عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 18 May 2008, 08:58 PM
أبو البراء إلياس الباتني أبو البراء إلياس الباتني غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 106
افتراضي

دليل المشبوه على المسألة:

إن الذي سدّ انتباهي عند قراءة فتواه هذه أنني وجدتها أفْرَغ من جيب مفلس؛ لأنها خالي من أدلة الكتاب و السنة!

فقلت: كيف يقول ’فتوى خطيرة عظيمة الشأن...‘، ثم يدعها عارية من دليل السنة و القرآن؟!!

إن هؤلاء يكفّرون الناس؛ لأنهم لا يحكمون بما أنزل الله في كل بقاع الأرض بزعمهم، ثم لا تجد في فتواهم شيئا مما أنزل الله: لا آية و لا حديثا، كيف تستقيم لهم هذه الدعوى؟!

كل ما عندهم: قال فلان.. و قال فلان.. كما هو الشأن في كل الصفحات الثلاث التي دوّن فيها المشبوه فتواه، من (ص 11) إلى (ص 13)، ليس فيها إلا تحاكمه إلى الرجال، و قد صوّرتها قريبا! !

أهكذا تُستباح رقاب العلماء؟!

و قد مرّ بنا قريبا رميه السلفيين بالتقليد، فها هو يستبيح الرقاب بمجرد التقليد، و من حفر حفرا لأخيه وقع فيه!

و الفتوى التي ضرب بها المثل لأهل السنة هي في حق الباطنية، فكأن الرجل يبحث عن أي شُبه تشبه ضلاله لينزّل حكمها على أهل زمانه، و هاك نموذجا مما استدل به، و هو أول فتوى نقلها في هذا العدد، قال: ”سُئل ابن عذرة عن خطباء بني عبيد، و قيل لهم: إنهم سنِّيّة؟ فقال: أليس يقولون: اللهم صل على عبد الحاكم ورثة الأرض؟ قالوا: نعم! قال: أرأيتم لو أن خطيبا خطب فأثنى على الله و رسوله فأحسن الثناء، ثم قال: أبو جهل في الجنة، أيكون كافرا؟! قالوا: نعم! قال: فالحاكم أشد من أبي جهل“.

ثم قال: ”قال عياض: و سُئل الدّاودي عن المسألة، فقال: خطيبهم الذي يخطب لهم يدعو لهم يوم الجمعة كافر يقتل و لا يستتاب، و تحرم عليه زوجته، و لا يرث و لا يورث، و ماله فيء للمسلمين... و أحكامه كلها أحكام كفر...“

هذان نموذجان من لفتاوى التي تحاكم إليها المشبوه؛ ليبرر ما فعله الغلاة من شرذمته في قتلهم الدعاة في الجزائر، و اختطاف الأئمة إلى غير رجعة، و تعذيبهم بأشد ما سمعت به الدنيا في عالم التعذيب و التنكيل، و الله المستعان!

و تصديق ذلك أن المشبوه كتب مقالا أراد أن يبرر فيه قتل جماعته للشيخ محمد سعيد الوناس في الجزائر كما سيأتي إن شاء الله، فأحال القارئ على فتواه هذه و قال: ”انظر الفتوى في كفر الخطباء و المشايخ الذين دخلوا في نصرة و تأييد المبدلين لشريعة الرحمن، بتعليقي! !“، و ذلك في العدد (132) من مجلته، في (ص 12)، و الأمر لله!

إذاً فالشيخ محمد سعيد هو عنده واحد ممن استحق القتل؛ لأنه في حكم الخطباء الذين دخلوا في نصرة المبدلين... ! !

فهذا التمثيل الذي مثّل به لتبرير قتل الشيخ يعتبر تطبيقا عمليا لفتواه تلك، و هو الذي هدانا لأن نفهم مراده من فتواه.

صورة المقال السابق

[ ]

و إذا كان المشبوه لا يخرج عن التقليد كما رأيت في خلوّ فتواه الأخيرة من الدليل، فكيف يتهم غيره بالتقليد؟!

