عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02 Jul 2014, 04:57 PM
فريد الميزاني فريد الميزاني غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
الدولة: تيزي وزو (أرض الإسلام)
المشاركات: 49
افتراضي [تفريغ] خواطر نادرة عن شهر الصيام – لعلامة تونس الطاهر بن عاشور (رحمه الله)

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حياكم الله مشايخي وإخواني في منتديات التصفية والتربية السلفية ! إنه لمن دواعي السرور أن يسر الله لي الانضمام إلى هذا المنتدى المبارك في هذا الشهر المبارك، فأسأل الله أن يوفقني ويعينني - وإياكم- على استخدام هذا الموقع في نشر العلم النافع، وأم يجمعنا على مرضاته.

وبعد، فلما كنا في شهر الصيام (شهر رمضان) اخترت أن استهل مشاركاتي معكم بمادة فيها التذكير بفضيلة عبادة الصيام والحكمة من تشريعها فوائدها على الروح والبدن، وهي تفريغٌ (أو قل: كتابةٌ) لخواطر علامة تونس الطاهر بن عاشور عن شهر الصيام التي نشرها الشيخ خالد حمودة في تعليقه على مقال: أثر الصوم في النفوس للعلّامة محمد البشير الإبراهيمي.

والتَّفريغ -في الحقيقة- هو للأخ الفاضل: أبي عبد الرحمن أسامة (جزاه الله خيرا)، فليس لي من العمل إلا المراجعة والتنسيق.

______________________


خواطر نادرة عن شهر الصيام


التسجيل الصوتي للمادة: https://archive.org/details/khawater-3an-as-sawm

لا يخفى أنَّهُ عمّا قريبٍ يتأهَّبُ المسلمونَ لشهر رمضانَ تأهُّبًا يحُفُّه شُكرٌ ربَّانيٌّ واعتزازٌ نفسانيٌّ، لأنَّ في مثله من سنة 13 قبل الهجرة بَعَثَ اللهُ محمدًا –صلّى الله عليه وسلَّم– رسولًا إلى النَّاس كافَّة، مُرشدًا وهاديًا، ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ وابتدأَ فيه بنزول القرآن.

اختارَ اللهُ مثلَ هذا الشَّهر في تلك السَّنَةِ لانبثاق ذلك النُّور المبين، وحُدوث الحادث الجليل الَّذي [أصلح] النظام الاجتماعي والتفكيرَ، فقدَّر لَهُ بذلكَ فضلًا عَلِمَهُ وأرادَهُ وادَّخره إلى أنْ ربط به ذكرى جليلةً للمُسلِمين في السَّنَة الثَّانيَّة من الهجرة حين بدأَ استقلالُ المسلمين بمدينتِهم وجماعتِهم، وتخلَّصوا منْ اضطهادِ المشرِكين وشغبَهم.

ذلك بأنْ شرعَ لهم في ذلك الشَّهر فريضةَ الصَّوم كلَّ عامٍ عبادةً يرتقون بها عن حضيض عالم المادَّة إلى جانب أَوَجِّ العالَم الرُّوحاني، فجعلَ الصَّوم وسيلةً للاِرْتِيَاضِ بالأخلاق المَلَكِيَّة، والتَّهذيب منَ الكُدرات الجِسْمَانِيَّة، ونبَّه على ذلك بأنْ أعقبَ آية فَرْضِ الصِّيامِ بقوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى والفُرْقَانِ﴾ يُشيرُ إلى مناسبة تعيين هذا الشَّهر لإيقاع هذه العبادة.

إنّ عِدَادَ الصَّوم في قواعدِ الإسلامِ وما فيه من الحكمة الرَّاجعة إلى تزكية النَّفس وتهذيبِ طُغيان القِوَى الجُثْمَانِيَّةِ عليها أمرٌ مُقرَّرٌ لا يُنكَرُ، فلَسْنا بحاجةٍ إلى زيادة تذكيرٍ المسلِمين بِهِ. بلِ الأمرُ الَّذي هو شديدُ الحاجةِ إلى التَّذكير بِهِ والتَّنبيه عليهِ هُوَ: إرشادُ الكثير منهم إلى الأحوال التي يكونُ بها الصَّوم جاريًا على المقصد الشّرعيّ منهُ، ومنْ قيامِ المُسلِم بهِ.

