فضل التوحيد و تكفيرُه للذُّنوب/ج2/الشيخ صالح ال الشيخ
فضل التوحيد و تكفيرُه للذُّنوب/ج2/الشيخ صالح ال الشيخ
— الأمر أو الفضل السادس أنّ صاحب التوحيد الذي وحّد الله وتخلص من الشرك قولا وعملا واعتقادا، له الأمن والهدى في الدنيا والآخرة، قال جل وعلا ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾[الأنعام:82]، لما نزلت هذه الآية شقّ ذلك على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه. كل أحد لابد يظلم نفسه بأيّ شيء، إما أن يفرط في واجب، أو أنه يرتكب منهي عنه، فإذا تذكر تاب من التفريط، وإذا ذُكر أيضا انتبه لتفريطه في أداء الواجب أو في عمله بعض المحرمات، أينا لم يظلم نفسه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ليس هذا التي تذهبون إليه، الظلم الشرك، ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾[ لقمان: 13]»، وذلك أن الظلم ثلاثة أنواع:
Á ظلم العبد في حق نفسه بالذنوب.
Á وظلم العبد لغيره بالاعتداء على حقوق الناس وأموالهم وأعراضهم.
Á وظلم العبد في حق ربه جل وعلا بالشرك بالله جل وعلا.
فنبههم النبي صلى الله عليه وسلم على أنّ العموم في هذه الآية عموم مراد به الخصوص، وهو أحد الأنواع الثلاثة وهو ظلم العبد في حق ربه بالشرك بالله جل وعلا، الذي هو أعظم أنواع الظلم (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، وهذا هو معنى الإتيان بالتوحيد والبراءة والخلوص من الشرك، فإنّ هذا يحصل للعبد به الأمن والاهتداء.
لكن الناس في التوحيد درجات، كذلك في الأمن والاهتداء هم أيضا درجات، فكلما كمَّل العبد توحيدَه، وكمَّل العبد خلوصه وبراءته من الشرك علما وعملا في التوحيد، وعلما وعملا في براءته في خلوصه من الشرك، كلّما كمّل الله له الأمن في الدنيا وفي الآخرة وكمل الله له الاهتداء في الدنيا والاهتداء في الآخرة.
يأتي قائل ويقول: الأمن في الدنيا فهمناه؛ الأمن النفسي، والأمن ألاّ يعتدي عليه أحد، وقوّة القلب، والأمن في المجتمع، وأمن الدولة، وأمن البلد، هذه كله يدخل فيه، كذلك الهداية في الدنيا بالتوفيق إلى الصالحات، ورؤية الحق حقا، والمنّة من الله على عبده باتّباعه، ورؤية الباطل باطلا، والمنّة من الله لعبده باجتنابه، هذا أيضا مفهوم، الأمن في الآخرة بعدم الفزع، وعدم الحُزن والحَزن وبعدم دخول النار أيضا مفهوم، لكن كيف تكون الهداية في الآخرة؟ ألم ينقطع التكليف؟ انقطع التكليف، فهل في الآخرة هداية، لأننا نقول أمن وهداية في الدنيا والآخرة، كيف تكون الهداية في الآخرة؟ قال جل وعلا ﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ(4)سَيَهْدِيهِمْ﴾ يعني بعد القتل ﴿وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ(5)وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾[محمد:4-6]، جعل هنالك ثلاث مراتب:
1. أولا القتل.
2. ثم يهديهم الله جل وعلا.
3. ثم يدخلهم الجنة.
هذه الهداية هي الهداية في الآخرة، فسَّرها أهل العلم بالتفسير وأهل العلم بالتوحيد، بأنّها الهداية بسلوك الصراط حين وُرود الظلمة؛ لأنه قبل الصراط هناك الظلمة التي يلتبس فيها الطريق، فربما مرّ الإنسان أو ذهب يريد هذا الطريق؛ يريد طريق الصراط لكنه يسقط في النار -والعياذ بالله-، أو يمشي في الصراط قليلا ثم يضل، لا يعرف كيف يتجه؛ لأنه فيه ظلمة وليس عنده نور تام، ينقطع منه النور الذي هو بسبب توحيده، ثم بعد ذلك يسقط.
