عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 20 Dec 2018, 10:50 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي



هذه المشاركة، اجتهاد شخصي، حاولتُ فيه البحث عن الحقّ وإظهاره. والتّعليق الخاصّ بي، إن كان يشوبه نقص أو علّة تنافي الحقيقة، فلينبّهني مَن وجد شيئا من ذلك. بارك الله فيكم جميعا.

والإجتهاد تمّ عبر محاورة إحدى الأخوات في الإسلام.

لقد قامت أستاذة متخصّصة في علم السلوك، واللغة العربيّة والأدب، بطرح سؤال، بعد قراءة مقالي، حول خضوع الملكة بلقيس إلى سليمان عليه السّلام.

ولأنّني أعلم يقينًا بإذن الله أنّ المرأة التي رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينا وبمحمّدِ صلى الله عليه وسلّم نبيّا رسولاً، سوف لن يزعجها الخضوع لرجلٍ، أمرها الله أن تطيعه في المعروف، وأن لاتعتقد -باستقامتها على الإسلام-، أنّها تساوي الرّجل في جميع الحقوق والواجبات. إلاّ ما حدّده الشّرع الحكيم ليشمل الذّكر والأنثى. مثل قوله سبحانه وتعالى:"مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(97)"النحل.

وهنا سوف أطرح عليكم أهمّ النّقاط التّي جاءت في المحاورة.

تسأل الأستاذة عن أيّ خضوع أتحدّث في قصّة بلقيس مع سليمان عليه السّلام؟ ثمّ قالت مجيبة: [وخضوعها له ليس خضوع امرأة لرجل. أي أنّها لم تخضع له بوصفه رجلاً. بل دعاها للإسلام دين الحق، وقبلت دعوته، لأنّها صدقته وصدَّقت نبوّته، وآمنت بما دعاها إليه من الحق.

ثم تأمّلي قولها: قالت: "رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" .

أرأيت إلى دلالة حرف الجر (مع)؟ فإنّه يدلّ على المعيَّة والنديَّة في الإسلام . فلا فرق بين رجل وامرأة في اتّباع الحق.فبلقيس وسليمان في الإسلام والإيمان سيَّان .وكلاهما خاضعان معاً لله رب العالمين "]انتهـ كلامها.

ثمّ عندما أجبتها، حاولتُ أن أعطيها أهميّة المحاورة، وماتثمره من فوائد، إذا كان القصد منها تبصير النّاس وتعليمهم. فقلتُ لها:

أهلاً أستاذتي (...). وإنّي سعيدة جدًّا بمحاورتكِ. والحوار عندي أعذب جلسة أمكث فيها مع المحاور ولو أطال المدّة فيها. لأنّ فيها ما يزيد المرء من فوائد تنمّي قدراته الفكريّة. وتضيف إليه معلومات قد يكون مفتقرًا إليها. وإن كان يحمل أعلى الشهادات. والشاعر يقول: قُل لِمَن يدّعي في العلمِ معرفةً ** حفظتَ شيئًا وغابت عنكَ أشياءُ.

لاأحد يدّعي لنفسه الإحاطة بكلّ جوانب القضية التي يطرحها. والملاحظ القارىء هو الّذي يضيف إلى تلك الكتابة ما يمكن أن يسدّ به الفجوات التي قد تشوب الموضوع.

وقد أعجبتني مقالة الإمام الزاهد عبدالله بن المبارك رحمه الله حين قال:"أوّل منفعةِ العلم أن يُفِيدَ بعضكم بعضا" تاريخ دمشق لابن عساكر: 442/32.

فالحوار الذي لايضيف إلينا منفعة. نحنُ في غِنًى عنه.

وإنّ إدراك النّصيحة يبدأ من فهم معناها الحقيقي الذي يذهب إليه النّاصح. وقد ركّزتِ على نقطة:"خضوع بلقيس لسليمان عليه السلام" وتساءلتِ:"..عن أيّ خضوعٍ تتحدّثين؟ واستدللتِ بدليل ضدّك.

لماذا؟ لأنّني أعتقد أنّكِ قرأتِ موضوعي دون تدقيق في الكلام. وهذا خطأ يصدر منكِ تجاه مواقفي في القضية التي تدور بين الرجل والمرأة ومسألة الخضوع إلى أين ينتهي حدّها.


فأنا في مقالي قلتُ:"خضعت للنّبي سليمان عليه السّلام، بِعِظم مكانتها في قومها، ورجاحة عقلها وحسن تدبيرها لملكها. وأخضعت قلبها لربّ سليمان حين قالت: "رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (1).

لم أتوقّف في كلامي عند خضوع بلقيس لسليمان، وإنّما تابعتُه بقولي:"وأخضعت قلبها لربّ سليمان...ثمّ قلتُ:"....وأسلمتُ مع...."

وهذا دليل أنّني لاأقصد خضوع امرأة لأيّ رجل. وإنّما خضعت لرجل خضع لله. ومعنى خضوعها لسليمان: خضوع اتّباع وليس خضوع ضعف وهوان.

