منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 21 Dec 2010, 03:30 PM
أبو الحارث وليد الجزائري أبو الحارث وليد الجزائري غير متواجد حالياً
وفقه الله وغفر له
 
تاريخ التسجيل: Feb 2008
الدولة: الجزائر
المشاركات: 473
إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو الحارث وليد الجزائري
افتراضي سيرة ذات عبر؛ ترجمة إمام زمانه : إبراهيم الحربي رحمه الله

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:

كنت أقرأ بعض تراجم من سلف في "سير أعلام النبلاء"، فمررت بترجمة إمام زمانه إبراهيم الحربي -رحمه الله ورضي عنه- فوجدت فيها فوائد جمّة وعبرا شتّى -ولا تخلو تراجم السلف من الفوائد والعبر لكني اقتصرت على هذه الترجمة-، وآثرت نقلها هنا؛ لعل من يقرؤها ينتفع بها.. والله الموفق.




قال الإمام الذهبي في "سير أعلام النبلاء" :

" إبراهيم الحربي (1) هو: الشيخ، الامام، الحافظ، العلامة، شيخ الاسلام، أبو إسحاق، إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن بشير ، البغدادي، الحربي، صاحب التصانيف.
مولده في سنة ثمان وتسعين ومئة.
وطلب العلم وهو حدث، فسمع من: هوذة بن خليفة، وهو أكبر شيخ لقيه، وعفان بن مسلم، وأبي نعيم وعمرو بن مرزوق، وعبد الله بن صالح العجلي، وأبي عمر الحوضي، وعمر بن حفص، وعاصم بن علي، ومسدد بن مسرهد، وموسى بن إسماعيل المنقري، وشعيب بن محرز، وأبي عبيد القاسم بن سلام، وأحمد بن حنبل، وأحمد بن شبيب، وابن نمير، والحكم بن موسى، وأبي معمر المقعد، وأبي الوليد الطيالسي، وسليمان بن حرب، وسريج بن النعمان، وعلي بن الجعد، ومحمد بن الصباح، وخلف بن هشام، وأبي بكر بن أبي شيبة، وبندار، وخلق كثير.
حدث عنه خلق كثير، منهم: أبو محمد بن صاعد، وأبو عمر بن السماك، وأبو بكر النجاد، وأبو بكر الشافعي، وعمر بن جعفر الختلي، وأبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي، وعبد الرحمن بن العباس والد المخلص، وسليمان بن إسحاق الجلاب، ومحمد بن مخلد العطار، وجعفر الخلدي، ومحمد بن جعفر الانباري، وأبو بحر محمد بن الحسن البربهاري، وأمثالهم.
قال أبو بكر الخطيب: كان إماما في العلم، رأسا في الزهد، عارفا بالفقه، بصيرا بالاحكام، حافظا للحديث، مميزا لعلله، قيما بالادب، جماعة للغة، صنف " غريب الحديث "، وكتبا كثيرة، وأصله من مرو.
روى المخلص، عن أبيه، قال: كان إسماعيل القاضي يشتهي أن يلتقي إبراهيم، فالتقيا يوما، وتذاكرا، فلما افترقا، سئل إبراهيم عن إسماعيل، فقال: إسماعيل جبل نفخ فيه الروح.
وقال إسماعيل: ما رأيت مثل إبراهيم.
قلت: إسماعيل هو ابن إسحاق القاضي، عالم العراق.
ويروى أن أبا إسحاق الحربي لما دخل على إسماعيل القاضي، بادر أبو عمر محمد بن يوسف القاضي إلى نعله، فأخذها، فمسحها من الغبار، فدعا له، وقال: أعزك الله في الدنيا والآخرة، فلما توفي أبو عمر، رؤى في النوم، فقيل: ما فعل الله بك ؟ قال: أعزني في الدنيا والآخرة بدعوة الرجل الصالح.
قال محمد بن مخلد العطار:
سمعت إبراهيم الحربي يقول: لا أعلم عصابة خيرا من أصحاب الحديث، إنما يغدو أحدهم، ومعه محبرة، فيقول: كيف فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وكيف صلى، إياكم أن تجلسوا إلى أهل البدع، فإن الرجل إذا أقبل ببدعة ليس يفلح.
وقال أبو أيوب الجلاب سليمان بن إسحاق: قال لي إبراهيم الحربي: ينبغي للرجل إذا سمع شيئا من أدب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتمسك به.
