منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 17 Dec 2014, 11:12 PM
مراد قرازة مراد قرازة غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2014
الدولة: الجزائر ولاية أم البواقي
المشاركات: 438
افتراضي التعريف بغلط من وسم الشّرع بالتكليف

بسم الله الرحمن الرحيم


التعريف
بغلط من وسم الشّرع بالتكليف
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أمّا بعد: فإنّه ممّا عجّت به كتب الفقه وأصوله بوجه خاص وكتب العلوم الإسلامية بوجه عام تسمية الأحكام الشّرعية بالتّكليف، يعنون بذلك خطاب الشرع المتعلق بأفعال النّاس طلبا أو تخييرا (أي: الواجب والمستحب والحرام والمكروه والمباح ). وممّا لا شكّ فيه أنّ هذه اللّفظة ممّا ينبغي اجتنابه لأنّه من علم معناها ، وعلم حقيقة شرع الله عزّ وجلّ ، لم يسعه أن يسمّه بها أبدا. ولعلّي في هذه الكلمة أبيّن وجه هذا التعارض بين التّسمية والمسمّى فأقول وبالله التوفيق :
1- التكليف في لغة العرب :
قال ابن منظور " كلّفه تكليفا أي أمره بما يشقّ عليه . وتكلّفت الشيء أي تجشمته على مشقّة وعلى غير عادتك .
قال ابن سيّده : كلف الأمر أي تجشّمه على مشقّة وعسرة ."
قال أبو بكير :
أزهير هل من شيبة من مصرف --- أم لا خلود لباذل متكلّف[1]
ومنه قول الخنساء :
يكلّفه القوم ما نابهم --- وإن كان أصغرهم مولدا
2- تنزيه الشّريعة عن المشقّة والحرج :
إنّ جميع ما أمر الله به عباده في غاية السّهولة في أصله ، وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله سهّله تسهيلا آخر ، إمّا بإسقاطه أو بتخفيفه ببعض التخفيفات ، وهذه جملة لا يمكن تفصيلها لأنّ تفاصيلها جميع الشرعيات ويدخل فيها جميع الرّخص و التخفيفات[2] .بل إنّ الله عزّ وجلّ لم يأمر النّاس إلاّ بما فيه مصلحة راجحة ولم ينههم إلا عما فيه مضرّة راجحة .قال الشّاطبي رحمه الله " إنّ القاعدة المقرّرة أنّ الشّرائع إنّما جيء بها لمصالح العباد فالأمر والنّهي والتّخيير جميعا راجعة إلى حظّ المكلّف ومصالحه (لأنّ الله غنيّ عن الحظوظ منزّه عن الأغراض )[3] ،غير أنّ الحظّ على ضربين :
أحدهما : حظّ داخل تحت الطّلب فللعبد أخذه من جهة الطّلب ، فلا يكون ساعيا في حظّه ومع ذلك لا يفوته.........
والثاني : غير داخل تحت الطّلب ، فلا يكون آخذا له إلاّ من جهة إرادته واختياره .[4]
قال ابن القيّم رحمه اله تعالى " ومن فهم هذا انفتح له باب عظيم من أبواب العلم و الإيمان ،بل باب من أبواب الجنّة العاجلة ،يرقص القلب فيه طربا ، ويتمنّى أنّ له الدنيا وما فيها ،وعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده ،فيساعد على تعليق كتاب يتضمّن ذكر بعض محاسن الشّريعة ،وما فيها من الحكم البالغة والأسرار الباهرة ،التي هي من أكبر الشّواهد على علم الرّب تعالى ورحمته وبرّه بعباده ،ولطفه بهم ، وما اشتملت عليه من مصالح الدّارين والإرشاد إليها ، وبيان مفاسد الدّارين والنّهي عنها ،وأنّه سبحانه لم يرحمهم في الدّنيا برحمة ولم يحسن إليهم إحسانا أعظم من إحسانه إليهم بهذا الدّين القيّم ، وهذه الشّريعة الكاملة "[5]
وليس من شرط كون الشرع في مصلحة العبد ، أن يكون العبد مطّلعا على هذه المصلحة عارفا بها ، فضلا عن أن يكون مريدا لها ساعيا في تحقيقها ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه اله تعالى " جميع ما شرعه الله عزّ وجلّ على لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم نافع لكن منه ما يظهر نفعه ويأتي بيّنا لكلّ أحد ، ومنه ما لا يظهر نفعه للخلق إلاّ بعد حين ، لكن في النّهاية يظهر أنّه نافع "[6]
وممّا أجمع عليه المسلمون من القواعد الشّرعية أنّ " المشقّة تجلب التيسير " ،و " الضرورات تبيح المحظورات " .و" لا ضرر ولا ضرار " .