ويقول في مجلة الأنصار، العدد (134) و قد سبق تصوريه، في (ص 5)، بتاريخ: (الخميس 12 رمضان 1416 هـ): ”و قوم آخرون زعموا التمسك بالسنة و بفهم السلف الصالح، و أخرجوا الناس من تقليد الأوائل، و لكنهم لم يبرؤوا من جرثومة التقليد، فأخرجوا الناس من تقليد الشافعي إلى تقليد ابن باز، و من تقليد مالك إلى تقليد ابن عثيمين، و من تقليد أحمد إلى تقليد الألباني، تحاور الرجل منهم الساعة و الساعتين، و ترمي بوجهه الدليل تلو الدليل فلا يجد في قلبه من الشر إلا أن يقول لك: و لكن الألباني يقول بغير ذلك؟! و لكن ابن باز لم يقل هذا! ! هل قال بهذا ابن عثيمين و ابن باز و الألباني؟! من قال بهذا؟!

و لو قلت له: (قال الأئمة العظام) لتعارض هذا القول في نفسه فيما يقول هؤلاء الذين اتخذهم آلهة من دون الله، و لا يقول ما يقولوا (كذا)، و لا يدين إلا بمذهبهم، و كأنهم أنبياء هذا الزمان،و كان من مقت الله تعالى لهؤلاء القوم أن مسخ الله قلوبهم و عقولهم؛ حيث جعل الإمامة ـ و هي أعلى المراتب و أشرفها في هذه الدنيا ـ من حق من مسخ الله قلبه و أتى المكفّرات العظيمة كآل سعود و الملك حسين و القذافي و صدّام و آل الصباح، فانتسابهم للسلف لم يعلمهم التوحيد الذي يوجب عليهم البراءة من كل طواغيت الأرض“!!!

و قد مرّ تصوير هذا العدد من مجلته.

النقد:

1- تأمل حَنَقَ الرجل على أهل العلم، و الريق المسموم الذي يقطر به لسانه تجاههم؛ بسبب مضايقة فتاوى أولئك الأكابر لهمجية هؤلاء الأصاغر.

و هذا سبيل جماعات التكفير اليوم مع هؤلاء المذكورين من العلماء، و لذلك فبمجرد ما تُوُفيّ هؤلاء اجتهد أولئك في التركيز على مسائل الإرجاء، و أعطوها حجما لا تستحقه؛ ليحوّلوا المعركة من حَلَبة الخوارج الحقيقية إلى حَلَبة المرجئة شبه الوهمية، مع أن الفساد الذي حصل من جهة الفكر الإرجائي لا يكاد يُذكر إلى جنب الفساد الذي حصل من جهة الفكر الخارجي!

إن الموفّق من جعله الله مرابطا على الثغرين جميعا: التكفير و الإرجاء؛ لأن كلا منهما بدعة شنيعة، لكن لينصِف المنصفون: أي البدعتين أتبع؟ و أيهما أشنع؟ و أي الساحتين أوسع؟

فإن عسر عليكم عد أحيائهم، فعدوا أمواتهم؛ لأن إحصاء الأموات أيسر، فانظروا أي المقبرتين أعمر؟

يضاف إلى ما سبق أن بعض مسائل الإرجاء المعروضة اليوم ـ و التي أقاموا عليها الولاء و البراء ـ مسائل نظرية، بل خيالية لا أرضية لها كما يقال؛ لأن أصحابها رموا بالإرجاء من لم يكفر تارك العمل، مع أنهم لم ثبتوا لنا مخلوقا يترك العمل كلية، و إنه لعجب أن تقوم معركة ساخنة على مسألة خيالية، و أن يقوم للولاء و البراء سوق على بضاعة لا رواج لها.

و يُضاف إليه أيضا أن بدعة الإرجاء ألصق بأصحاب الحركة اليوم منهم بغيرهم؛ أولئك الذين يستخفون بالتمسك بالسنة؛ فقد يصفون المتمسك بها متمسكا بالقشور! و يهوّنون من شأن البدع و أهلها، و يُجهدون أنفسهم للستر عليهم بتأويلاتهم المتكلفة، مع العلم أن البدعة شر من المعصية، كما هو معلوم لدى من أطلعه الله على آثار السلف في ذلك.