قال: فقيل لابراهيم: إنهم يقولون: صاحب السوداء يحفظ ؟ قال: لا، هي أخت البلغم، صاحبها لا يحفظ شيئا، إنما يحفظ صاحب الصفراء.
وقال عثمان بن حمدويه البزاز: سمعت إبراهيم الحربي يقول: خرج أبو يوسف القاضي يوما - وأصحاب الحديث على الباب - فقال: ما على الارض خير منكم، قد جئتم أو بكرتم تسمعون حديث رسول الله - صلى الله وعليه وسلم -.
هبة الله اللالكائي: سمعت أحمد بن محمد بن الصقر، سمعت أبا الحسن بن قريش يقول: حضرت إبراهيم الحربي - وجاءه يوسف القاضي، ومعه ابنه أبو عمر - فقال له: يا أبا اسحاق ! لو جئناك على مقدار واجب حقك، لكانت أوقاتنا كلها عندك.
فقال: ليس كل غيبة جفوة، ولا كل لقاء مودة، وإنما هو تقارب القلوب.
الحاكم: سمعت محمد بن عبد الله الصفار، سمعت إبراهيم الحربي - وحدث عن حميد بن زنجويه، عن عبد الله بن صالح العجلي بحديث - فقال: اللهم لك الحمد، ورفع يديه فحمد الله، ثم قال: عندي عن عبد الله بن صالح قمطر، وليس عندي عن حميد غير هذا الطبق، وأنا أحمد الله على الصدق .
زادني فيه بعض أصحابنا: عن الصفار، فقال رجل: يا أبا إسحاق ! لو قلت فيما لم تسمع: سمعت، لما أقبل الله بهذه الوجوه عليك.
ثم قال الحاكم: وسمعت محمد بن صالح القاضي يقول: لا نعلم بغداد أخرجت مثل إبراهيم الحربي، في الادب والفقه والحديث والزهد.
ثم ذكر له كتابا في غريب الحديث، لم يسبق إليه .
قال القاضي أبو المطرف بن فطيس: سمعت أبا الحسن المقرئ، سمعت محمد بن جعفر بن محمد بن بيان البغدادي، سمعت إبراهيم الحربي - ولم يكن في وقته مثله - يقول، وقد سئل عن الاسم والمسمى: لي مذ أجالس أهل العلم سبعون سنة، ما سمعت أحدا منهم يتكلم في الاسم والمسمى.
عمر بن عراك المقرئ: حدثنا إبراهيم بن المولد، حدثنا أحمد بن عبد الله بن خالد، حدثني إبراهيم الحربي، قال: كنا عند عبيد الله بن عائشة في مسجده، إذ طرقه سائل، فسأله شيئا، فلم يكن معه ما يعطيه، فدفع إليه خاتمه، فلما أن ولى السائل دعاه، فقال له: لا تظن أني دعوتك ضنة مني بما أعطيتك، إن هذا الفص شراؤه علي خمس مئة دينار، فانظر كيف تخرجه.
فضرب السائل بيده إلى الخاتم، فكسره، ورمى بالفص إليه، وقال: بارك الله لك في فصك، هذه الفضة تكفيني لقوتي وقوت عيالي اليوم.
قال أبو العباس ثعلب:ما فقدت إبراهيم الحربي من مجلس لغة ولا نحو، من خمسين سنة .
قال أبو عبد الرحمن السلمي: سألت الدارقطني عن إبراهيم الحربي، فقال: كان يقاس بأحمد بن حنبل في زهده وعلمه وورعه .
وقيل: إن المعتضد نفذ إلى إبراهيم الحربي بعشرة آلاف، فردها.
ثم سير له مرة أخرى ألف دينار، فردها .
وروى أبو الفضل عبيد الله الزهري، عن أبيه عبدالرحمن، عن إبراهيم الحربي، قال: ما أنشدت بيتا قط إلا قرأت بعده: * (قل هو الله أحد) * ثلاثا .
قال أبو الحسن الدارقطني: وإبراهيم إمام بارع في كل علم، صدوق.
أبو ذر الهروي: سمعت أبا طاهر المخلص، سمعت أبي: سمعت إبراهيم الحربي، وكان وعدنا أن يمل علينا مسألة في الاسم والمسمى، وكان يجتمع في مجلسه ثلاثون ألف محبرة، وكان إبراهيم مقلا، وكانت له غرفة، يصعد، فيشرف منها على الناس، فيها كوة إلى الشارع، فلما اجتمع الناس، أشرف عليها، فقال لهم: قد كنت وعدتكم أن أملي عليكم في الاسم والمسمى، ثم نظرت فإذا لم يتقدمني في الكلام فيها إمام يقتدى به، فرأيت الكلام فيه بدعة، فقام الناس، وانصرفوا، فلما كان يوم الجمعة، أتاه رجل، وكان إبراهيم لا يقعد إلا وحده، فسأله عن هذه المسألة، فقال، ألم تحضر مجلسنا بالامس ؟ قال: بلى.
فقال: أتعرف العلم كله ؟ قال: لا.
قال: فاجعل هذا مما لم تعرف.

