عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 14 May 2008, 07:23 PM
أبو البراء إلياس الباتني أبو البراء إلياس الباتني غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 106
افتراضي

و لم يكتف سلمان بالطعن على علماء الحديث، بل ضم إليهم الفقهاء فقال في ’الإغراق في الجزئيات’ (ص 2)، كما في الانترنت، موقع ’السلفيون!!’: “لقد بلينا بطائفة من المسلمين، بل و أحيانا من الدعاة إلى الله ـ تعالى ـ، الذين هم على (المفترض!!) من خيار المسلمين، همّهم تحوّل إلى العناية بفروع المسائل و جزئياتها، فأسهروا ليلهم، و أضنوا نهارهم في قتل هذه المسائل و الجدال حولها، حتى لَكَأنها الدين كله، أو أنها من أهم مسائل الدين، مع أنها يمكن أن تكون سنة من السنن، حتى من تركها متعمدا لن يكون عليه في ذلك حرج و لا تثريب، و إن كان الأولى بالمسلم أن يتبع رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ في دقيق الأمور و جليلها“.

قلت: إذا كانت النتيجة هي ما سطره أخيرا، فلماذا الاعتراض، لولا الحرص على تشويه صورة السلفيين؟!

و قال في (ص 4): “فهل ترى ـ يا أخي مثلا ـ أن من العدل أن نستغرق وقتا في الحديث عن جزئية من هذه السنن الواردة في الصلاة، كالحديث عن جلسة الاستراحة، أو الحديث عن التورك، أو الحديث عن صفة الهوي إلى السجود: هل يسجد على يديه أولا أو على ركبتيه أولا؟!! هل ترى من الحكمة أن نستغرق في هذه المسألة و نقتلها بحثا و نؤلف فيها عددا من الكتب، و تكون هي حديثنا في مجالسنا، و هي مجال للمنافرة و المنافسة بين الأقران و الطلاب!!“

و قال في (ص 23): “أيضا هناك قضية الاشتغال الدائم بالفرعيات: قد يكون عندنا عشرون مسألة، و إن شئت فقل: ثلاثون، هي كل ما نتحدث عنها، خاصة نحن طلبة العلم في مجالسنا الخاصة، لا يكاد يخلو مجلس من مجالسنا مثلا عن الكلام عن جلسة الاستراحة: مستحب أم مكروه أم جائز، و في بعض الأقوال بأنها واجبة، تحريك الأصبع في التشهد ربما أكثر من عشرين كتاب (كذا) أُلِّف في هذه المسالة، و تفنن في الناس تحريك الأصبع بالتشهد بشكل لم يسبق له نظير، قضية وضع اليد في الصلاة: أين ضعها: على صدره أم تحت السرة أم فوق السرة؟ قضية الهوي إلى السجود: هل يسجد على ركبتيه أم على يديه أولا كما أسلفنا؟ مع أن ابن تيمية لما تكلم عن هذه المسألة ـ مسالة الهوي على اليدين أو على للركبتين ـ قال: هذه من المسائل العويصة المشكلة المختلفة، التي الأدلة فيها غير واضحة.
و لكنك تجد طالب العلم الصغير أول ما يبدأ بالمسألة هذه، و ليت المسألة تقف عند هذا الحد، قد يؤلف فيها مصنفات أحيانا، و ليت الأمر يقف عند هذا الحد، بل قد تجد هذا الإنسان أصبح يعتبر هذه المسألة ميزانا و فيصلا بين الذي يتبع السنة و الذي لا يتبع السنة، فالذي يقدم يديه هذا يتبع السنة، و الذي لا يقدم يديه هذا لا يتبع السنة، الصلاة بالنعال مثلا، قضية النقاب بالنسبة للمرأة، التسبيح اليمين أم بكلتا اليدين، صلاة التراويح خمس أو عشر أم أكثر أم أقل، هل يجهر بالذكر بعد الصلاة أم لا يجهر، قضية دخول الأطفال إلى المساجد، و ما أشبه ذلك من المسائل المحدودة، هي أصبحت جل همّنا و حديثنا و كلامنا، و كل طالب علم أراد أن يجرب خبرته و إمكانيته فإنه يختار بعض هذه المسائل، و يرجع إلى بعض الكتب، و يجمع بعض ما قيل فيها و يكتب في ذلك مصنفا أو جزءا حديثيا أو جزءا فقهيا!!“

