[مُتجدد]: (تفريغ إجابات الشيخ محمد بازمول على أسئلة الإخوة في الفيس بوك)
الحمدُ للهِ، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وبعد:
فهذا تفريغٌ لأجوبةٍ أجاب بها فضيلة الشَّيخ الدُّكتور: مُحمَّد بن عُمَر بازمول -حفظه الله- على أسئلة بعض الإخوة في الفيس بوك، أحببتُ أن أستفيد منها، وأن أُفيد إخواني أيضًا، سائلاً المولى عزّ وجلّ أن يتقبَّل منِّي عملي هذا، وأن يجعله خالصًا لوجهِهِ الكريم.
وقد عجبتُ لهِمَّة الشَّيخ -حفظه الله- كما عجب غيري، وحفَّزتني تغريدةٌ للشَّيخ خالد حمّودة -وفّقه الله- قال فيها:
"لمَّا يحمل الرجل همَّ الدعوة إلى الله فإنَّه سيجد الطريق إلى ذلك، ويلهمه الله ما خفي على غيره، هنا نموذج ناجح من ذلك: http://mohammadbazmool.blogspot.ae/2015/01/blog-post_72.html?m=1 …" ووضع رابطَ أجوبة الشَّيخ مُحمَّد، فأحببتُ أن أُشارك في الخير، واللهُ المُستعان.
إجابات أسئلة الإخوة في الفيس بوك
-۱ -
لفضيلة الشَّيخ الدُّكتور:
مُحمَّد بن عُمَر بازمول -حفِظَهُ اللهُ-
الحمد لله نحمده ونستعينُهُ ونستغفرُهُ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يَّهدِهِ اللهُ فلا مُضلَّ له، ومن يُّضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
ألا وإنّ أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هديُ مُحمَّد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل مُحدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أمَّا بعد:
فهذا هو «المجلس الأول في الإجابة عن أسئلة الإخوة عبر صفحتي في الفيس بوك».
وأبدؤه بالسؤال الأول الذي وقفتُ عليهِ في الصَّفحة:
السّؤال الأول:
هذا سائل يقول: إذا دخلتُ لصلاة الجنازة، وفاتتني التَّكبيرة الأولى، هل أدخل في الصلاة وأقضِي التّكبيرة؟ أم لا أدخل في الصَّلاة وتُعتبر سقطت عنِّي؟ جزاكُمُ اللهُ خيرًا.
الجواب:
أقول: الجواب على هذا السّؤال أنّ صلاة الجنازة المسبوق فيها كالمسبوق في الصلاة العادية يدخل مع الإمام ويُكبِّر مع الإمام التكبيرة الأولى بالنسبة له، ويُواصل مع الإمام حتّى يُسلِّم الإمام، وما فاته يُكمِّله، فيجعل أول تكبيرة له أدركها مع الإمام في قراءة الفاتحة، ثُمَّ ثاني تكبيرة في الصَّلاة على النّبيّ –صلى الله عليه وسلم-، ثم ثالثة تكبيرة: في الدعاء للميِّت، ثُمَّ رابع تكبيرة: يستمر في الدعاء ثُمَّ يُسلِّم.
فإذا أدرك الإمام في التَّكبيرة الثَّانية؛ أدرك معه ثلاث تكبيرات؛ فإذا سلّم الإمام استمرّ هو في الدعاء ثم يُسلِّم بعد ذلك، أما قضيَّة أنّه يعتبر أن الصلاة فاتته؛ نقول: لا؛ لا تعتبر الصلاة فاتتك، إذا أردت أن تدخل مع الإمام في الصَّلاة فادخل، وهذا أفضل لإدراك الأجر الوارد في فضل الصلاة على الجنازة، والله أعلم.
السّؤال الثَّاني:
هذا سائل –الأخ محمد الزواوي- يقول: ما هو أفضل شرح لبلوغ المرام للمتوسطين؟
الجواب:
أفضل شرح لكتاب بلوغ المرام من أدلَّة الأحكام هو: (شرح سبل السَّلام للصنعاني)، وأيضًا: (شرح الشَّيخ البسَّام –رحمه الله- على بلوغ المرام) الذي خرج مؤخَّرا؛ فإنَّه سهل العبارة؛ مليء بالفوائد، رحمهم الله جميعا، نعم.
