منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 12 Jan 2015, 12:58 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي تفنيد بعض شبهات الرافضة في فترة خلافة الصديق رضي الله عنه للحافظ ابن كثير رحمه الله

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله، وصحبه.
أمَّا بعد:
فهذه مواضع متفرِّقة من كلام الإمام الحافظ أبي الفداء ابن كثير –رحمه الله- ضمَّنها كتابه العظيم «البداية والنِّهاية» الجامع بينَها أنها تردُّ على فرقة مخذولَةٍ وطائفة مرذولةٍ -في شبهات افترتها على الصديق أبي بكر رضي الله عنه- كتب الله عليها الذِّلة والهوان، بجرأتها على الدين وإرادة هدم شعائره، وطمس معالمه، فيسَّر الله لها جنود الإسلام، فبيَّنوا خطرهم على الإسلام والمسلمين، وفندوا شبهاتهم بما لا مزيد عليه، ومن أعظم من قيضه الله تعالى فأقض مضاجعهم شيخ الحافظ ابن كثير –رحمه الله- علم الأعلام ابن تيمية الإمام –رحمه الله- فصنف كتابه النَّفيس «منهاج السنة النَّبوية» في الرَّد على ورقات كتبها أحد أولئك المخذولين.
ولما كان التشيُّع والرَّفض قد وجد له في بلادنا –حرسها الله- من يروِّج له، ويلمِّع صورَته ممَّن طمس الله تعالى بصيرته فانقلبت عليه الحقائق، فرأى الحقَّ باطلا، والباطل حقا، بل صار يعادي أهل الحقِّ، وينصر أهل الباطل بما أوتيه –سلمنا الله- كان من المناسب إخراج هذه المواضع وصفها في مقال واحد، ليتعرَّف المسلمون على غيرة علماءهم على دينهم، وكيفية تعاملهم مع نصوص الشَّريعة، ودحض شبه المفترين، وكذلك غيرتهم على دين رب العالمين، ونعت الرَّافضة بما هم له أهل.
ومن أولئك الحافظ ابن كثير رحمه الله، وسأذكر شبهة الرَّافضة حول الصديق رضي الله عنه واتبعها بجواب ابن كثير رحمه الله.
ولكم وددت أن أجد كلامه –رحمه الله- مجموعا مرتَّبا فأخرجه من غير التمهيد له ولا التقدُّم بين يديه –رحمه الله-، ولكن لا محيص من هذا والله المستعان.

الشُّبهة الأولى:
(زعمهم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى لعليٍّ رضي الله عنه بالخلافة وأن أبا بكر رضي الله عنه غصبها منه)