و قال في (ص 18): “فمثلا تجد جزئيات: أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم، هل يجوز أخذا الأجرة على تعليم القرآن الكريم أو لا يجوز؟!“

وقال: “فتجد أنه جدل: هل يجوز قبول الإعانة و الهدية من مشرك أو أنه لا يجوز؟ و بالتالي نرد هذا، لا نقبله؛ باعتبار الأخذ بالأحوط و تغليب جانب الخطر، و بالتالي نفوت على المسلمين مصالح عظيمة في مثل ذلك!!“.

قلت: فليأت على الدين كله فلينسخه!!

كان عليه ـ لولا هذا النّفَس (الإخواني) المعروف ـ أن يعظّم الدين و شعائره؛؛ لأن الله يقول: {ذلك و من يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} (الحج 32)، و كان أهل التقوى أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ يسهبون في الحديث عن هذه المسائل، و ما سمعنا أن أحدا ضاق بها ذرعا، و لا يزال أهل العلم يهتمون بها و يكتبون فيها، و يردون على المخالف فيها و صدورهم منشرحة لم يثلمها عقدة حركية قطّ.

و قال في (ص18): “مثلا قضية النفاس، و قضية الحيض، و صارت مَضحكة يا أحباب!! هل نريد أن نظل مَضحكة للأمم و الشعوب إلى يوم يُبعثون؟! نشغل أنفسنا بهذه الجزئيات، و بهذه الأمور، و بهذه القضايا الخيالية!! كأننا عجزنا عن مواجهة الواقع، و عجزنا عن معالجة الواقع، و عجزنا عن صياغة الواقع، و عجزنا عن النزول إلى الواقع!! فرضينا من الغنيمة بالإياب، و صار همنا أن ندندن حول القضايا التي نتشاطر فيها على الآخرين، و نستعرض فيها عضلاتنا الفكرية، و لكننا كمن يطحن في الهواء، أو كمن يحرث في البحر!!“.

قلت: إن مسألة الحيض و النفاس مسألة قرآنية، تتلى إلى يوم القيامة، مهما ضاقت بها صدور الحركيين، و خلجوا منها لضحك المستهزئين، قال الله ـ عز و جل ـ: {و يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض و لا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين و يحب المتطهرين} (البقرة 222).

لقد كان الصحابة ـ رضي الله عنه ـ يسألون رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ عن هذه المسألة فأجابهم الله، وخلدها في كتابه، و يتلوها المصلي في محرابه، و ما علمنا أنها كانت يوما ما محل امتعاض عند أهل الإيمان، و لا كانت سببا في تقهقرهم إلى سفاسف الأمور، لولا الانهزام أمام سخرية الكفار، حتى أضحى المسلم غير مسلم لما تأصّل رسمه في كتاب الله، و تكرر بيانه و تفصيله في سنة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ فإنه لا يجوز أبدا أن يواجَه حكم الله بمثل هذه الصيغة، و لو كان تحت ستار تنبيه (الغلاة في الجزئيات!!) على غلوهم، بل أخشى ما أخشاه أن يكون هذا من قبيل الاستهزاء بالأحكام الله ـ عز و جل ـ، و الأمر لله.

إن وجود هذه المسائل في كتب أهل الإسلام منقبة لهذا الدين و دليل على كماله؛ فقد روى مسلم (262) عن سلمان ـ رضي الله عنه ـ قال: (قيل له، [و في رواية له] قال لنا المشركون: قد علمكم نبيكم ـ صلى الله عليه و سلم ـكل شيء حتى الخِراءة! قال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، و أن نستنجي برجيع أو بعظم).

إنك بكلامك السابق ـ يا سلمان! ـ تتأسى بالمشركين في كلامهم هذا، و هذا الذي صدر منهم إما أن يكون على سبيل الانبهار بكمال هذا الدين، فيكون اعترافا صريحا بذلك، و إما هو على سبيل الاستهزاء، فيكون الاعتراف ضمنا غير مقصود، و الأول أغرب، و الثاني أقرب؛ فقد روى أحمد وابن ماجه (316) عن سلمان ـ رضي الله عنه ـ في قصته السابقة أنه قال: (قال له بعض المشركين و هم يستهزؤون...)

