الموضوع
:
الحِكمَةُ: بِنَاءُ سُلُوكٍ وتَرْبِيَة.
عرض مشاركة واحدة
#
1
26 Sep 2019, 03:26 PM
أم وحيد
عضو
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
الحِكمَةُ: بِنَاءُ سُلُوكٍ وتَرْبِيَة.
الحِكمَةُ: بِنَاءُ سُلُوكٍ وتَرْبِيَة.
بقلم: أم وحيد بهية صابرين.
مَلاَمِحُ الشَّخْصِيَّة
(
قد
) يراها إِنْسَانٌ
حَاذِقٌ
، أتاه الله
العلمَ
و
الحكمَة
، في النّظر في
سلوكات النّاس
، ولاتتطلّب
عِلْمًا مُتَخَصّـِصًا
، لأنّ العِلْمَ
المتخصّص
(
قد
) يدرسه أُنَاسٌ
لايُجِيدُون
التّعمّق في
تحليل الشّخصيات
، وَإِنْ تَتَبَّعُوا
مراحل كيفية تحليل الشخصيّة
. ليس إلاّ هذا، لأنّ الأَمْرَ هنا يحتاج فقط إلى
خِبْرَةٍ
في
مُخَالَطَةِ
أَنْوَاعِ الشّخصيّات. و
مُعَاشَرَةِ
أَغْلَبِهِم. و
المُعَاشَرَة
تبيّن للإنسان شخصيّة
مَن يُخَالِط
، بِتَتَالِي
الصّدمات
الّتي تُثَبّـِطُ
الهِمَم
، وتهوي بـ
الحَمَاس
إلى الفُتُور و
الخَيْبَات
، أو المفاجآت
السّارّة
، الّتي
تنعش
الأفكار، وترفع
المعنويات
.
و
التّجارب
دُرُوسُ الحياة.
فَمَن لَمْ يَتَّعِظْ بِغَيْرِهِ
-واقعًا لاَمَسَهُ- صار مِن
أَغْبَى النَّاسِ
، يعيش..
حَيَاةً
، يتجرّع فيها، مَرَارَةَ بَلاَدَتِه، و
سُوءَ اسْتِيعَابِ
مَا يَمُرُّ به من
أَحْدَاث
. واللهُ
المُوَفّـِق
لِكُلِّ خَيْرٍ،
يُسْعِدُنَا بِهِ
، فِي الحياة.
و
ليس
كلّ النّاس يُوصَفُون بـ
الحكمة
في التّفكير والتّدبير والتّسيير. فَالّذين يملكون
بُعْدَ النَّظَر
و
الإصابة في القول والعمل
هم
قليلون
في أُنَاسٍ
كثيرين
على وسط إدراكهم، أو
قليل فهمهم
، للأمور الّتي تحتاج إلى
فطنة
و
نباهة
في
التّحليل
. أو حتّى
لايدركون تمامًا
، ما يدور حولهم .
وعلى هذا ، فـ
الحَذَقَة
يُعَدُّون على الأصابع. ويُعْتَبَرُون من
جواهر خلق الله
في عباده.
ويا
سَعَادَةَ مُجْتَمَعٍ
، عاش فيه أمثالهم، لأنّهم
الخير الّذي يجمعهم
، ويقوّي شوكتهم، ويمنع كلّ ما يفسد عليهم ودّهم.
يؤسّسون بالعِلْمِ
، و
الحِلْمِ
، و
الصّبْرِ
، مَا يَبْنِي مجتمعًا،
لاتزعزعه
الوشاية، والإشاعة، والنّميمة، و
هم فيه مُتَحَابُّون
.
لكن، ومع هذا، فـ
الحاذق
لايملك
كمال التّفكير
و
الإصابة التّامّة
فيه، فقد يحلّل
أمورًا
يجانب الصّواب فيها لأنّ
الحكيم بَشَر
، غير معصوم من الخطأ، قد يَرَى
سلوكات ظاهرة
يبني عليها
تَصَوُّرًا
، يخالف تماما
مَا يخفيه أصحاب تلك السلوكات
. والنِيَّات لايعلمها إلاّ رَبُّ البَريَّات.
وكلّ
حكيمٍ مسلمٍ
، منحه الله،
نَبَاهَةً
، يستعملها في
جمعِ شملِ المسلمين
، حتّى يردّ
كيدَ المتربّصين
بالإسلام، الّذين يسعون إلى
تمزيق أواصر الأخوّة
، بين، مَن هم،
إليه منتسبين
.
