لعل الأخ القارئ الكريم يتسائل عن ماهية هذه "
الثقافة العالمية" التي يُراد بالبشرية جمعاء أن تتبناها وتخضع لمبادئها... فإليك أخي تفصيل هذا
الاستعمار الجديد (حقيقته، أهدافه، آثاره على العقيدة والثقافة الإسلامية) من فيي الشيخ محمد سعيد رسلان، من خطبته "
العولمة والمصالح الأمريكية"...
– ما هي "العَوْلَمَة"؟
«"العَوْلَمَةُ" (
Mondialisme) مذهب فكري يهدف إلى جعل العالم عالما واحدا مُوَجَّهًا توجيها واحدا في إطار حضارة واحدة ومَدَنِيَّة واحدة و"
ثقافة عالمية"
تُسْلَبُ فيها العقيدة، ويُدَنَّسُ العِرْضُ، ويُزَيَّفُ التاريخ، وتُطْمَسُ الهُوِيَّة، وتُنْهَبُ الثروات، ويهْلَكُ فيها البلاد والعباد...
»
«إن "
العولمة" التي أصابكم رشاشها وأُصِبْتُم ببعض رذاذها من حيث تعلمون ومن حيث لا تعلمون، إنما يُرَاد بها:
تفريغكم من دينكم واستلاب هويتكم لكي تكونوا شخوصا ماثلة من غير حقائق قائمة، لكي تُوَجَّهُوا حيث أراد أعداؤكم...
»
– أهداف العولمة الثقافية...
«إن من أهدافها وآثارها الثقافية:
– يريدون إيجاد "ثقافة عالمية"، يريدون عولمة الاتصالات بالبث التلفزيوني... وبصورة أعمق، خلال شبكة المعلومات...
– يهدفون إلى تَسَيُّدِ ا
لثقافة الرأسمالية لتصبح الثقافة العليا.
– يريدون تجاوز الحدود التي أقامتها الشعوب لتحمي كيان وجودها وما له من خصائص تاريخية وسياسية ودينية.
وتذكرون أنه لما وقع الغزو الكافر على العراق، وقع الاعتداء على دور كتبها العامة لإتلاف المخطوطات وتدمير الكنوز والنفائس فيها لمحو هوية الأمة، لتعود أمة همجية...
– يريدون وأد النهضة الإسلامية كلما اشرأبت بعنقها في ديار الإسلام بين أهله... كلما نبتت نبتتها صَوَّحَتْ بها رياح الفسوق تحيط بها أعاصير
الإلحاد و
الكفر على أشكال متنوعة، ومنها "
العولمة" يا قوم!
– يضمنون لأنفسهم البقاء باستمرار والقدرة على التنمية ب
محو الهوية وبإزالة معالم الحدود الثقافية والعقدية والوطنية والقومية... يروِّجون لفلسفة النظام الغربي الرأسمالي النفعي البراكماتي... يفرضون الثقافة الغربية الوافدة ويجعلونها في محل الصدارة والهيمنة...»
– آثار العولمة في الثقافة...
– إشاعة
الثقافة الاستهلاكية واستخدامها أداة قوية
لإطلاق شهوات الاستهلاك إلى أقصى عنان. ومن ثم شُوِّهَت التقاليد والأعراف السائدة في العالم الإسلامي.
– تغريب الإنسان المسلم وعزله عن قضاياه وهمومه الإسلامية، وإدخال الضعف عليه، والتشكيك في جميع قناعاته الدينية وهويته الثقافية.
– إشاعة ما يسمى بـ "
أدب الجنس"، و
ثقافة العنف التي من شأنها تنشئة أجيال كاملة تؤمن بالعنف أسلوبا للحياة وظاهرة طبعيَّة.
– انتشار نوعية مميزة من الثقافة المادية، فسيطرت الثقافة الأمريكية الشعبية على أذواق البشر... فأصبحت موسيقى وغناء "
مايكل جاكسون" ، وسينما "
رامبو" ، وتلفزيون "
دالاس" هي الآليات والنماذج السائدة في مختلف أنحاء العالم، وأصبحت اللغة الإنكليزية ذات اللكنة الأمريكية هي اللغة السائدة.
– انتشار الأزياء والمنتجات الأمريكية في كثير من الدول الإسلامية، و
هذه السلع تحمل في طياتها ثقافة مغايرة تسحق ثقافات الأمم المستورِدة لها.
– ظهور اللغة الأجنبية على واجهات المحلات والشركات وعلى اللعب والهدايا وعلى ملابس الأطفال والشباب، بل إطلاقها على كثير من الأبناء المُوَلَّدِين لآباء وأمهات مسلمين إلى أجداد وأعراف.
– ومن آثار العولمة على عقيدة المسلمين ونفوسهم...
– التشكيك في المعتقدات الدينية وطمس المقدسات لدى الشعوب المسلمة لصالح الفكر المادي اللاديني الغربي، وإحلال الفلسفة المادية الغربية محل العقيدة الإسلامية.
– استبعاد الإسلام وإقصاؤه عن الحكم وإقصاؤه عن التشريع وعن التربية والأخلاق، وإفساح المجال للنظم والقوانين الغربية المستمدة من الفلسفة المادية والعلمانية والبراكماتية.