السّؤال الثالث:
هذا سائل يسأل يقول: هل يجوز الاستدلال بالأحاديث الضَّعيفة ضعفًا يسيرًا؟
الجواب:
نقول: لا؛ لا يجوز الاستدلال بالأحاديث الضَّعيفة ضعفًا يسيرًا، لكن يجوز الاستعانة بها في بيان معنى الأحاديث الصَّحيحة، إذا كان المعنى الذي في الحديث مُحتمِل لعدَّة معان ثُمّ جاء هذا الحديث الضعيف ضعفًا يسيرًا يجوز توجيه معنى الحديث الصَّحيح بما جاء في هذه الرِّواية الضَّعيفة إذا كانت غير منكرة ولا مردودة عند أهل العلم ما دام ضعفها ضعفا يسيرا، وقد أفردتُّ هذا الموضوع ببحث ذكرت فيه مجالات العمل بالحديث الضعيف يُمكن للسائل أن يُراجعه، وهو –والحمد لله- مطبوع وموجود صورة منه (بي دي إف) على موقعي، والله المُوفِّق.
السّؤال الرابع:
وهذا سائل يسأل يقول: بماذا نردّ على الخوارج الذين يقتلون رجال الأمن ويذبحونهم ويستدلّون بقوله تعالى: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرِّقاب)؟
الجواب:
أقول: الجواب عن هذا السّؤال كالتَّالي:
أوّلاً: القضيَّة مع الخوارج ليست فقط في تقتيلهم للنَّاس، وإنما في تكفيرهم للناس، فهُم لمّا كفّروا النَّاس ومنهج رجال الأمن استباحوا قتلهم، وهذا أمر لا يجوز، مبنيّ على بدعتهم وضلالتهم التي يُكفِّرون بها من يُخالفهم، فمنهم من يُكفِّر أصحاب المعاصي والذّنوب مطلقا، و منهم من يُكفِّر أصحاب الكبائر؛ على تفاصيل تجدها مذكورة عنهم، واليوم هؤلاء الخوارج يُكفِّرون الحُكَّام، فمن يُعين الحُكَّام من رجال الشُّرطة ورجال الأمن على اعتبار أن الحُكَّام يحكمون بغير ما أنزل الله وكلّ من حكم بغير ما أنزل الله عندهم على الإطلاق كافر خارج من الملَّة، وهذا خلاف ما عليه أهل السُّنّة والجماعة.
وأمَّا استدلالهم بهذه الآية ﴿فَضَرْبَ الرِّقَابِ﴾ فهو استدلال باطل لا يصحّ، وذلك لأنّ الرّسول -صلى الله عليه وسلم- الذي نزل عليه القرآن ونزلت عليه هذه الآية وطبَّق هذه الآية لم يصحّ عنه أنّه كان إذا قتَّل الناس من الكُفَّار وغيرهم يُذبِّحهم؛ هذا لو سلَّمنا أنَّ رجال الأمن كُفَّار، لأن .. الرسول حتى في قتاله مع الكُفَّار لم يكُن يُذبِّح رقابهم ويقطعها بالصورة التي نراهم يفعلونها كما تُذبح النَّعجة! والحديث الذي ورد أن عبد الله بن مسعود قطع رأس أبي جهل وذهب به إلى الرسول –صلى الله عليه وسلم- رواه ابن إسحاق عن رجال من بني مخزوم وفيه جَهَالة ولا يثبُت، وما ينبغي الاستدلال بمثل هذا الحديث في إثبات أنَّ هذا من السُّنّة ومن الدِّين.
أمَّا فعل الرّسول –صلى الله عليه وسلم- فما كان –صلى الله عليه وسلم- يُذبِّح رقاب النَّاس كما يفعل هؤلاء الخوارج، وكما ذكر السَّائل أنهم يفعلون ذلك مع رجال الأمن، ورجل الأمن يقوم بمهمة شريفة وفاضلة فيها حماية النَّاس وفيها صيانة المجتمعات من أن يستأسد فيها أهل الباطل ويستأسد فيها أهل الفساد فيُؤذون الناس.
وأهل العلم يقولون: يُرجَى لرجل الأمن من الفضل ما جاء في الحديث عن الرسول –صلى الله عليه وسلم-: (عينان لا تمسّهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس المسلمين)، فرجل الأمن يحرس المسلمين يدخل في هذا الفضل؛ في سهره الليل والناس نيام يحرسهم من أن يعتدي عليهم اللصوص أو يقطع طريقهم قُطَّاع الطريق ونحو ذلك، فما ينبغي أن يكون جزاؤه والمعروف معه أن يُعامل بمثل هذه الطَّريقة، فهؤلاء –أعني: الخوارج ومن يسير على نهجهم اليوم- هؤلاء هُم أهل ضلالة وأهل باطل يُخالفون الدِّين ويُخالفون السُّنّة ويظنّون في أنفسهم أنَّهم على الحقّ وهُم على الباطل.