الصِّيامُ عبادةٌ شُرِعَت لمقاصدَ سامِيَةٍ، وحِكَمٍ عاليَةٍ، هي منْ قبيل الحِكمة العمليَّة لرياضة النَّفس على اِسْتِذْلَالِ المَصَاعِبِ والتَّصبُّرِ على التَّخلُّق بالأخلاق المَلَكِيَّة، وقِوَامُهُ الإمساك عن الشَّهوات المُلازمة لما في الهيكل الجِسْمانيِّ من المادِّة التي تَغِينُ على تجرُّد الرُّوح، فالقصدُ منهُ إضعافُ القُوَى المادِّيَّة لِتَنْبَثِقَ منْ منافذها أشعَّةُ النَّير الرُّوحاني.


ولِمَا في هذا الإمساك من المشقَّة في مُجاهدة تلك القُوى الطَّاغية اِقتنعَت الشَّريعةُ بالمقدار الذي لا يخلو عنه قيام ماهية هذه العبادة، فجعلت ما يعرض للصَّائم منْ مشاق زائدةٍ عُذرًا يُخوِّل التَّرخيص في ترك تلكَ العِبادة مادامت المشقَّة العارضةُ مُقارنةً لها لِيَأتي المسلمُ بعبادته شارهًا نشيطًا غير ملولٍ منْ تظافُر المشاقِّ عليه ؛ وقد أشارَ إلى ذلك قولُه تعالى في آية فرض الصِّيام: ﴿وَمَنْ كَان مَرِيضًا َأَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ﴾.

والمعْتَبَر من المشاقِّ التي تُسقطُ العبادةَ ليس أقصى ما يصدُقُ عليه اسم المشقَّة، فإنَّ المشاق قسَّمَها العلماءُ إلى ثلاثة أقسام:
- قِسْمٌ في الرُّتْبَة القُصوَى من المشقَّة.
- وَقِسْمُ في الرُّتْبَةِ الدُّنْيَا كأدنى وجعٍ في إصبع.
- وَقِسْمٌ مُتوسِّطٌ بين هذَيْن.

وقد ورَدَ في الشَّريعة تعيينُ مشاقٍّ مُسْقِطَةٍ للصَّوم، فما لَمْ يَرِدْ الشَّرعُ بتحديده يجبُ على الفقيه أنْ يفحصَ عنْ أدنى المشاق الثَّابتةِ بدليلٍ شرعيٍّ، ثُمّ ينظرُ فيما لم يُحدِّده الشَّرعُ فيُلْحِقَه بقِسْمِه المماثل له. والقاعدة الأصوليَّة تقول: «المشقَّة تجلبُ التّيسيرَ»، واللهُ تعالى أنبأَنا حين شرَع الصَّوم بأنَّه يُريدُ بنا اليسرَ وأكَّده بقوله: ﴿وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ﴾. والتَّيسيرُ هُوَ التَّرخيص، أي: تغييرُ الحُكم الشَّرعيِّ من صعوبةٍ إلى سهولةٍ لِعُذرٍ مع قيام السّبب لِلْحُكم الأصليّ، فتأتِي عليه الرُّخصة فتنقلُه إلى السُّهولةِ.

ومعلومٌ أنَّ الصُّعوبة هيَ الوُجوب أو التَّحريم، وأنَّ السُّهولةَ هي الإباحةُ. والمختارُ من أقوال الأصوليِّين: جَرَيَانُ القِيَاس على الرُّخَص، وهُوَ قول الإمامِ مالكٍ والجمهورِ.


التعديل الأخير تم بواسطة فريد الميزاني ; 02 Jul 2014 الساعة 06:30 PM
رد مع اقتباس