُ الدِّين﴾ بحَيثُ لا يَكُونُ فِيهِ شَوْبُ شَيْءٍ مِمَّا يُكَدِّرُهُ مِن شِرْكٍ جَلِيٍّ وَلا خَفِيٍّ، بأنْ يَكُونَ الامْتِثالُ لِكَوْنِهِ أمر لِرضَاهُ لا لِشَيءٍ مِنْ نَفْعٍ وَلاَ دَفْع [َنظْمُ الدُّرَرِ للبقاعِي - ج 9 / ص 485]، فيَقْصِدُونَ بجَمِيع ِعِبَادَاتِهِم الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ وَجْهَ اللهِ وطَلَبَ الزُّلْفَى لَدَيْه،وَ﴿حُنَفَاءَ﴾ أيْ: مُعْرِضِينَ مَائِلِينَ عنْ سَائِرِ الأدْيَان ِالمُخَالِفَةِ لِدِينِ التَّوْحِيد. [تفسير السَّعدي- (ج 1 / ص 931). بتصَرُّف]

ـ ومِثلُهَا قولهُ سُبْحَانَهُ وتعَالى:﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّفَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ(2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُوَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)﴾ [الزمر]

فأمَرَاللهُ جَلَّ وعَلاَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وسَلّم في هذِهِ الآيةِ الكرِيمَةِ أنْ يَعْبُدَهُ في حَالِ كَوْنِهِ مُخْلِصًا لهُ الدِّين، أيْ مُخلِصًا لهُ في عِبَادَتِهِ مِنْ جَمِيعِ أنْواعِ الشِّرْكِ صَغِيرِهَا وكَبِيرِهَا، كمَا هُو وَاضِحٌ مِنْ لفظِ الآية.

والإخلاصُ: إفرَادُ المَعْبُودِ بالقصْدِ في كلِّ مَا أمَرَ بالتقَرُّبِ بهِ إليهِ، ومَا تضَمَّنَتهُ هذِهِ الآيَة ُالكريمة، مِنْ كَوْنِ الإخلاصِ في العِبَادَةِ للهِ وحدَهُ لا بُدَّ مِنه، جَاءَ في آياتٍ مُتعَدِّدَة، وقدْ بَيَّنَ جَلَّ وعَلاَ أنَّهُ مَا أمََرَ بعِبَادَةٍ إلاّ عِبَادَةً يُخْلِصُ لهُ العَابِدُ فِيهَا. [أضواء البيان للشنقيطي المالكي - ج 7 / ص 25.]

ـ وأيضًا في التَّصْرِيحِ بِالإخلاصِ وأنَّهُ أمْرٌ منَ اللهِ الأعْظَمِ قالَ سُبحَانه:﴿قُلْ إِنِّيأُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ(11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13)قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي(14)فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِقُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَاوَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُالْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)﴾ [الزمر]

والآيَاتُ في هَذا الأصلِ الأعظَمِ لا تُحْصَر, وكُلُّهَا تَدُلُّ على أنَّ الإخلاصَ هو المَطلَبُ الأكَبَر, وأنَّهُ الَواجِبُ عَلى كُلِّ البَشَر.

~وأمّا أدلة الإخلاصُ في السُّنَّةِ المُطَّهَرَةِ، فهي لا تُعَدُّ كَثْرة, ولا تُحْصَرُ وَفْرَة, فمِنْها:

1ـ عن الْأَسْوَدَ بْنَ هِلَالٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ:

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مُعَاذُ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ؟» قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. أَتَدْرِي مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ؟» قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ.» [صحيح البخاري - ج 22 / ص 365] قالَ النَّوَوِيُّ [في شرحه على صحيح مسلم1/71]: وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُشْرِك بِهِ) فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بَعْد الْعِبَادَة لِأَنَّ الْكُفَّار كَانُوا يَعْبُدُونَهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى فِي الصُّورَة، وَيَعْبُدُونَ مَعَهُ أَوْثَانًا يَزْعُمُونَ أَنَّهَا شُرَكَاء، فَنَفَى هَذَا. وَاَللَّه أَعْلَمُ. قلت: وهو معنى التوحيدِ والإخلاصِ والحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَة، وانظُرْ تقْسِيمَ ابنِ القيِّمِ للشِّرْكِ في [الجَوَابِ الكَافِي ص31] فانه بديع كافي.

2ـ وعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه:

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ." [أخرجه الخاري وغيره:فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 86)]

"...وفيه أيضًا الدلِيلُ الوَاضِحُ على أنَّ مَن عَمِلَ عَمَلا ًمنَ الأعْمَالِ التِّي يُتقَرَّبُ بِمِثلِهَا إلى اللهِ تعَالى ذِكرُه، مِن صَلاةٍ أو صَدَقةٍ أو قِرَاءَةِ قُرْآنٍ أو أمْرٍ في الظَّاهِرِ بِمَعْرُوفٍ أونَهْي ٍعنْ مُنكَر، ومَا أشبَهَ ذلِك مِنَ الأعْمَالِ التِّي إذا قصَدَ بهَا العَبْدُ طَلَبَ رِضَا اللهِ اسْتَحَقَّ بِهَا مِنْهُ مَا وَعَدَ أهْلَهَا عَلَيْهَامُرِيدًا مِنْ ذلكَ منَ النَّاسِ الحَمْدَ عَليهَا، أو اِختِدَاعَ ضَعِيف ٍأو قوِيٍ بهَا مِن أهلِ الإسْلامِ أو غيْرِهم عنْ مَالِهِ لِيُظنَّ بهِ خَيْرًا فيُودِعَهُ إ يَّاهُ وَيتمنه [كذا] عليهِ، أو يُوصِي بهِ إليهِ من بَعدِ وَفاتِه، أو لِيَضُمَّ إليهِ شَيْئًا من أسْبَابهِ، والتَّعَرُّضَ بهِ لِذِي سُلطانٍ ليَسْتَكْفِيَهُ بَعْضَ أعمَالِهِ، وَيُولِيَهُ بَعضَ مَا هُو بسَبِيلِه ِ، أو يَغُرَّ بذلكَ امْرَأة ً فتَرْكَنُ إليْهِ ومَا أشْبَهَ ذلك، فإنَّ عَمَلَهُ ذلكَ لِمَا عَمِلَهُ لَهُ، واللهُ تعَالَى ذِكْرُهُ ورَسُولُهُ مِنْهُ بَرِيئَان، كمَا قالَ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلّم: «ومَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أوِ اِمْرَأةٌ يَتَزَوَّجُهَا، فهِجْرَتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إليْه»". [تهذِيبُ الآثار للطّبَرِي - (ج 3 / ص 127)]

3ـ وفى صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِمَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ.»