ثم تأمّل جواب سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ في عزة المؤمن المطمئن إلى شرع ربه ـ عز و جل ـ، و قابلها بانهزامية الشيخ سلمان العودة، الذي ضَعف أمام المستهزئين؛ فبدلا من أن يشمخ أنفة و عزة بدين ربه، انبرى أهل الإسلام، بل إلى صفوتهم: أهل الحديث، فقال: “هل نريد أن نظل مَضحكة للأمم و الشعوب إلى يوم يبعثون؟!“

فتأمل ما بين (السلمانين)، و الأمر لله!

ثم عرّج الشيخ سلمان العودة على بعض ما تباحثه الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ، و استنكره، فقال في (ص 5): “فمثلا سؤال: هل رأى رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ ربه ليلة الإسراء أم لم يره؟!!“.

إن سلمان يعلم أن الصحابة تكلموا في هذه المسألة و شدّدوا على المخالف فيها، حتى قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: (من زعم أن محمدا ـ صلى الله عليه و سلم ـ رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية) رواه مسلم، قالت هذا و هي ترد على من زعم ذلك من غير الصحابة، كما حصل ذلك من مسروق ـ رحمه الله ـ حيث جاء في هذه الرواية أنه قال لها: (يا أم المؤمنين! أنظريني و لا تعجليني: ألم يقل الله: {و لقد رآه بالأفق المبين} (التكوير 23)، {و لقد رآه نزلة أخرى} (النجم 13)؟) و في ).رواية أنها قالت له: (سبحان الله! لقد قفّ شعري لِما قلت...)؛ لأن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لم يختلفوا فيها، كما حققه ابن -لقيم، و نسبه إلى عثمان بن سعيد الدارمي في رده، و إلى شيخه ابن تيمية، أنظر 'مجموع الفتاوى' (6 / 507-508).

ثم لم يسلم المفسرون أيضا و شرّاح الحديث من نقد سلمان، فقال بعد كلامه الأخير و هو يذكر جزئياته: “مثلا: قضية النزاع في معاني بعض الآيات القرآنية أو بعض الأحاديث النبوية!!).

ثم أعاد الكر على علماء الحديث، فقال مباشرة: “بل حتى النزاع في ثبوت بعض الأحاديث أو عدم ثبوتها!! قضية الكلام، ما يتكلم به أهل المنطق فيما يُسمّى جوهر الفرد، أو بقاء الأعراض، قضية فناء النار: هل تفنى النار أو لا تفنى؟!!“.

تأمل كلامه الأخير؛ فقد حشر مسألة عقدية سلفية ف مسائل علم الكلام التي كان السلف يحاربها، و الله المستعان.

ثم أعاد الكر من جديد على المشتغلين بالحديث بصيغة تهكمية، فقال (ص 15): تجد أن طالب علم الحديث يهتم بالمصطلح و قراءة المصطلح و دراسته، و حفظ المتون فيه، و يتكلم عن دقائقه، و يتكلم عن الرجال و حفظ الرجال، و الكلام فيهم: (هذا ثقة و هذا ضعيف)، و ربما يحفظ ذلك و يعتني به أشد العناية، و يسرف في ذلك، حتى أنك (كذا) لو جئت لهذا الإنسان تسأله عن حديث: أصحيح أم ضعيف؟ قال: و الله! ما أدري، أراجع لك أو أسأل أهل العلم، مع أنه قضى ليله و نهاره في معرفة أمور المصطلح، و هي أمور فيها قضايا لا بد من معرفتها بكل تأكيد، و هي ضرورية و أساسية لمن يدرس علم الحديث، لكن هناك قضايا ثانوية، فمثلا مسألة رواية الآباء عن الأبناء، أو رواية الأكابر عن الأصاغر، و قضايا المسلسلات، أو بعض تفاصيل علم الإسناد، كلها أمور ليست من القضايا التي لا بد منها، هي قضايا أقرب أحيانا إلى أن الاشتغال بها لا يكون مفيدا لطالب العلم، أو تكون فائدتها قليلة، و يكون من اشتغل به عن غيره مغبونا!!“

قلت: لماذا إفراد المعتنين بالحديث بوصف الجهل، ثم التستر بما سماه قضايا ثانوية؟!

و قال في (ص16): “مثال آخر: الاشتغال بوسائل الدعوة إلى الله ـ تعالى ـ و الكلام حولها، عن حقيقة الدعوة إلى الله ـ سبحانه و تعالى ـ، كم من الخصومة ثارت حول التمثيل، و ربما أن هناك أشياء كثيرة لم أطّلع عليها، خصومة حامية الوطيس بين حكم التمثيل: أحلال هو أم حرام؟!! أو تأتي مثل ذلك خصومة حامية الوطيس حول الأناشيد، و تجد أننا اشتغلنا ببعض الرسوم الدعوية عن حقيقة الدعوة، نجد أن المسألة عندنا ليست إخراج ممثلين أو منشدين، المسألة عندنا مسألة الدعوة إلى الله ـ سبحانه و تعالى ـ، و الاشتغال بهذه الرسوم و القضايا تأييدا أو سلبا، أو إيجابا أو سلبا، و المبالغة و الإغراق فيها غاليا ما يعود على الأصل بالضرر!!“.

قلت: إن أهل الاتباع لرسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ يهمهم أن يعرفوا حكم الله ـ عز و جل ـ في هذه المسائل التي هرّبها سلمان باسم (الوسائل)؛ لأنهم سمعوا الله يقول في وصف نبيه ـ صلى الله عليه و سلم ـ: {و داعيا إلى الله بإذنه و سراجا منيرا} (الأحزاب 46)، قال ابن تيمية كما في 'مجموع فتاواه' (15 / 161): [ودعوته إلى الله بإذنه، لم يشرع دينا لم يأذن به الله}، لأنهم سمعوا النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ يقول: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه مسلم، و عظموها؛ لأنهم سمعوا الله يقول: {ذلك و من يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه} (الحج 30).

و الحقيقة أن الشيخ سلمان أراد إجبار الناس على تقبّل اختياراته الحركية في مسألتي التمثيل و الغناء المسمى عنده بالأناشيد؛ لأنه من المستحيل أن تفرّط (الحركة) فيهما و لو أجمع على المنع منهما أهل السموات و الأرض، و لذلك قال بعده: “فالمقصود هو الدعوة إلى الله ـ سبحانه و تعالى ـ، و أي أسلوب تتحقق فيه الدعوة إلى الله، و ليس فيه معارضة صريحة واضحة لكتاب الله أو لسنة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، فالأصل جوازه، و على هذا الأصل يمشي الإنسان، إلا إذا تبين له أن هناك ما يعكر على هذا الأصل أو يشكل عليه، فالمهم أني لا أشتغل بالفرع أو الوسيلة عن الهدف و الغاية التي أعمل من أجلها!!“

و نعى على المسلمين نوعية أسئلتهم، فقال في (ص 26): “و هنا أثير قضية أن جماهير المسلمين في كل مكان ربما أن (90%) من أسئلتهم التي نقرؤها أو نسمعها تتعلق بأحكام فقهية، فرعية، تفصيلية!!!“.

إن هذه الأسئلة التي انتقدها الشيخ سلمان على الناس اليوم هي أسئلة أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، فها هي معروضة بين يديك:
- قال الله ـ عز و جل ـ: {و إذا سألك عبادي عني} (البقرة 186).
- و قال ـ عز و جل ـ: {يسألونك عن الأهلة} (البقرة 189).
- و قال ـ عز و جل ـ: {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم} (البقرة 215).
- و قال ـ عز و جل ـ: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} (البقرة 217).
- و قال ـ عز و جل ـ: {يسألونك عن الخمر و الميسر} (البقرة 219).
- و قال ـ عز و جل ـ: {و يسألونك ماذا ينفقون قل العفو} (البقرة 219).
- و قال ـ عز و جل ـ: {و يسألونك عن اليتامى} (البقرة 220).
- و قال ـ عز و جل ـ: {و يسألونك عن المحيض} (البقرة 222).
- و قال ـ عز و جل ـ: {يسألونك ماذا أحل لهم} (المائدة 4).
- و قال ـ عز و جل ـ: {يسألونك عن الأنفال} (الأنفال 1).
- و قال ـ عز و جل ـ: {و يسألونك عن الروح} (الإسراء 85).
- و قال ـ عز و جل ـ: {و يسألونك عن ذي القرنين} (الكهف 83).
- و قال ـ عز و جل ـ: {و يسألونك عن الجبال} (طه 105).
- و قال ـ عز و جل ـ: {و يستفتونك في النساء} (النساء 176).
- و قال ـ عز و جل ـ: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} (النساء 176).