فإذن هناك هداية لطريق الجنة في الآخرة هذه تحصل بحسب قوة التوحيد، فكلَّما قوي التوحيد كلما قويت الهداية وقوي النور في الدنيا وفي الآخرة([3]).
— أما السابع فمن فضل التوحيد أنّ التوحيد إذا قوي وإذا أحبّ العبد توحيد ربه وعلِمه وتعلمه، فإنه يوفق لكل قول وعمل صالح، سواءٌ أكان هذا القول والعمل ظاهرا أم باطنا، في نفسه أو في غيره، وهذه من أعظم المهمات؛ لأن العبد لا يخلو:
¨ إما أن يتعامل مع نفسه.
¨ أو أن يتعامل مع غيره.
¨ أو أن يتعامل مع ربه جل وعلا، وتعامله مع الله جل وعلا عبادة؛ يعني بالعبادات.
وتعامله مع نفسه، في شأن هوى نفسه، وما يَرغَب فيه وما لا يرغب وكيف يمتثل الشرع في نفسه.
ومع غيره في تأديته لحقوق الناس والعباد، ابتداء بحق والديه، وحق زوجه، وحق أولاده، وحق جيرانه، وحق زملائه، ومن يخالطه، وحق العلماء، وحق ولاة الأمر، وحق الصحابة رضوان الله عليهم، وحق أهل الإيمان بعامة، وهكذا في هذا الشأن.
التوحيد سبب من أسباب التوفيق لحسن تعامل العبد مع نفسه، ومع الخلق، ومع ربه جل وعلا.
أمّا مع الله جل وعلا: فأهل التوحيد يحبون عبادة الله جل وعلا، يحبون الإخلاص، أيضا يحبون أنواع العبادات؛ تجد الموحّد الحق يصلي، تجد الموحّد يعطي الزكاة، تجد الموحّد يصوم رغبة واختيارا، تجده يحجّ رغبة، كلما قوي التوحيد قوي تعلق العبد في الصلاة؛ تعلقه بالصلاة الفرض وبالنوافل، تعلقه بصيام الفرض وبالنوافل، وهكذا ففي تعامله وعبادته لربه بحسَب توحيده وقوته يُقبل على ذلك ويوفَّق لهذا الأمر، لهذا فانظروا إلى نفسك في أيّ من المجالات، إذا أحسست في نفسك تقصيرا في الفرائض أو حتى في النوافل، ففتِّش فستجد أن بعض الدنيا والخلق زاحموا محبة الله جل وعلا في القلب ولا بد، يجتمع في القلب واردان؛ وارد محبة الله جل وعلا وتوحيده، ووارد محبة الدنيا والخلق والرغبة فيها، فيتزاحمان، فإذا قوي التوحيد أضعف الشيء الآخر، وإذا قوي الآخر أضعف التوحيد بحسبه، ولهذا العلم بالتوحيد وتعليم التوحيد وإرشاد الناس إليه هو أعظم البر والإحسان إلى الخلق؛ لأنه به ينفتح ذلك إذا أُحسن تقريره وشرحه للناس وترغيب الناس فيه.
أمّا تعامل العبد مع نفسه: فإن العبد له هوى وله رغبة؛ له هوى في بعض المحرمات، لا أحد يسلم من ذلك، له هوى ورغبة في ترك بعض الفرائض؛ تتثاقل عليه، ذلك تعامله مع نفسه فيما يأتي وفيها يذر، كلّما قوي توحيد الله في القلب، وعِلْم العبد بربه، بربوبيته وأنّه سبحانه هذه الأرض جميعا، والقلوب جميعا بين أصبع من أصابعه، الأرض قبضته يوم القيامة، وأنّ هذه الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وأنه سبحانه هو الذي يدبر هذا الملكوت، وأنه هو الذي يعطي ويمنع، وينفع ويضر سبحانه وتعالى، ويخفض ويرفع، ويقبض ويبسط، ويخلق سبحانه، ويحيي ويميت، ويصح ويمرض، ويغني ويفقر، وأنَّه سبحانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فحينئذ يقوى في قلبه العلم بالله جل وعلا، يقوى في قلبه التوكل على الله جل وعلا، يقوى في قلبه محبة الله جل وعلا، كذلك العلم بأنّه هو المستحق للعبادة وحده، هو المستحق للطاعة سبحانه وتعالى طاعة العبادة وحده، هو المستحق لكذا، وكذا، وكذا من أنواع العبادات، فإنّه حينئذ يعظُم في قلبه محبة الله وتوحيده، وتضعف نوازع الشر في نفسه.
