منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 28 Sep 2016, 11:20 AM
عبد الصمد سليمان عبد الصمد سليمان غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2013
المشاركات: 139
افتراضي سلسلة بلايا ووصايا -الوصية السابعة:فضح الموت الدنيا

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقه ولم يبدل بعده إلى يوم الدين وبعد:


سلسلة بلايا ووصايا
الوصية السابعة:
فضح الموت الدنيا

الدنيا دار غرور، والحريص على متاعها مغرور، فأفضل ما يُكتسب منها الزهد فيما فيها، فأهل الزهد هم أعقل الناس، وأصحاب النباهة وقوة الإحساس؛ فلذلك انتبَهوا لغرورها، وعلموا سرعة زوالها، وعاينوا دون سائر الناس حقيقتها، ولقد فضحها لديهم، وجلى حقائقها لهم؛ جملة أمور جعلها الله سبحانه طريقا لمعرفة ذلك منها، وتحصيل اليقين الذي لا يزول عنهم ما بقوا فيها؛ ومن هذه الأمور:
أخبار الله في القرآن عنها، وذمه لها، وتحذيره من الاغترار بها، ونعيه على أبنائها الذين يُقبلون عليها ويزهدون فيما هو خير منها.
ثم أخبار النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه عنها، والأمثال التي ضربها لها ليبين حقيقتها، وتحذيره منها ببيان خطورتها.
ثم الموت الذي يخترم الناس منها، ويخرجهم عنها، ويقطعهم عن ملذاتها، كما قال الحسن البصري رحمه الله: فضح الموت الدُّنيا، ولم يترك لذي لب فيها فرحاً.
والموت خَلْقٌ من خَلْقِ الله سبحانه، خلقه جل جلاله وله فيه الحكم البالغات، والعلل الساميات، والفوائد العظيمات؛ التي مَنَّ بها سبحانه على كثير من المخلوقات.
والموت يصحب هذه الدنيا وأهلها منذ أن أنزل الله آدم عليه الصلاة والسلام إليها، فالناس يعرفونه ويتيقنون من وقوعه، ولا أحد يشك في أنه سيذوق من كأسه، وسيشرب من شرابه، ومع ذلك يغفل الإنسان عنه، ويتناسى وجوده، وكأنه لا يؤمن به، ولا يصدق بحصوله.
والأمر الذي لا ينتهي منه العجب أن الموت معنا في كل أوقاتنا لا يكاد يفارقنا، وفي كل أماكننا لا يغيب في منزل عنا، ومع هذا كأننا نشك فيه ونرتاب منه، فأين هي عقول العاقلين وألباب الناس أجمعين؟.
لو تصورنا أن الموت أُخبرنا عنه ولم نره؛ بحيث بقي آباؤُنا وأجدادُنا وآباءُ أجدادنا إلى أبينا آدم معنا؛ لأمكن أن يُتصور وجود شاك فيه، ومرتاب في وقوعه، لكن والحال على ما نرى ونعلم، من موت الناس وعدم بقائهم، فما هو المانع من الاتعاظ به، وحسن الإعداد لما بعده؟.
أليس في الموت العبر والعظات، والوصايا البليغات، والتنبيهات القويات؟ فلماذا قَلَّ من يتعظ به، وينتفع بتنبيهاته، ويستفيد من وصاياه؟
والسبب الأعظم في ذلك والله أعلم هو: ضعف البصائر وعمى عيون الضمائر، فعين البصيرة كعين البصر، إذا عميت استحال على صاحبها أن يبصر؛ فلا يرى الأشياء المرئية، ولا يشاهد الأمور الواضحة الجلية، لكن ما الذي أعماها، وأطفأ عينها، وذهب بنورها، وجعل صاحبها لا ينتفع بها؟.
إنها المعاصي والذنوب التي ترين على القلوب، فتذهب بنورها وتقبل بظلمتها؛ حتى يصير العبد أعمى لا يرى ما يراه غيره، ولا يبصر ما يبصره سواه، فإن لم يكن أعمى كان أعشى على حسب كثرة وقلة ذنوبه، وحصول الاستدراك منه وانعدامه.
إن الناس ليحرصون على صحة عيونهم وحدة أبصارهم؛ لأنهم لا يتصورون العيش السعيد بدونها، ويعتقدون ضياع مصالحهم مع انعدامها، ولذلك فعيونهم هي من أنفس ما عندهم، وأجل ما يحافظون عليه ويهتمون به في حياتهم، فلا تجد أحدا يفرط فيها، ويتسبب في ضعفها فضلا عن ذهابها.