والآيات القرآنية والأحاديث النبوية في هذا الباب كثيرة، كقول الله تعالى : " وما جعل عليكم في الدّين من حرج " (الحج78) .وقوله عزّ وجلّ: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " ( البقرة 185)
وفي الصحيحين عن أنس ابن مالك رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " يسّروا ولا تعسّروا وسكّنوا ولا تنفّروا " . وفيهما أيضا أنّه قال لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما إلى اليمن :" بشّرا ولا تنفّرا ويسّرا ولا تعسّرا وتطاوعا ولا تختلفا " وفي السنن عنه أنه قال :" بعثت بالحنيفية السمحة "[7] وفي مسند الإمام أحمد عن أبي عروة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال :" إنّ الله رضي لهذه الأمّة اليسر، وكره لهم العسر " كرّرها ثلاثا[8]. وفيه أيضا عن أبي قتادة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال :" إنّ خير دينكم أيسره ، إنّ خير دينكم أيسره " [9]. وفيه أيضا :" أحبّ الدين إلى الله الحنيفية السمحة "[10] . وقال أيضا :" إنّ هذا الدين يسر "[11]. وعن عائشة رضي الله عنها قالت :" ما خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلّم في أمرين إلاّ اختار أيسرهما ما لم يكن إثما"[12]
فإذا علم المسلم هذا المقصد في التشريع لم يكن له بحال أن يصف الشريعة بالتّكليف الّذي لا يخرج في معناه عن المشقّة والحرج والعسر.
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " لم يجئ في الكتاب والسنّة وكلام السّلف إطلاق القول على الإيمان والعمل الصّالح أنّه تكليف ، كما يطلق ذلك كثير من المتكلمة والمتفقهة ، وإنّما جاء ذكر التّكليف في موضع النّفي كقوله تعالى " لا يكلّف الله نفسا إلاّ وسعها " وقوله " ولا تكلّف إلاّ نفسك " و" لا يكلّف اله نفسا إلاّ ما آتاها " أي : وإن وقع في الأمر تكليف فلا يكلّف إلاّ قدر الوسع ، لا أنّه يسمّي جميع الشّريعة تكليفا ، مع أنّ غالبها قرّة العيون ،وسرور القلوب ،ولذّات الأرواح ،وكمال لنّعيم "[13]
هذا وقد يقع فيما أمر الله به من الشّرائع بعض المشقّة و النّصب وذلك ممّا وردت به النّصوص الشّرعية كما قال تعالى " ذلك بأنّه لا يصيبهم ظمأ ولا نصب " ( التوبة 12)، وقوله صلى الله عليه وسلّم لعائشة :" أجرك على قدر نصبك " ، فليس ذلك هو المقصود الأوّل بالأمر الشّرعي ، وإنّما وقع ضمنا وتبعا لأسباب ليس هذا موضعها ، وكذلك فإنّ هذه المشقّة ليست غالبة على الأحكام ولا على الأعيان ، بل إنّها لا تكاد تعدّ بموازاة ما يجده العامل من اللّذة والسرور والفرح بالطاعة والأنس بالله وانشراح الصّدر وراحة الخاطر.
ومن أعجب ما في هذا الباب جعل المباح من أقسام التّكليف، وأعجب منه تكلّف الحجج التي تسوّغ مثل هذا الاصطلاح .