قال النَّوَوِيُّ رحِمَهُ الله: هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْض الْأُصُول: ( وَشِرْكه )، وَفِي بَعْضهَا ( وَشَرِيكه )، وَفِي بَعْضهَا: ( وَشَرِكَته ). وَمَعْنَاهُ أَنَا غَنِيّ عَنْ الْمُشَارَكَة وَغَيْرهَا، فَمَنْ عَمِلَ شَيْئًا لِي وَلِغَيْرِي لَمْ أَقْبَلهُ، بَلْ أَتْرُكهُ لِذَلِكَ الْغَيْر. وَالْمُرَادُ أَنَّ عَمَلَ الْمُرَائِي بَاطِلٌ لَا ثَوَابَ فِيهِ، وَيَأْثَمُ بِهِ. [شرحُ النّوَوِيّ على صحيح مُسلم - (ج 9 / ص 370)]

وقال الصَّنعَانِىّ رحِمَهُ الله:... سَمَّى اللهُ الرِّيَاءَ في الطَّاعَاتِ شِرْكًا، مَعَ أنَّ فَاعِلَ الطَّاعَةِ مَا قَصَدَ بهَا إلاّ اللهَ تعَالَى، وإنَّمَا أرَادَ طَلَبَ المَنْزِلَةِ بالطَّاعَةِ في قُلوبِ النَّاسِ، فالمُرَائِي عَبَدَ اللهَ لا غَيْرَه, لكِنَّهُ خَلَطَعَمَلهُبطلَبِ المَنْزِلَةِ في قلُوبِ النّاس، فلمْ يَقبَلْ لهُ عِبَادة ٌوسَمَّاهَا شِرْكًا، كمَا أخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنُ حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَة َ... (وذكرَ الحَدِيثَ الآنِفَ الذِّكْر) [تطْهِيرُ الإعْتِقادِ مِنْ أدْرَانِ الإلْحَاد - (ج 1 / ص 17)]

4ـ وفيه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللَّهُ بِهِ."

قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ مَنْ رَايَا [كذا] بِعَمَلِهِ، وَسَمَّعَهُ النَّاس لِيُكْرِمُوهُ وَيُعَظِّمُوهُ وَيَعْتَقِدُوا خَيْره سَمَّعَ اللَّه بِهِ يَوْم الْقِيَامَة النَّاس، وَفَضَحَهُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَنْ سَمَّعَ بِعُيُوبِهِ، وَأَذَاعَهَا، أَظْهَرَ اللَّه عُيُوبه، وَقِيلَ: أَسْمَعَهُ الْمَكْرُوه، وَقِيلَ: أَرَاهُ اللَّه ثَوَاب ذَلِكَ مِنْ غَيْر أَنْ يُعْطِيه إِيَّاهُ لِيَكُونَ حَسْرَة عَلَيْهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَنْ أَرَادَ بِعَمَلِهِ النَّاس أَسْمَعَهُ اللَّه النَّاس، وَكَانَ ذَلِكَ حَظّه مِنْهُ. [شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 371)]

وقالَ السَّعدِي رَحِمَهُ الله: والرّيَاءُ آفةٌ عَظِيمَة ٌ، ويَحتاجُ إلى عِلاج ٍشَدِيدٍ، وتَمْرِينِ النَّفسِ عَلَى الإخلاص، ومُجَاهَدَتِهَا في مُدَافَعَةِ خَوَاطِرِ الرِّيَاءِ والأغْرَاضِ الضَّارَّةِ، والإسْتِعَانَةُ باللهِ على دَفعِهَا لعَلَّ اللهَ يُخَلّصُ إيمَانَ العَبْدِ وَيُحَقِّقُ تَوْحِيدَهُ. [القَوْلُ السَّدِيدُ شرْحُِ كتابِ التوحيدِ - (ج 1 / ص 132)]

5ـ عن عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الْأَنْصارِيَّ رضي الله عنه قَالَ:

غَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَنْ يُوَافِيَ عَبْدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ. [أخرجه البخاري: فتح الباري (ج 18 / ص 233)]

قال شيْخُ الإسلام: ولِهَذا كانتْ ( لا إلهَ إلاّ الله ) أصْدَقَ الكلامِ، وكانَ أهْلهَا أهل اللهِ وحِزبهِ، والمُنْكِرُونَ لهَا أعْدَاءَهُ وأهْلَ غَضَبِهِ وَنَقْمَتِهِ، فإذاصَحَّتْ صَحَّ بهَا كلُّ مَسْألَةٍ وحاَلٍ وذَوْقٍ، وإذا لَمْ يُصَحِّحْهَا العَبْدُ فالفَسَادُ لازِمٌ لهُ في عُلومِهِ وأعْمَالِهِ. [فتحُ المَجِيدِ شرحُ كتابِ التَّوحِيد - (ج 1 / ص 46)]

وقال ابنُ رَجَبٍ: ( الإلهُ ) هُو الذي يُطَاعُ فلا يُعْصَى، هَيْبَة ًلهُ وإجْلالا، ومَحَبَّة ًوخَوفًا ورَجَاءً، وتوَكُلا عَليه، وسُؤَالا ًمِنْهُ ودُعَاءً له، ولا يَصْلًحُ هَذا كُلّهُ إلاّ لله عَزّ وَجَلّ، فَمَنْ أشْرَكَ مَخْلُوقـًا في شَيءٍ منْ هذِهِ الأمُورِ التِّي هِيَ مِنْ خَصَائِصِ الإلَهيَّة كانَ ذلكَ قدْحـًا في إخلاصِهِ فِي قولِ ( لا إلهَ إلاّ الله ) وكانَ فيهِ مِنْ عُبُودِيَّةِ المَخلوقِ بحَسَبِ مَا فِيهِ من ذلك. [فتحُ المَجِيدِ شرحُ كتابِ التَّوحِيد - (ج 1 / ص 47)]

6ـ عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قَال:

جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً, فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ." [متفق عليه]

7ـ عن أَبَي ذَرٍّ رضي الله عنه:

عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ فَبَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ, قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى قَالَ: وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى. [صحيح البخاري - (ج 23 / ص 4)] وهذا الحَدِيثُ فِيهِ أنَّ تحقيقَ الإخلاصِ يَحْرِقُ جَمِيعَ السِّيئَاتِ، وأنَّهُ أحْسَنُ الحَسَناتِ والبَاقِيَاتِ الصَّالِحَات.

8ـ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ" [سُنَنُ التَّرمِذِيّ-(ج 8 / ص 381) وقال الألبَانِيّ صَحِيحٌ].

قالَ المُبَارَكْفُورِي رَحِمَهُ اللهُ بَعْدَمَا تكَلّمَ عَلَى المَال: وَأَمَّا الْجَاهُ فَيَكْفِي بِهِ إِفْسَادًا أَنَّ الْمَالَ يُبْذَلُ لِلْجَاهِ وَلَا يُبْذَلُ الْجَاهُ لِلْمَالِ وَهُوَ الشِّرْكُ الْخَفِيُّ،فَيَخُوضُ فِي الْمُرَاءَاةِ وَالْمُدَاهَنَةِ وَالنِّفَاقِ وَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ، فَهُوَ أَفْسَدُ وَأَفْسَدُ اِنْتَهَى. [تُحْفَةُ الأحْوَذِي - (ج 6 / ص 162)]

9ـ وعن أبي أمَامَة رَضِي اللهُ عنهُ قالَ:

جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلّم فقالَ: أرَأيْتَ رَجُلا ًغَزَا يَلْتَمِسُ الأجْرَ والذِّكْرَ, مَا لهُ؟ فقالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلّم: "لا شَيْءَ له." فأعَادَهَا ثلاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلّمَ" "لا شَيْءَ له." ثمّ قالَ: "إنَّ اللهَ لا يَقبَلُ منَ العَمَلِ إلاّ مَا كَانَ خَالِصًا وابْتُغِيَ بهِ وجْهُه." [رَوَاهُ أبُودَاودَ والنَّسَائِيّ، و(حسّنه) في صحيح الترغيب والترهيب - (ج 2 / ص 56)]

وغيرهَا مَنِ الأحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، عَلَى صَاحِبِهَا الصَّلاَةُ والسَّلامُ بُكْرَةً وعشيَّة.