ولو سألت الناس جميعهم عن رجل يعمد إلى سفود ويفقأ به عينه، كيف يتصورونه، وبماذا يحكمون عليه، وماذا يقولون فيه؟ لأجمعوا جميعا على ذهاب عقله، ولأغلظوا القول فيه، ولأكثروا من الذم له، والنعي عليه، وكل هذا ولم يقع منه إلا ما يكون سببا في تعطيل مصالحه الدنيوية، وضياع بعض مآربه الشخصية، مع أنه قد يكفيه مؤنتها غيره من أقاربه أو أحبابه أو أصحابه أو خدمه.
وإذا كان الأمر كذلك فما هو قولهم فيمن عمد إلى سفود معاصيه وذنوبه وفقأ به عين بصيرته، حتى صار لا يبصر مصالحه الأخروية، ولا يرى ما يكون سببا في حياته الأبدية، مع العلم أنه إذا عميت بصيرته ضاعت قطعا مصالحه؛ لأنها موقوفة عليه وحده لا يقوم بها أحد غيره؛ ولو كان من أقربهم منه، وأحرصهم عليه؟ فلا شك حينئذ أن النعي على هذا يجب أن يكون أكبر، واللوم له ينبغي أن يكون أكثر، ومع ذلك لا تجد فينا من يلومه إلا أن يكون عالما أو على سبيل النجاة متعلما.
واعلم أن هؤلاء المتعلمين والعلماء يروننا كما نرى نحن أهل الإلحاد فينا، فيرى أحدنا الملحد معتوها لا عقل له، وغبيا لا فهم عنده؛ ونتساءل كيف يعمى الملحد عن هذه الأدلة المتكاثرة، والبراهين الوافرة؛ التي تدل على وجود الله وربوبيته، وكماله وعظيم صفاته، فالكون مليء بالأدلة عليه، والبراهين المعرفة به، أليس الخلق يدل على الخالق والحوادث تدل على المحدث؟ وأليس العلم يدل على العليم والحكمة تدل على الحكيم والخبرة تدل على الخبير والرحمة تدل على الرحيم واللطف يدل على اللطيف والكرم يدل على الكريم؟ وغير ذلك كثير.
فالعالمون بحقيقة الدنيا وأهل البصيرة فيها، والعارفون بجلية أمرها؛ يستغربون منا، ويتعجبون من حالنا، يندهشون لإقبال أحدنا على دنياه، وإدباره عن آخرته، وسعيه في اكتساب العاجل، وقعوده عن تحصيل الآجل، فيحكمون علينا بقلة عقولنا بل بذهاب ألبابنا، فكما نستغرب من حال أهل الإلحاد فينا، يستغرب هؤلاء العلماء من حالنا.
فصد الملحدين كفرُهم عن أن يبصروا حقيقة أمرهم، وصدتنا معاصينا عن أن نبصر حقيقة دنيانا.
فاستوينا وإياهم في جناية الذنوب علينا، وذهابها بنور بصائرنا؛ حتى صرنا لا نبصر ما يبصره غيرنا، فخبطنا خبط عشواء في حياتنا.
إن العلماء بالله وبشرعه ليدُلهم حالنا ونحن نحتفي بدنيانا دون آخرتنا على قلة عقولنا، وضعف بصائرنا، ويبصرون ذلك حقيقة فينا، كمثل استدلالنا بحال الملحدين على ذهاب عقولهم وانعدام بصائرهم.
فكما لا نشك نحن في ذهاب عقول وبصائر الملحدين فلا يشك العلماء ومن كان على دربهم في نقصان عقولنا وضعف بصائرنا ما دمنا في طلب الدنيا مشمرين وعن طلب الآخرة بجد عازفين.
فيا أيها المريد لصالح نفسه، الساعي في تحصيل ما ينفعه؛ عليك بعلاج بصيرتك، فإنها رأس مالك الذي به سعادتك، ولن يتم لك ذلك إلا بقطع مادة مرضها، وإمدادها بما ينعشها ويحييها، ومادة مرضها الذنوب والآثام، ومددها العلم والطاعة والخضوع والاستسلام.
فعرفت ما عليك فعله، فاجتهد قبل أن يفوتك أوانه.
والله أعلم وأحكم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتبه: أبو عبد السلام عبد الصمد سليمان
الأربعاء 26 ذو الحجة 1437 هـ / 28/09/2016 م

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013