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله (8/94) في الجواب عن هذه الشبهة:
«من تأمَّل ما ذكرناه ظهر له إجماع الصحابة –المهاجرين منهم والأنصار- على تقديم أبي بكر، وظهر برهان قوله، عليه الصلاة والسلام: «يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر». وظهر له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينص على الخلافة عينا لأحد من الناس، لا لأبي بكر كما قد زعمه طائفة من أهل السنة، ولا لعلي كما يقوله طائفة الرافضة، ولكن أشار إشارة قوية يفهمها كل ذي لب وعقل إلى الصديق، كما قدمنا وكما سنذكره. ولله الحمد».
وقال أيضا (8/ 98-99):
«وفي «الصحيحين» أيضا من حديث الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: خطبنا علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فقال: من زعم أن عندنا شيئا نقرأه ليس كتاب الله وهذه الصحيفة –لصحيفة معلقة في سيفه فيها أسنان الإبل وأشياء من الجراحات- فقد كذب. وفيها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا، ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا، وذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا».
وهذا الحديث الثابت في «الصحيحين» وغيرهما، عن علي، رضي الله عنه، يرد على فرقة الرافضة في زعمهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى إليه بالخلافة، ولو كان الأمر كما زعموا لما رد ذلك أحد من الصحابة، فإنهم كانوا أطوع لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته من أن يفتاتوا عليه، فيقدموا غير من قدمه، ويؤخروا من قدمه بنصه، حاشا وكلا ولما، ومن ظن بالصحابة رضوان الله عليهم، ذلك فقد نسبهم بأجمعهم إلى الفجور والتواطئ على معاندة الرسول صلى الله عليه وسلم ومضادتهم في حكمه ونصه، ومن وصل من الناس إلى هذا المقام فقد خلع ربقة الإسلام، وكفر بإجماع الأئمة الأعلام، وكان إراقة دمه أحل من إراقة المدام. ثم لو كان مع علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، نص فلم لا كان يحتج به على الصحابة على إثبات إمارته عليهم وإمامته لهم؟ فإن لم يقدر على تنفيذ ما معه من النص فهو عاجز، والعاجز لا يصلح للإمارة، وإن كان يقدر ولم يفعله فهو خائن، والخائن الفاسق مسلوب معزول عن الإمارة، وإن لم يعلم بوجود النص فهو جاهل، ثم وقد عرفه وعلمه من بعده فهذا محال وافتراء وجهل وضلال، وإنما يحسن هذا في أذهان الجهلة الطغام والمغترين من الأنام، يزينه لهم الشيطان بلا دليل ولا برهان، بل بمجرد التحكم والهذيان والإفك والبهتان، عياذا بالله مما هم فيه من التخليط والخذلان والتخبيط والكفران، وملاذا بالله بالتمسك بالسنة والقرآن، والوفاة على الإسلام والإيمان، والموافاة على الثبات والإيقان وتثقيل الميزان، والنحاة من النيران والفوز بالجنان، إنه كريم منان رحيم رحمان».

الشُّبهة الثانية:
(زعمهم: أنَّ عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه لم يبايع أبا بكر الصَّديق رضي الله عنه)