~وأمّا مَا وَرَدَ عنِ الأئِمَّةِ الأجِلَّةِ, وَعُلمَاءِ الدِّينِ وَالمِلَّة, ِمنَ السَّابقِينَ واللاّحِقِين, في شأنِ الإخلاصِ والمُخْلِصِين, فهوَ مَوْرِدٌ عَذْبٌ لا يَنْضَب, وأرْضٌ خصْبٌة لا تَجْذَب, فمِن ذلكَ أخِي السَّالِك:

~ قولُ يَحْيَى ابنُ أبِي كثِير: "تعلّمُوا النِّيَّة فإنَّهَا أبْلغُ منَ العَمَل."

~وعن يُوسُفَ ابن ِأسْبَاط قال: "تخْليصُ النيَّةِ منْ فسَادِها أشدُّ على العاملينَ من طُول ِ الاجتهَاد",

~ وعن ِابن ِالمُبَارَك: "رُبَّ عَمَل ٍصَغِيرٍ تُعَظِّمُهُ النيَّة، ورُبَّ عَمَل ٍكبيرٍ تُصَغِّرُهُ النيَّة."

~ وقال الفُضَيلُ ابنُ عِياضٍ: "إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ مِنكَ نِيَّتكَ وإرَادَتكَ",

~وقال بَعْضُهم: "إنَّمَا تفَاضَلُوا بالإرَادَات ِولمْ يَتفَاضََلَوا بالصَّوْم والصَّلاة",

~وعن التُسْتُرِي سَهْلِ بنِ عبدِ الله: "ليْسَ عَلى النَّفس ِشَيْءٌ أشَقَّ مِنَ الإخلاص ِلأنَّهُ ليسَ لهَا فيهِ نَصِيب",

~وسُئِلَ بَعضُ الحُكَمَاء ِمَن ِالمُخْلِصُ؟ فقالَ: "المُخلِصُ الذي يَكتُمُ حَسَنَاتِهِ كمَا يَكتُمُ سَيِّئاتِه"، ~وقيلَ لبَعضِهِم: "مَا غايَة ُالإخلاصِ قالَ: "أنْ لا تحِبَّ مَحْمَدَةَ النَّاس".

~وقالَ الفُضَيلُ بنُ عِيَاضٍ: "تَرْكُ العَمَل ِلأجْل ِالنَّاس ِرِيَاءٌ، وَالعَمَلُ لأجْل ِالنَّاس ِشِرْكٌ، والإخْلاصُ أنْ يُعَافِيكَ اللهُ منْهُمَا".[جامع العلوم والحكم لابن رجب، والكبائر للذهبي] وغيْرُهَا كثيرٌ طَيِّب, ووَابِلٌ صَيِّب.

~وأمَّا كلام من تأخَّر فقدْ اخْترتُ لكَ ما يلمُّ بَعْضَ مالمْ يُذكرْ, ويَجْمَعُ لُبَابَ البَابِ فإنَّهُ بَحرٌ وأكثر:

قال ابن الديبع الشيباني في كتابه [مكفرات الذنوب وموجبات الجنة ج 1 / ص 15]

أقول: تبين لنا منْ كلِّ ما نقلناهُ منَ السُّنة ِالمُطهَّرَة: أنَّ مبَانِيَ الإسلام ِالخَمسَةِ كلُّ واحدٍ منْها يُكفِّرُ الذنُوبَ وَالخَطايَا ويَهدِمُهَا، وأنَّ: (لا إلهَ إلاّ الله) لا تُبقِى ذنبًا ولا يَسْبقُهَا عَمَل, والصَّلوَاتِ الخَمس، والجُمعة َإلى الجُمعة، ورَمَضانَ إلى رَمضَان، مكَفِّرَاتٌ لمَا بَينَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتْ الكَبَائِر، وأنَّ الصَدَقة َتُطفِىءُ الخَطِيئَة َكمَا يُطفِىءُ المَاءُ النَّارَ، وأنَّ الحَجَّ المَبْرُورَ يُطَهِّرُ صَاحِبَهُ منَ الذُّنُوبِ كيَوْم ِولدَتْهُ أُمَّه، وأن َّالدُّعَاءَ مِنْهُ مَا يَعُودٌ بِرِضَا اللهِ، حَتَّى يُصِيبَ العَبْدُ بهِ الجَنَّة َمَعَ قلِيل ِالعَمَلِ.

وسِرُّ ذلك كلِّهِ الإخْلاصُ, يَعْنِي إخْلاصُ العَمَلِ للهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ، لا لِشَيءٍ آخرَ سِوَاه، فإذا كان العَمَلُ غَيرَ مُخلِصٍ للهِ لا يُقبَل، وبالتَّالِي لا يُؤثِّرُ فِي أيِّ أثر، ولا يُكَفِّرُ أيَّ ذَنْبٍ ولا يُوجِبُ أيَّ ثوَاب. ونظَرًا " لِكثرَة ِدَوَرَان ِكَلِمَة َالإخلاصِ عَلى الألسِنَةِ، فقَدِ اِدَّعَاهَا بَعْضُ النَّاس، دُونَ تحْقِيق ٍولا تدْقِيق ٍفي مَعْناهَا, الإخلاصُ مُقدَّمٌ على النُّبُُوَّة ِوالرِّسَالةِ في قولِهِ تعَالَى: ﴿وَاذكُر فيِ الكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيَّا﴾ [مريم/51]، وذلكَ لِشَرَفِ الإخلاص ِوفضْلِهِ، وتَقَدُّمِ وُجُودُهُ على وُجُودِهِمَا، وَكَوْنِهِ سَبَبًا في التَّرْشِيح ِلمَنْصِبِ الرِّسَالةِ والنُّبُوَّة.

وحقِيقَة ُالإخلاص: تَصْفِيَة ُالعَملِ ِعنْ مُلاحَظَةِ الخَلْق، وتَحْدِيدِ الإرَادَةِ بالعَمَلِ للهِ وحْدَهُ دُونَ شَيْءٍ آخَرَ سِوَاه، وبهَذا المَعْنَى وَحْدَهُ تَتَحَقَّقُ نَجَاة ُالإنسَان مِنْ سُوءِ الذُّنُوبِ وسُوءِ الدُّنيَا بوَجْهٍ عَامٍّ، انْظُر إلى قولِه تعَالى: ﴿كَذَلِكَ لِنَصرفَ عَنهُ السُّوءَ والفَحشَاءَ إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا المُخلَصِينَ﴾ [يوسف/24]، فأنتَ تَرَى الإخلاصَ سَبَبًا في صَرْفِ السُّوءِ والفَحْشَاءِ عنْ يُوسُفَ عَليهِ السَّلامُ، كمَا أنَّهُ سَبَبٌ لاصْطِفَاء َالمُخلِصِينَ للنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالةِ, وحُبُّ اللهِ حَسْبَ دَرَجَاتِ الإخلاص, فالإخلاصُ شَرْطٌ عامٌّ في قَبُولِ جَمِيع ِأنْوَاعِ الطّاعَاتِ، وكُّلُّ عَمَلٍ خَلاَ مِنْهُ فهُوَ إلى الهَلاكِ أقْرَب، ففِي الحَدِيثِ المَرْفُوع ِ: "إنَّ اللهَ لا يَقبَلُ مِنَ العَمَل ِإلاّ مَا كَانَ خَالِصًا وابتُغِيَ بهِ وَجْهُه", ولأهَمِّيَةِ الإخْلاصِ كتَبَ عُمَرُ إلى أبِي مُوسَى الأشْعَرٍي: (من خلصُتْ نِيَتُه ُكَفَاهُ اللهُ مَا بَينَهُ وبَينَ النَّاس)، وكَتَبَ سَالِمُ بنُ عَبدِاللهِ بن ِعمرَ، إلى عُمَرَ بن ِعَبدِالعَزِيز: (اعلمْ يا عُمرُ أنَّ عَونَ اللهِ للعَبدِ بقدْرِ نِيَّتِه، فمنْ خَلُصَتْ نِيَّتُهُ، تَمَّ عَوْنَ اللهِ له، ومَنْ نَقَصََتْ نِيَّتُهُ نَقَصَ عَنْهُ مِنْ عَوْن ِاللهِ بقَدْرِ ذلك). ولِهَذَا فليْسَتِ العِبْرَةُ بكَثْرَةِ الأعْمَالِ، وكَثْرَةِ الأدْعِيَةِ بقَدْرِ مَا هِيَ بالإخْلاصِ فِيهَا، ولَوْ كَانتْ قَلِيلَة...