قال الشوكاني رحمه الله تعالى " وتسمية الخمسة تكليفية تغليب، إذ لا تكليف في الإباحة بل ولا في النّدب والكراهة التّنزيهية عند الجمهور"[14] .وقال الشّيخ محمّد الأمين الشّنقيطي رحمه الله "فالجائز لا يدخل في تعريف من تعاريف التّكليف إذ لا طلب فيه أصلا ، و إنّما أدخلوه في أقسامه مسامحة وتكميلا للقسمة"[15] ،( يعني القسمة العقلية التي ألّف على منوالها العديد من الكتب الشرعية ، وقد ذمّها غير واحد )[16]. وقال الزحيلي:" إدخال المباح في الحكم التكليفي هو من باب التّغليب ، لأنه لا تكليف بالمباح حتى يدخل في التّكليف على وجه الحقيقة ،إذ التّكليف طلب ما فيه تعب ومشقة ، ولا شيء من ذلك في المباح . وفد يكون سبب هذ التّغليب هو أنّ كثيرا من الأفعال المباحة جاءت عن طريق الطّلب ، أو بالنّظر إلى وجوب اعتقاد كونه مباحا ."[17]
إشكال وجوابه :
قد يقول قائل إنّما هذا اصطلاح لم يرد به المعنى اللّغوي أصلا ، ولا مشاحة في الاصطلاح .والجواب عن هذا الاعتراض قد جاء عن أهل العلم من عدّة أوجه :
الوجه الأوّل : أنّه لابدّ من علاقة بين المعنى اللّغوي والاصطلاحي ، فلا يصحّ اصطلاح الألفاظ لأي معنى دون رابط
الوجه الثاني : أنّ أهل اللّغة اتّفقوا على عدم جواز استعمال لفظ عربي أصيل في معنى لم يسق استعماله فيه ، وإلاّ لضاعت المعاني اللّغوية وآلت جميع الألفاظ للرّمزية[18]
الوجه الثالث : أنّ كتب الأصول التي حوت هذا المصطلح ، جعلت له تعريفا قريبا من معناه اللّغوي، قال في المذكرة : " وحدّه في الاصطلاح : إلزام فيه مشقّة ، أو طلب ما فيه مشقّة "[19]
الوجه الرّابع : أنّ لهذه التسمية أصل عقدي راجع إلى كون أكثر من كتب في أصول الفقه من المخالفين لأهل السّنة في مسألة "الحكمة والتّعليل" ، كالجهمية والمعتزلة والأشاعرة والظّاهرية[20] ، ممّن ينفون علل الأحكام ويجعلونها لمجرّد الاختبار .فلا يجوز متابعة مثل هؤلاء على مصطلحاتهم التي اصطلحوها ولا على بدعهم التي ابتدعوها .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، وصلى الله على نبيّنا محمّد ،وعلى آله وصحبه وسلّم .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- لسان العرب ( 367/9 )
[2]- تيسير الكريم الرّحمان للسّعدي رحمه الله (ص 71)
[3]- هذا الكلام بين قوسين مبنيّ على أصل من أصول المعتزلة الفاسدة ،والمتمثّل في أنّ الحكمة من التّشريع تعود على العبد فقط ، دون الله عزّ وجلّ ، بينما يقرّ أهل السنّة لله عزّ وجلّ بحكمة ذاتية تتمثّل في حبّه للفعل ورضاه عنه سبحانه . ( أنظر شفاء العليل ص 261)
[4]- الموافقات للشّاطبي رحمه الله (ص 144/1)
[5]- الفوائد (ص179)
[6]- شرح منظومة أصول الفقه وقواعده (ص 39)
[7]- سلسلة الأحاديث الصحيحة (رقم2924)
[8]- سلسلة الأحاديث الصحيحة (رقم1635)
[9]- صحيح الأدب المفرد (341/260)
[10]- سلسلة الأحاديث الصحيحة ( رقم881)
[11]- سلسلة الأحاديث الصحيحة ( رقم1161)
[12]- صحيح سنن أبي داود (رقم4785)
[13]- مجموع الفتاوى (24/1)
[14]- إرشاد الفحول (ص 65/1)
[15]- مذكّرة أصول الفقه للشّنقيطي رحمه الله (ص 08)
[16]- أنظر على سبيل المثال مقدمة " شرح النّخبة" للشّيخ الخضير حفظه الله .
[17]- وهبة الزّحيلي " أصول الفقه الإسلامي " (ص41)
[18]- تفصيل هذين الوجهين عند شيخ الإسلام في كتاب (مجموع الفتاوى 60-80 م 7)
[19]- مذكّرة أصول الفقه للشّنقيطي رحمه الله (ص 08)
[20]- أنظر لزاما الخلاف في مسألة الحكمة في "شفاء العليل" لابن القيّم (ص 268)، ومجموع الفتاوى (ص24/1)
رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
مميز, أصول, تكليف, فقه

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013