وبالاسناد: قال إبراهيم: ما انتفعت من علمي قط إلا بنصف حبة، وقفت على إنسان، فدفعت إليه قطعة أشتري حاجة، فأصاب فيها دانقا، إلا نصف حبة، فسألني عن مسألة، فأجبته، ثم قال للغلام: أعط أبا إسحاق بدانق، ولا تحطه بنصف حبة.
وسمعته يقول: أقمت ثلاثين سنة، كل ليلة إذا أويت إلى فراشي، لو أعطيت رغيفي جارتي لاحتجت إليهما .
ويروى: أن إبراهيم لما صنف " غريب الحديث "، وهو كتاب نفيس كامل في معناه.
قال ثعلب: ما لابراهيم وغريب الحديث ؟ ! رجل محدث.
ثم حضر ملجسه، فلما حضر المجلس سجد ثعلب، وقال: ما ظننت أن على وجه الارض مثل هذا الرجل.
قال أبو ذر الهروي: حكى لي بعض أصحابنا ببغداد، أن إبراهيم الحربي كان سمع مسائل ابن القاسم علي بن الحارث بن مسكين، وحصل سماعه مع رجل، ثم مال إلى طريقة الكلام، فلم يستعرها منه إبراهيم، ورجع، فسمعها من الحسن بن عبد العزيز الجروي ، عن ابن أبي الغمر، عن ابن القاسم.
قلت: نعم، يظهر في تصانيف الحربي أنه ينزل في أحاديث، ويكثر منها، وهذا يدل على أنه لم يزل طلابة للعلم.
وروى المخلص، عن أبيه: أن المعتضد بعث إلى إبراهيم الحربي بمال، فرده عليه أوحش رد، وقال: ردها إلى من أخذتها منه، وهو محتاج إلى فلس.
وكان لا يغسل ثوبه إلا في كل أربعة أشهر مرة.
ولقد زلق مرة في الطين، فلقد كنت أرى عليه أثر الطين في ثوبه إلى أن غسله.