والرِّيَاءُ المُحرَّم ِالمُحْبطِ للعَمَل ِهو: العَمَلُ لطلب ِحَظٍ دُنْيَوِيٍّ، وَغَلَبَةِ هَذا الحَظِّ على القلْبِ أثنَاءَ العَمَل ِوبَعْدَهُ وَقبْلهُ، وهُو على مَرَاتِبٌ: أوَّلُها: أنْ يُحْسِنَ العَمَلَ في الظَّاهِرِ أمَامَ النَّاسِ ليَحْظَى بالثَّنَاءِ عِنْدَ النَّاس، وبالإشتِهَارِ بالصَّلاحِ والتَّقوَى, والثانيةُ:-وهِيَ أقبَحُ مِنَ الأولَى- أنْ يَنْشُط َفِي العَمَل ِأمَامَ النَّاسِ ويَكْسَلَ إذاكَانَ وحْدَه، والثالثة: وهِيَ أقْبَحُ الكُلِّ: أنْ يَجْعَلَ صُورَةَ الطَّاعَةِ وَسِيلَة ًلاكْتِسَابِ أمْرٍ مُحَرَّمٍ كَأنْ يُجَوِّدَ العَمَلَ في الظَّاهِرِ لِتُسَاقَ إليْهِ الوَدَائِعُ ثمَّ يَأخُذُهَا لنَفْسِه, أو تَقَرُّبًا مِن ِاِمْرَأة ٍيُحِبُّهَا، والرابعة: وهِيَ أخَفُّ الجَمِيعِ: أنْ يُجَوِّدَ العَمَلَ لا لِتحْصِيل ِغَرَض ٍدُنْيَوِيٍّ، وإنَّمَا خَوْفًا مِنْ أنْ يَنْظُرَ النَّاسُ إليْهِ بِعَيْن ِالاحْتِقَار، وَلاَ يَعُدُّوهُ مْنَ الأخْيَارْ, وَكُلّهُ رِيَاءٌ، وَقلِيلُ الرِّيَاءِ شِرْكٌ، وَلكِنّهُ دَرَجَاتٌ، وكُلُّ عَمَل ٍخَالَطَهُ الرِّيَاءُ فلا ثوَابَ لهُ لمَا وَرَدَ في الخَبَرِ: (مَنْ عَمِلَ لِيَ عَمَلاً أشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فأنَا مِنْهُ بَرِيءٌ). وأخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ مُرْسَلا: (لا يَقبَلُ اللهُ عَمَلا فِيهِ مِثقَالَ حَبَّةٍ مِنَ الرِّيَاء). وأخْرَجَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ شَدَّادِ بْن ِأوْس ٍعَنْ رَسُول ِاللهِ صَلّى اللهُ عَليْهِ وَسَلّمَ: ( مَنْ صَلّى مُرَائِيًا فَقَدْ أشْرَكَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ مُرَائِيًا فقدْ أشْرَك). فقالَ عَوْفُ بنُ مَالِكٍ لِشَدَّادٍ: "أفَلا يَعْمَدُ اللهُ إلى مَا كانَ لهُ منْ ذلكَ فيَقبَلَهُ ويَدَعَ مَا سِِوَاهُ؟ فقالَ شَدَّادٌ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُْولُ: (قالَ اللهُ عزَّ وَجلَّ: أنَا خَيْرُ شَرِيكٍ أوْ قسِيمٍ, مَن أشْرَكَ بي فعَمَلهُ قليلهُ وكَثِيرُهُ لِشَرِيكِي وَأنَا مِنْهُ بَرِيءٌ) [مسند الطيالسي 1120].

فإذا عَقَدَ الإنْسَانُ نِيَّتَهُ عَلَى العَمَل ِمُخْلِصًا للهِ ثمَّ طَرَقَهُ الرِّيَاءُ أثنَاءَ العَمَل ِفلِذلكَ حَالتَانِ:

الأولى: أن يَكُونَ العَمَلُ مِمَّا يَرْتبطُ آخَرُهُ بأوَّلِهِ، كالصَّلاة ِوالصَّوْم ِونحْوِهِمَا، وهذا إذا صَحَّحَ الإنْسَانُ نِيَّتَهُ في أوَّلِهِ ثمَّ طَرَقَهُ الرِّيَاءُ فلا شَيْءَ عَليهِ إذا حَاوَلَ دَفْعَ الرِّيَاءِ وَالتَّخَلّصَ مِنهُ قَدْرَ طَاقتِه.

الثانية: أن يَكُونَ العَمَلُ مِمَّا تَسْتَقِلُّ أجْزَاؤُهُ، كالقِرَاءَةِ وَالأذكَار، بَدَأهَا مُخلِصًا، ثمَّ طَرَقهُ، فَلا ثوَابَ لِمَا بَعْدَ طُروق ِالرِّيَاء.

وإذا عَمِلَ العَمَلَ مُخلِصًا كمَا َيجِبُ عَليْهِ، وبَعْدَ الانْتِهَاءِ مِنْهُ أثنَى النَّاسُ عَليْهِ فلا يَضُّرَّه، لحَدِيثِ مُسْلِمٍ: (تلكَ عَاجلُ بُشرَى المُسْلِم), وقدْ يَعْمَلُ الإنسَانُ عمَلا منَ أعْمال ِالبِرِّ خَالِصًا لله، ثمَّ يُبْطِلُهُ بَعْدَ زمَان ٍطَوِيل ٍ، وَهُوَ لا يَشعُر, وذلكَ كالرَّجُل ِيَصْنَعُ الخَيْرَ مَعَ رَجُل ٍآخَرَ يُرِيدُ بِهِ اللهَ وَحْدَهُ، ويَمْضِي زَمَنٌ طَوِيلٌ، ثمّ يَقصِدُ الرّجُلُ الذِي صَنَعَ المَعرُوفَ، صاحِبَهُ الذِي صَنَعَ إليهِ المَعْرُوفُ في حَاجَةٍ، فلا يَقضِيهَا لهُ، فيَذْكُرَ لهُ أو للنَّاس ِأو في نَفْسِهِ نَادِمًا: أنَّهُ صَنَعَ إليهِ مَعْرُوفًا مُنذُ كذا وكذا سَنَةٍ، وَفِي هَذِهِ الحَالةِ أفسَدَ نِيَّتَهُ المَاضِيَةِ، وَأحْبَط َعَمَلَهُ الذِي مَضَى صَحِيحًا وَهُو لا يَشعُر,وكالعَالِم ِيُرِيدُ بعَمَلِهِ وَجْهَ اللهِ، فوَجَدَ النَّاسَ بَعدَ زَمَن ٍطَوِيل، لا يَعُدُّونَهُ بَيْنَ المُجِيدِينَ مِنَ العُلَمَاءِ فَغَضِبَ فأفْسدَ بِغَضَبِهِ نِيَّتِهِ، وأبْطَلَ إخلاصَهُ وهو لا يَشعُر.