وإذا أردنا أن نُقرِّر معنى الآية فإننا نقول: إذا كان الرسول –صلى الله عليه وسلم- لم يذبح من يُقاتله بهذه الطريقة التي يفعلونها، فمعنى ذلك: أن المقصود بضرب الرِّقاب هو القتال قتالهم بالسّيف، حتّى إنّ الرسول –صلى الله عليه وسلم- حينما كان يُقيم الحدّ كان يضرب الرّقبة من الخلف ولا يذبح كذبح النَّعجة، والرّسول –صلى الله عليه وسلم- يقول: (إذا قتلتم فأحسنوا القِتلة).
وما ينبغي أن يُقتل ابن آدم بهذه الطريقة التي يفعلها هؤلاء، والحديث الذي ورد عند أحمد أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- في العهد المكي كان مرة يطوف بالكعبة فجلس رجال من قُريش يستهزئون به –صلى الله عليه وسلم- كلما مرّ، والتفت إليهم الرسول وقال: (لقد أتيتكم بالذَّبح) يعني: إن لم تتبعوني، فأقول: هذا الحديث معناه أني أتيتكم بالقتل؛ أي: أن الله أمرني أن أُقاتلكم كما جاء في الحديث الآخر: (أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدون أن لا إله إلا الله وأن مُحمَّدا رسول الله).
فليس في هذا الحديث: (جئتكم بالذَّبح) أنه المقصود منه أن يذبحهم كذبح النِّعاج؛ لا، إنّما المقصود أنِّي جئتكم بقتالكم إن لم تؤمنوا وتتَّبِعُونِي، يعني: تتبّعوا هذا الدِّين الذي جاء به الرّسول –صلى الله عليه وسلم-، هذا ما يتعلّق بهذا السّؤال، والله المستعان.
السّؤال الخامس:
هذا سائلٌ يسأل يقول: ما الفرق بين الحديث الصَّحيح والحديث الحَسَن؟
الجواب:
أقول: الحديث الحسَن ليس للعلماء فيه قاعدة مُنضبطة، وهم ضبطوا الحديث الصحيح بأنه ما تّصل إسناده برواية العدل الضّابط عن مثله من غير شذوذ ولا عِلّة، أمَّا الحسَن فحاول الحافظ ابن حجر تعريفة بأنه: الرّاوي إذا قلّ ضبطه عن شرط الصحيح.
وهذا هو التعريف الذي اشتهر عند الناس اليوم، فالحَسَن مثل الحديث الصَّحيح في أنه مُتّصل وفي أنه يُشرط فيه سلامته من الشّذوذ والعِلّة، ويُشترط في راويه العدالة الدّينيّة، لكن في الضّبط هو أقلّ درجة من راوي الحديث الصَّحيح.
وبهذا يُفرَّق بين الحديث الحَسَن والحديث الصَّحيح على أساس تعريف الحافظ ابن حجر.
والمقصود هنا –في التعريف-: الحَسَن لذاته.
أما إذا وسّعنا النّظر فشمل الحسن لذاته والحسن لغيره فإنَّنا نقول: الحديث الصَّحيح لذاته هُوَ ما تقدَّم، أمَّا الصَّحيح لغيره فهو الحديث الحسن لذاته إذا تعدَّدت طرقه، والحديث الحسن لغيره فهو ما تقدَّم بحسب ضابط الحافظ ابن حجر، والحسن لغيره هو الحديث الضَّعيف الذي لم يشتدّ ضعفه إذا تعدّدت طرقه، وبهذا يتَّضح الفرق بين الحديث الحسن وبين الحديث الصحيح، والله أعلم.
السّؤال السادس:
هذا سؤال من الأخ وليد السّباعي أبي عبد الرحمن يقول: ما حكم الاشتراك في بطاقة الفيزا التي يتمّ التحويل بها دولار إلى بلدان أخرى؟
الجواب:
بطاقة الفيزا إذا كان يتمّ بها التحويل من عملة إلى عملة وتُعطى سند بالقبض فإنّ التّحويل بها جائز لا حرج فيه، وما يأخذه مُصدري البطاقة من أُجرة مُقابل التَّحويل لا حرج فيه إن شاء الله، المُهمّ أن يتمّ إصدار سند يدلّ على حصول هذا التّحويل، لأنّ هذا السّند يتمّ به التّقاضي.