أما تعامله مع الخلق: فإنّ الموحّد لا يغيب عن باله إذا قوي توحيده، أنّ أنسه بالله فوق كل أنس، وأنّ رضا الله جل وعلا عنه فوق كل رضا، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، من التمس رضا الناس مهما كانوا؛ كبارا أو صغارا، رعاة أو رعية، ملوكا أو مملوكين، ومن كانوا، من التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس. ومن التمس رضا الله ولم ينظر إلى الناس أن يسخطون أم يرضون رضي الله عنه وأرضى عنه الناس. وهذه مجربة فيمن سار على شرع الله بالحكمة والموعظة الحسنة في هذا الأمر.
فالتعامل مع الناس إذا تعلق القلب بالله فإنه سيعاملهم والله جل وعلا بين عينه، يرجوه ويخافه ويتّقيه ويحبه، يخشى أن يتغير قلبه عليه بظلم عبد من العباد، فلهذا يصلح علمه في نفسه ومع الخلق.
فإذن أهل التوحيد يوفَّقون للأعمال الظاهرة والباطنة المتنوعة، وللأقوال الظاهرة والباطنة في تعامل العبد مع نفسه ومع الخلق وفي عبادة الله الواحد الأحد.
— الثامن من آثار التوحيد وفضائله وحسناته أنّ التوحيد يحرّر العبد من الرِّق للخلق والمبالغة في مراعاتهم، إلى عزّة الرّق والعبودية للواحد الأحد السميع البصير جل جلاله وتقدست أسماؤه. العباد عند الله جل وعلا سواسية، ابتلى الله العباد وجعل بعضهم لبعض فتنة كما قال سبحانه ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾[الفرقان:20]، ما معنى (أَتَصْبِرُونَ)؟ جعل الله الفقير فتنة للغني، والغني فتنة للفقير.
الفقير فتنة للغني هل يتعاظم ويعظم، وينظر أنه إذا حصل ألف أو ألفين أو مائة ألف أو مليون أو عشرات الملايين أو المئات أنّه عظُم وعظُم حتى صار عند نفسه أنه فوق الخلق، أُبتلي بالفقير ماذا يعمل معه، وهل يترفّع عليه أم لا؟ لهذا نبينا صلى الله عليه وسلم ماذا قال الله له؟ قال الله له ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾[الكهف:28]، حتى لما رغِب عليه الصلاة والسلام في إسلام بعض الأغنياء والأثرياء وترك الفقير؛ لأنه في تقديره عليه الصلاة والسلام أنّه إذا أسلم الغني فإنه سينفع الإسلام أكثر وأكثر وترك الفقير، عاتبه الله جل وعلا، وقال له ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى(1)أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى(2)وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى(3)أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى(4)أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى(5)فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى(6)وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى(7)وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى(8)وَهُوَ يَخْشَى(9)فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى(10)كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ﴾[عبس:1-11] له عليه الصلاة والسلام وللناس جميعا.
جعل الله أيضا الغني فتنة للفقير، هل يحسد الفقير الغني، أو يسأل اله جل وعلا السلامة؟ هل ينظر إليه بحنق وحقد وكذا، أم يعظم رغبته في الله؟
أيضا المريض والصحيح جعل الله بعضهم فتنة لبعض.
أيضا الملك والرعية جعل الله جل وعلا بعضهم فتنة لبعض.