وعلى هذا وَجَبَ على المُؤْمِن ِأنْ يُرَاقِبَ نَفسَهُ، وأنْ يَحْذَرَ خِدَاعَهَا لِئَلاّ تُحْبِطُ عَمَلَهُ، وأنْ يُحَافِظَ عَلى نِيّتِه ِالصَّالِحَةِ قبْلَ العَمَل، وأثنْاءَ العَمَل، وبَعْدَ العَمَل ِإلى مَا شَاءَ اللهُ مِنْ أيَّامِ حَيَاتِهِ. اهـ

~فيا أخِي الحَبِيبُ بعدَ هذِهِ المُقدِّمَةِ الوَافِيَةِ، والعُرُوض ِالضَّافِيَةِ الكَافِيَة، أليْسَ الإخلاصُ قدْ تَجَلّى فَضْله، وبَانَ حَقِيقَتُهُ وقدْرُه, واتَّضَحَ لنَا ثوَابُهُ وأجْرُه, وأنَّ الرِّيَاءَ غِلٌّ وَدَغَل, يٌفسِدُ الدِّينَ كمَا يُفسِدُ الخَلُّ العَسَل, فلا حَالٌ ولا ذوقٌ ولا عَمَل, فاعْلَم إذنْ يَا صَائِمًا فِي شَهْرِ الخَيْرِ والبَرَكَاتِ، وَيَا مُقبلاً على الطّاعَاتِ بَعدَ الطّاعَات، أنَّهُ لا قبُولَ ولا ثَوَابَ إلاّ بالإخلاص ِفيهَا والاحتِسَاب, وأنَّهُ لا يُكَفَّرُ عنكَ السِّيِّئاتُ والذُنُوب إلاّ إذا صَفَّيْتَ أعْمَالكَ مِنْ كُلِّ شَوْب, فإنَّهُ الذِي أكَّدَتْهُ الأخبَار, ورَوَاهُ حَمَلَة ُالآثار, وَهَاهِي ذِي أسُوقهَا، بَعْضَهَا لا كُلّهَا, عَسَى أنْ نَنْتفِعَ فنَمْتَثِل, ونَهْرَعَ للعَمَل ِبقَلْبٍ وَجِل.

1ـ قال عليه الصلاة والسلام:

"مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" صحيح. أخرجه البخاري ( 1 / 499 ) ومسلم ( 2 / 177 ) ومالك ( 1 / 113 / 2 ) وأبو داود ( 1371 ) والنسائي ( 1 / 308 ) والترمذي ( 1 / 154 ) والدارمي ( 2 / 26 ) وابن ماجه ( 1326 ) وأحمد ( 2 / 281، 289، 408، 423 ) والفريابي في ( كتاب الصيام ) ( من 73 / 1 ) وعبد الغني المقدسي في ( فضائل رمضان ) ( 54 / 2 ) من طرق عن أبى سلمة عن أبي هريرة مرفوعا به. (إرواء الغليل)- (ج 4 / ص 14)

قالَ الحَافظُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ الله تحْتَ قوْل ِالبُخَارِي: ( بَابٌ مَنْ صَامَ رَمَضَان إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَنِيَّة):

(قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنَيِّرِ: حَذَفَ الْجَوَابَ (أيْ: البخاري في التَّرْجَمَة) إيجَازًا وَاعْتِمَادًا عَلَى مَا فِي الْحَدِيثِ، وَعَطَفَ قَوْلَهُ نِيَّةً عَلَى قَوْلِهِ اِحْتِسَابًا لِأَنَّ الصَّوْمَ إِنَّمَا يَكُونُ لِأَجْلِ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ، وَالنِّيَّةُ شَرْط فِي وُقُوعِهِ قُرْبَةً) ثم قال:( وَالْمُرَاد بِالْإِيمَانِ الِاعْتِقَاد بِحَقِّ فَرْضِيَّةِ صَوْمِهِ، وَبِالِاحْتِسَابِ طَلَب الثَّوَابِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيّ: اِحْتِسَابًا أَيْ عَزِيمَة، وَهُوَ أَنْ يَصُومَهُ عَلَى مَعْنَى الرَّغْبَة فِي ثَوَابِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ بِذَلِكَغَيْرَ مُسْتَثْقِللِصِيَامِهِ وَلَا مُسْتَطِيل لِأَيَّامِهِ. [فتح الباري لابن حجر - (ج 6 / ص 138)].

وقال عن معنى الاحتساب في موضع آخر: ( قولُهُ (الحِسْبَة ُ) أيْ طلبُ الأجْرِ ومِنْهُ (يَحتسِبُونَ آثارَكم) وقولُهُ: (إيمانًا واحْتِسَابًا) والاسْمُ الحِسْباَنُ بِكَسْرِ أوَّلِهِ وَأصْلُهُ اِدِّخَارُ أجْرِ ذلكَ العَمَل.ِ» [مقدمة الفتح - (ج 1 / ص 102)]

وقالَ أبُو حَاتِم رحمه الله تعالى: ( الاحْتِسَابُ: قصْدُ العَبِيدِ إلى بَارِئِهمْ بالطَّاعَةِ رَجَاءَ القبُول ). [صحيحُ ابنُ حِبَّان - (ج 14 / ص 364)]

وقالَ مُحَمّدُ بنُ الحُسَين رحمه الله تعالى: ( مَعْنَاهُ وَاللهُ أعْلم: إيمَانًا بأنَّ اللهَ تعَالى فرَضَهُ عَليْه، واحْتِسَابًا يَحْتَسِبُ مَا يَلحَقُهُ مِنَ الجُّوع ِوالعَطَش، والامتنَاع ِمِنَ الزَّوْجَة ِوالأمَةِ نَهَارًا فِي جَنْبِ اللهِ عَزَّ وَجَلّ). [الأربعون حديثا للآجري - (ج 1 / ص 29)]

وفي [المنتقى - شرح الموطأ - (ج 1 / ص 263)] للباجي المالكي: (ثُمَّ بَيَّنَ التَّرْغِيبَ بِقَوْلِهِ (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ التَّرْغِيبِ وَأَوْلَى مَا يَجِبُ أَنْ يُسَارَعَ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ فِيهِ تَكْفِيرُ السَّيِّئَاتِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ لَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي يَكُونُ التَّكْفِيرُ بِهِ هُوَ أَنْ يَقُومَهُ إيمَانًا بِصِدْقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي تَرْغِيبِهِ فِيهِ وَعِلْمًا بِأَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ مَنْ قَامَهُ عَلَى مَا وَعَدَهُ بِهِ وَاحْتِسَابًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ يَقُومُهُ رَجَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَا رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُفْسِدُ الْعَمَلَ.) اهـ

ِلذلكَ ذكرهما الإمَامُ الجَهْبَذُ أبُوالقاسِم ِابنُ مَنْدَهٍ مع عَلامَة َالاخلاص ِفقال: (وعَلامَة ُالإخلاص: زِيَادَة السِرِّ على الإعْلاَن ِفي إيثارِ قوْل ِاللهِ تعَالَى وَقوْل ِرَسُولِهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ على الأقاوِيل ِكُلّهَا بالإيمَان ِوالإحْتِسَابِ). [ذيل طبقات الحنابلة - (ج 1 / ص 11)]

2ـ ومنها قول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا. [متفق عليه]

وفي رواية لمَالك رحمه الله تعالى ٍفي [المُوَطّأ - (ج 2 / ص 414)]: (إِنَّمَا يَذَرُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي) وفي روَايَةٍ عندَ ابن ِخُزَيْمَة في [صَحِيحِهِ - (ج 7 / ص 135)]: (قال اللهُ: إلاّ الصِّيَامُ، فهو لِي، وأنا أجْزِي بهِ، يَدَعُ الطّعَامَ مِن أجْلِي، ويَِدَعُ الشّرَابَ من أجْلِي، ويَدَع لذَّتهُ من أجْلِي، ويَدَعُ زَوْجَتَهُ مِنْ أجْلِي.)

