عرض مشاركة واحدة
  #20  
قديم 19 Sep 2015, 04:04 PM
أبوعبدالرحمن عبدالله بادي
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي



قالت أم عبدالله الوادعية ص 51/46:

وهذان سؤالان طرحا علي:

أحدهما: كيف اهتمامه بنا ونحن صغار؟
والثاني: طريقته في تعليم أهله؟

أما السؤال الأول:


فالوالد رحمه الله لم يهملنا رغم كثرة شواغله الكثيفة، فمن ذلك أنه كان يهتم بنا جدا في تعليم القرآن، فكان يلقننا القرآن تلقينا، ويسجل في شريط من أجل أن نتقن عليه، وذات مرة حفظت أختي، وكان الوالد رحمه الله في المكتبة، فذهبت إليه ونادته أن يأتي ليسجل لها فأتى معها وترك البحث، وسجل لها ثم رجع إلى مكتبته.
ولما بدأنا نفهم القراءة اشترى مصحفا مسجلا للشيخ الحصري، واشترى لكل واحدة منا مسجلة بدون راديو، وقاية لنا من سماع الأغاني.
فلما عقلنا أكثر اشترى لكل واحدة مسجلة راديو وحذرنا غاية التحذير من الأغاني، والحمدلله، لقد قبلنا ذلك، وماستمعنا للأغاني قط مع كره لها، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول:" كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه". متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وكان يستمع لنا ما نحفظه، فقرأنا علي يديه الخير الكثير، ويأمرنا بتوحيد المصحف بحيث نقرأ في طبعة معينة، ذلك لأنه يعين على الحفظ المتقن، ولو رأى في أيدينا طبعة مختلفة أسطرها يزجرنا ويغضب رحمه الله رحمة واسعة !
وكان يوجد بين طلبة العلم بعض الإخوة من مصر والسودان معهم نساؤهم، فكان منهن من يقمن بتعليمنا، وهو الذي يعطي لهن مرتبا، اهتماما بتربيتنا خصوصا، وبالبنات عموما، واستمر ذلك الى الصف الرابع حسب ما عند أهل المدارس، وكان إذا أتي بالكتب التي سندرس فيها عند المدرسات يأمرنا رحمه الله بطمس صور ذوات الأرواح كلها، ونحن نفعل ذلك مع بغض للصور.
ثم بعد ذلك دُرسنا علما شرعيا –كتاب وسنة-فكنا نحفظ عن ظهر قلب عندهن، ونحفظ أحاديث، فالحمدلله.
وكان يرفه علينا ويمزح معنا بما أباحه الله،بخلاف كثير من الناس اليوم إلا من رحم الله ،فهم يرفهون عن أبنائهم بالتلفاز والأغاني والألاعيب الماجنة وغير ذلك من الشر والفساد ،ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول ،كما في (الصحيحين)عن ابن عمر رضي الله عنه ((كلكم راع ,وكلكم مسئول عن رعيته )).
ويقول عليه الصلاة والسلام (ما من عبد يسترعيه الله رعية،ثم لم يحطها بنصحه ، إلا لم يجد رائحة الجنة )).متفق عليه عن معقل بن يسار رضي الله عنه.
وكان ينهانا عن كثرة الخروج ’ويلزمنا ألا نخرج ألا بإذن منه.
فهذا خلاصة ما قام به الوالد رحمه الله ونحن صغار.

وأما السؤال الثاني :