تأمّلي جيّدًا كلامي وأعيدي القراءة عدّة مرّات، تفقهي إلى أين أذهب في تنبيه الناس إلى خضوع بلقيس لسليمان عليه السّلام.

ومعنى ذلك أنّ المرأة الصالحة لاتخضع لأيّ رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق" و"إنّما الطّاعة في المعروف".

وخضوع الإتّباع، معروف. ومعناه أن يتّبع طريقه أو منهجه وهو مسلم لله. كما نقول في شريعتنا السّمحاء أنّنا نخضع لرسول الله صلى الله عليه وسلم خضوع اتّباع الذي يضحى (عبادة) على أنّه رسول مَن نعبده وليس خضوع مَن نعبده. ولماذا ذكرتُ العبادة؟ لأنّ هناك من الفرق الضّالّة في الإسلام، مَن تقدّس النبي صلى الله عليه وسلم إلى درجة التّأليه.

والدليل أنّني أقصد خضوع الإتّباع أوالمتابعة هو ذكري لـخضوعها لله ربّ سليمان. وقد أعطيتُ الآية تقويةً لما أذهب إليه.

قولك: "مع" حرف الجرّ هذا، يعني مساواة الرجل والمرأة في طاعة الله. لكن هل هذا يثبت تساويهما في كثيرٍ من نواحي الحياة؟ أقصد أنّ (حياتنا كلّها لله) والله يقول:"الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ".

يقول الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية:

يقول تعالى : ( الرّجال قوّامون على النساء ) أي : الرجل قيّم على المرأة ، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدّبها إذا اعوجّت ( بما فضّل الله بعضهم على بعض ) أي : لأنّ الرّجال أفضل من النساء ، والرّجل خير من المرأة; ولهذا كانت النبوّة مختصّة بالرّجال وكذلك الملك الأعظم; لقوله صلى الله عليه وسلم : " لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة " رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه وكذا منصب القضاء وغير ذلك ....."انتهـى كلامه.

أقول:

والأفضليّة هذه والخيرية للرجال على النّساء، قد فصّلها الإمام رحمه الله. ويلحظها الشخص الموضوعي في التركيبة البيولوجية لكليهما، والتركيبة النفسيّة. ما يجعل كلّ واحد منهما يناسب المكان الذي هيّأه الله له، من قوّة وقدرة وعلم وعاطفة تؤهّل كل واحد لأن يلعب دوره الذي يليق به في هذه الحياة.

أمّا قولكِ:

فهل كان سليمان -عليه السلام- يعترض على حكم الملكة بلقيس وقيادتها لقومها لأنها امرأة ؟

وهل تنازلت بلقيس لسليمان -عليه السلام- عن الحكم لأنها امرأة ولأنه رجل؟

أقول:

ماذا يعني تخوّفها هذا:

فعارضت بلقيس رأي الرّجال حين اقترحوا القتال. وقد فهمت رسالة سليمان عليه السلام. حتّى أنّها تصوّرت النتائج قبل قدوم المرسل إليها بالخطاب حين قالت لقومها: "إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ"(8)

وماذا فعل سليمان عليه السلام حين عرف أنّ هناك امرأة تملك عرشا عظيمًا؟ لقد أرسل إليها خطابًا يقول فيه""إنّه من سليمان وإنّه باسم الله الرّحمن الرّحيم * ألاَّ تَعْلُوا عليّ وأْتُونِي مسلمين".

نعم أراد لها الخضوع للإسلام.

أمّا قضية الملك، فحتّى في شريعة الإسلام لايجوز للرجل أن يأخذ مال زوجته إلاّ إذا وهبته له. هذه في الزوجة، فمابالك أن تكون أجنبيّة عنه. وهذه هي سماحة الإسلام وحقّ المرأة فيه.

أمّا كون بلقيس بقيت في ملكها. هذا الذي نجهله في القصّة. غير قول المفسّرين:

قال الشيخ السعدي رحمه الله مفسّرا للآية:" أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)" النمل.

أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ أي: لا تكونوا فوقي بل اخضعوا تحت سلطاني، وانقادوا لأوامري وأقبلوا إليّ مسلمين.

وقد قال الشيخ السعدي رحمه الله آخر ما قال عند تفسير الآية:"قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ* فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا* قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ* قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" قال رحمه الله: ".......فهذا ما قصّه الله علينا من قصّة ملكة سبأ وما جرى لها مع سليمان، وما عدا ذلك من الفروع المولدة والقصص الإسرائيلية فإنّه لا يتعلّق بالتفسير لكلام الله وهو من الأمور التي يقف الجزم بها، على الدليل المعلوم عن المعصوم، والمنقولات في هذا الباب كلّها أو أكثرها ليس كذلك، فالحزم كل الحزم، الإعراض عنها وعدم إدخالها في التفاسير. والله أعلم."






..يتبع...إن شاء الله....

رد مع اقتباس