والنّبي صلى الله عليه وسلم
لم
يحدّد
المنافقين
إلاّ بِـ
وَحْيٍّ
من
ربّ العالمين
. ومع هذا،
لم يفضح نفاقهم
، ولم يأمر بـ
قتلهم
، حتّى
لا يُقال أنّ محمدا يقتل أصحابه
.
وهذه،
حكمةٌ من رَجُلٍ نَبِيهٍ
، يخشى
تَصَدُّعَ مُجْتَمَعٍ
، صبر على بنائه،
ثلاثة عشرة سنة
، يرسّخ، أثناءها،
عقيدة التّوحيد
، في قُلُوبِ، مَن جَاءُوا إليه،
مُسْلِمِين
.
وفي مقال عنوانه:"
الألفة الألفة..ياأهل السُنَّة
"، قال صاحبه:"
أمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم بالعفو عن أصحابه والإستغفار لهم ومشاورتهم في الأمر
فقال سبحانه (
وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ
). فإذا كانت
الغلظة تجعل النّاس ينفضّون من حول النّبي صلى الله عليه وسلم
، فـ
ما بالك في غيره
!!! بأبي هو وأمّي صلى الله عليه وسلم.
فجمع الله به القلوب وألّف بينها، وقَوِيَتْ شوكة الدّين فقاموا بالدّين وقام الدّين بهم، إِذْ لاَ دِينَ إلاّ بجماعة ولا جماعة إلاّ بإمام
" انتهـ.(1)
أقول: "
لقد كان النّبي محمد صلى الله عليه وسلم يحسن الظنّ بأصحابه وقد نهى عن سوء الظنّ بالمؤمنين
. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
نظرَ رسول الله ﷺ إلى الكعبة
فقال: «
مَا أَعْظَمَ حُرْمَتَكِ
» . وفي الطَّريق الأخرى:
لمّا نظر رسول الله ﷺ إلى الكعبة
، قال: «
مَرْحَبًا بِكَ مِنْ بَيْتٍ، مَا أَعْظَمَكَ، وَمَا أَعْظَمَ حُرْمَتَك! ولَلْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللهِ مِنْكَ، إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مِنْكَ وَاحِدَة، وَحَرَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِ ثَلاَثًا: دَمَهُ وَمَالَهُ، وَأَنْ يُظَنَّ بِهِ ظَنَّ السُّوءِ
». (2)
وسُوءُ الظَنّ بالمؤمنين
ما هو إلاّ نِتَاجَ
بُغْضٍ لهم وكراهيّةٍ
تحمل المسيء إلى اعتبارهم
عدوًا له
،ولهذا تجده يَرَى
ما يصدر منهم
على
أقبح تأويلٍ
يصوّره له الشّيطان. حقيقةً يلزمها، والمثل يقول:"
نَظَرُوا بِعَيْنِ عَدَاوَةٍ ، ولَوْأَنَّهَا عَيْنُ الرِضَا لَاسْتَحْسَنُوا مَاسْتَقْبَحُوا
".
و
السّعيد
مَن بصّره الله،
فأدرك أخطاءَه
وحمل
تصرّفات غيره
على
أحسن الصّور
، وإن أبطنوا
الغشّ
، فليس له أن
ينقّب في سرائرهم
الّتي لايعلمها إلاّ مَن خلقهم.
قال الشيخ عثمان عيسي حفظه الله: "
إنَّ سُوءَ الظَّنِّ أَصْلُ التَّباغض والتَّحاسد
، «وذلك أنَّ
المباغض والمحاسد يتأوَّل أفعال مَن يبغضه ويحسده على أسوأ التَّأويل، وقد أوجب الله تعالى أنْ يكون ظنُّ المؤمن بالمؤمن حسنًا أبدًا
إذْ يقول: {
لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِين
} [النور:12]، فإذا
جعل الله سوء الظَّنِّ بالمؤمنين إفكًا مبينًا فقد ألزم أن يكونَ حُسْنُ الظَّنِّ بهم صِدقًا بيِّنًا والله الموفِّق
» انتهـ.(3).