فبادئ ذي بدء لقد كان رحمه الله يهمه جدا أن نتفقه في دين الله ،وأن نتزود من العلم الشرعي ،لهذا فقد بذل لنا كل ما يعين على طلب العلم ،ويجعلنا متفرغات له ، أكرم الله مثوبته وأسكنه الفردوس الأعلى.
وكان رحمه الله يجعل لنا وقتا للتدريس ، وفي اليوم الثاني يسأل عن ذلك الدرس ،وإذا كان الدرس قويا يخفف اكثر مما لو كان الدرس خفيفا.
ومن الدروس التي درسناها في البيت خاصة "قطر الندى" مرتين و"شرح ابن عقيل" أيضا مرتين ، و"تدريب الراوي"، وكنا في "موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب" للشيخ خالد الأزهري، ولكنه حال بيننا وبين إتمامه مرضه هذا الأخير، تغمده الله برحمته.
كما أنه كان قد وعدنا بدرس في البلاغة ، ولكنه حيل بيننا وبينه ، فالله المستعان.
وكان يدرسنا وهو منبسط كعادته في الدروس، وهذا يمكن الطالب عما يشكل في الدروس، وكان جلوسنا معه عامرا بالخير والمذاكرة والتوجيه، حتى على مائدة الطعام وعلى الهاتف(1) وفي مرضه، حتى إننا لنشفق عليه لحالته المتعبة ، وهو يسألنا ويدخل علينا السرور ، فالحمدلله !
وكان ربما يغالط في إلقاء السؤال ليختبر فهمنا، كما يفعل ذلك مع طلابه الرجال ،وأحيانا يلقي علينا أسئلة قوية، فقلت له ذات مرة: هذه أسئلة فوق مستوانا، فقال: صدقت وأنا أردت بها الإفادة، ولكني صدرتها بصيغة سؤال.
قلت: وهذا له أصل في الشرع، فقد أخرج البخاري ومسلم في "صحيحهما" من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا معاذ. قلت: لبيك وسعديك، ثم قال مثله ثلاثا:" هل تدري ما حق الله على العباد؟ قلت : لا. قال:"حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا". ثم سار ساعة، فقال:"يا معاذ"، قلت: لبيك وسعديك، قال:" هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ أن لا يعذبهم".
وإلقاء الفائدة بصورة سؤال أدعى لوعي المسألة، وأبلغ مما لو ألقيت بدونه، لأن الطالب يجمع فكره لما سيلقى عليه.
وكان أحيانا يلقي على ربات الحجاب عموما التي يسمعن الدرس بعض الأسئلة ثم ينظر الصواب من الإجابات، وما ليس بصواب، ومن تلك الأسئلة إعراب: جاء عبدا الله راكبين(2).
وما معنى قولهم في(إذا): خافض لشرطه منصوب بجوابه(3).
و نعرض عليه الإشكالات التي في دروسنا وبحوثنا، وإذا لم نهضم البحث الذي نعرضه عليه إما يأمرنا أن نستمر فيه، أو يأتي معنا الى مكتبتنا أي النساء فيساعدنا.
وهذا الأمر يجعلنا نحزن عليه جدا رحمه الله، إذ من لنا بعد الوالد بمثل هذه المثابة:
من لي بسيرك المدلل:::تمشي رويدا وتجي في الأول
فإنا لله وإنا إليه راجعون، وأسأل الله أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة !
وكان يوجهنا ويؤدبنا بلطف ولين، ونحن بفضل الله لا مندوحة لنا في مخالفته، إذ ذلك في صالحنا وفي فلاحنا، فكلها درر مرتبطة بالكتاب والسنة.
ومن عجيب أمره رحمه الله: أنه لا يتحجر في اجتهادنا وفي فهمنا الذي له وجهة نظر، فإذا فهمنا من مسألة خلاف ما فهمه، فإنه لا يتحجر علينا، كعادته مع طلابه. فكما هو معلوم أنه ما يتحجر عليهم في فهمهم الذي له وجهة نظر، وهذا تراه أيها القارئ عزيزا، قل أن تجده.
يحذرنا من مجتمعاتنا لأنها ضالة، تسعى في الباطل، وفيما لا يجدي، إلا من رحم الله منهم.
يحذرنا من الكبر، ويكره المرأة التي تتكبر على زوجها ويقول:لا خير فيها !
يحثنا على الزهد في هذه الدنيا الدنية.
يرشدنا الى أن ننوي بمأكلنا ومشربنا التقوي على التقوى، حتى ننال الأجر من الله.
ويقول: لا تشغلن أنفسكن بتجهيز الأطعمة، ما تيسر أكلناه.
يشجعنا، فليس من أولئك المثبطين لبناتهم وأهليهم، ويجعل مستوانا مستوى طيبا، كي نُسر ونشمر في الجد والاجتهاد في تحصيل العلم النافع.
ومن كلامه لي: أرجو أن تكوني فقيهة.
اللهم حقق رجاء والدي يا من لا يرجى سواه.
أما بالنسبة للتثبيط فإنه بأتي بالفتور واليأس، وبما لا يحمد عقباه.
كما أنه رحمه الله من حين لآخر إذا وجد قصورا منا في الإجابة يعاتبنا، وهذا من سياسته رحمه الله، فإن فيه وقاية لنا من العجب والغرور اللذين هما داءان مهلكان، سلمنا الله وأعاذنا من ذلك !
وذات مرة قبل سنين تمنيت عنده أن أرى الجُمار فرأى بعض الناس يحفر في قطع نخلة من أصلها. فلما أخرجوا الجُمار من قلب النخلة أتى بواحدة إلى البيت وقال لي: هذا هو الجُمار.

وختاما لهذا رأيت رؤيا للوالد رحمه الله وذلك بعد موته.
أنه هو وشيخ الاسلام ابن تيمية في مكان لا أستطيع أن أجزم به، وغالب ظني أنهم في المكتبة السفلى، وشيخ الاسلام واقف ولحيته بيضاء جميلة تكاد تملأ صدره، والوالد رحمه الله في غاية من الجمال والقوة، أسكنهما الله الفردوس الأعلى !


__________________________________________________ _____________________

(1) ففي ذات مرة وهو في السعودية، قبل أن يخرج إلى ألمانيا، قال لي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فرددت عليه دون ذكر: وبركاته. فقال لي: لم لم تردي بالأفضل.
إشارة منه الى آية" وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها" النساء 86.

ويركز جيدا على العبارات فإذا حصل لحن في النحو يعاتبنا برفق ويقول: ما تكون مثل أهل صعدة: أحدهم يدرس النحو حتى يصل إلى " مغني اللبيب" وكلامه ككلام غيره من العوام!

فقلت له ذات مرة في الهاتف: نحن الآن لا نجد من يبصرنا بالأخطاء كما كنتم عندنا، فقال: ادعي لي.
أسأل الله أن يرفع درجته في أعلى عليين، وأن يجعلني وأختي ممن قال الله فيهم:" والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيئ" الطور 21.

(2) جاء: فعل ماض، عبدا:فاعل مرفوع بالألف لأنه مثنى، وهذه الألف تحذف لفظا لا خطا لالتقاء الساكنين، وراكبين: حال.

(3) معنى خافض لشرطه ..... الخ بالمثال يتضح المقال، مثلا ( إذا جاء زيد فأكرمه) ، فـ: جاء فعل الشرط في هذه الجملة، وفاعله في محل خفض بـ: إذا، وأكرمه: هو العامل في إذا الظرفية النصب، فكلمة إذا مبنية، وهي في محل نصب على الظرفية، والله أعلم.




التعديل الأخير تم بواسطة أبوعبدالرحمن عبدالله بادي ; 20 Sep 2015 الساعة 07:11 AM
رد مع اقتباس