عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 12 Sep 2019, 01:35 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي






إنّ هداية الدّلالة والدّعوة والإرشاد لاتتمّ إلاّ بـالكُمَّل من خلق الله، والأفضل في السّلوك والأخلاق والعمل، الّذين اصطفاهم الله سبحانه أنبياءً ورسلاً، عليهم الصّلاة والسّلام، ومَن اتّبعهم بإحسان إلى يوم الدّين. فجعلهم من الصّالحين في أنفسهم، مصلحين لغيرهم، وقد أمرهم أن يدعوا الناس لإصلاح أنفسهم.

وأفضل الدّعاة الصّالحين المصلحين هم أنبياء الله المرسلين، ذريّة بعضها من بعض، قال الله تعالى في إبراهيم عليه الصّلاة والسلام:"وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ".

قال الإمام الطبري رحمه الله، وقد اختصرتُ التفسير باقتطاف تفسير الآية: (وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ) يعني عاملين بطاعة الله، مجتنبين محارمه، وعنى بقوله: (كُلاًّ) إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب .) انتهـ.

وخلاصة تفسير الآية في قول الشيخ السعدي رحمه الله : "وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ"

(..{ وَوَهَبْنَا لَهُ ْ} حين اعتزل قومه { إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ْ} ابن إسحاق { نَافِلَةً ْ} بعدما كبر، وكانت زوجته عاقرا، فبشرته الملائكة بإسحاق، { وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ْ} ويعقوب، هو إسرائيل، الذي كانت منه الأمّة العظيمة، وإسماعيل بن إبراهيم، الذي كانت منه الأمّة الفاضلة العربية، ومن ذرّيته، سيّد الأوّلين والآخرين. { وَكُلَا ْ} من إبراهيم وإسحاق ويعقوب { جَعَلْنَا صَالِحِينَ ْ} أي: قائمين بحقوقه، وحقوق عباده..)انتهـ.

وقد قال الله تعالى وهو يخاطب نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، في القرآن الكريم: " يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (4)"، وبهذا القسم، على حسب تفسير العلماء، يؤكّد الله سبحانه أنّ دعوة محمّد صلى الله عليه وسلم بالإسلام، دعوة الحقّ، وقد اصطفاه رسولاً، ورسالته، على الحقّ المبين والصّراط المستقيم.

يقول الشيخ السعدي رحمه الله مفسّرًا الآية:

وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)
هذا قسم من اللّه تعالى بالقرآن الحكيم، الذي وصفه الحكمة، وهي وضع كل شيء موضعه، وضع الأمر والنهي في الموضع اللائق بهما، ووضع الجزاء بالخير والشر في محلهما اللائق بهما، فأحكامه الشرعية والجزائية كلها مشتملة على غاية الحكمة.
ومن حكمة هذا القرآن، أنه يجمع بين ذكر الحكم وحكمته، فينبه العقول على المناسبات والأوصاف المقتضية لترتيب الحكم عليها.

{ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ } هذا المقسم عليه، وهو رسالة محمد صلى اللّه عليه وسلم، وإنّك من جملة المرسلين، فلست ببدع من الرسل، وأيضا فجئت بما جاء به الرسل من الأصول الدينية، وأيضا فمن تأمل أحوال المرسلين وأوصافهم، وعرف الفرق بينهم وبين غيرهم، عرف أنّك من خيار المرسلين، بما فيك من الصفات الكاملة، والأخلاق الفاضلة.

ولا يخفى ما بين المقسم به، وهو القرآن الحكيم، وبين المقسم عليه، [وهو] رسالة الرسول محمد صلى اللّه عليه وسلم، من الاتّصال، وأنّه لو لم يكن لرسالته دليل ولا شاهد إلاّ هذا القرآن الحكيم، لكفى به دليلا وشاهدا على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، بل القرآن العظيم أقوى الأدلّة المتّصلة المستمرة على رسالة الرسول، فأدلة القرآن كلها أدلة لرسالة محمد صلى اللّه عليه وسلم.

ثم أخبر بـأعظم أوصاف الرسول صلى اللّه عليه وسلم، الدالّة على رسالته، وهو أنّه { عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } معتدل، موصل إلى اللّه وإلى دار كرامته، وذلك الصراط المستقيم، مشتمل على أعمال، وهي الأعمال الصالحة، المصلحة للقلب والبدن، والدنيا والآخرة، والأخلاق الفاضلة، المزكّية للنفس، المطهرة للقلب، المنمّية للأجر، فهذا الصراط المستقيم، الّذي هو وصف الرسول صلى اللّه عليه وسلم، ووصف دينه الذي جاء به، فتأمّل جلالة هذا القرآن الكريم، كيف جمع بين القسم بأشرف الأقسام، على أجلّ مقسم عليه، وخبر اللّه وحده كاف، ولكنّه تعالى أقام من الأدلة الواضحة والبراهين الساطعة في هذا الموضع على صحّة ما أقسم عليه، من رسالة رسوله ما نبّهنا عليه، وأشرنا إشارة لطيفة لسلوك طريقه.


الصور المرفقة
 
رد مع اقتباس