ثمّ إنّ
الخليفة عمر
رضي الله عنه قال في كلام منسوب إليه: "
لَسْتُ بالخِبِّ ولا الخِبُّ يخدعني
" ومعنى ذلك أنّه كان
بَعِيدَ النَّظَر
، أَرِيبًا،
حَاذِقًا
، في
التّمييز بين الطيّب والخبيث
، وبين المخادع والأمين، لكنّه
لم يكن يوجّه هذا الكلام إلى مَن حَمَلُوا الشّريعة ودَافَعُوا عنها
، وإن بَدَت منهم،
أخطاء
، فَهُم
بَشَر
، يعتريهم
كلّ نقص
، يُقَوَّم
بالصّبر والمصابرة
، على
جَمْعِ الشَّمْلِ
الّذي هو
من أسمى غايات الإسلام
.
قال الشيخ عثمان عيسي حفظه الله: "وكذلك كان
السَّلف الصَّالح من الصَّحابة رضوان الله عليهم، والتَّابعين
، في
تحسينهم الظَّنَّ بإخوانهم
، و
درء التُّهَم عنهم
، و
التماس المعاذير لهم
، وهذا
عمر بن الخطاب
رضي الله عنه وكان
صادق الفِراسة في النَّاس
، ممَّن يصيب كبد اليقين بسهم ظنِّه،
إذا حدَّث كِدْتَ تقول أنَّه يُملَى عليه بلسان الغيب
، قال فيه النَّبيُّ ﷺ: «
لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ ابْنَ الْخَطَّابِ
»(23)، قد أثر عنه أنّه قال: «
لا تَظُنَنَّ بكلمة خرجت من فِي مسلم شَرًّا وأنت تجد لها في الخير مَحْمَلاً
».
وعن بكر بن عبد الله المزني رحمه الله أنَّه قال: «
إيَّاك من الكلام الَّذي إن أصبت فيه لم تُؤجر، وإن أخطأت فيه أثمت، وهو سوء ظنِّك بأخيك
»، وذلك «
لأنَّك إن أصبت فيه لا تحصل أجرًا، لأنَّك ظننت به سوءًا، فإن كنت على صواب وكان ظنُّك مطابقًا لما فيه فلن تحصل أجرًا، وإن كنت مخطئًا فأنت آثم، فالإثم محقَّق وحاصل، والفائدة غير متحقّقة
»(25) اهـ. (4).
وأختم كلامي إن شاء الله بما ختم به صاحب مقال:"
الألفة الألفة..ياأهل السُنَّة
"حيث قال: "
وأختم هذه الكلمة المختصرة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذي رواه أبو داوود في سننه من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال:"
كان النّاس إذا نزلوا منزلاً تفرّقوا في الشعاب والأودية
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"
إنّ تفرّقكم في هذه الشعاب والأودية إنّما ذلكم من الشيطان
".
فإذا كان تفرّق الأبدان من الشيطان فما بالك بـتفرّق القلوب الّذي هو أعظم
؟!!!..اللّهم سلِّم سلِّم، والحمد لله ربّ العالمين".(5)
-----------------------------------------------
-(1) مقال :"الألفة الألفة..ياأهل السُنَّة" للأخ الفاضل: أبوعبدالله إبراهيم تله، من شبكة سحاب.
-(2) الحديث : حسن: أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (5 /296 ـ 297 /6706)، انظر: «الصَّحيحة» (3420).(منقول من مقال: سوء الظنّ بالمؤمنين:الدّاء والدّواء.للشيخ عثمان عيسي حفظه الله).
-(3) من مقال: سوء الظنّ بالمؤمنين:الدّاء والدّواء.للشيخ عثمان عيسي حفظه الله.
-(4) نفس المصدر.
-(5) من مقال :"الألفة الألفة..ياأهل السُنَّة" للأخ الفاضل: أبوعبدالله إبراهيم تله :شبكة سحاب.
الصور المرفقة
الحكمة والموعظة الحسنة.png
(390.0 كيلوبايت, المشاهدات 1236)
السلفيون ليسوا معصومين.jpg
(62.7 كيلوبايت, المشاهدات 1389)
مجالسة العلماء.png
(961.4 كيلوبايت, المشاهدات 1089)
تلقى الله خفيف الظهر.png
(565.3 كيلوبايت, المشاهدات 1214)
أم وحيد
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى أم وحيد
البحث عن المشاركات التي كتبها أم وحيد