عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 12 May 2008, 06:40 PM
أبو البراء إلياس الباتني أبو البراء إلياس الباتني غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 106
افتراضي

هجر مساجد المسلمين عند أبي قتادة

فاتتني يوما صلاة الجماعة بأحد مساجد العاصمة بالجزائر، و ذلك في المسجد العتيق بمنطقة بئر خادم، فوجدت جماعة صغيرة جدا في مكان مظلم بناحية المسجد فصليت معها، فإذا بأحد المحبين يستنكر عليّ ذلك بأدب، و يخبرني أن تلك الجماعة الثانية هي ’جماعة التكفير’، و باصطلاح الفقهاء الدقيق: هم من الخوارج، فتأسفت و شكرت له ذلك، و قلت له: لو عرفتهم ما فعلت!

و الحقيقة أن تركهم لصلاة الجماعة لم يكن مشتهرا عنهم يومها، لكن خالجني شك و أنا أصلي معهم؛ لأن إمامهم الذي صلى بنا افتتح سورة البقرة و الصلاة صلاة المغرب، و الجماعة متأخرة، بمجرد قوله: {ألـم...} دخلني الشك، ثم قوي الشك حين وجدته يلحن في قراءته اللحن الجلي؛ و ذلك لأنني أعرف أن خوارج العصر يحاولون التشبه بعبادة أسلافه ـ الذين يحقر الصحابة صلاتهم إلى صلاتهم! ـ و لا يرقى بهم الحال إلى ذلك، لكنني دفعت (هذه الوسوسة!) عن نفسي و أتممت الصلاة معهم!

و قد أخبرني واحد ممن كان معهم ثم فارقهم أنهم كانوا في بادئ الأمر يتعمدون إدراك الجماعة في آخرها، فيدخلون مع الإمام في التشهد الأخير بغير نية، فإذا سلم الإمام قاموا و كبروا للإحرام في أنفسهم، فصورة صلاتهم صورة مسبوق، و حقيقتها صلاة منفرد، ثم رأوا أن ذلك لا يمكن أن يُفعل في كل صلاة، فلجؤوا إلى الصلاة بعد الإمام منفردين، ثم رأوا أن يؤدوها جماعة مهما كلفهم ذلك!!

إن مفارقة الخوارج الأولين لجماعة المسلمين مشهور لا يحتاج إلى ذكر شواهده التاريخية، و ليس بغريب على من كفّر الحكّام و الأمراء، و أمر بهجر مجالس العلماء، و حرض على التمرد على فتاواهم كما مرّ، ليس بغريب على منهجه أن يأمر بهجر المساجد أيضا؛ لأن كل ما يكون له صفة (الرسمية) يكون تابعا للطاغوت، كما هو التسلسل الفلسفي لدى هؤلاء، لذل وجدتُ مثله في بعض كتابات المشبوه على الانترنت، كما في فتواه التي يقرر فيها أن كثيرا من مساجد المسلمين هي مسجد ضرار، تبطل الصلاة فيها، كما في ورقاته التي بعنوان: ’هجران مساجد الضرار!’، حيث قال في (ص 1) منها: “فكانت الصلاة فيها حراما، و عند بعض الأئمة ـ و هو الصواب ـ باطلة!“.

و قال فيها أيضا (ص 4): “و مما تدخل في معنى مسجد الضرار و ينطبق عليها الوصف الشرعي، تلك المساجد التي بناها الطواغيت لتذكر فيها أسماؤهم و تسمى بهم، و هذه المساجد فيها الكثير من معاني الضرار؛ منها أنها بنيت رياء و سمعة، و أموالها إنما بُنيت من سرقات هؤلاء الطواغيت، و بعضها من الربا و الميسر!!“.

قلت: سترى ـ إن شاء الله ـ في القسم الثاني من هذا الكتاب أن مال المشبوه نفسه خبيث؛ لأنه يدعو إلى اللصوصية، و يعتبرها أحل الحلال!!

و يجرّئ الناس ـ لاسيما أتباعه الجهّال ـ على الفتاوى العشوائية، فيقول في (ص 3): “لا يُشنّع و لا يُعاب على من كره أو حرّم الصلاة في مسجد ما لاعتقاده أن بُني ضرارا !!“

و هو هنا يقصد نفسه بالدرجة الأولى؛ لأنه يترك الصلاة في مساجد بعض المسلمين؛ ليؤجّر قاعة يصلي بالناس فيها الجمعة قريبا من المسجد الجامع، كما ستراه قريبا!