قال -رحمه الله- جوابًا عنها (8/90-93):
«قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي الإسفراييني، حدثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ، حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة وإبراهيم بن أبي طالب، قالا: حدثنا بندار ابن بشار، حدثنا أبو هشام المخزومي، حدثنا وهيب، حدثنا داود بن أبي هند، حدثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة وفيهم أبو بكر وعمر. قال: فقام خطيب الأنصار فقال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين، وخليفته من المهاجرين، ونحن كنا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن أنصار خليفته كما كنا أنصاره. قال: فقام عمر بن الخطاب فقال: صدق قائلكم. أما لو قلتم غير هذا لم نتابعكم. وأخذ بيد أبي بكر وقال: هذا صاحبكم فبايعوه. فبايعه عمر، وبايعه المهاجرون والأنصار. قال: فصعد أبو بكر المنبر، فنظر في وجوع القوم فلم ير الزبير. قال: فدعا بالزبير فجاء، فقال: قلت: ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه، أردت أن تشق عصا المسلمين؟! فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله. فقام فبايعه. ثم نظر في وجوه القوم فلم ير عليا، فدعا بعلي بن أبي طالب فجاء، فقال: قلت: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه على ابنته، أردت أن تشق عصا المسلمين؟! قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله. فبايعه. هذا أو معناه. قال أبو علي الحافظ: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: جاءني مسلم بن الحجاج، فسألني عن هذا الحديث فكتبته له في رقعة، وقرأته عليه وقال: هذا حديث يسوى بدنة، فقلت: يسوى بدنة؟! بل يسوى بدرة.
وقد رواه البيهقي، عن الحاكم وأبي محمد بن أبي حامد المقرئ، كلاهما عن أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم، عن جعفر بن محمد بن شاكر، عن عفان بن مسلم، عن وهيب به. ولكن ذكر أن الصديق هو القائل لخطيب الأنصار بدل عمر. وفيه: أن زيد بن ثابت أخذ بيد أبي بكر فقال: هذا صاحبكم فبايعوه، ثم انطلقوا. فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليا، فسأل عنه، فقام ناس من الأنصار فأتوا به. فذكر نحو ما تقدم، ثم ذكر قصة الزبير بعد علي. فالله أعلم.
وقد رواه الإمام أحمد، عن الثقة، عن وهيب، مختصرا. وقد رواه علي بن عاصم، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، فذكر نحو ما تقدم، وهذا إسناد صحيح محفوظ من حديث أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة، عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري.
وفيه فائدة جليلة، وهي مبايعة علي بن أبي طالب؛ إما في أول يوم، أو في اليوم الثاني من الوفاة. وهذا حق؛ فإن علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات، ولم ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه، كما سنذكره، وخرج معه إلى ذي القصة، لما خرج الصديق شاهرا سيفه يريد قتال أهل الردة، كما سنبينه قريبا، ولكن لما حصل من فاطمة، رضي الله عتها، عتب على الصديق بسبب ما كانت متوهمة من أنها تستحق ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تعلم بما أخبرها به الصديق، رضي الله عنه، أنه قال: «لا نورث، ما تركنا فهو صدقة». فحجبها وغيرها من أزواجه وعمه عن الميراث بهذا النص الصريح، كما سنبين ذلك في موضعه، فسألته أن ينظر علي زوجها في صدقة الأرض التي بخيبر وفدك، فلم يجبها إلى ذلك؛ لأنه رأى أن حقا عليه أن يقوم في جميع ما كان يتولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق البار الراشد التابع للحق، رضي الله عنه، فحصل لها –وهي امرأة من البشر ليست بواجبة العصمة- عتب وتغضب، ولم تكلم الصديق حتى ماتت، رضي الله عنها، واحتاج علي أن يراعي خاطرها بعض الشيء، فلما ماتت بعد ستة أشهر من وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم رأى علي أن يجدد البيعة مع أبي بكر، رضي الله عنه، كما سنذكره من «الصحيحين» وغيرهما فيما بعد إن شاء الله تعالى، مع ما تقدم له من البيعة قبل دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزيد ذلك صحة قول موسى بن عقبة في «مغازيه»، عن سعد بن إبراهيم، حدثني أبي أن أباه عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر، وأن محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير، ثم خطب أبو بكر، واعتذر إلى الناس، وقال: والله ما كنت حريصا على الإمارة يوما ولا ليلة، ولا سألتها الله في سر ولا علانية. فقبل المهاجرون مقالته، وقال علي والزبير: ما غضبنا إلا لأن أخرنا عن المشورة، وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار، وإنا لنعرف شرفه وخيره، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حي. إنساد جيد، ولله الحمد».

الشُّبهة الثَّالثة:
(خوضهم في تغضُّب فاطمة رضي الله عنها وهجرها لأبي بكر الصديق رضي الله عنه)