قال عبد الوهاب بن عبد العزيز التميمي الحنبلي: أخبرنا أبو الحسين العتكي، قال: سمعت إبراهيم الحربي يقول لجماعة عنده: من تعدون الغريب في زمانكم ؟ فقال رجل: الغريب: من نأى عن وطنه.
وقال آخر: الغريب: من فارق أحبابه.
فقال إبراهيم: الغريب في زماننا: رجل صالح، عاش بين قوم صالحين، إن أمر بمعرف آزروه، وإن نهى عن منكر أعانوه، وإن احتاج إلى سبب من الدنيا مانوه، ثم ماتوا وتركوه.
قال أحمد بن مروان الدينوري: أتينا إبراهيم الحربي، وهو جالس
على باب داره، فسلمنا وجلسنا، فجعل يقبل علينا، فلما أكثرنا عليه، حدثنا حديثين، ثم قال لنا: مثل أصحاب الحديث مثل الصياد الذي يلقي شبكته في الماء، فيجتهد، فإن أخرج سمكة، وإلا أخرج صخرة.
قال أحمد بن جعفر بن سلم: حدثنا شيخ لنا، قال: قيل لابراهيم الحربي: هل كسبت بالعلم شيئا ؟ قال: كسبت به نصف فلس: كانت أمي تجري علي كل يوم رغيفين، وقطيعة فيها نصف دانق، فخرجت في يوم
ذي طين، وأجمع رأيي على أن آكل شيئا حلوا، فلم أر شيئا أرخص من الدبس، فأتيت بقالا، فدفعت إليه القطيعة، فإذا فيها قيراط إلا نصف فلس، وتذاكرنا حديث السخاء والكرم، فقال البقال: يا أبا إسحاق ! أنت تكتب الاخبار والحديث، حدثنا في السخاء بحديث، قلت: نعم.
حدثني أبو بكر عبد الله بن الزبير، حدثنا أبي، عن شيخ له، قال: خرج عبد الله ابن جعفر إلى ضياعه ينظر إليها، فإذا في حائط لنسيب له عبد أسود، بيده رغيف وهو يأكل لقمة، ويطرح لكلب لقمة، فلما رأى ذلك استحسنه، فقال: يا أسود ! لمن أنت ؟ قال: لمصعب بن الزبير.
قال: وهذه الضيعة لمن ؟ قال: له.
قال: لقد رأيت منك عجبا، تأكل لقمة، وتطرح للكلب لقمة ! قال: إني لاستحيي من عين تنظر إلي أن أوثر نفسي عليها.
قال: فرجع إلى المدينة، فاشترى الضيعة والعبد، ثم رجع، وإذا بالعبد، فقال: يا أسود ! إني قد اشتريتك من مصعب.
فوثب قائما، وقال: جعلني الله عليك ميمون الطلعة.
قال: وإني اشتريت هذه الضيعة.
فقال: أكمل الله لك خيرها.
قال: وإني أشهد أنك حر لوجه الله.
قال: أحسن الله جزاءك.
قال: وأشهد الله أن الضيعة مني هدية إليك.
قال: جزاك الله بالحسنى.
ثم قال العبد: فأشهد الله وأشهدك أن هذه الضيعة وقف مني على الفقراء.
فرجع وهو يقول: العبد أكرم منا .