و قال في (ص 4): “كل مسجد بقي على ضراره و لم يمكن إصلاحه فلا يجوز الصلاة فيه؛ لقوله ـ تعالى ـ: {لا تقم فيه أبدا}... !! أما في ديار الغربة فقد درجت سفارات الردة على بناء مساجد، بعضها يختص بأهل البلد ما دون غيرهم من المسلمين، و تسيطر عليه هذه السفارة، و ترغب أهل بلدها الذهاب إليه فقط دون غيره؛ حرصا منهم على عدم تأثر رعيتهم خلال مكثهم في البلاد الأجنبية أن يصلوا في مساجد أخرى فتتغير أحكامهم على بلدهم و حكام بلدهم، و هذا عين الضرر، و مثلها التي تبنيها السفارات، و تسجلها باسم شركات أو أبنية خاصة؛ لتدوم السيطرة عليها،و يعيّنوا لها الأئمة و المدرسين و المؤذنين، و يجعلوها مباهاة و رياء و سمعة، و ليختصوا هم بتفسير الدين على مناهجهم و رغبتهم، و تكون هذه المساجد مقرا للمخابرات على الشباب المسلم، و فيها يجتمع رجالات السفارة فيها للاحتفالات التي يسمونها ديني، فهي تحمل معنى: {و إرصادا لمن حارب الله و رسوله}“.

قلت: أصل هذا البحث هو قول الله ـ عز و جل ـ: {و الذين اتخذوا مسجدا ضرارا و كفرا و تفريقا بين المؤمنين و إرصادا لمن حارب الله و رسوله من قبل و ليحلفن إن أردنا إلا الحسنى و الله يشهد إنهم لكاذبون (107) لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا و الله يحب المطهرين (108)} (التوبة 107-108).

لقد استنتج أهل العلم من هذه الآية أنه لا يجوز بناء مسجد إلى جنب مسجد؛ لما فيه من تفريق للجماعة الواحدة، كما هو واضح من بعض التعليل المنصوص عليه في الآية، فكيف ساغ للمشبوه أن يفتح قاعة لصلاة الجمعة قريبة جدا من أحد المساجد الكبيرة في لندن؟!

لقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ يرغب في أن تكون صلاة المؤمنين واحدة، و كاد يوجب على من بعد جدا عن المسجد ألا يصلي إلا في مسجده لولا المشقة، كما روى أبو داود (506) بسند صحيح أن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ قال: "لقد أعجبني أن تكون صلاة المسلمين أو قال المؤمنين واحدة، حتى لقد هممت أن أبثّ رجالا في الدور ينادون الناس بحين الصلاة، و حتى هممت أن آمر رجالا يقومون على الآطام ينادون المسلمين بحين الصلاة...".

و لا أريد أن أُبعد بالقارئ عن منقولات المشبوه نفسه، التي حُرم الاستفادة منها، فمن ذلك قول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في 'مجموع الفتاوى" (17 / 469): [و لهذا كان السلف يكرهون الصلاة فيما يشبه ذلك، و يرون العتيق أفضل من الجديد؛ لأن العتيق أبعد أن يكون بُني ضرارا من الجديد الذي يخاف ذلك فيه، و عتق المساجد مما يحمد به".

و قول محمد بن رشد في 'البيان و التحصيل' (1 / 411): [و هذا كما قال مالك ـ رحمه الله ـ إن من بنى مسجدا بقرب مسجد آخر ليضار به أهل المسجد الأول و يفرق به جماعتهم فهو من أعظم الضرر؛ لأن الإضرار فيما يتعلق بالدين أشد منه فيما يتعلق بالنفس و المال، و لاسيما في المسجد المتخَذ للصلاة التي هي عماد الدين، و قد أنزل الله ـ تعالى ـ في ذلك ما أنزل من قوله: {و الذين اتخذوا مسجدا ضرارا} إلى قوله: {لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطّع قلوبهم}...].

و قال البهوتي في 'كشّاف القناع شرح الإقناع' (2 / 373): [و يحرم أن يبنى مسجد إلى جانب مسجد إلا لحاجة كضيق الأول، و نحوه كخوف فتنة باجتماعهم في مسجد واحد، و ظاهره: و إن لم يقصد المضارة، و عبارة 'المنتهى': و يحرم بناء مسجد يراد بعه الضرر لمسجد بقربه].