2- إن الإمامة ـ أي مرتبة الخلافة التي دندن حولها صاحب هذا المقال في آخر كلامه ـ ليست أعلى المراتب و لا أشرفها، لا في الدنيا و لا في الآخرة، وهذا القيد بـ ’هذه الدنيا‘ في كلامه المتقدم مُلغى لا معنى له، و إنما ذكره مراوغة و متنفسا يلجأ إليه إذا قيل له: إنك وقعت فيما يدّعيه الشيعة الروافض من الغلوّ في شأن الإمامة، كما نقل ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في 'منهاج السنة' (1 / 73-74) أن ابن المطهر الرافضي قال: ”فهذه رسالة شريفة، و مقالة لطيفة، اشتملت على أهم المطالب في أحكام الدين، و أشرف مسائل المسلمين، وهي مسألة الإمامة...“، ثم ردّ عليه بقوله (1 / 75): [إن قول القائل: ”إن مسألة الإمامة أهم المطالب في أحكام الدين، و أشرف مسائل المسلمين“ كذب بإجماع المسلمين سنّيهم و شيعيّهم، بل هذا كفر؛ فإن الإيمان بالله و رسوله أهم من مسألة الإمامة، و هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام...]، إلى أن قال (1 / 78): [الثاني: أن يقال: الإيمان بالله و رسوله في كل زمان و مكان أعظم من مسألة الإمامة، فلم تكن في وقت من الأوقات لا الأهم و لا الأشرف.

الثالث: أن يقال: فقد كان يجب بيانها من النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ لأمته الباقين من بعده، كما بيّن لهم أمور الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج، وعيّن أمر الإيمان بالله و توحيده و اليوم الآخر، و من المعلوم أنه ليس بيان مسألة الإمامة في الكتاب و السنة كبيان هذه الأصول].

و قال: (1 / 98): [و أيضا فمن المعلوم أن أشرف مسائل المسلمين و أهم المطالب في الدين، ينبغي أن يكون ذكرها في كتاب الله أعظم من غيرها، و بيان الرسول لها أولى من بيان غيرها، و القرآن مملوء بذكر توحيد الله، و ذكر أسمائه و صفاته و آياته و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و القصص و الأمر و النهي و الحدود و الفرائض، بخلاف الإمامة، فكيف يكون القرآن مملوءا بغير الأهم و الأشرف؟!].

قلت: و ما دام أمر الخلافة قد غلا فيه هذا و أمثاله إلى حد ما رأيت، فإنني انقل هنا كلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في رده على كلام الرافضي السابق، وهو رد على جميع الذين يستعظمون أمر الخلافة ـ التي هي حق بلا ريب ـ على استعظام التوحيد و أصوله و ثمراته، قال في (1 / 106-109): [من جعل هذا ـ يريد الإمامة ـ من الإيمان إلا أهل الجهل و البهتان، و سنتكلم ـ إن شاء الله ـ على ماذكره من ذلك.
و الله ـ تعالى ـ وصف المؤمنين و أحوالهم، و النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ قد فسر الإيمان و ذكر شعبه، و لم يذكر الله و لا رسوله الإمامة في أركان الإيمان، ففي الحديث الصحيح حديث جبريل لمّا أتى النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ في صورة أعرابي و سأله عن الإسلام و الإيمان و الإحسان، قال له: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله، وتقيمَ الصلاة، و تؤتي زكاة، و تصوم رمضان، و تحج البيت"، قال: "و الإيمان أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و البعث بعد الموت، و تؤمن بالقدر خيره و شره"، ولم يذكر الإمامة.

قال: "و الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، هذا الحديث متفق على صحته...].

ثم قال: [وهَب أنّا لا نحتج بالحديث، فقد قال الله ـ تعالى ـ: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم و إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمان و على ربهم يتوكلون (2) الذين يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون (3) أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم و مغفرة و رزق كريم} (الأنفال 2-4).

فشهد لهؤلاء بالإيمان من غير ذكر الإمامة.

و قال ـ تعالى ـ: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله و رسوله ثم لم يرتابوا و جاهدوا بأموالهم و أنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} (الحجرات 15).

فجعلهم صادقين في الإيمان من غير ذكر الإمامة.

و قال ـ تعالى ـ: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب و لكن البر من آمن بالله و اليوم الآخر و الملائكة و الكتاب و النبيين و آتى المال على حبه ذوي القربى و المساكين و ابن السبيل و السائلين و في الرقاب و أقام الصلاة و آتى الزكاة و الموفون بعهدهم إذا عاهدوا و الصابرين في البأساء و الضراء و حين البأس أولئك الذين صدقوا و أولئك هم المتقون} (البقرة 177).