قال سليمان بن إسحاق الجلاب: سمعت الحربي يقول: الابواب تبنى على أربع طبقات: طبقة المسند، وطبقة الصحابة، وطبقة التابعين، فيقدم كبارهم، كعلقمة والاسود، وبعدهم من هو أصغر منهم، وبعدهم تابع التابعين، مثل سفيان، ومالك، والحسن بن صالح، وعبيد الله بن
الحسن، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، والاوزاعي.
وروي عن إبراهيم الحربي، قال: الناس على أربع طبقات: مليح يتملح، ومليح يتبغض، وبغيض يتملح، وبغيض يتبغض، فالاول: هو المنى، الثاني: يحتمل، وأما بغيض يتملح، فإني أرحمه، وأما البغيض، الذي يتبغض، فأفر منه.
قال ابن بشكوال في أخبار ابراهيم الحربي: نقلت من كتاب ابن عتاب: كان إبراهيم الحربي رجلا صالحا من أهل العلم، بلغه أن قوما من الذين كانوا يجالسونه يفضلونه على أحمد بن حنبل، فوقفهم على ذلك، فأقروا به، فقال: ظلمتموني بتفضيلكم لي على رجل لا أشبهه، ولا ألحق به في حال من أحواله، فأقسم بالله، لا أسمعكم شيئا من العلم أبدا، فلا تأتوني بعد يومكم.
مات الحربي ببغداد، فدفن في داره يوم الاثنين، لسبع بقين من ذي الحجة، سنة خمس وثمانين ومئتين، في أيام المعتضد.
قال المسعودي:كانت وفاة الحربي المحدث الفقيه في الجانب الغربي، وله نيف وثمانون سنة...وكان صدوقا، عالما، فصيحا، جوادا، عفيفا، زاهدا، عابدا، ناسكا، وكان مع ذلك ضاحك السن، ظريف الطبع...ولم يكن معه تكبر ولا تجبر، [ و ] ربما مزح مع أصدقائه بما يستحسن منه، ويستقبح من غيره، وكان شيخ البغداديين في وقته، وظريفهم، وزاهدهم، وناسكهم، ومسندهم في الحديث، وكان يتفقه لاهل العراق، وكان له مجلس في [ المسجد ] الجامع الغربي يوم الجمعة، فأخبرني إبراهيم بن جابر، قال: كنت أجلس في حلقة إبراهيم الحربي، وكان يجلس إلينا غلامان في نهاية الحسن والجمال من الصورة والبزة، وكأنهما روح في جسد، إن قاما قاما معا، وإن حضرا، فكذلك، فلما كان في بعض الجمع، حضر أحدهما [ و ] قد بان الاصفرار بوجهه والانكسار [ في عينيه ]...، فلما كانت الجمعة [ الثانية ]، حضر الغائب، ولم يحضر الذي جاء في الجمعة الاولى منهما، وإذ الصفرة والانكسار بين في لونه...وقلت: إن ذلك للفراق الواقع بينهما، وذلك للالفة الجامعة لهما، فلم يزالا يتسابقان في كل جمعة إلى الحلقة، فأيهما سبق [ صاحبه ] إلى الحلقة لم يجلس الآخر...فلما كان في بعض الجمع، حضر أحدهما فجلس [ إلينا ]، ثم جاء الآخر [ فأشرف على الحلقة ] فوجد صاحبه قد سبق، وإذا المسبوق قد أخذته العبرة، فتبينت ذلك منه في دائرة عينيه، وإذا في يسراه رقاع صغار مكتوبة، فقبض بيمينه رقعة منها، وحذف بها في وسط الحلقة، وانساب بين الناس مستخفيا ، وأنا أرمقه، وكان ثم أبو عبيدة بن حربويه، فنشر الرقعة وقرأها...وفيها دعاء، أن يدعو لصاحبها مريضا كان أو غير ذلك، ويؤمن على الدعاء من حضر، فقال الشيخ: اللهم اجمع بينهما، وألف قلوبهما، واجعل ذلك فيما يقرب منك، ويزلف لديك.
وأمنوا على دعائه..ثم طوى الرقعة وحذفني بها، فتأملت ما فيها...فإذا فيها مكتوب:
عفا الله عن عبد أعان بدعوة * لخلين كانا دائمين على الود
إلى أن وشى واشي الهوى بنميمة * إلى ذاك من هذا فحالا عن العهد
...فلما كان في الجمعة الثانية حضرا جميعا، وإذا الاصفرار والانكسار قد زال، فقلت لابن حربويه: إني أرى الدعوة قد أجيبت، وأن دعاء الشيخ كان على التمام...فلما كان في تلك السنة كنت فيمن حج، فكأني أنظر إلى الغلامين محرمين..بين منى وعرفة، فلم أزل أراهما متآلفين إلى أن تكهلا .
قال القفطي في " تاريخ النحاة " له: كان إبراهيم الحربي رأسا في الزهد، عارفا بالمذاهب، بصيرا بالحديث، حافظا له...له في اللغة كتاب: " غريب الحديث "، وهو من أنفس الكتب وأكبرها في هذا النوع.
أبو الحسن بن جهضم - واه -: حدثنا جعفر الخلدي، حدثنا أحمد ابن عبد الله بن ماهان: سمعت إبراهيم بن إسحاق يقول: أجمع عقلاء كل ملة أنه من لم يجر مع القدر لم يتهنأ بعيشه.