قالَ السِّنْدِيّ رَحِمَهُ اللهُ تعَالى:على قولِهِ (يَدَعُ... الخ) تَعْلِيلٌ لِاخْتِصَاصِهِ بِعَظِيمِ الْجَزَاء [ شرح سنن النسائي - (ج 3 / ص 380)] أيْ: ذِكْرُالسَّبَبِ الذِي أوْجَبَ هَذا الجَزَاءَ والفَضَلَ العَظِيم ِجِدًا.. وفي الحَدِيثِ الكَرِيم ِمَوْضِعَان, ِأشَارَا إلى الإخلاص ِوأكَّدا عليه:ِ

1) (فإنَّهُ لِي.. ) قال السُّيُوطِي رَحِمَهُ اللهُ تعَالى في [حَاشِيَتِهِ على سُنن ِالنَّسَائِي]: اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِهَذَا مَعَ أَنَّ الْأَعْمَال كُلّهَا لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي يَجْزِي بِهَا عَلَى أَقْوَال أَحَدِهَا: أَنَّ الصَّوْم لَا يَقَع فِيهِ الرِّيَاء كَمَا يَقَع فِي غَيْره، قَالَهُ أَبُو عُبَيْد، قَالَ: وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث (لَيْسَ فِي الصَّوْم رِيَاء) قَالَ: وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَعْمَال إِنَّمَا تَكُون بِالْحَرَكَاتِ إِلَّا الصَّوْم فَإِنَّمَا هُوَ بِالنِّيَّةِ الَّتِي تَخْفَى عَنْ النَّاس قَالَ: هَذَا وَجْه الْحَدِيث عِنْدِي. وَالْحَدِيث الْمَذْكُور رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَب مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة بِسَنَدٍ ضَعِيف قَالَ الْحَافِظ اِبْن حَجَر: وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ قَاطِعًا لِلنِّزَاعِ، وَقَدْ اِرْتَضَى هَذَا الْجَوَاب الْمَازِرِيّ وَابْن الْجَوْزِيّ وَالْقُرْطُبِيّ. [شرحُ سُنن ِالنَّسَائِي - (ج 3 / ص 378) للمُبَارَكفُورِي].

2) (يدع طعامَه... ) قالَ الحَافظُ رَحِمَهُ اللهُ تعَالى: وَقَدْ يُفْهَم مِنْ الْإِتْيَان بِصِيغَةِ الْحَصْر فِي قَوْله: "إِنَّمَا يَذَر" إِلَخ ( في روايةِ مَالِكٍ ) التَّنْبِيهُ عَلَى الْجِهَة الَّتِي بِهَا يَسْتَحِقّ الصَّائِم ذَلِكَ وَهُوَ الْإِخْلَاص الْخَاصّ بِهِ، حَتَّى لَوْ كَانَ تَرْك الْمَذْكُورَات لِغَرَضٍ آخَر كَالتُّخَمَةِ لَا يَحْصُل لِلصَّائِمِ الْفَضْل الْمَذْكُور، لَكِنَّ الْمَدَار فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء عَلَى الدَّاعِي الْقَوِيّ الَّذِي يَدُور مَعَهُ الْفِعْل وُجُودًا وَعَدَمًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِض فِي خَاطِره شَهْوَة شَيْء مِنْ الْأَشْيَاء طُول نَهَاره إِلَى أَنْ أَفْطَرَ لَيْسَ هُوَ فِي الْفَضْل كَمَنْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ فَجَاهَدَ نَفْسه فِي تَرْكه، وَالْمُرَاد بِالشَّهْوَةِ فِي الْحَدِيث شَهْوَة الْجِمَاع لِعَطْفِهَا عَلَى الطَّعَام وَالشَّرَاب، وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون مِنْ الْعَامّ بَعْد الْخَاصّ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْمُوَطَّإ بِتَقْدِيمِ الشَّهْوَة عَلَيْهَا فَيَكُون مِنْ الْخَاصّ بَعْد الْعَامّ، [فتح الباري لابن حجر - (ج 6 / ص 129)].

3ـ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:

سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا." [صحيح البخاري - (ج 9 / ص 433] وفي رواية عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ." [قال الألباني: حسن صحيح: صحيح سنن الترمذي - (ج 4 / ص 124)] قال السِّيُوطِيُّ في حَاشِيَّتِهِ: (مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيل اللَّه) قَالَ فِي النِّهَايَة: سَبِيل اللَّه عَامّ يَقَع عَلَى كُلّ خَالِص لِلَّهِ سَلَكَ بِهِ طَرِيق التَّقَرُّب إِلَى اللَّه تَعَالَى بِأَدَاءِ الْفَرَائِض وَالنَّوَافِل وَأَنْوَاع التَّطَوُّعَات وَإِذَا أُطْلِقَ فَهُوَ فِي الْغَالِب وَاقِع عَلَى الْجِهَاد حَتَّى صَارَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَال كَأَنَّهُ مَقْصُور عَلَيْهِ. [شرح سنن النسائي - (ج 3 / ص 394)]

~وخِتام الوصية: (أيُّهَا القَارِئُ الكَريمُ: أنْتَ الآنَ فِي شَهْرِ الصّيَام ِوالقِيَام, شَهْر رَمَضَانَ المُبَارَكِ, فَعَليْكَ أنْ تكُونَ فِي مِثال ِالمُؤْمِن ِالصّالِح ِ- المُطِيع ِلِرَبَّهِ والمُتّبِع ِلسُنّةِ نَبِيِّهِ فِي كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ وخَاصَة ًفِيمَا يَتعَلّقُ بإقامَةِ هَذِهِ العِبَادَةِ العَظِيمَةِ (الإخلاص ِللهِ تعَالى) فقَدْ قالَ فِيهِ صَلّى اللهُ عليْهِ وسَلَم:"مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ." [رواهُ الشّيْخَانِ وغَيرُهُما] [من كلام الإمَامِ الألبَانِي رحمه الله تعالى بتصرف من (صلاة التراويح - (ج 1 / ص 113)] فيَنْبَغِي لَكَ: يَا عَبْدَ اللهِ، الانْتِبَاهُ لِهذا الأمْرِ، وَالإقبَالُ عَلى كِتابِ اللهِ، وسنةِ رَسُولِهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلّم، دِرَاسَة ًوتَدَبُّرًا وتعَقُلا ً، حَتّى تعْرِفَ تَوحِيدَ اللهِ والإيمَان ِبهِ، وحَتّى تعْرِفَ مَا هُو الشّرْكُ باللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وحَتَّى تكُونَ بَصِيرًا بدِينِكَ، وحَتّى تعْرِفَ مَا هُو سَبَبُ دُخُول ِالجَنّةِ والنَّجَاةِ مِنَ النّارِ، معَ العِنَايَةِ بحُضُورِ حَلقاتِ العِلمِ والمُذاكَرَةِ مَعَ أهْل ِالعِلم ِوالدّينِ، حَتّى تسْتفِيدَ وتفِيد، وحَتَّى تكُونَ على بَيِّنةٍ وعلى بَصِيرَةٍ فِي أمْرِك. [من كلام ابن باز رحمه الله تعالى بيان التوحيد الذي بعث الله به الرسل جميعا وبعث به خاتمهم محمدا عليه السلام - (ج 1 / ص 29)]
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28 Jun 2012, 04:35 PM
أبو عثمان سعيد مباركي أبو عثمان سعيد مباركي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
الدولة: سعيدة
المشاركات: 254
افتراضي