و لم يذكر الإمامة.

و قال ـ تعالى ـ: { ألم (1) ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين (2) الذين يؤمنون بالغيب و يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون (3) و الذين يؤمنون بما أنزل إليك و ما أنزل من قبلك و بالآخرة هم يوقنون (4) أولئك على هدى من ربهم و أولئك هم المفلحون} (البقرة 1-5).

فجعلهم مهتدين مفلحين و لم يذكر الإمامة].

سبحان الله! لو عُرض هذا الكلام على هؤلاء الحركيين من غير تصريح باسم صاحبه لأوشكوا على رميه بالعلمنة، و لكن يمنعهم من ذلك جلالة اسم ابن تيمية و هيبته، كما كان يجبن كثير من هؤلاء على رمي العلامة ابن باز ـ رحمه الله ـ بالإرجاء في حياته، و إن كانوا يعتقدون ذلك فيه؛ لأنه لم يعطهم ما يريدون من تكفير للحكّام، فلمّا تُوُفّي جاؤوا يركضون، فمنهم من آثر التلميح، يلسع إذا تمكّن، فإذا فُطن له تمسكن!

و منهم من ظاهره صمت، و باطنه مقت، قال الله ـ عز و جل ـ: {ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم و نجواهم و أن الله علام الغيوب} (التوبة 78).

و منهم من صرح بتبديعه بذلك، كذاك المرّاكشي بو النِّيت(1)!

ثم ذكر ابن تيمية ـ رحمه الله ـ شبهة السياسيين من الحركيين الذين يركزون في أحاديثهم على الخلافة، فقال (1 / 109-110): [فإن قيل: قد دخلَت في عموم النصوص، أو هي من باب ما لا يتم الواجب إلا به، أو دلّ عليها نص آخر.

قيل: هذا كله لو صحّ لكان غايته أن تكون من بعض فروع الدين، لا أن تكون من أركان الإيمان، فإن ركن الإيمان ما لا يحصل الإيمان إلا به كالشهادتين، فلا يكون الرجل مؤمنا حتى يشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله، فلو كانت الإمامة ركنا في الإيمان لا يتم إيمان أحد إلا به لوجب أن يبين ذلك الرسول بيانا عاما قاطعا للعذر، كما بيّن الشهادتين و الإيمان بالملائكة و الكتب و الرسل و اليوم الآخر، فكيف و نحن نعلم بالاضطرار من دينه ان الناس الذين دخلوا في دينه أفواجا لم يشترط على أحد منهم في الإيمان الإيمان بالإمامة لا مطلقا ة لا معيّنا؟!].

إن الحركيّين اليوم خرجوا على الأمة بتقسيم جديد للتوحيد، فأضافوا توحيد الحاكمية إلى التقسيم المعروف، و هو كلمة حق في جملته لا في تقسيمه، و لكن أُريد بها باطل؛ لأنهم أرادوا بذلك التخلص من مثل كلام ابن تيمية هذا من الأصول، أي أرادوا انتشالها من وضعها في باب الأحكام العملية السلطانية، إلى وضع عقدي، فلذلك حرصوا على ألا تكون إلا قسما مستقلا من أقسام التوحيد! !

و أنا ما أردت بهذا مناقشتهم في هذا بقدر ما أردت بيان تلاعبهم في استعمال المصطلحات الشرعية لتلبس ما يريدون من المعاني، و إلا فالمسألة تحتاج إلى تفصيل، و التفصيل لا يصلح أن نستدرج إليه مع ذوي الأغراض...

ثم كيف جعل المشبوه الخلافة أشرف المراتب و أعلاها في الدنيا، مع أن العالم أعلى درجة من الحاكم، بل النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ أعلاهم جميعا لمقام النبوة؟! بل كم نبي لم يُستخلف في الأرض، فهل يكون قد حُرم الشرف؟!!

قال ابن تيمية في 'المنهاج' (1 / 80): [إن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ لم تجب طاعته على الناس لكونه إماما، بل لكونه رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ إلى الناس، و هذا المعنى ثابت له حيا و ميّتا...].

