الحد الفاصل بين الحق والباطل – حوار مع بكر أبي زيد في عقيدة سيد قطب وفكره
بسم الله الرحمن الرحيم
الحد ال بين الحق والباطل – حوار مع بكر أبي زيد في عقيدة سيد قطب وفكره
لفضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي
قال الشيخ ربيع حفظه الله
لقد كتَََبتَ كتاب (براءة أهل السنة). رداً لطعون أبي غدة في شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وذبا عن عرضهما وعن أعراض علماء آخرين، فأيدك كل سلفي، وشرق بذلك كل حزبي خلفي، وناهضوا كتابك القيم الآنف الذكر وإلى اليوم لا يزال غصة في حلوقهم.
فما بالك يا فضيلة الشيخ بكر... ويا أيها السلفي تغض طرفاً وتضرب صفحاً وتطوي كشحاً عن تطاول سيد على نبي كريم ورميه بنقائص لو رميت أنت بـها لأقمت الدنيا ولم تقعد.
ولماذا تضرب صفحاً عن تطاوله على الخليفة الراشد عثمان ينال من شخصيته، ويسقط خلافته، ويثلب إخوانه من الصحابة الكرام؟! كل هذا لم يهز سلفيتك ولا مشاعرك ولم يقشعر منه جلدك؟؟
أتثأر وتـهيج للجاني ثوران الأسود؟ فتجعل الحق باطلاً والباطل حقاً والمسيء محسناً والمحسن مسيئاً قبيح الصورة شائه الفعال سيئ المقال.
ما عهدنا سلفيا يغضب لأهل الباطل والبدع
فوالله ما عهدنا سنيا سلفيا غضب لأهل البدع والباطل مثلك ولا عرفنا أحدا ثأر لأهل البدع والباطل مثل ثأرك(1)، وكان اللائق بك على الأقل أن تخلي الميدان لأهل البدع يصولون ويجولون فيه بالباطل والبهت لنصرة الأباطيل والضلالات والترهات.
ثالثا: من مآخذ الشيخ بكر عليَّ أني قلت عن سيد قطب أنه لا يقبل الأحاديث المتواترة فأحب أن أبين:
موقف سيد قطب من السنة النبوية ومن كلام الرسل عليهم الصلاة والسلام وأنه فكر بشري
لقد عنونت الفصل الرابع عشر من كتاب (أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره) بقولي:
سيد لايقبل أخبار الآحاد في العقيدة بل لا يقبل الأحاديث المتواترة وأوردت تحت هذا العنوان قول سيد قطب في تفسير سورة الفلق: (وقد وردت روايات بعضها صحيح ولكنه غير متواتر وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بـها في أمر العقيدة، والمرجع هو القرآن، والتواتر شرط للأخذ بالأحاديث في أصول الاعتقاد).
فاستنكر الشيخ بكر هذا العنوان استنكارا غريبا ولم يستنكر على سيد قطب هذه القاعدة الخطيرة التي تطارد أحاديث صحيحة كثيرة في أبواب الاعتقاد، وذكرت أنه لا يحتج حتى بالأحاديث المتواترة في أبواب الاعتقاد مثل: استواء الله على عرشه، وأحاديث صفة المجيئ وأحاديث رؤية المؤمنين لربـهم في الآخرة، وأحاديث نزول عيسى بل يتأول الآيات القرآنية في هذه العقائد. فسبحان الله رب العرش العظيم.
وإنا لنأسف على الشيخ بكر أشد الأسف ماذا سيكون موقفه إذا علم أن لسيد نظرة إلى السنة النبوية بل إلى كلام الرسل جميعا – بما في ذلك محمد رسول الله r – بأنه فكر بشري فاستمعوا إلى سيد قطب يقول:
(وإن الفكر البشري، ممثلا ابتداء من فكر الرسول r – أو فكر الرسل كلهم – باعتبار أنـهم جميعا أرسلوا بـهذا التصور في أصله لم يشارك في إنشائه، وإنما تلقاه تلقيا ليهتدي به ويهدي، وإن هذه الهداية عطية من الله كذلك يشرح لها الصدور وإن وظيفة الرسول – أي رسول – في شأن هذا التصور، هي مجرد النقل الدقيق والتبليغ الأمين وعدم خلط الوحي الذي يوحى إليه بأي تفكير بشري – أو كما يسميه الله سبحانه بالهوى-)(2).
أقول: إن نـهي الرسول r عن كتابة السنة لا لأنـها فكر بشري حاشا رسول الله r وسنته من ذلك وإنما ذلك لمقاصد أخرى مذكورة في موضعها ويعرفها أهل العلم والسنة والهدى. إن سنة رسول الله r فوق هذا المستوى الذي يتصوره سيد بمراحل طويلة بعيدة لايرقى إليها تصوره.