وهذا كله كما قال جل وعلا (أَتَصْبِرُونَ)، (جعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) لاحظ كلمة (فِتْنَةً) فتان (أَتَصْبِرُونَ) من يصبر ممن لا يصبر، من حقق التوحيد من أخذ بالتوحيد، من عمل بالتوحيد، نظر إلى الخلق نظرا صحيحا وتخلّص من الرّق للخلق ومن كثرة مراعاة الخلق، وعظُم في قلبه ربه جل جلاله وتقدست أسماؤه، وكان عزيزا لله الواحد الأحد، وكان مرتفعا لله والواحد الأحد، وكان عظيما لله الواحد الأحد، كما قال سبحانه ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[آل عمران:139] (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا) أوش تقدير الآية؟ بعض الناس يظن تفسير الآية وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن تكونوا مؤمنين فلستم بالأعلون، ليس هذا هو التفسير، تفسير الآية ولا تهنوا ولا تحزنوا إن كنتم مؤمنين وأنتم الأعلون لأنكم في حال إيمانكم، ما دام أنكم مؤمنون فلا تهنوا ولا تحزنوا فأنتم الأعلون. (وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ) هذه جملة من المبتدأ والخبر حاليا؛ يعني ولا تحزن ما دامك مؤمن لا تهن ولا تحزن فإنك أنت العالي .
إذن من فوائد التوحيد في القلب أنه يخلصه من الرّق للمخلوق، ومن الذل له، وإنما يعامل الموحد المخلوق بما أمر الله جل وعلا؛ لا يتكبر عليه، ولا يهينه وإنما يعامله لأنه مؤمن أو يعامله بحسب شأنه –نستمع للأذان-
وبعد هذا فضائل التوحيد وآثاره، كما أنها متعلقة بأفراد المؤمنين، فهي أيضا متعلقة بالبلد المسلم الموحِّد والمجتمع والدولة، قال جل جلاله ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ﴾[الأعراف:56] والإفساد في الأرض بعد إصلاحها هي أن يُسلَك فيها بما يناقض التوحيد، أو بما يُنقص كمالَه بالشرك الأكبر أو بالشرك الأصغر، هذا هو الإفساد أعظم الإفساد في الأرض، وكذلك ما يحصل من التعديات على الخلق هذا إفساد في الأرض، وقال أيضا جل وعلا في بيان ذلك في سورة النور ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾[النور:55] هنا وعد وموعود وحالة يكون عليها الوعد.
أما الموعود أولا فهم أهل الإيمان (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) هؤلاء هم الموعودون.
أما ما وُعدوا به فجاء في ثلاثة أشياء:
¨ أولا (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ) يعني إنْ لم يكن لهم غلبة ومنعة واستخلاف فالله يعدهم طال الزمان أو قصر أنْ يستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم.
¨ ثم قال الوعد الثاني (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ) أعظم شيء يختاره المؤمن ويريده أنْ يكون يعبد الله جل وعلا بتمكين؛ لا يَسْتَخْفِ بدين الله، ولا يكون مُهانا وهو يَدِينُ بدين الله؛ بل يكون مرفوع الرأس، يكون بما وعد الله جل وعلا له.
¨ أما الوعد الثالث بقوله (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا) يعني بعد أن كانوا قلة يخافون، استخلفهم ومكّن لهم دينهم، فصاروا بعد الخوف أَمْنَى؛ آمنين على أنفسهم، على دينهم، على أنفسهم، وعلى أولادهم، وعلى أعراضهم، وعلى أموالهم، هذه كلها مِنَن، ووعد من الله جل وعلا له.
ما حالتهم؟ بين الحالة في الجملة الفعلية بقوله (يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) يعني إذا استخلفهم وبدّلهم ومكّن لهم دينهم وبدّلهم بعد الخوف أمنا، ما حالتهم في هذا كلِّه وقبله؟ أنهم (يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)، وهذا أعظم أثر للتوحيد على الناس في دولتهم وفي مجتمعه، أنهم إذا عبدوه ولم يشركوا به شيئا وأقروا التوحيد ونبذوا الشرك فإنهم موعودون بفتح فضل الله جل وعلا لهم بهذه الثلاث، وكذلك بأنهم تُفتح لهم بركات من السماء ومن الأرض، فيوسِّع الله عليهم في الأرزاق، ويكونون في حياة طيبة مطمئنة.
