عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 17 Jan 2020, 12:52 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي



بسم الله الرّحمن الرّحيم



بارك الله في كلّ مَن تابع موضوعي هذا، وأسأل الله أن يفقّهنا في الدّين، وأن يعلّمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علّمنا وأن يزيدَنا علمَا.

نعود، في هذه المشاركة، إلى الوراء، وإلى بداية سورة الكهف، تركيزًا على آية مهمّة في الدّعوة إلى الله، والتي يحتاج صاحبها إلى صبر وحلم وأناة، يدعّمها، سؤال الله الثّبات.

قال الله تعالى:"فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا".

قال الشيخ السّعدي رحمه الله في تفسير الآية:

ولمّا كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على هداية الخلق، ساعيًا في ذلك أعظم السّعي، فكان صلى الله عليه وسلم يفرح ويسرّ بهداية المهتدين، ويحزن ويأسف على المكذبين الضالين، شفقةً منه صلى الله عليه وسلم عليهم، ورحمة بهم، أرشده الله أن لا يشغل نفسه بالأسف على هؤلاء، الذين لا يؤمنون بهذا القرآن، كما قال في الآية الأخرى: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) وقال: (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) وهنا قال: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ) أي: مهلكها، غَمًّا وأسفًا عليهم، وذلك أنّ أجرك قد وجب على الله، وهؤلاء لو علم الله فيهم خيرا لهداهم، ولكنّه علم أنّهم لا يصلحون إلاّ للنّار، فلذلك خذلهم، فلم يهتدوا، فإشغالك نفسك غمًّا وأسفًا عليهم، ليس فيه فائدة لك.

وفي هذه الآية ونحوها عِبْرَة، فإنّ المأمور بدعاء الخلق إلى الله، عليه التّبليغ والسّعي بكلّ سبب يوصل إلى الهداية، وسدّ طُرُق الضلال والغواية، بغاية ما يمكنه، مع التّوكل على الله في ذلك، فإن اهتدوا فَبِهَا ونِعْمَتْ، وإلاّ فلا يحزن ولا يأسف، فإنّ ذلك مضعف للنفس، هادم للقوى، ليس فيه فائدة، بل يمضي على فعله الّذي كلّف به وتوجّه إليه، وما عدا ذلك، فهو خارج عن قدرته، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله له: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) وموسى عليه السلام يقول: (رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي) الآية، فمَن عداهم من باب أولى وأحرى، قال تعالى: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ) } انتهـ.



ولأنّ من شمائل نبيّنا محمّد، صلى الله عليه وسلم، وصفاته الحميدة: الرّحمة والشّفقة، والحلم والصّبر والأناة، كان يحرص أشدّ الحرص على هداية النّاس إلى الطريق القويم. وكلّ مَن كان في قلبه ذرّة من الرحمة والشفقة من المسلمين، يستنّ بـخصال النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويسير على أثرها، ولايسعه إلاّ ذلك، تعبُّدًا لله بمتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس أيضًا إلاّ لأنّه يحمل نفس المشاعر النّبيلة، التي بها، على أدقّ معاني النّفع والبذل والتّضحية، تتدفّق الخيرات في رحمات على أهل الطّاعات.

وبمناسبة هذه الآية، يسعدني أن أدرج دُرّة نفيسة من مقالات مشايخ الإصلاح حفظهم الله ورعاهم، وعنوانها: "القلب الرّحيم" لشيخنا الفاضل عمر الحاج مسعود له من الله الحفظ والثّبات على السُّنَّة إلى الممات.

يقول في مقتطف من المقال:

{ إنَّ كلمةَ الرَّحمة تحمل معانيَ الرَّأفة والشَّفقة والرِّقَّة والحنان والبِرِّ والإحسان، والدَّعوةِ والتَّعليمِ والنُّصحِ وبذلِ المعروف، وكفِّ الأذى والبعدِ عن الشَّرِّ والسَّلامةِ من القسوة والفظاظة والأنانيَّة والغشِّ والخيانة.

وتحقيقًا لهذا أرسل الله ـ عزَّ وجلَّ ـ الأنبياءَ والمرسلين رحمةً للنَّاس، ينصحون لهم ويقيمون الحجَّةَ عليهم، لذا كانوا يخاطبون أقوامَهم بقولهم ﴿يَا قَوْمِ﴾، فيرحمونهم بدعوتهم إلى توحيدِ الله وعبادتِه وحدَه لا شريكَ له، وبحرصِهم على إنقاذِهم من الشِّرك والضَّلال، والخوفِ عليهم من عذاب الدُّنيا وخزيِ الآخرة، قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ الله مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم﴾[الأعراف:59]، وقال: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِير﴾[هود:3]، وقال إبراهيم عليه السلام لأبيه: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾[مريم:45]، وقال مؤمن آل فرعون المشفق على قومه: ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَاب * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَاد * وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَاد * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَاد﴾[غافر:30-33].