و 'المنتهى' هو 'منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح و زيادات' لابن النجار الحنبلي، و من أقواله في ذلك أيضا (1 / 359): [و تحرم إقامتها و عيدٍ ـ أي الجمعة و العيد ـ في أكثر من موضع من البلد إلا لحاجة، كضيق و بعدٍ و خوف فتنة و نحوه].

و للمؤلف نفسه شرح عليه باسم 'معونة شرح أولي النهى شرح المنتهى'، و البحث فيه في (2 / 302-303).

و قال ابن حزم في 'المحلّى' (4 / 44-45): [و لا تجزئ الصلاة في مسجد أُحدث مباهاة أو ضرارا على مسجد آخر، إذا كان أهله يسمعون نداء المسجد الأول و لا حرج عليهم في قصده، و الواجب هدمه و هدم كل مسجد أحدث لينفرد فيه الناس كالرهبان، أو يقصدها أهل الجهل طلبا لفضلها... و قد هدم ابن مسعود مسجدا بناه عمرو بن عتبة بظهر الكوفة، و رده إلى مسجد الجماعة].

قلت: قصة ابن مسعود ذكرها ابن سعد في 'الطبقات' (6 / 206).

و قال ابن القيم في 'زاد المعد' (3 / 571)، وهو يعدد فوائد غزوة تبوك: [و منها تحريق أمكنة المعصية التي يُعصى الله و رسوله فيها و هدمها، كما حرّق رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ مسجد الضرار و أمر بهدمه، و هو مسجد يُصلّى فيه و يذكر اسم الله فيه؛ لما كان بناؤه ضرارا و تفريقا بين المؤمنين و مأوى للمنافقين، و كل مكان هذا شأنه فواجب على الإمام تعطيله، إما بهدم أو تحريق، و إما بتغيير صورته و إخراجه عما وُضع له].

فعلى هذا يكون الواجب في مسجد أبي قتادة أن يُهدم؛ لأنه اتخذ منافسا للمسجد الجامع الذي هو بجنبه، قال القاضي عبد الوهاب في عيون المجالس (1 / 415-416): [و لا يجمع الجمعة في مصر إلا في جامع واحد، في الأقدم منها، و به قال الشافعي ـ رحمه الله ـ و قال محمد بن ـ الحسن رحمه الله ـ: يجوز في موضعين، و قال داود ـ رحمه الله ـ و أصحابه: تُصلى الجمعة في مساجد العشائر كلها، و قال أبو يوسف ـ رحمه الله ـ إذا كان المصر جانبين ـ مثل بغداد ـ جاز أن تُقام الجمعة في كل جانب منه، فإن لم يكن كذلك لم يجز].

قلت: مثّل بمدينة بغداد؛ لأنه يشقها نهر دجلة شقين.

و لإمام العصر الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ كلام نفيس في هذا في كتابه 'الأجوبة النافعة على أسئلة مسجد الجامعة' (ص 46-47) و (ص 73-74)، و أشار فيها إلى رسالة للسُّبكي في الموضوع بعنوان: 'الاعتصام بالواحد الأحد من إقامة جمعتين في بلد'.

هذا و لو كان المشبوه يصلي الجمعة في مسجد جامع، بل ولو تصورناه في مسجد صغير، و إلا فإن صاحبه في الدار و شريكه في العار عبد المنعم مصطفى حليمة، الذي يُكنى أبا بصير قد فضحه، فقال في كتابه ’حكم استحلال أموال المشركين’ و هو ينتقد المشبوه، قال في (ص 2): “هو نفسه صاحب فتوى مساجد ضرار، التي قاس فيها المساجد التي تبنيها الحكومات و السفارات و الأحزاب و الجماعات و الطوائف و غيرهم على مسجد ضرار الأول، الذي أمر النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ بهدمه و عدم الصلاة فيه، و جعل حكمها حكمه من حيث وجوب الهدم و الهجران...!!
علما أن مصلاه الذي يقيم فيه صلاة الجمعة يتحول مباشرة بعد صلاة الجمعة إلى مرقص و ملعب للداعرين و الداعرات من أهل الكفر والشرك، فمصلاه مسجد أهل القبلة و الملة، و ما سواه مما ذكر فهي مساجد ضرار!!
جرّأ الغلاة من قبل على عباد الله فانتهكوا حرمات الذراري و النساء، و ها هو اليوم يجرئهم على بيوت الله، و ينفر عباد الله منها؛ بدعوى أنها ضرار!!...
فجرّأ ـ بفتواه الجائرة هذه ـ كثيرا من ضعاف النفوس على الجري وراء الجرام و السرقة و الغدر، حتى قال قائلهم ممن امتهن السرقة و اللصوصية: كنا نسرق من قبل و نحن نشعر بالذنب و الإثم، و الآن نسرق ـ بكل فخر و عين وقحة ـ و نحن نشعر بأننا مأجورون مجاهدون!!
فساءت بذلك أخلاقهم و طبائعهم، وفشا بينهم الكذب و الغدر و الخيانة، حتى أصبح همهم الأكبر كيف يحتطبون في الليل و النهار، و كيف يأتون بالأموال، و لو بالطرق الملتوية الحرام!“.