3 ـ الوصية الثالثة: حفظ العمل الصالح من كل مفسد طالح:

ثم في الأخيرـ إخواني الأحبة ـ تكون المُنجية الثالثة في الفيافِي, وخاتمة الوصاياالخوافِي[1], في حفظ ما سعى فيه العبد طيلة هذا الشهر الكريم, وحِِرز ما حازه الصائم القائم من الأجر العظيم, بل هو أمر من الله ربكم, إذ قال في محكم تنزيله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد33] وما تلكم المبطلات وذياكم المحبطات إلا الكبائروالسيئات.

~أخرج الإمام محمد بن نصر المروزي: عن أبي العالية قال: « كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع "لا إله إلا الله" ذنب، كما لا ينفع مع الشرك عمل، فنزلت: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ فخافوا أن يبطل الذنبُ العمل»، وأخرج أيضا: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: « كنا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى أنه ليس شيء من حسناتنا إلا مقبول حتى نزلت: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ فقلنا: ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا: الكبائر الموجبات، والفواحش, [فكنا إذا رأينا من أصاب شيئاً منها قلنا: قد هلك] حتى نزلت: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: 48] فلما نزلت كففنا عن القول في ذلك فكنا نخاف على من أصاب الكبائر والفواحش، ونرجو لمن لم يصبها» [تعظيم قدر الصلاة - (ج 2 / ص 251*252)][2], ويؤيد هذا ماجاء فيمصنف عبد الرزاق وغيره - (ج 8 / ص 184)عن أبي إسحاق عن امرأته [العالية]، أنها دخلت على عائشة في نسوة، فسألتها امرأة فقالت: يا أم المؤمنين ! كانت لي جارية، فبعتها من زيد بن أرقم بثمان مئة إلى أجل، ثم اشتريتها منه بست مئة، فنقدته الست مئة، وكتبت عليه ثمان مئة، فقالت عائشة: بئس والله ما اشتريت ! وبئس والله ما اشترى ! أخبري زيد بن أرقم أنه قدأبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب[3]، فقالت المرأة لعائشة: أرأيت إن أخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل، قالت:﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى...﴾ [البقرة: 275] الآية، أو قالت: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ﴾ [البقرة: 279] الآية)[4].

~ وقد سلك هذا القول جِلة من التابعين يرون أن الكبائر تبطل الحسنات وتذهبها " فعن قتادة رضي الله عنه في الآية قال: من استطاع منكم أن لا يبطل عملاً صالحاً بعمل سوء فليفعل ولا قوّة إلا بالله فإن الخير ينسخ الشر، فإنما ملاك الأعمال خواتيمها. وقال الحسن رحمه الله أي: لا تبطلوا حسناتكم بالمعاصي. وقال الزهري رحمه الله: بالكبائر." [الدر المنثور - (ج 9 / ص 206)]

~ويكفي إن شاء الله في تقرير هذا الأصل والتخويف منه أن شيخَي الإسلام القيّمين والإمامين المجاهدين: ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله قد انتصرا لهذا القول وقرراه في كتبهما وإليك نقل لكل منهما يشفي العليل, ويروي الظمآن الغليل,[5] ورد ابن تيمية على من خصص البطلان في آية ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ بالكفر أو بإتمام العمل بعد الشروع فيه, وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: (ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر, وليس الشأن في العمل,إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه, فالرياء وإن دق محبط للعمل, وهو أبواب كثيرة لا تحصر, وكون العمل غير مقيد باتباع السنة أيضا موجب لكونه باطلا, والمنّ به على الله تعالى بقلبه مفسد له, وكذلك المنّ بالصدقة والمعروف والبر والإحسان والصلة مفسد لها, كما قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾ [البقرة:264] وأكثر الناس ما عندهم خبر من السيئات التي تحبط الحسنات, وقد قال تعالى:﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات:2] فحذر سبحانه المؤمنين من حبوط أعمالهم بالجهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما يجهر بعضهم لبعض, وليس هذا بردة, بل معصية يحبط بها العمل وصاحبها لا يشعر بها... فمعرفة ما يفسد الأعمال في وقت وقوعها, ويبطلها ويحبطها بعد وقوعها من أهم ما ينبغي أن يفتش عليه العبد, ويحرص على عمله ويحذره) اﻫ [الوابل الصيب ص30]

وأما الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى فقد جنح للجمع بين المذهبين ولم يجعل الإبطال خاصا بنوع من الذنوب فقال: (والظاهر النهي عن كل سبب من الأسباب التي توصل إلى بطلان الأعمال كائناً ما كان من غير تخصيص بنوع معين ). [فتح القدير - (ج 6 / ص 486)]

ومثله في التحرير والتنوير- (ج 2 / ص 452) للعلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى وإن لم يرجح هذا المعنى, قال: ومعنى النهي عن إبطالهم الأعمالَ: النهي عن أسباب إبطالها، فهذا مَهيَع قوله: ﴿ولا تبطلوا أعمالكم﴾. وتسمح محامِله بأن يشمل النهي والتحذير عن كل ما بيَّن الدِينُ أنه مبطل للعمل كلاًّ أو بعضاً مثل الردة ومثل الرياء في العمل الصالح فإنه يبطل ثوابه. وهو عن ابن عباس رضي الله عنهما قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى﴾ [ البقرة: 264 ]. وكان بعض السلف يخشى أن يكون ارتكاب الفواحش مبطلاً لثواب الأعمال الصالحة ويحمل هذه الآية على ذلك ) اﻫ

فبهذا أخي القارئ الكريم , يكون حفظ العمل, والإحتراز من المحبطات من سيءِ الزلل, قد وجب على الباغي النجاة, وتأكد على طالب الجنات, وليس شيء أشد على العاملين بعدما تعبوا في نيل الأجور أن يُحرموها, وليس أعظم حسرة من الناصبين المجتهدين بعدما حصلوا على تلك الأرزاق أن يضيعوها, بل يا ويلنا يوم اللقاء كيف حسرتنا وقد غدت هباء منثورا, وكيف الخلاص بدونها من يوم كان شره مستطيرا, وموقفٍ أمام ربٍّ كان بذنوب عباده خبيرا بصيرا, فيومئذ لا درهم ولا دينار, ولا ينتفعُ بماله مُقِلٌ ولا مِكثار, وإنما هي الحسنات, إذا ثبتت في الميزان وقبلت عند الرحمن, وإنما هي الباقيات الصالحات, الموجبات للرضوان والخلودِ فى الجنان, وإنما هي المانعات الحائلات من العذاب الأليم والنكال والنيران, ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء47] وليست يا أخي الحبيب إلا تلك المباني الخمسة التي هي أركان الإسلام, من التوحيد والصلاة والزكاة والحج والصيام[6]، وما يتبعها من النوافل والقرآن والإحسان إلى الأنام, وقد كان لهذا الشهر المبارك الكريم أوفر الحظ باجتماع أكثرها فيه, وأكبر النصيب لتوارد أغلبها في أيامه ولياليه, فمن أداها بالإخلاص للواحد الأحد, والمتابعة لسنة النبي أحمد, عليه الصلاة والسلام ما تمتّع الناس بورِِقٍ وعسْجد, فلا بد أن يرعاها بالحفظ من الآفات, ويمنعها من كل المحبطات, وبعد ذلك ربك أرحم, وعفوه أوسع وأعظم, فنسأله بكل أسمائه الحسنى, وبكل صفاته العلى, أن يمنّ علينا بلزوم التوبة والإخلاص وصالح الأعمال, فهذه الثلاث بها النجاة من كل الأهوال, قال الله تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63) ﴾ [ الآيات من سورة مريم]

وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
كتبه: أبو عبد الحق أمين (غفر الله ذنبه وستر عيبه)




[1] - الخوافي: الريش الصغير في الطائر، قال في الصحاح في اللغة - (ج 1 / ص 56) والأَباهِرُ من ريش الطائر: ما يلي الكُلى، أولها القوادمُ، ثم المناكبُ، ثم الخوافي ثم الأَباهِرُ، ثم الكُلى. اهـ كناية عن جهد مقل مزجى البضاعة.


[2] - وهذان الأثران قد أوردهما جل أئمة التفسير في سبب نزول هذه الآية الكريمة وهما، وإن لم يخلوا من مقال من حيث السند إلا أنه ليس فيهما كذاب أو متهم, فهما يتعاضدان بهذا، وانظر مقدمة التفسير لشيخ الإسلام من (ص :36) إلى (ص:41) فإنه مهم, ثم يزيدهم قوة أثر عائشة الآتي بعدهما.


[3] - وقد كان زيد بن أرقم رضي الله عنه غزى سبع عشرة غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كماعند أحمد في المسند (ج 39 / ص 279)


[4] - قال الزيلعي في نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية - (ج 9 / ص 110): قَالَ فِي" التَّنْقِيحِ " (وهوالعلامة ابن عبدالهادي): هَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ ، وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ قَالَ: لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ ، وَكَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ ، قَالَ فِي الْعَالِيَةِ : هِيَ مَجْهُولَةٌ ، لَا يُحْتَجُّ بِهَا ، فِيهِ نَظَرٌ ، فَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ ، وَلَوْلَا أَنَّ عِنْدَ أُمِّ الْمُومِنِينَ عِلْمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ لَمْ تَسْتَجِزْ أَنْ تَقُولَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ بِالِاجْتِهَادِ ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : قَالُوا : الْعَالِيَةُ امْرَأَةٌ مَجْهُولَةٌ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهَا ، قُلْنَا : بَلْ هِيَ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ جَلِيلَةُ الْقَدْرِ ، ذَكَرَهَا ابْنُ سَعْدٍ فِي " الطَّبَقَاتِ " ، فَقَالَ : الْعَالِيَةُ بِنْتُ أَيْفَعَ بْنِ شَرَاحِيلَ امْرَأَةُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ سَمِعَتْ مِنْ عَائِشَةَ. انْتَهَى كَلَامُهُ. قلت: مدار الأثر على مبحث مجهول الحال وفيه خلاف عند أهل الحديث والأصول, انظر التدريب للسيوطي (ج 1/ص 172). والمذكرة للشنقيطي (ج1 /ص207) وما بعدها.


[5] - قال ابن تيمية رحمه الله: فَإِذَا كَانَتْ السَّيِّئَاتُ لَا تُحْبِطُ جَمِيعَ الْحَسَنَاتِ فَهَلْ تُحْبَطُ بِقَدْرِهَا، وَهَلْ يُحْبَطُ بَعْضُ الْحَسَنَاتِ بِذَنْبِ دُونَ الْكُفْرِ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ. مِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُثْبِتُهُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ. مِثْلُ قَوْلِهِ : ﴿ لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾ الْآيَةَ. دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ السَّيِّئَةَ تُبْطِلُ الصَّدَقَةَ وَضَرَبَ مَثَلَهُ بِالْمُرَائِي، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: "أَبْلِغِي زَيْدًا أَنَّ جِهَادَهُ بَطَلَ" الْحَدِيثَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ : ﴿أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ﴾ وَحَدِيثُ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَفِي ذَلِكَ نِزَاعٌ. وَقَالَ تَعَالَى : ﴿ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ قَالَ الْحَسَنُ : بِالْمَعَاصِي وَالْكَبَائِرِ... فَمَا ذُكِرَ عَنْ الْحَسَنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعَاصِيَ وَالْكَبَائِرَ تُحْبِطُ الْأَعْمَالَ. فَإِنْ قِيلَ : لَمْ يُرِدْ إلَّا إبْطَالَهَا بِالْكُفْرِ. قِيلَ : ذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي نَفْسِهِ وَمُوجِبٌ لِلْخُلُودِ الدَّائِمِ فَالنَّهْيُ عَنْهُ لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِهَذَا بَلْ يَذْكُرُهُ عَلَى وَجْهِ التَّغْلِيظِ. كَقَوْلِهِ : ﴿مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ﴾ وَنَحْوِهَا. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ وَفِي آيَةِ الْمَنِّ سَمَّاهَا إبْطَالًا وَلَمْ يُسَمِّهِ إحْبَاطًا ؛ وَلِهَذَا ذَكَرَ بَعْدَهَا الْكُفْرَ بِقَوْلِهِ : ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ الْآيَةَ. فَإِنْ قِيلَ : الْمُرَادُ إذَا دَخَلْتُمْ فِيهَا فَأَتِمُّوهَا وَبِهَا احْتَجَّ مَنْ قَالَ : يَلْزَمُ التَّطَوُّعُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ. قِيلَ : لَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ إبْطَالِ بَعْضِ الْعَمَلِ فَإِبْطَالُهُ كُلُّهُ أَوْلَى بِدُخُولِهِ فِيهَا فَكَيْفَ وَذَلِكَ قَبْلَ فَرَاغِهِ لَا يُسَمَّى صَلَاةً وَلَا صَوْمًا ثُمَّ يُقَالُ : الْإِبْطَالُ يُوجَدُ قَبْلَ الْفَرَاغِ أَوْ بَعْدَهُ وَمَا ذَكَرُوهُ أَمْرٌ بِالْإِتْمَامِ، وَالْإِبْطَالِ هُوَ إبْطَالُ الثوَابِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُتِمّ الْعِبَادَةَ يَبْطُلُ جَمِيعُ ثَوَابِهِ، بَلْ يُقَالُ : إنَّهُ يُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ. وَفِي الصَّحِيحِ حَدِيثُ الْمُفْلِسِ " الَّذِي يَأْتِي بِحَسَنَاتِ أَمْثَالِ الْجِبَالِ ".. وَقَدْ عَمَّمَ بِقَوْلِهِ : ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ أَيْ لَا تَجْعَلُوهَا بَاطِلَةً لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا وَلَا ثَوَابَ وَلَا فَائِدَةَ.اﻫ مجموع فتاوى(ج 2 / ص 424)


[6] - بهذا الترتيب وردت رواية عند البخاري في كتاب الإيمان (ج 1 / ص 11).
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28 Jun 2012, 04:36 PM
أبو عثمان سعيد مباركي أبو عثمان سعيد مباركي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
الدولة: سعيدة
المشاركات: 254
افتراضي

أسأل الله أن يبارك في الكاتب وفي شيخنا عبد الحكيم -آمين-
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مميز, فقه, وصايارمضانية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013