هذه المؤمنين يومئذ، و من سوء حظ سلمان أن أكثرها عن أحكام فقهية فرعية تفصيلية، بما في ذلك آية الحيض، فما لسلمان يغفل عن القرآن؟!

هذا و قد اقتصرت هنا على ذكر الأسئلة التي صدرت من قبل الصحابة فقط: اتفاقا أو احتمالا، و أما ما اتُّفق على أنه من قبل الكفار، فلم أثبته، كمثل قول ـ عز و جل ـ: {يسألونك عن الساعة} (الأعراف، و النازعات 42).

و من رام الاطلاع على أسئلتهم من السنة، فليرجع إلى كتبه ابن القيم ـ رحمه الله ـ في آخر كتابه 'إعلام الموقعين'، و نظا لطوله فقد اكتفيت هنا بالإشارة إليه، لكن الفائدة فيه أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كانوا أكثر ما يسألون إنما هو عما تضايق منه الشيخ سلمان، و الله المستعان.

إن الصحابة كانوا ذوي إيمان قوي؛ فلذلك كانوا يعظمون الصغيرة و الكبيرة، و يبحثون عن هذه المسائل التي يَضحك منها الحركيّون اليوم، بل يستهزؤون، و عامة الناس ـ الذين ذمّهم سلمان آنفا ـ بفطرتهم يوافقون الصحابة في ذلك، إلا أن المراهقين السياسيين يتضايقون منها؛ لأنها تكلفهم جهدا يريدون ادّخاره لمواجهة السلطة التي لا يفارقون بابها!!“

إنه في الوقت الذي يزهّد فيه مرجئةُ (الإخوان المسلمين) في السنة، و يرمون المتمسكين بها بقلة الفهم و سذاجة التفكير، يخرج سلمان بهذا التأييد لهم و مخاصمة أهل الحديث، و هو يرى بجلاء تقصير الناس في العمل بسنة الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ، و لو تغافلنا فزعمنا أنه ليس من ذلك الحزب، لقلنا كيف ساغ له أن يرطن رطانتهم ليُستغَلّ كلامه لصالحهم؟!!

إنني أعلم أنه سيحاول اللياذ بقوله في (ص 23): “و أنا أشير ـ حتى يكون الكلام واضحا ـ إلى أن الاهتمام بهذه المسائل لا حرج فيه، و إعطائها حقها مطلوب، و أستغفر الله و أتوب إليه، أنا أقول أني (كذا) كغيري من طلبة العلم إذا مرت هذه المسائل علينا في الدرس درسناها و بحثناها، و نظرنا في الأدلة، و رجعنا إلى كلام أهل العلم، و هناك كتب أُلِّفت في بعض ما ذكرت من المسائل، كتبها طلبت علم كبار، و مجتهدون و أخيار و فضلاء و يُشكرون، و العبد الفقير ممن استفاد مما كتبوه، جزاهم الله خيرا.
نحن لا نعترض على هذه الكتب، الشيء الذي نعترض عليه هو أن تصبح هذه القضايا جل همنا، بل كل همنا، و مدار حديثنا، و ملئ مجالسنا، بل ملئ قلوبنا و عقولنا!!!
إلى متى نظل ندور، ثم ندور، ثم ندور في مثل هذه القضايا، و نترك القضايا الكبرى، قضايا الاعتقاد، قضايا الواقع، قضايا التخلف العلمي، التخلف التقني، التخلف الاقتصادي، البحث عن موضع قدم لهذه الأمة الإسلامية، على متى تظل هذه القضايا مهدرة، و نحن نشتغل، بغيرها من هذه القضايا الجزئية الفرعية؟!!“.