وبعد هذا كله يظهر لك أنّ فضائل التوحيد وآثاره وحسناته على الناس؛ على أهل الإيمان وعلى غيرهم، وعلى الأفراد، وعلى الدولة والمجتمع كبير جدا جدا، فلهذا يعظم حينئذْ الواجب، وتشتدّ حينئذن التبعة في أن نهتم بالتوحيد في أنفسنا وفيما حولنا إن رغبنا في هذا الخير العظيم، وإلاّ فليس هو من باب الفضائل، هو من لم يأخذ بالتوحيد ويجتنب الشرك فقد قال الله جل وعلا في شأنه ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾[المائدة:76].
أسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم من أهل توحيده الذين علموه واعتقدوه وشهدوا به وعملوا به ودعوا إليه وأعلنوه، إنه سبحانه ولي الصالحين، وهو ذو الفضل والإحسان.
كما أسأله سبحانه أن يجعلنا جميعا ممن حاز هذه الفضائل، اللهم لا تحرمنا فضلك بذنوبنا ولا بتقصيرنا وبإسرافنا في أمرنا، اللهم اجعل عاقبة أمرنا إلى خير، واجعل لنا فواتح الأمر من الخير وخواتمه إنك على كل شيء قدير رحمن رحيم.
كما أسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمورنا لما فيه رضاه، وأن يجعلنا وإياهم من المتعاونين على البر والتقوى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
نأخذ بعض الأسئلة ثم الإقامة لننصرف بعد الصلاة إن شاء الله:
1/ صاحب الفضيلة أسئلة تواردت عن التوجيه لقضاء الإجازة الصيفية سيما مع اقترابها ومع كثرة الذين حزموا حقائبهم استعدادا للسفر وللضرب في الأرض، ولعل معاليكم أنْ يوجه توجيها لهؤلاء ولشباب المسلمين جميعا، جزاكم الله خيرا.
أولا كلُّ شيء تجده في الكتاب والسنة؛ إخبارا وحكما وبيانا لأثره وآثاره. والسفر من ذلك في عدة آيات، ومنها قوله جل وعلا لما ذكر قصة سبأ ممتنا عليهم في بلادهم بقوله ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّامًا آمِنِينَ﴾[سبإ:18] هذا الأمر (سِيرُوا) للامتنان ”أمر امتنان“ وهو أحد معاني الأمر السبعة والعشرين كما هو معروف عند الأصوليين، (سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّامًا آمِنِينَ) يعني امتن الله عليهم بأن يسيروا مسافرين آمنين ليالي وأياما، ثم عابهم بقوله ﴿ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ﴾[سبإ:19]، عاب الله عليهم أنهم لما سافروا ظلموا أنفسهم في أسفارهم.
فالسفر مباح وإذا خالطته أو صار القصد منه معصية، القصد من السفر أنشئ لمحرم صار سفرا محرما، وإذا كان أصله سفر طاعة فخالطته معصية أو ذنوب فإن هذا من جنس الذنوب التي يغشاها الإنسان.
إذن السفر المباح كما هو معلوم وقد يكون الإنسان يختار ذلك لأنسه أو لأنس أولاده أو نحو ذلك مما أباحه الله جل وعلا، لكن الإجازة فرصة عظيمة وهذا الفراغ بأن يكسب الإنسان فيها، هي طويلة قد لا يسافر فيها كلها، حتى لو سافر يكسب فيها ما يؤنسه وما يستفيده في دينه، أما أن تكون لهوا ولعبا بدون أن يعود له منها فائدة هذه ليست من سيمات عباد الله جل وعلا الصالحين، قال جل وعلا لنبيه ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ(7)وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾[الشرح:7-8]، وقال نبينا عليه الصلاة والسلام «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِن النّاسِ الصّحّةُ وَالْفَرَاغُ» (مَغْبُونٌ فِيهِمَا) يعني أنّ الناس يتمنون أن عندهم فراغ مثل ما عند هذا الذي عنده فراغ فإذا كان الأمر كذلك، فالمطلوب من الجميع أن يتقوا الله جل وعلا في أي أمر يكونون فيه إذا كانوا في حضر أو في سفر أو إذا عزموا أن يقتفوا نيتهم صالحة «إنما الأعمال بالنيات» وأن يكون قصدهم حسنا، وأن لا يعزموا على شيء فيه مضرة لأنفسهم لدينهم أو في دنياهم.