و الحقيقة أنه ليس ثَمّ فرق كبير بين معتقد الرافضة في الإمامة و معتقد هؤلاء في الخلافة؛ لأن أولئك صرّحوا بلسان قالِهم، و هؤلاء صرحوا بلسان حالهم، و قد قيل: لسان الحال أنطق من لسان المقال، و الله المستعان.

و أعود للرد على المشبوه في مقاله ذلك، فأقول:

3- إن الذين ذكر أنه حاورهم فتركوا قوله لقول الجبال الثلاثة الأئمة الثقات الأثبات: ابن باز و الألباني و العثيمين ـ رحمهم الله ـ، أقول: قد أحسنوا صنعا، و فعلهم هذا هو عين الحكمة و هو سبيل العقلاء أتباع الكتاب و السنة، و ليس هو من التقليد المذموم في شيء؛ لأن ما حاورهم فيه من أمور الجهاد هو من نوازل هذه الأيام، و قد أمر الله عندها بالرجوع إلى أهل العلم، بل إلى أهل الاستنباط منهم، فقال: {و إذا جاءهم أمر من الخوف أو الأمن أذاعوا به و لو ردّوه إلى الرسول و إلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} (النساء 83)، و قد بيّنتُ وجه استدلال أهل العلم بهذه الآية في مسائل النوازل، و ذكرت لذلك آثارا عن السلف في كتابي: 'مدارك النظر في السياسة' فلا أعيده.

و لو كان المشبوه عالما فتركوه لأولئك المجتهدين فلقد أحسنوا؛ استجابة لأمر الله في هذه الآية، فكيف و أحسن أحواله أنه مجهول؟!

4- في هذا النص شهادة من المشبوه على أن جهاده، بل (جهاد! !) أصحابه ـ أما هو فلا يجاهد! ! ـ ليس بجهاد شرعي؛ لأنه شهِد بنفسه أن أهل العلم ـ بل المجتهدين من أهل العلم في هذا العصر ـ يخالفونه فيه، و في هذا عبرة للذين لا يزالون يشكّون في رأي أهل العلم، و قد قال الله ـ عز و جل ـ: {و شهد شاهد من أهلها} (يوسف 26) !

5- ليس في الأخذ بأقوال أهل العلم و ترك أقوال هذا المشبوه تقليد مذموم؛ لأن العاقل إذا خُيّر بينهم و بين مجهول فلن يرضى بهم بديلا، كيف و قد صحّ في مسند أحمد و غيره أن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ قال: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".

أقول هذا على افتراض أن العلماء المذكورين يُفتون بغير حجة، و إلا فقد عوّدونا تنوير فتواهم بحجة الكتاب و السنة، رحمهم الله.

6- لقد كفّر المشبوه السلفيين بتقسيمهم: العلماء، و أتباعهم من طلبة العلم و العوام، فأما العلماء فقد كفّرهم؛ لأنهم يرون إمامة بعض الحكّام و لا يشاركونه في تكفيره لهم، كما مر.

و أما طلبة العلم و من يتبعهم من عوام؛ فلأنهم يقلدون ابن باز و الألباني و ابن عثيمين ـ رحمهم الله ـ، حيث قال: ”يقول هؤلاء الذين اتخذهم آلهة من دون الله! !“

و أصرح منه قوله السابق: ”و صار أمر ردّة هؤلاء الحكام و طوائفهم من المعلوم ضرورة، و لا يجهله إلا من طمس الله بصيرته و جهل حقيقة التوحيد...“ ! !

و معلوم لديك ـ أخي القارئ! ـ أنه يقصد بـ”طوائفهم“ العلماء و العامة الذين لا يؤيدونه، و قد مر تصريحه بذلك، و باح به في خطبته المشار إليها، و شبيه به قوله في مجلة الأنصار، العدد (90)، في (ص 12)، بتاريخ: (الخميس 29 شوال 1415 هـ)، الموافق لـ (30/3/1995 م): ”و لذلك فليُعلم أن نساء و ذرية كل طائفة تعامَل معاملة الطائفة ممتنِعة (كذا) بقوة و شوكة التي انتسبت إليها... ! !“.