ويقول سيد: (وهذا التوكيد على مصدر هذا التصور هو الذي يعطيه قيمته الأساسية وقيمته الكبرى... فهو وحده مناط الثقة في أنه التصور المبرأ من النقص، المبرأ من الجهل، المبرأ من الهوى... هذه الخصائص المصاحبة لكل عمل بشري، والتي نراها مجسمة في جميع التصورات التي صاغها البشر ابتداء من وثنيات وفلسفات، أو التي تدخل فيها البشر من العقائد السماوية السابقة...)(3).
أقول: لم يستثن سيد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ولم يستثن سنة رسول الله r من هذه العيوب.
وأقول: إن القرآن والكتب المنـزلة على رسل الله لكذلك وفوق ذلك من المكانة، لكن سنة رسول الله r الثابتة عنه هي كذلك مناط ثقة المؤمنين مبرأة من النقص مبرأة من الجهل مبرأة من الهوى وكذلك أقوال الرسل عليهم الصلاة والسلام.
إن هذا لإسقاط متعمد للثقة بسنة رسول الله r وهذه هي نظرة أهل البدع والضلال من الجهمية والمعتزلة والقرآنيين إلى سنة رسول الله r الذي قال الله في حقه (وماينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) وقال تعالى: (وما أنزلنا إليك الذكر إلا لتبين للناس ما نزل إليهم) وقال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نـهاكم عنه فانتهوا) وقال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما). إن هذا الموقف من سيد قطب يُسلكه في من قال فيهم رسول الله r: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان متكئا على أريكته يقول عليكم بـهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي ولاكل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها...)(4) الحديث.
وفي ابن ماجة (ألا وإن ما حرم رسول الله r مثل ما حرم الله)، ومن قال فيهم رسول الله r: (لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به أو نـهيت عنه، فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه)(5).
ويقول سيد قطب في (المقومات)(6):
(ثانيا: إننا نعتقد – بالدراسة الطويلة – أن هذا القرآن فيه غناء كامل في بيان الحقائق التي يقوم عليها التصورالإسلامي، فلا يحتاج إلى إضافة من خارجه في هذا البيان، ونحب أن يتعود قاريء هذا البحث أن يلجأ إلى القرآن وحده ليجد فيه تبيانا لكل شيء، ومن ثم فإن النصوص القرآنية هنا هي الموضوع ذاته وليست عنصرا مساعدا كما اعتاد الناس أن يجدوها في كثير من البحوث الإسلامية، ومن ثم فلا بد للقاريء أن يعتمد عليها في تفهم الموضوع الأساسي للبحث ولا يتخطاها ولا يعتبرها عنصرا إضافيا، فهي مادة البحث الأساسية وعلى ضوء هذا البيان نمضي في عرض قصة التوحيد في الرسالات من القرآن).
أقول: فأين سنة رسول الله r لماذا لا ترى اللجؤ إلا إلى القرآن وحده وتلغي سنة رسول الله r؟.
وإذا كان أهل الضلال والبدع قد جعلوا القرآن عنصرا مساعدا فهل يكون رد الفعل هو إلغاء السنة؟.
إن كلا من نصوص القرآن والسنة أصولاً وحججاً وبراهين عند الله تبارك وتعالى وعند رسوله r وعند أئمة الإسلام وعلماء السنة والحق المعتبرين.
فمن أنت حتى تأتي بـهذا المنهج المضاد لمنهج الله ورسوله وأئمة الإسلام.
لم يعتبر سيد سنة رسول الله r عنصرا من عناصر المقومات والتوحيد حتى ولو إضافياً. ولهذا لم تر عيناي حديثا واحدا في كتبه (الخصائص) و (المقومات) و (الظلال) فيما يتعلق بالعقائد وقد يستشهد بـها في الأحكام.
رابعا: زعمت أنك أسفت على أحوال علماء المسلمين في الأقطار الذين لم ينبهوا على هذه الموبقات، وكيف الجمع بين هذا وبين انتشار كتبه في الآفاق انتشار الشمس وعامتهم يستفيدون منها، حتى أنت في بعض ما كتبت.
____________________________
(1) نقل شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الإستقامة (1/255) (وقيل لأبي بكر بن عياش: من السني؟ قال: الذي إذا ذكرت الأهواء لم يغضب لشيء منها)
(2) خصائص التصور الإسلامي ومقوماته (ص50).
(3) خصائص التصور الإسلامي ومقوماته (ص51).
(4) أخرجه أبوداود في السنة حديث (4604)، وابن ماجة نحوه رقم (12) والترمذي العلم حديث (2664) وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وهو حديث صحيح وقد صححه الألباني في المشكاة (163).
(5) أخرجه أبوداود السنة حديث (4605)، وابن ماجة المقدمة حديث (13)، والترمذي العلم حديث (2663) وقال:حديث حسن صحيح.
(6) ص(86).