قلت: هذا الذي أخبر به صدق؛ فقد سألت بعض من أثق به من بلديي المشبوه اليوم فصدقه، فهكذا يقع في سيئتين: الأولى: أنه وصف مساجد المسلمين بالضرار، و قاعته التي يجمع فيها وحوشه على بدعته أولى بذلك، و الثانية: أنه رماهم بتفريق المسلمين و هوقد فارق مساجدهم، فانظر إلى آثار تزيين الشيطان: يفارق مساجد المسلمين ليؤدي صلاته في قاعات العهر و الخنا، قال الله ـ عز و جل ـ: {و من يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء} (الحج 18)!!

كما أن الذي ذكره أبو بصير هنا حق، لكن ليته خرج من المذهب كله بعد إدراكه غلو مشاركه في أصل هذا الفكر؛ لأن المشبوه بدأ من حيث انتهى أبو بصير الآن، فلا يؤمَن على هذا الأخير أن يلحق بالركب يوما ما، لاسيما و له فتاوى تدل على أنه ليس ببعيد اللهجة، و قد كتب كتابين في المجادلين عن الطواغيت، متهما بذلك العلامة الألباني و إخوانه من أهل العلم، فها هو ذا أبو بصير يكتب في المجادلين عن الطواغيت حسب فلسفتهم؛ لأنه كتب بعض الشيء في الرد على المواجهين (للطواغيت!) كما مر، و نحن نعلم أنهم جميعا يرون أن الدعوة إلى الأناة و ترك التسرع في التكفير و التماس العذر للمخطئ ما وجد إليه سبيل، كل هذا يرونه جدالا عن الطواغيت!

و إنه ليسهل عليه أن يهتدي إلى الحق ـ إن شاء الله ـ لو عرف قدره فلم يتشبع بما لم يُعط، و كذلك لو عرف قدر العلماء لم يتجاوز فتاواهم في هذه النوازل، و مهما خفي عليه ممن مسالكهم رجع على نفسه بالتهمة؛ لأن لكل ميدان فرسانه، و الله الموفق.

و ما كان من أبي قتادة من غلو لا يبعد عنه أبو بصير؛ لأن المنهج واحد أو متقارب، فقد نقلت قريبا في تقعيد المشبوه في أخذ العلم عن غير العلماء المعروفين، و كذلك فعل أبو بصير في بعض ما أفتى به، كما في فتاواه المعنونة بـ ’مسائل متفرقة و ردود سريعة’، فقد ذكر في فتواه رقم (128) أنه لا حاجة إلى اشتراط التزكية فيمن يؤخذ عنه العلم، و إن كان حاول حصر الكلام في تزكية العلماء: الألباني و ابن باز و ابن عثيمين، لكن يبقى أن هذا التقعيد خطير؛ لأنه بسببه ظهر المشبوه و أمثاله، و انطلت بدعهم على المستشرفين لهم، بل إنه لا يُعرف له و لا لغيره من المرتوين من هذا المشرب رحم موصولة بأهل العلم؛ بدليل أن أبا بصير نفسه لما سُئل عن شخصه عجز عن ذكر شيوخه، بل جعل يتأسف من كون الناس لا يعرفونه، و لا يحاولون أن يتعرفوا عليه!! كذا في موقع ’الحوار المفتوح في ميدان التوحيد للحوار’ (ص 13).

فأين يجعل السلفي مقولة السلف كابن سيرين و مالك بن أنس ـ رحمهما الله ـ: (إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم)؟!

راجع مقدمة الإمام مسلم لـ'صحيحه'.

رد مع اقتباس