قال ابن كثير رحمه الله-(8/ 189-190):
«وفي «صحيح البخاري» أن أبا بكر، رضي الله عنه، صلى العصر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بليال، ثم خرج من المسجد فوجد الحسن بن علي يلعب مع الغلمان، فاحتمله على كاهله، وجعل يقول: بأبي شبيه النبي، ليس شبيها بعلي. وعلي يضحك. ولكن لما وقعت هذه البيعة الثانية اعتقد بعض الرواة أن عليا لم يبايع قبلها، فنفى ذلك، والمثبت مقدم على النافي، كما تقدم وكما تقرر. والله أعلم. وأما تغضب فاطمة، رضي الله عنها وأرضاها، على ابي بكر، رضي الله عنه وأرضاه، فما أدري ما وجهه، فإن كان لمنعه إياها ما سألته من الميراث، فقد اعتذر إليها بعذر يجب قبوله، وهو ما رواه عن أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا نورث، ما تركنا صدقة». وهي ممن تنقاد لنص الشارع الذي خفي عليها قبل سؤالها الميراث، كما خفي على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخبرتهن عائشة بذلك، ووافقنها عليه، وليس يظن بفاطمة، رضي الله عنها، أنها اتهمت الصديق، رضي الله عنه، فيما أخبرها به، حاشاه وحاشاه من ذلك، كيف وقد وافقه على رواية هذا الحديث عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وعائشة؟! رضي الله عنهم أجمعين، كما سنبينه قريبا، ولو تفرد بروايته الصديق، رضي الله عنه، لوجب على جميع أهل الأرض قبول روايته، والانقياد له في ذلك، وإن كان غضبها لأجل ما سألت الصديق –إذ كانت هذه الأراضي صدقة لا ميراثا- أن يكون زوجها ينظر فيها، فقد اعتذر بما حاصله أنه لما كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو يرى أن فرضا عليه أن يعمل بما كان يعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويلي ما كان يليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال: وإني والله لا أدع أمرا كان يصنعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صنعته. قال: فهجرته فاطمة، فلم تكلمه حتى ماتت. وهذا الهجران والحالة هذه فتح على فرقة الرافضة شرا عريضا، وجهلا طويلا، وأدخلوا أنفسهم بسببه فيما لا يعنيهم، ولو تفهموا الأمور على ما هي عليه لعرفوا للصديق فضله، وقبلوا منه عذره الذي يجب على كل أحد قبوله، ولكنهم طائفة مخذولة، وفرقة مرذولة، يتمسكون بالمتشابه، ويتركون الأمور المحكمة المقررة عند أئمة الإسلام، من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم من العلماء المعتبرين في سائر الأعصار والأمصار، رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين».
وقال أيضا (8/195-196):
«وقد روينا عن أبي بكر، رضي الله عنه، أنه ترضى فاطمة وتلاينها قبل موتها فرضيت، رضي الله عنها.
قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن عبد الوهاب، ثنا عبدان بن عثمان العتكي بنيسابور، أنبأنا أبو حمزة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي قال: لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر الصديق فاستأذن عليها، فقال علي: يا فاطمة، هذا أبو بكر يستأذن عليك. فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم. فأذنت له، فدخل عليها يترضاها فقال: والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله، ومرضاة رسوله، ومرضاتكم أهل البيت. ثم ترضاها حتى رضيت. وهذا إسناد جيد قوي. والظاهر أن عامرا الشعبي سمعه من علي، أو ممن سمعه من علي».

الشُّبهة الرَّابعة:
(معارضتهم لحديث: «لا نورث، ما تركنا صدقة» بالآيات العامَّة وتحريف بعض جهَّالهم للفظ الحديث)