والأصل في صرف المعاملات وتحويلها من عملة إلى عملة الجواز لقوله –صلى الله عليه وسلم- لما ذكر أصناف الربا قال: (فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد).
والتّحويل نوع من البيع، يبيع من هذه العُملة إلى هذه العُملة، والعلماء -رحمهم الله- ذكروا -أقصد المعاصرين- ذكروا أن سند القبض أو السند الذي يُصدره مُصدر البطاقة أو البنك أو المُحوِّل يقوم مقام التّقابض، والله المُوفِّق.
السّؤال السابع:
هذا سائل يسأل يقول: ما حكم العمل في شركة التَّأمين؟
الجواب:
التأمين التعاوني أباحه أهل العلم، فلو انعقدت شركة تقوم بأعمال التأمين التعاوني ووظَّفت موظفين فيها وعملوا فيها فهذا إن شاء الله عمل مُباح لا خلاف في جوازه بين أهل العلم.
أما التأمين التِّجاري فهذا هو محلّ الخلاف بين أهل العلم، فمن رأى أنَّ التَّأمين في أصلح حرام رأى أنَّ العمل في شركة التأمين حرام لا يجوز لأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان، ومن رأى أن التأمين التجاري مُباح رأى أن العمل فيه مُباح لا حرج فيه.
والحقيقة: أن الذين يُحرِّمون التأمين التجاري يستندون في ذلك إلى ما فيه من الغلط وما فيه من جعل المال دُولَةً بين الأغنياء وما فيه من مخالفات أخرى يذكرونها في هذا الباب.
والواقع: أن هذه المسألة من المسائل المُستجِدَّة التي يتوازعها ويتجاذبها النَّظر، ولذلك: إذا حكم وليّ الأمر بأن المصلحة تقتضي قيام شركات التأمين وجريان العمل به ورأى أن المصالح المُترتِّبة على ذلك مرعيَّة من باب السِّياسة الشرعيَّة فإنَّ القول بما ذهب إليه وليّ الأمر في هذه المسألة يقتضي إباحته في هذه المواضع التي أمر بها وليّ الأمر، لأنه في الأصل المسألة خلافيَّة ولا يوجد فيها دليل واضح يُلزِم بالأخذ بالقول بالتحريم.
عندها؛ فمَن عمِلَ في شركات التأمين التجاري التي طلبها وأقرّها وليّ الأمر نقول عمله إن شاء الله مُباح لا حرج عليه فيه، وحُكم وليّ الأمر في هذه المسألة الخلافيَّة يتعلَّق بالمصلحة العامة والتي لا يوجد فيها دليل يقتضي التحريم يضطرنا إلى القول به، نقول: العمل عندها جائز ولا حرج فيه بإذن الله؛ في هذه المواضع التي أمر بها وليّ الأمر.
طبعًا هُناك صور من التأمين ما أظنّ أحد يختلف فيها، كالتأمين ضدَّ الموت، أو كالتأمين ضدَّ كذا من الأمور التي تتنافى مع القدر أصلاً.
والمُسلِم إذا رأى موضعًا فيه خلاف وأخذ وجذب بين العلماء الأولى له والأفضل في حاله وفي شأنه أن يبتعد عن هذه المواضع احتياطًا لدينه وابتعادًا عن الشبهات، والرسول –صلى الله عليه وسلم- يقول: (ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)، والله أعلم.
السّؤال الثامن:
هذا سائل يسأل يقول: ما حُكم صلاة الجماعة؟
الجواب:
اختلف العلماء –رحمهم الله- في حكم صلاة الجماعة، والذي عليه جمهور أهل العلم أن صلاة الجماعة سُنَّة مُؤكَّدة، وذهب الظاهريَّة إلى أنَّها شرط في صحَّة الصَّلاة، وتوسَّط الحنابلة فقالوا: صلاة الجماعة واجبة.
والمُسلِم عليه أن لا يترك صلاة الجماعة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، خاصّة إذا كان يُؤدِّي تركُهُ لهذه الصَّلاة إلى تعطيل الجماعة في المسجد.
إلا أن العُلَماء –رحمهم الله- نبَّهوا إلى أن هُنَاك أعذار يُعذر بها الإنسان في ترك صلاة الجماعة، من هذه الأعذار: أكل الثوم والبصل، من هذه الأعذار: المرض، من هذه الأعذار: ما نسمعه اليوم من أن بعض الإخوة في بعض البلاد بسبب الحروب والفِتَن والقتال يخشى على نفسه إذا خرج إلى الصَّلاة في المسجد؛ فنقول له في هذه الحالة: يا أخي أنت معذور صلِّ في البيت.