الأمر الثاني ألاّ يتركوا أنفسهم من نفعها، الفراغ فرصة تنفع نفسك وأولادك بالعلم النافع، التعويد على العبادة بإلحاقهم بدورات علمية، أو بإحسان القرآن، أو إحسان القراءة عَشَان قراءة القرآن أو بإحسان القراءة العامة أو بتحبيبهم للمطالعة للكتب، أو الصلة بأهل العلم، أو بالصالحين حتى يكون هناك تربية صالحة هذا من أعظم ما يصلح.
أما الأمر الثالث فإن كل إنسان قدوة في بيته، وقدوة لمن تحت رعيته، فلذلك ينبغي له أن يقبل على الخير، وأن يدعو من تحت يده للإقبال على الخير سواء في العلم أو في العمل. وفق الله الجميع لما فيه رضاه .
2/ أحسن الله إليكم معالي الشيخ كثرت الدعاوى في هذه الأيام إلى ما يسمى وحدة الأديان، وأن تجتمع المئذنة بجانب الكنيسة، أو ما يسمى التسامح الديني، فما تعليكم أحسن الله إليكم؟
أولا الأديان كثيرة ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾[الكافرون:6]، لكن الدين الذي أنزله الله من السماء واحد لا يتعدد ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾[آل عمران:19]، ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ(131)وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[البقرة:131-132] الإسلام العام هو الذي جاء من عند الله، الشرائع مختلفة، لهذا يثقل شرعا قول من يقول الديانات السماوية، فليس ثَم ديانات سماوية إنما الدين الذي من السماء واحد، والشرائع هي التي تختلف قال جل وعلا ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾[المائدة:48] وقال نبينا صلى الله عليه وسلم فيما رواه معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه قال «الأنبياء إخوة لعلات الدين واحد والشرائع شتى».
فإذن من هذا نخلص إلى بطلان قول من قال الديانات السماوية، ويوجد ديانات لكن لا يصح أن يقال أنها سماوية؛ لأن من السماء لم يأتِ إلا دين واحد وهو دين الإسلام فالنصرانية واليهودية من السماء شرائع، لكن الدين هو الإسلام، يجوز أن تقول دين النصرانية ودين اليهودية على اعتبار أن المقصود بالدين هنا الشريعة، كما قال جل وعلا ﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ﴾[يوسف:76] يعني في شريعة الملك، لكن إذا أضيف إلى السماء فهذا لا يصح ولا يصلح، هذه المسألة الأولى.
أما المسألة الثانية فقول القائل هنا في السؤال (كثر) هذا ليس بصحيح لم يكثر؛ تكثر هذه الدعوى وإنما وجدت هذه الدعوى من جهة أو من جهتين في العالم، ولكن الإعلام هو الذي أكثر ترديدها وذِكرها، وهذا الذي يسمى التسامح الديني، التسامح كلمة مجملة، قد تحتمل صوابا، وقد تحتمل خطأ:
أما صوابها فأن يكون هذا التسامح على وفق شرع الله جل وعلا بأنه لا يجبر أحد على دين؛ لا يكره أحد على دين، كما قال جل وعلا ﴿إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ﴾[البقرة:256]، وكما قال جل وعلا ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾[الكافرون:6]، ووجود الكنيسة بجانب المسجد هذا وُجد في زمن الصحابة رضوان الله عليهم في البلاد التي فيها أهل الذمة، وكانوا يتعبدون في كنائسهم، ولكن لا يعلنونها في شارع المسلمين -كما هو معروف من الشروط العمرية- ويسمح لهم بذلك في البلاد التي كان فيها أهل الذمة، التسامح في هذا المعنى تسامح جاء به الشرع وهو صحيح، أما في جزيرة العرب فقد روى الإمام مالك في الموطأ والإمام أحمد في المسند وغيرهما أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال «لاَ يَجْتَمِعُ فِي جَزِيرَةِ العَرَبِ دِينَانِ» يعني لا يجتمع في هذه الجزيرة دينان ظاهران، لا يظهر فيها إلا دين الإسلام، أما وجود غير المسلمين فلهم أن يتعبدوا في بيوتهم، وأن يمارسوا شعائرهم في أماكنهم دون أن يُظهروا ذلك، هذا المعنى من التسامح صحيح شرعا، وهو وفق الأحكام الشرعية.
أما الثاني التسامح وهو المعنى المرقوب والباطل، وهو أنْ يكون التسامح تسامحا مخالفا لأمر الله جل وعلا وأمر رسوله وما جاء في نصوص الكتاب والسنة، أن يكون التسامح بأن يوالي المسلم غير المسلم، وأن يودّ المسلم الكافر أو المسلم أو أن لا يتبرأ منه؛ يعني بأن لا في نفسه بغض للشرك والكفر، والآن هذه الدعوى الموجودة التي ذكرت يراد منها أن لا يكون في القلب كراهة لأي ملة من الملل؛ بل يكون من الناس فيما يتدينون به ما يشاءون، وهذا باطل، هذا أمر منوط بأحكام الشرع.
لهذا نقول كلمة التسامح هذه يمكن أن تفسر بتفسير صحيح على وفق الشرع، ويمكن أن تحمل معنى باطلا في نفسها وفي آثارها.
لم يُعطِ أحدا الحق الديني في ديانة تخالف مثل ما أعطى الله جل وعلا ومثل ما أعطى رسوله صلى الله عليه وسلم في دين الإسلام من إكرام أهل الذمة يعني بعدم إهانتهم ومن أن لهم التعبد بعبادات أنهم لا ينصرون على دين الإسلام وأنه من أراد أن يتعبد بعبادة فلا يكره على دين الإسلام ولا يجبر على أن يسلم، بل يحث وينادى بذلك، وهذا الإكرام والإحسان من أسباب جعل الكثير من غير المسلمين يسلمون؛ بل قال الله جل وعلا ﴿لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[الممتحنة:8]، الجار إذا لم يكن مسلما له حق المجورة يُهدى له ويعطى إلى آخره، فإذن الذي كفر حق المخالفين في الدين هو الله جل وعلا في هذا الدين دين الإسلام، وأما ما يدعون في المواثيق الدولية، وفي حقوق الإنسان، وفي بعض الوثائق التي يدعى إليها والقوانين من أن يكون التسامح على وفق فهمهم، فهو في الحقيقة ليس إعطاء كل ذي حق حقه، ولم يطبقوه أصلا في بلادهم، تجد أن جرس الكنيسة يُقرع والآذان يُمنع يقول الآذان يُزعج لكن جرس الكنيسة لا يزعج الناس، والأمثلة لهذا كثيرة لكن لا نحب أن نطيل بذكرها. المقصود التنبيه على ما سأل عنه السائل.
ونكتفي بهذا القدر وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
أعدّ هذه المادة: سالم الجزائري
-- ------------------------------------------------------------------------------
([1]) اللفظ الذي ذكره الشيخ في المسند أما لفظ مسلم: عَنِ ابْنِ شُمَاسَةَ الْمَهْرِيّ قَالَ: حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ـ وهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ ـ. فَبَكَىَ طَوِيلاً وَحَوّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ. فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ: يَا أَبَتَاهُ! أَمَا بَشّرَكَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا؟ أَمَا بَشّرَكَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا؟ قَالَ فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إِنّ أَفْضَلَ مَا نُعِدّهُ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَنّ مُحَمّدا رَسُولُ اللّهِ. إِنّي قَدْ كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلاَثٍ. لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدّ بُغْضا لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنّي. وَلاَ أَحَبّ إِلَيّ أَنْ أَكُونَ قَدِ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ. فَلَوْ مُتّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النّارِ. فَلَمّا جَعَلَ الله الإِسْلاَمَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعْكَ. فَبَسَطَ يَمِينَهُ. قَالَ فَقَبَضْتُ يَدِي. قَالَ: «مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟» قَالَ قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ. قَالَ: «تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟» قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي. قَالَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنّ الْحَجّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ»؟ الحديث.
([2]) في مسند الإمام أحمد قال النبي صلى الله عليه وسلم «وإنّ النصر مع الصبر, وإنّ الفرج مع الكرب».
([3]) انتهى الوجه الأول من الشريط.
|