قال –رحمه الله- (8/ 197-200):
«وقد تكلمت الرَّافضة في هذا المقام-أي: أنه صلى الله عليه وسلم لا يورث- بجهل، وتكلفوا ما لا علم لهم به، وكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله، وأدخلوا أنفسهم فيما لا يعنيهم، وحاول بعضهم أن يرد خبر أبي بكر، رضي الله عنه، فيما ذكرناه بأنه مخالف للقرآن حيث يقول الله تعالى: ï´؟وورث سليمان داودï´¾ الآية. وحيث قال تعالى إخبارا عن زكريا أنه قال: ï´؟فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من ءال يعقوب واجعله رب رضياï´¾. واستدلالهم هذا باطل من وجوه:
أحدها: أن قوله: ï´؟وورث سليمان داودï´¾. إنما يعني بذلك في الملك والنبوة؛ أي جعلناه قائما بعده فيما كان يليه من الملك وتدبير الرعايا، والحكم بين بني إسرائيل، وجعلناه نبيا كريما كأبيه، فكما جمع لأبيه الملك والنبوة، كذلك جعل ولده بعده، وليس المراد بهذا وراثة المال؛ لأن داود كما ذكره كثير من المفسرين كان له أولاد كثيرون يقال: مائة ولد. فلم اقتصر على ذكر سليمان من بينهم لو كان المراد وراثة المال؟ إنما المراد وراثة القيام بعده في النبوة والملك، ولهذا قال: ï´؟وورث سليمان داود وقال يأيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبينï´¾. وما بعدها من الآيات. وقد أشبعنا الكلام على هذا في كتابنا «التفسير» بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة كثيرا.
وأما قصة زكريا فإنه، عليه السلام، من الأنبياء الكرام، والدنيا كانت عنده أحقر من أن يسأل الله ولدا ليرثه في ماله، كيف وإنما كان نجارا يأكل من كسب يده؟! كما رواه البخاري، ولم يكن ليدخر منها فوق قوته حتى يسأل ولدا يرث عنه ماله –إن لو كان له مال- وإنما سأل ولدا صالحا يرثه في النبوة والقيام بمصالح بني إسرائيل، وحملهم على السداد، ولهذا قال تعالى: ï´؟كهيعص ذكر رحمت ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا وإني خفت الموالي من وراءي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من ءال يعقوب واجعله رب رضياï´¾ القصة بتمامها. فقال: ï´؟وليا يرثني ويرث من ءال يعقوبï´¾. يعني النبوة، كما قررنا ذلك في «التفسير» ولله الحمد والمنة. وقد تقدم في رواية أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن أبي بكر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «النبي لا يورث». وهذا اسم جنس يعم كل الأنبياء. وقد حسنه الترمذي. وفي الحديث الآخر: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث».
الوجه الثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد خص من بين الأنبياء بأحكام لا يشاركونه فيها، كما سنعقد له بابا مفردا في آخر السيرة، إن شاء الله، فلو قدر أن غيره من الأنبياء يورثون –وليس الأمر كذلك- لكان ما رواه من ذكرناه من الصحابة الذين منهم الأئمة الأربعة؛ أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، مبينا لتخصيصه بهذا الحكم دون سواه.
الوجه الثالث: أنه يجب العمل بهذا الحديث والحكم بمقتضاه، كما حكم به الخلفاء، واعترف بصحته العلماء، سواء كان من خصائصه أم لا، فإنه قال: «لا نورث، ما تركنا صدقة». إذ يحتمل من حيث اللفظ أن يكون قوله، عليه الصلاة والسلام: «ما تركنا صدقة». أن يكون خبرا عن حكمه أو حكم سائر الأنبياء معه، على ما تقدم، وهو الظاهر، ويحتمل أن يكون إنشاء وصية، كأنه يقول: لا نورث؛ لأن جميع ما تركناه جعلناه صدقة. ويكون تخصيصه من حيث جواز جعله ماله كله صدقة، والاحتمال الأول أظهر، وهو الذي سلكه الجمهور. وقد يقوى المعنى الثاني بما تقدم من حديث مالك وغيره، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقتسم ورثتي دينارا، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة». وهذا اللفظ مخرج في «الصحيحين»، وهو يرد تحريف من قال من الجهلة من طائفة الشيعة في رواية هذا الحديث: ما تركنا صدقةً. بالنصب؛ جعل «ما» نافية، فكيف يصنع بأول الحديث وهو قوله: «لا نورث»؟! وبهذه الرواية: «ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة»؟! وما شأن هذا إلا كما حكي عن بعض المعتزلة أنه قرأ على شيخ من أهل السنة: ï´؟وكلم الله موسى تكليماï´¾ بنصب الجلالة، فقال له الشيخ: ويحك! كيف تصنع بقوله تعالى: ï´؟ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربهï´¾؟!
والمقصود أنه يجب العمل بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا نورث، ما تركنا صدقة». على كل تقدير احتمله اللفظ والمعنى، فإنه مخصص لعموم آية الميراث، ومخرج له، عليه الصلاة والسلام، منها، إما وحده أو مع غيره من إخوانه الأنبياء، عليه وعليهم الصلاة والسلام».
وأملي في إخواني أن من رأى تقصيرا في العرض، أو موضعا يحتاج إلى زيادة بيان أن يتحفنا بما فتح الله عليه ويسَّر، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

جمع وترتيب
فتحي إدريس
21/ربيع الأول/1436

التعديل الأخير تم بواسطة فتحي إدريس ; 12 Jan 2015 الساعة 01:03 PM
رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, ردود, روافض

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013