لكن نقول: إذا استطعت أن تُصلِّي في البيت جماعة فهذا أبرأ لذمَّتك، وصلاة الجماعة باتّفاق المذاهب الأربعة وبدلالة الأدلَّة لا يُشترط فيها أن تكون في المسجد، فلو صلَّيت جماعةً في بيتك في سوقك في محلِّ عملك أجزأك ذلكَ، واللهُ المُوفِّق.
السّؤال التاسع:
هذا سؤال من الأخ سعد ب.م يقول: هل أحكام الشَّيخ ربيع المدخلي وغيره من مشايخ السُّنّة –حفظهم الله- في التَّبديع والتَّحذير اجتهاديَّة أو قطعيَّة؟
الجواب:
الأصل أن أحكام العُلَماء –رحمهم الله- في الجرح والتَّعديل هي من باب الخَبَر، لأنَّ حقيقة الجَرح وحقيقة التَّعديل أنَّ العالِم يُخبرك عن حال هذا الراوي أو عن حال هذا الرجل بما علمه، والخَبَر لا يدخله اجتهاد وهُوَ مُجرَّد خبر، وإنّما يُقال هُنَا: الأصل أن خبرَ الثِّقة أو خبر العالِم مقبول.
نعم، يدخل الاجتهاد في جهتين اثنتين:
← الجهة الأولى: في تنزيل الراوي المرتبة الملائمة له، يعني مثلاً: هذا الراوي أفاد كلام العالم فيه أنه مجروح، ومعنى أنه مجروح يعني أنه ضعيف؛ لكنه هو في أية مرتبة من مراتب الضعف، هذه يدخلها الاجتهاد.
← القضية الثَّانية التي يدخلها الاجتهاد هي: فهم المقصود المباشر من عبارته، يعني فهم مقصود العالم المُباشرة من عبارة الجرح والتَّعديل.
فهذه القضيَّة وهذه القضيَّة يدخلها الاجتهاد، وما عدا ذلك فالأصل أنه خَبَر لا يدخله الاجتهاد سواءً كانت أحكام الشَّيخ ربيع أو أحكام غيره من أهل العلم المُعاصرين أو من أهل العلم السَّابقين هي من باب الخَبَر.
حينما يقول لك العالِم: فلانٌ ضعيفٌ؛ يعني: أنَّ هذا الرّجل فيه خلَلٌ إمَّا في عدالته الدِّينيَّة أو في ضبطِهِ، يعني: أنَّ هذا الرَّجل لا يصلح في قبول شيء عنه ولا يُؤخذ عنه العلم.
هذا هُوَ الأصل في معنى الكلام، وهو كما ترى خَبَر محض، والاجتهاد يدخله من الجهتين اللَّتَيْن ذكرتهما، والله أعلم.
السّؤال العاشر:
هذا سائل يسأل يقول: هل السّامريّ هو الدَّجَّال؟
الجواب:
هذا القول بأن السّامريّ هو الدّجّال هو قول لا سلف له في كلام أهل العلم السَّابقين، ولا نعرف له سلفا من أقوال الصَّحابة، فهو من باب التَّفسير بالرّأي المذموم لأنه لم تتوفَّر فيه شروط قبول التَّفسير بالرَّأي.
والعلماء ذكروا أن التفسير بالرَّأي يُشترط في قبوله:
← أن لا يُخالف التفسير بالمأثور مخالفة تضاد.
← وأن لا يخرج عن مقتضى اللُّغَة.
← وأن لا يخرج عن سياق الآية سِباقا ولحاقا.
← وأن لا ينصر أقوال أهل البدع.
← وأن لا يخرج عن المعاني الشَّرعيَّة.
وتفسير السّامريّ بأنَّه هُوَ الدَّجَّال مُخالِفٌ لِكُلِّ هذه الشُّروط.
فإنَّ من تأمَّل حديث الدَّابَّة الذي أخبر به الرّسول –صلى الله عليه وسلم- عن تميم الدّاريّ في قصّته لما لقيَ الدَّابَّة ذات الشعر [..] في الجزيرة، ثم قادتهم إلى الرجل المُقيَّد في المغارة، سيخرج بنتيجة أنَّ هذا الدَّجَّال غير السّامريّ، فهو لا يُشبهه لا في الخِلقة ولا يُشبهه في الحقيقة ولا يُشبهه في شيء، والله أعلم.
فرّغها:/ أبو عبد الرحمن أسامة
28 / ربيع الأول / 1436هـ
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين