عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 24 Jan 2019, 07:37 PM
أبو حـــاتم البُلَيْـــدِي أبو حـــاتم البُلَيْـــدِي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
المشاركات: 128
افتراضي إِتحَافُ الطَّائِفَة بِالتَّعلِيقِ عَلَى كَلاَمِ جُمعَة حَولَ تَعرِيفِ الوَاقِفَة!

إِتحَافُ الطَّائِفَة
بِالتَّعلِيقِ عَلَى كَلاَمِ جُمعَة
حَولَ تَعرِيفِ الوَاقِفَة!



أعده: أبو حـــاتم البُلَيْـــدِي -سَلَّمَهُ الله من الفتن-



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل بقايا من أهل العلم ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصادقين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن من أعظم الخطايا عند الله -وأكثرها وقعا في النفوس- مصيبة القول في دين الله بغير علم، قال ابن القيم رحمه الله: "وأما القول على الله بلا علم فهو أشد هذه المحرمات تحريْمًا وأعظمها إثْمًا، ولهذا ذكر في المرتبة الرابعة من المحرمات التي اتفقت عليها الشرائع والأديان ولا تباح بحال، بل لا تكون إلا محرمة، وليست كالميتة والدم ولحم الخنزير، الذي يباح في حال دون حال، فإن المحرمات نوعان: محرم لذاته لا يباح بحال، ومحرم تحريْمًا عارضًا في وقت دون وقت. قال الله تعالى في المحرم لذاته: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} ثم انتقل منه إلى ما هو أعظم منه فقال: {وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} ثم انتقل منه إلى ما هو أعظم منه فقال: {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} ثم انتقل منه إلى ما هو أعظم فقال: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} فهذا أعظم المحرمات عند الله وأشد إثْمًا، فإنه يتضمن الكذب على الله ونسبته إلى ما لا يليق به، وتغيير دينه ونفي ما أثبته وإثبات ما نفاه، وتحقيق ما أبطله وإبطال ما حققه وعداوة من والاه وموالاة من عاداه، وحب ما أبغضه وبغض ما أحبه، ووصفه بما لا يليق به في ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله.
فليس من أجناس المحرمات أعظم عند الله منه ولا أشد إثْمًا، وهو أصل الشرك والكفر، وعليه أسست البدع والضلالات، فكل بدعة مضلة في الدين أساسها القول على الله بلا علم.
ولهذا اشتد نكير السلف والأئمة لها وصاحوا بأهلها من أقطار الأرض وحذَّروا فتنتهم أشد تحذير، وبالغوا في ذلك ما لم يبالغوا في إنكار الفواحش والظلم والعدوان، إذ مضرة البدع وهدمها للدين ومنافاتها له أشد". اهـ [(مدارج السالكين: 1/ 378)].
ولقد وقفت على كلام لعبد المجيد جمعة في غاية السوء والقبح، لما فيه من التجني على أئمة الإسلام وعلماء الأمة، حيث سئل جمعة السؤال التالي:
"شيخنا أحسن الله إليك، البعض من إخواننا السلفيين يقولون نحن لن نحضر مجالس الشيخ فركوس ولا مجالس رجال الإصلاح بحجة أنهم لم يتبين لهم الحق!!، كيف يكون الرد عليهم وهل يدخلون في حكم الواقفة؟ أفيدونا بارك الله فيكم".
فأجاب جمعة:
"نعم هم من الواقفة، والتوقف في وقت نصرة الحق مذموم، وقد أنكر الإمام أحمد على الذين توقفوا ولم ينصروا الحق في محنة خلق القرآن".

هذا الجواب من جمعة يدل على أمرين:
أحدهما: أنه جاهل بتعريف الواقفة، فخَلَّطَ في الكلام والحكم، وهذا لسوء فهمه لكلام العلماء -إن كان قرأه!-.
الثاني: أنه طعنٌ قبيحٌ في علماء الأمة وأئمة الإسلام الذين انتقد الإمام أحمد موقفهم في فتنة القول بخلق القرآن، وذلك لأنهم أخذوا بالرخصة وأجابوا في الفتنة، فنسبهم جمعة إلى بدعة الوقف!.

ولتقف -يا طالب الحق- على بيان جهل جمعة في هذا الجواب، ينبغي عليك أن تعلم أن لقب "الواقفة" إذا أُطلِقَ وذُكِرَ مَعَه الإمام أحمد وفتنة القول بخلق القرآن فإنه لا ينصرف إلا إلى أصحاب البدعة المُغَلَّظة!.

وأوافيك بتعريف الواقفة، ثم أذكر لك الفرق بينهم وبين موقف بعض العلماء الذين أجابوا في الفتنة -ولم يستطيعوا نصرة الحق-، لتعرف عظيم الجهل الذي يتخبط فيه جمعة.

لما وقعت الفتنة ودُعِيَ الناس إلى القول بأن "القرآن مخلوق"، تميز أهل السنة عن أهل البدعة بقولهم في تعريف القرآن: "هو كلام الله تعالى غير مخلوق"، وظهرت طائفة قالت: "نقول في القرآن هو كلام الله ونتوقف، فلا نقول مخلوق ولا غير مخلوق".

قال الإمام أبو بكر محمد بن الحسين الآجري رحمه الله: "وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: "الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَوَقَفُوا فِيهِ" وَقَالُوا: "لَا نَقُولُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ"، فَهَؤُلَاءِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ -مِمَّنْ رَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ- قَالُوا: هَؤُلَاءِ الْوَاقِفَةُ مِثْلُ مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ "وَأَشَرُّ"؛ لِأَنَّهُمْ شَكُّوا فِي دِينِهِمْ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِمَّنْ يَشُكُّ فِي كَلَامِ الرَّبِّ: "إِنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ"، وَأَنَا أَذْكُرُ مَا تَأَدَّى إِلَيْنَا مِنْهُ مِمَّنْ أَنْكَرَ عَلَى الْوَاقِفَةِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
ثم ساق كلام العلماء في الواقفة، نذكر منه:
1. سُئِلَ الإمام أحمد: هَلْ لَهُمْ رُخْصَةٌ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: "الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ"، ثُمَّ يَسْكُتُ؟ فقال: "ولِمَ يسكُت؟ لولا ما وقَعَ فيه الناس كان يسَعُهُ السُّكوتُ، ولكن حيثُ تكلَّموا فيما تكلَّموا لأيِّ شيءٍ لا يتكلَّمون؟".
قال الحافظ أبو بكر الآجُريُّ -معلقا على كلام للإمام أحمد-:"معنى قول أحمدَ بن حنبل في هذا المعنى، يقول: لم يختلفْ أهلُ الإِيمان أنَّ القرآنَ كلامُ الله عَزَّ وجَلَّ، فلمَّا جاءَ جَهْمٌ فأحْدَثَ الكُفْرَ بقولِهِ: إنَّ القرآن مخلوقٌ، لم يسَع العلماءَ إلاَّ الرَّدُّ عليه بأنَّ القرآنَ كلامُ الله عَزَّ -وجَلَّ غيرُ- مخلوقٍ بلا شكٍّ ولا تَوقُّفٍ فيهِ، فمَنْ لم يَقُلْ: "غيرُ مخلوقٍ"، سُمّيَ واقفيّاً شاكاً في دينه".
2. قال الإمام إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ: "مَنْ قَالَ لَا أَقُولُ الْقُرْآنُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَهُوَ جَهْمِيٌّ".
3. قال الإمام قُتَيْبَةَ بْنَ سَعِيدٍ: "هَؤُلَاءِ الْوَاقِفَةُ شَرٌّ مِنْهُمْ، يَعْنِي مِمَّنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ".
4. عُثْمَانَ بْنَ أَبِي شَيْبَةَ يَقُولُ: "هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَيَسْكُتُونَ شَرٌّ مِنْ هَؤُلَاءٍ، يَعْنِي مِمَّنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ".
5. قال أَحْمَدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مُقَاتِلٍ الْعَبَّادَانِيَّ -وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ- يَقُولُ فِي الْوَاقِفَةِ: "هُمْ عِنْدِي شَرٌّ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ". [(الشريعة: 1/ 527-530)].