وكان لنبينا ﷺ في ذلك القدْحُ المُعلَّى والنَّصيبُ الأوفى، فلقد عمَّتْ رحمتُه جميعَ النَّاس؛ مؤمنِهم وكافرِهم، وغمَرت كبيرَهم وصغيرَهم، وشمِلَت بلادَهم وبهائمَهم، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم﴾[التوبة:128]، قال قتادة رحمه الله: «حَرِيصٌ عَلَى ضالِّهِم أَنْ يَهْدِيَهُ الله» رواه الطبري في «تفسيره» (12 /99)، وقال السِّعدي في «تفسيره» (256): «﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُم﴾ فيحبُّ لكم الخيرَ، ويسعى جهدَه في إيصاله إليكم، ويحرص على هدايتِكم إلى الإيمان، ويكرَه لكم الشَّرَّ، ويسعى جهدَه في تنفيرِكم عنه، ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم﴾ أي: شديد الرَّأفة والرَّحمة بهم، أرحم بهم من والديهم».

فهو ﷺ أَوْلى بالمؤمنين من أَنفُسِهم، لِمَا بذله لهم من التَّعليم والنَّصيحة، ولِمَا حاطهم به من الشَّفقة والرَّأفة، قال تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾[الأحزاب:6]، وفي حَرْفِ أُبَيِّ ابْنِ كَعْبٍ: «وَهُوَ أَبٌ لَهُم»(1) أي دينًا، وروى أحمد (7409) وأبو داود (8) وحسَّنه الألباني أنَّ رَسُولَ الله ﷺ قال: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الوَالِدِ أُعَلِّمُكُم»،بمنزلة الوالد أي: في الشَّفقةِ والحنُوِّ والاعتناءِ بمصالحكم، فهو أَرحم بأمَّتِه وأرأَفُ من الوالِدِ العَطوفِ الشَّفيقِ بِأَوْلَادِهِ، وفي صحيح مسلم (202) من حديث عبدالله ابنِ عمرو بن العاص أنَّ النَّبيَّ ﷺ تلا قولَ الله ـ عزَّ وجلَّ ـ في إبراهيم: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي﴾[إبراهيم:36]، وقال عيسى عليه السلام: ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم﴾[المائدة:118]، فرفع يَدَيْه وقال: اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي، وبكى ... فقال الله: يا جِبْرِيل اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمَّتِكَ ولَا نَسُوءُكَ».

وروى البخاري (3232) ومسلم (1795) عن عائشة رضي الله عنها فيما لقِيَه رَسُول الله ﷺ أوَّلَ الدَّعوة من إعراض قومِه وصدِّهم، فبَعَثَ الله إِلَيْه مَلَكَ الجِبَالِ فقَال: «...وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ، فَمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِم الأَخْشَبَيْنِ» فقال له رسولُ الله ﷺ: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ الله مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ الله وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»، فكان يحبُّ اهتداءَ الكفَّار ويفرح بتوبتِهم، ويُحزِنُه كفرُهم ويغمُّه شركُهم، قال تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾[الكهف:6].

وهذا خُلُقُ إخوانِه الأنبياء عليهم السلام، قَالَ عَبْدُ الله بنُ مسعود رضي الله عنه:«كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ وَهوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُون»، رواه البخاري (3477) ومسلم (1792)، قال النَّووي رحمه الله في شرح مسلم (12 /150): «فيه ما كانوا عليه ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ من الحلمِ والتَّصبُّرِ والعفوِ والشَّفقةِ على قومِهم، ودُعائهم لهم بالهدايةِ والغفرانِ، وعذرِهم في جِنايتِهم على أنفسِهم بأنَّهم لا يعلمون، وهذا النَّبيُّ المُشارُ إليه من المتقدِّمين، وقد جرى لنبيِّنا ﷺ مثلُ هَذَا يومَ أُحُدٍ»، يشير إلى ما رواه ابنُ حِبَّان (973)، والطَّبراني في «الكبير (5694) وإسنادُه حسن [«الصَّحيحة» (7 /531)] عن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدي قال: قال رسولُ الله ﷺ يَومَ أُحُدٍ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ»(2).} انتهـ المقصود من النّقل.

https://www.rayatalislah.com/index.p...m/5382-10-1439

اللّهمّ ارزقنا الرّحمة، والحلم والصبر والشّفقة، والحرص على هداية خلقك إلى طريقك القويم. واهدنا واهدِ بنا واجعلنا هداة مهتدين على صراط مستقيم.


تعليق وانتقاء الفوائد من: أم وحيد بهية صابرين غفر الله لها ولوالديها ولجميع المسلمين


الصور المرفقة
نوع الملف: png فلعلك باخع نفسك.png‏ (322.3 كيلوبايت, المشاهدات 3382)
نوع الملف: png لسنا مكلفين أن نهدي الناس.png‏ (497.6 كيلوبايت, المشاهدات 2903)
رد مع اقتباس