أقول: لا ينبغي للقارئ أن ينخدع بهذا؛ لأن أقل ما فيه أنه تناقض، و إلا فإن من يذكر ما نقلته عن سلمان في كتابي 'مدارك النظر' (353 – ط. الرابعة) من شريطه ’حول الأحداث الجديدة’ يتبين مقصوده من قوله هنا: “قضايا الاعتقاد“؛ فقد قال: “فتأتي إلى خطيب، فتجد كأنه أصمَّ أذنيه و لم يسمع شيئا؛ يتكلم عن موضوع بعيد بالمرة:
- إما أن يتكلم تحت الأرض فيما يتعلق بأحوال الآخرة و القبر و الموت!
- و إما أن يتكلم فوق السماء، فيما يتعلق بأمور الجنة و النار و البعث و الحساب و غيرها!!!
كل هذه الأمور حق، و الكلام فيها حق، لكن ينبغي أن الإنسان يستغل فرصة كون النفوس متهيئة للوعظ و الإرشاد و التوجيه، و أخذ الدروس و العبر من هذه الأحداث، و يُطَمئن الناس على هذا الأمر، يكون مصدر طمأنينة للناس، مصدر سكينة لنفوسهم، يحيي المعاني الإيمانية في قلوبهم ـ كما ذكرتُ ـ يبين لهم المخاطر التي تهددهم، بحيث يكون الكلام متعلقا بالواقع!!!
أما أن نعيش أحداث (كذا) مؤلمة تحرك قلوبنا جميعا، ثم نأتي للمتحدث أو الخطيب فنجده يتكلم في واد آخر، فهذا في الواقع ـ يعني ـ ذهول (كذا) و غيبوبة لا يجوز أن يقع المؤمن أو العالم أو الداعية ضحيتها!!!“.

إذا فالقضية قضية ’واقع’ فحسب، و أما العقيدة فقد قطع الطريق إلى التركيز على أصولها، و زاحمها بـ ’فقه الواقع’!!

و لا أريد هنا أن أعيد التعليق على هذا الكلام بمثل ما ذكرته هناك، إلا أن الجديد في الأمر أنني كنت خائفا على الشيخ سلمان مما قاله؛ لأن هذه الصياغة التهكمية بأصول العقيدة: “تحت الأرض“ و “فوق السماء“ لا يمكن أن تصدر من قلب مؤمن في حال صحوة!

ثم إذا بي أفاجأ بأن أجد عند الشيخ سلمان نفسه تصديق ما قلت؛ فقد قال في كتابه ’من أخلاق الداعية’ (ص 58-59): “فتجد طائفة من المسلمين تهتم بالإسلام التعبدي، فتُعنى بقيام الليل و كثرة الذكر، و قد تضيف إلى ذلك بعض الترتيبات التي لا أصل لها في الشرع، و ربما تسرب إليها شيء من التصوف العجمي الانعزالي، حتى لقد حدثني أحدهم بلهجة السرور أن أحد الجواسيس الغربيين جلس معهم طويلا، ثم كتب عنهم أن هؤلاء لا ضير منهم؛ فهم يتحدثون فيما تحت الأرض، و فيما فوق السماء!!
تبارك الله!! في القبر و الموت و العذاب و النعيم، و في الله و الملائكة و الآخرة!!!
أما فوق الأرض، فلا شان لهم به!!!“.

قلت: قد عرفت ـ أخي القارئ! ـ الآن أن الشيخ سلمان أخذ هذا الانحراف من كافر و ردده ترديد المُقِر، بل نقد به أهل السنة، المركزين على التوحيد الذي وصفه سلمان بـ “ما تحت الأرض، و ما فوق السماء“!!

و الاستهزاء بالدين من كافر مألوف، لكن كيف خرج من في مسلم، بل داعية، بل من...؟!

إذا عُرف السبب، بطل العجب؛ لقد قضَّى هؤلاء الدعاة زهرة حياتهم في تتبع الواقع، فما خرجوا منه إلا و هم يلغون لغو أهله، و لا أشك أن هذا لو صدر من أمير أو من ذي سلطان لكان حديث جماعة الدكتور سفر في باب (الكفر البواح)!!

رد مع اقتباس