هذا هو تعريف "الواقفة" وحكم علماء الإسلام عليهم، وليس فيهم واحد من علماء السنة ممن أجابوا في الفتنة، ولم يقل واحد من علماء الأمة في أولئك العلماء الذين أجابوا في الفتنة "إنهم من الواقفة"، حتى جاءنا عبد المجيد جمعة بهذه البلية في دين الله، فقال على الله بغير علم، وجعل أولئك العلماء - الذين أنكر عليهم الإمام أحمد إجابتهم في الفتنة- جعلهم جمعة من الواقفة!، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وحتى تقف -يا طالب العلم- على عِظَمِ جُرم جمعة وحقيقة من طعن فيهم من علماء الأمة وأئمة الإسلام، عليك أن تعلم:
أن بعض من أجاب في الفتنة هم من كبار علماء الإسلام -كالإمامين علي بن المديني ويحيى بن معين وغيرهما-، وكانوا قد أُكرهوا وعُرضوا على السيف لأجل أن يقولوا إن "القرآن مخلوق"، فأجابوا وهم يرون أنهم أخذوا بالرخصة في قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}، ثم إنهم بعد زوال المحنة أظهروا مذهب السلف، وقالوا بتكفير القائلين بخلق القرآن، ولكن الإمام أحمد كان يلومهم ويُنكر عليهم الإجابة، لأجل مقامهم في الدين واغترار الناس بهم، ومع ذلك فإنه لم يُنقل عنه -ولا عن أحد من علماء الإسلام- أنهم نسبوا هؤلاء الأعلام إلى بدعة الوقف، ولا أنهم وافقوا الواقفة.

فإذا تبين لك هذا الأمر -يا طالب الحق- فاعلم أن جمعة رجل لا يدري ما يتفوه به وينسبه إلى العلم ومذهب السلف، والله ورسوله براء من كلامه وجهله.

ومن جملة ما جاء في جواب جمعة قوله: "وقد سمع الجميع كيف يفسر كبيرهم قوله تعالى: {ونفخت فيه من روحي} كيف فسره أنه جبريل، فهو حسب جهله أن الله تعالى خلق آدم من جبريل، وأن آدم تسري فيه روح جبريل. وغيرها من الطوام التي قد لا يتفوه بها العوام".

فانظر كيف أن جمعة راح يحذر من الشيخ عبد الخالق ماضي في مسألة بيَّن الشيخ فيها أنه غفل أثناء الجواب فاستحضر في ذهنه آية سورة مريم وهي قوله تعالى:
{فأرسلنا إليها روحنا} فقال: "إن المقصود بها جبريل عليه السلام"، وهذا قد يعرض لأي أحد من أهل العلم والفضل، ولكن جمعة يُصِرُّ على السير على منهج الحدادية الخبيث -كما قال شيخنا العلامة ربيع-: "وهو أنهم إذا ألصقوا بإنسان قولا هو بريء منه ويعلن براءته منه، فإنهم يصرون على الاستمرار على رمي ذلك المظلوم بما ألصقوه به، فهم بهذا الأصل الخبيث يفوقون الخوارج".

وفي الختام أدعوك -يا طالب الحق- إلى أن تستحضر ما جاء في الصحيحين عَن عَبدِ اللَّهِ بنِ عَمرٍو مَرفُوعًا «إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا».
وَبَكَى رَبِيعَةُ، فَقِيلَ مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: "اسْتُفْتِيَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ، وَظَهَرَ فِي الْإِسْلَامِ أَمْرٌ عَظِيمٌ"، وَقَالَ: "وَلَبَعْضُ مَنْ يُفْتِي هَهُنَا أَحَقُّ بِالسِّجْنِ مِنْ السُّرَّاقِ" [(الآداب الشرعية: 2/ 63)].

واعلم أن هذا التطاول من جمعة على علماء السلف هو امتداد لمنهج الكوثري الخبيث الذي لم يسلم منه أحد من أئمة السلف، الصحابة فمن دونهم من القرون المفضلة.
فاتقوا الله، واعلموا أن من كان متجاسرا على الكلام عن علماء الأمة والتطاول عليهم بمثل صنيع جمعة فإن البُعدَ عنه حتمٌ لازمٌ، فهو بهذا يدعو إلى إفساد الشباب وتلقينهم سوء الأدب مع أئمة الإسلام من السلف، والكذب عليهم، ورميهم بالبدعة، فكيف يربي الشباب على التعامل مع من دونهم؟!.
نسأل الله تعالى أن يكفينا شر الفتن وأهلها بما شاء، وأن يبصر الناس بالحق حتى لا يضلوا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



فندق التوحيد - مكة المكرمة
05 جمادى الأولى 1440 هـ

رد مع اقتباس