وكان يقول: قميصي أنظف قميص، وإزاري أوسخ إزار، ما حدثت نفسي أنهما يستويان قط، وفرد عقبي (2) صحيح والآخر مقطوع، ولا أحدث نفسي أني أصلحهما، ولا شكوت إلى أهلي وأقاربي حمى أجدها، لا يغم الرجل نفسه وعياله، ولي عشر سنين أبصر بفرد عين، ما أخبرت به أحدا، وأفنيت من عمري ثلاثين سنة برغيفين، إن جاءتني بهما أمي أو أختي، وإلا بقيت جائعا إلى الليلة الثانية، وأفنيت ثلاثين سنة برغيف في اليوم والليلة، إن جاءتني امرأتي أو بناتي به، وإلا بقيت جائعا، والآن آكل نصف رغيف وأربع عشرة تمرة، وقام إفطاري في رمضان هذا بدرهم ودانقين ونصف .
قال أبو القاسم بن بكير: سمعت إبراهيم الحربي يقول: ما كنا نعرف من هذه الاطبخة شيئا، كنت أجئ [ من ] عشي إلى عشي، وقد هيأت لي أمي باذنجانة مشوية، أو لعقة بن ، أو باقة فجل .
محمد بن أيوب العكبري: سمعت إبراهيم الحربي يقول: ما تروحت ولا روحت قط، ولا أكلت من شئ في يوم مرتين .
قال أبو الحسين بن سمعون: حدثنا أحمد بن سليمان القطيعي قال: أضقت إضاقة، فأتيت إبراهيم الحربي لأبثه، فقال لي: لا يضيق صدرك، فإن الله من وراء المعونة، فإني أضقت مرة، حتى انتهى أمري إلى أن عدم عيالي قوتهم، فقالت الزوجة: هب أني أنا وأنت نصبر، فكيف بالصبيتين ؟ هات شيئا من كتبك نبيعه أو نرهنه.
فضننت بذلك
، وقلت: أقترض غدا، فلما كان الليل، دق الباب، فقلت: من ذا ؟ قال: رجل من الجيران [ فقلت: ادخل.
فقال: ]، فأطفئ السراج حتى أدخل.
فكببت شيئا على السراج، فدخل، وترك شيئا، وقام، فإذا هو منديل فيه أنواع من المآكل، وكاغد فيه خمس مئة درهم، فأنبهنا الصغار وأكلوا، ثم من الغد ، إذا جمال يقود جملين، عليهما حملان ورقا، وهو يسأل عن منزلي، فقال: هذان الجملان أنفذهما لك رجل من خراسان، واستحلفني أن لا أقول من هو .
إسنادها مرسل.
قال الحسين بن فهم الحافظ: لا ترى عيناك مثل إبراهيم الحربي، إمام الدنيا، لقد رأيت، وجالست العلماء، فما رأيت رجلا أكمل منه.
قال الحاكم: سمعت محمد بن صالح القاضي يقول: لا نعلم بغداد أخرجت مثل إبراهيم الحربي في الادب والفقه والحديث والزهد.
قلت: يريد من اجتمع فيه هذه الامور الاربعة.
قال سليمان بن الخليل: سمعت الحربي يقول: في [ كتاب أبي عبيد ] " غريب الحديث " ثلاثة وخمسون حديثا ليس لها أصل.
قال أبو الحسن الدارقطني: الحربي إمام، مصنف، عالم بكل شئ، بارع في كل علم، صدوق.
قال أبو بكر الشافعي: سمعت إبراهيم الحربي يقول: عندي عن علي ابن المديني قمطر، ولا أحدث عنه بشئ، لاني رأيته المغرب وبيده نعله مبادرا، فقلت: إلى أين ؟ قال: ألحق الصلاة مع أبي عبد الله.
فظننته يعني أحمد بن حنبل، ثم قلت: من أبو عبد الله ؟ قال: ابن أبي دؤاد (3).
وقيل: إن المعتضد لما نفذ إلى الحربي بالعشرة آلاف فردها، فقيل له: ففرقها، فأبى، ثم لما مرض، سير إليه المعتضد ألف دينار، فلم يقبلها، فخاصمته بنته، فقال: أتخشين إذا مت الفقر ؟ قالت: نعم.
قال: في تلك الزاوية اثنا عشر ألف جزء حديثية ولغوية وغير ذلك كتبتها
بخطي، فبيعي منها كل يوم جزءا بدرهم وأنفقيه.

نقل الخطيب ، وطائفة: أن الحربي توفي لسبع بقين من ذي الحجة، سنة خمس وثمانين ومئتين، وكانت جنازته مشهودة، صلى عليه يوسف القاضي، صاحب كتاب " السنن "، وقبره يزار ببغداد.
وفيها مات: إسحاق الدبري، صاحب عبد الرزاق، وعبيد بن عبد الواحد البزار، وأبو العباس محمد بن يزيد المبرد." اهـ

ـــــــــــــــ

(1) الحربي، بفتح الحاء، وسكون الراء: نسبة إلى محلة غربي بغداد، بها جامع وسوق. [أنساب السمعاني]

(2) العقب هنا النعل.
(3) ينظر لتعليق الخطيب على هذه الرواية في "تاريخ بغداد" وعظم شأن علي بن المديني.

.:: وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين ::.

التعديل الأخير تم بواسطة أبو الحارث وليد الجزائري ; 23 Dec 2010 الساعة 10:27 AM
رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
ابراهيم الحربي, تراجم, سيرأعلام النبلاء


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013