صورة المقال السابق

[ ]

--------------------------------------
1: لأخي الفاضل شوقي بن عوّاد العويسي ردّ عليه باسم 'رجوم المعتدين على العقيدة السلفية و دعاتها السلفيين'، سدد الله خطاه فيه و يسر له إتمامه، و الغريب أن كتاب المرّاكشي هذا طُبع قبل سنوات، و رمى فيه صاحبُه أئمة العصر: الألباني و ابن باز و ابن عثيمين بالإرجاء، و سمّاهم الثالوث، عامله الله بما يستحق، فلم نر من أهل (الغيرة! !) من المتظاهرين بالاهتمام بهذا الباب من تحرك لنصرة الحق و أهله، مع أنه قد اجتهد الشباب المتسمّم بداء التكفير لتلويث البيئة السلفية بمثل ما ذُكر، و لا يزال الصمت مخيّما! !
و لأخي الفاضل أبي رواحة عبد الله الموري اليماني نظم حافل بذكر السنة و مآثر أهلها من أئمة العصر، ضمّنه رثاء طيّبا بعنوان 'النهر العرسض في الذب عن أهل السنة بالقريض'، يرثي فيه جمعا من أهل العلم الذين توفّوا في وقت متقارب جدا أي من حوالي السنة العشرين من هذا القرن، و هم الشيخ محمد أمان، و الشيخ حمّاد الأنصاري، الشيخ ابن غصون، و الشيخ عبد الرزاق عفيفي، و الشيخ ابن باز، و الشيخ الألباني، و الشيخ ابن عثيمين، و الشيخ بديع الدين السندي، و الشيخ مقبل و غيرهم ـ رحمة الله عليهم ـ، أنقل منه ما يأتي مفرقا (ص 76-81):

لا النظم نظمي و الأشعار أشعاري [][][] و القريض قريضي يا ابنة الجار
في عقد عشرين حطّت كل فاجعة [][][] رحالها و تولّت حين إدبار
في عقد عشرين تبكي العين راضية [][][] فدمعها نازل كالغيث مدرار
على شيوخ لهدي المصطفى نشروا [][][] يعلنون سنّته في كل أمصار
إذا ابن باز بيوم الأمس ندفنه [][][] و اليوم ندفن شيخ العصر و الدار
يا ناصر الدين إن لم ترض جيرتنا [][][] فقد رضيت بأخرى جيرة الباري
بكت عليك رياض العلم دامعة [][][] و ذاب من فقدكم أشياخ أمصاري
كم بدعة يا إمام العصر كنت لها [][][] سدّا منيعا فصارت وسط غوار
كم منهج فاسد صيرت قامته [][][] قصيرة فاكتوى من ردك الناري
يا ناصر الدين من يَبكيك رائعةً [][][] أهل الهوى؟ لا و ربي الخالق الباري
فليس يبكيك إلا تابع سلفا [][][] و نهجه يُستقى من خير مختار
و من يردّ دعاة الغي إذا نعقوا [][][] إلا ابن نوح بسيف منه بتار
و كيف يستطيع خصم في مناقشة [][][] نقاش ذاك الهِزَبْر العاقر الضار
كم باحث ناقد في الشيخ خطّته [][][] و نقده لا يساوي عشر معشار
يسير خلف ذوي الأهواء مجتهدا [][][] و باعه لا يساوي شبر مغوار
يرميه زورا بذا الإرجاء في سفه [][][] ونهجه خارجي نهج جزار

و مما قاله أيضا في (ص 200):
ثم اتجهت لأرض مكة قاصدا [][][] في ذا شيوخ العلم و العرفان
حتى وصلت لدار شيخ عالم [][][] فذًّ نصوح ثابت الأركان
ذي حنكة و سياسة شرعية [][][] وذكاؤه قد فاق في الرجحان
هذا و إن له لفقها ظاهرا [][][] إذ صار مأخوذا من القرآن
وكذاك من قول النبي محمد [][][] و من اقتفاه بغابر الأزمان
فسألت من هذا و كلي دهشة [][][] من حفظه إذ كان ذا إتقان
و عجبت لمّا أن نظرت بوجهه [][][] فإذا له عينان لا تريان
و هنا أجابون بصوت خافت [][][] هذا ابن باز عالم رباني
أو ما نظرت لدمعه متحدّرا [][][] من خشية للخالق المنان
وَصَموك يا شيخَ الجزيرة حقبة [][][] بعمالة و جهالة سِيّان
لكن سيُوقف كل عبد شاتم [][][] يوم القيامة في الورى بعيان

رد مع اقتباس