– تحويل المناسبات الدينية إلى مناسبات استهلاكية وذلك بتفريغها من الأخلاق والغايات الإيمانية إلى أخلاق السوق الاستهلاكية... ف
استطاع التقدم العلمي التقني الحديث أن يحوِّل شهر رمضان وعيد الفطر من مناسبات دينية إلى مناسبات استهلاكية فسقية شهوانية بالتطلع إلى الأجساد العارية ليلا ونهارا، وبالإقبال على المسابقات التافهة، مع ترويج السلع الهابطة.
– الحماية الدولية المعنوية والمادية باسم "
الحرية" و"
الدمقراطية" و"
حقوق الإنسان" (droits de l’homme) وباسم "
حرية الرأي (liberté d’expression) و
المعتقد (liberté de culte et de conscience)" للقوى العلمانية الفاجرة في ربوع المسلمين وأرضهم... وهذه التجمعات تقوم بمهاجمة الهوية الثقافية الإسلامية وإثارة الشبه والشكوك حول النظم والتشريعات الإسلامية،
خاصة فيما يتعلق بما بين الرجل والمرأة...
–
وأخطر ما في العولمة: "نسبية الحقيقة" التي تقوم عليها، وهي تصادم مصادمة مباشرة ثوابت الدين الإسلامي، لأن الحقيقة في الإسلام مُسْتَمَّدَةٌ من النص القطعي الثبوت، القطعي الدلالة... يهزون الثوابت، يقولون: الحقيقة نسبية، ألا يجوز أن تكون مخطئا؟... هل الشرف نسبي أو لا؟... هل يمكن أن تأخذ بهذا المرأة المسلمة؟...
– إنهم يركزون على
حرية الإنسان الفردية (les libertés individuelles) التي تصل للمدى الذي يتحرر فيه من كل قيود الأخلاق والدين والأعراف المرعية...
– تكريس
النزعة الاستئثارية (l’individualisme) وتعميق مفهوم "
الحرية الشخصية" في العلاقة الاجتماعية وفي علاقة الرجل بالمرأة.
»
— الشيخ
محمد سعيد رسلان، "العولمة والمصالح الأمريكية"
خاتمة...
–
العلامة محب الدين الخطيب
«رسالة المسلم الممتاز هي معيار قيمته في حياته وبعد موته، فكلما كانت هذه الرسالة أسمى وأنفع كان هو أعلى مكانة وأعظم قدرا.
والناشئ الذي لا رسالة له في الحياة رجل تافه لا قيمة لحياته ولا أثر له يتركه من بعده.
وأول ما يحتاج إليه في تكوين رسالته: أن يعرف معدن قوميته، وسنن ملته، وما تحتاج إليه أمته من خير فيجعل ذلك من عناصر رسالته، وأن يعلم أنها امتداد للرسالة العظمى التي بُعِثَ بها رسول الله، والتي حملها من بعده إلى الإنسانية أصحابه الكَمَلَةُ والتابعون لهم بإحسان، فيدأب على رد القطيع الإسلامي الشارد إلى القافلة التي تمضي بها إلى أدوار التاريخ نحو الهدف، وكلما غفل الغافلون عن الهدف الأول الذي سارت القافلة نحوه من عهد "
العُمَرَيْن" [عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز] جعل من رسالته تنبيه الغافلين لهدفهم الأصيل.
هذه الرسالة هي الإبرة المغناطيسية لكل سفينة إسلامية تجري في بحر الحياة، وهي كوكب الهدى لكل قافلة عربية تسري في ظلمات الفيافي تحت أجنحة الليالي.
وكلما كثر حملة هذه الرسالة المُوَحَّدَةِ كان ذلك ضمانا لأمن الطريق بين أوله في زمن "العٌمَرَيْن" وبين هدفه الأقصى الذي تتم عنده السعادة بمرضاة الله والفلاح الذي يؤذن به المؤذن من كل مسجد للإسلام في بقاع الأرض.
»
–
الشيخ محمد سعيد رسلان
«إنه كان ينبغي على المسلمين أن يكونوا داعين إلى
العولمة الحقة، إلى هداية البشر إلى دين رب البشر، إلى اتباع النبي... إلى
تحرير الإنسان من عبادة الشيطان ومن عبادة الهوى والطواغيت والمال والشهوات إلى عبادة الواحد القهار... إلى تخليص الإنسان من تصوراته الخائبة ونزواته الطائشة ورغباته الماجنة وشهواته الفاجرة... إلى اتباع خير الخلق وأطهرهم وأعفهم وأشرفهم، من جاء بدين العفاف والطهر والشرف والكمال والنزاهة... ولكن فرط قومي وتركوا الحق جانبا، فلم يلتزموا به في أنفسهم، فتمكن منهم أعداؤهم.
و
أنت إذا لم تكن داعية، كنت مَدْعُوًّا، فإن النفس الإنسانية لا تخلو من الحاليْن... فإن لم تكن داعية إلى الحق، إلى الهدى، إلى الرشاد، كنت مَدْعُوَّا إلى ضد ذلك لا محالة.
»
نسأل الله رب العالمين أن يردنا والشاردين أجمعين إلى الحق ردا جميلا، وأن ينجي وطننا وجميع أوطان المسلمين من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.