عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 29 Aug 2019, 02:50 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي





بسم الله الرّحمن الرّحيم

لقد ذكرنا فيما سبق، الفرق بين هداية الإرشاد، التّي يمنحها الله للدّعاة إليه، من العباد، (رسلاً كانوا أو أتباعهم) الّتي فيها البيان والتّوجيه والدّعوة إليه. وبين هداية الإرشاد التي هي من خصائص ربّ العباد. والتي بها، يُلهم الله سبحانه، عبده، الرُّشد في معرفة الحقّ والصّواب والطّريق المستقيم.

والهداية نعمة من الله لايقدّرها إلاّ مَن تدبّر و فقه معنى الآية:"اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ"، دعاءٌ، يحمل كلّ معاني الخير والحقّ والفلاح. دعاءٌ يسبقه إقرارٌ من العبد لربّه: "إيّاكَ نعبد وإيّاك نستعين"، على أنّه هو الإله الحقّ الّذي يعبده بما شرع سبحانه، من أحكامٍ، تسيّر حياته ، فيها الهُدَى والاستقرار النفسي والفلاح في الدّنيا والآخرة. وعليها، يسأل الله أن يعينه، ويذلّل له العقبات، لنيل المطالب والملذّات وأبلغها: لذّة النّظر إلى ربّ البريّات، والخلود في أعالي الجنّات.

قال الله تعالى مبيّنًا الغاية من خلق الإنسان في هذه الحياة الدنيا:"وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)".

ومن هذه الآية، نستخرج هداية التّوفيق والسّداد والإرشاد التي هي القاعدة الأساسيّة، التي تقوم عليها هداية الدّلالة والبيان والإرشاد. إذ أنّ بعثة الرسل والأنبياء (عليهم الصّلاة والسّلام)، لإبلاغ رسالة الله، ما هي إلاّ سَبِيلٌ، يعين العبد على بلوغ الغاية من الخلق. وبهذا التّبليغ والدّعوة إلى الله، تُقام الحجّة على النّاس، أن جاءهم النّذير، فمنهم (مَن يؤمن)، بعلم الله أنّه، سينشرح صدره لدين الله، قال تعالى: "فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ"، ومنهم (مَن يكفر) بعلم الله أنّه، ليس أهلاً للهداية، حيث قال الله تعالى:"وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ"، وقد أظهر الله سبحانه، البرهان على مَن يستحقّ الهداية ومَن يستحقّ الضّلالة، حيث قال سبحانه:"فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ".

قال الشيخ السعدي رحمه الله مفسّرًا الآية: "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)"
[يخبر تعالى أنّ حجته قامت على جميع الأمم، وأنّه ما من أمّة متقدّمة أو متأخرّة إلاّ وبعث الله فيها رسولا، وكلّهم متّفقون على دعوة واحدة ودين واحد، وهو عبادة الله وحده لا شريك له { أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ْ} فانقسمت الأمم بحسب استجابتها لدعوة الرسل وعدمها قسمين، { فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ ْ} فاتّبعوا المرسلين علمًا وعملاً، { وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ْ} فاتّبع سبيل الغيّ.
{ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ْ} بأبدانكم وقلوبكم { فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ْ} فإنكم سترون من ذلك العجائب، فلا تجدون مكذبا إلا كان عاقبته الهلاك.] انتهـ.

ومن التّفسير العجيب للإمام ابن كثير، للآية متسائلاً تساؤل استغراب كاره لما يتناقض به أهل الضّلال والمشركون، قائلاً رحمه الله:
[فكيف يسوغ لأحد من المشركين بعد هذا أن يقول : (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ). فمشيئته تعالى الشرعية منتفية، لأنّه نهاهم عن ذلك على ألسنة رسله ، وأمّا مشيئته الكونية - وهي تمكينهم من ذلك قدرًا - فلا حجّة لهم فيها، لأنّه، تعالى، خلق النار وأهلها من الشياطين والكفرة، وهو لا يرضى لعباده الكفر، وله في ذلك حجّة بالغة وحكمة قاطعة.
ثم إنّه، تعالى، قد أخبر أنّه عير عليهم ، وأنكر عليهم بالعقوبة في الدنيا بعد إنذار الرُّسُل، فلهذا قال: (فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) أي : اسألوا عمّا كان من أمر مَن خالف الرُّسُل وكذّب الحق، كيف (دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۖ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) [ محمد : 10 ] (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) [ الملك : 18 ].] انتهـ.

وقد أكّد الله سبحانه أنّ هداية التّوفيق للحقّ، هي من خصائصه سبحانه، وبيده، حين رأى من نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، حرصًا على هداية النّاس إلى الطّريق المستقيم، حيث قال الله تعالى لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم: "إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ ...".
قال الإمام ابن كثير رحمه الله مفسّرا الآية:
[ثم أخبر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - أنّ حرصه على هدايتهم لا ينفعهم ، إذا كان الله قد أراد إضلالهم ، كما قال تعالى: ( وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ) [ المائدة : 41 ] وقال نوح لقومه: (وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ) [ هود : 34 ] وقال في هذه الآية الكريمة: ( إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ ) كما قال تعالى : (مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ ۚ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [ الأعراف : 186 ] وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97)) [ يونس : 96 ، 97 ] .
فقوله: (فَإِنَّ اللَّهَ) أي : شأنه وأمره أنّه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. فلهذا قال: (لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ) أي : مَن أضلّه فمَن الّذي يهديه من بعد الله؟ أي : لا أحد ( وما لهم من ناصرين ) أي : ينقذونهم من عذابه ووثاقه ، (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [ الأعراف : 54 ] .] انتهـ.

وقد اختزل الإمام الطبري التّفسير، بأبسط الكلمات المؤدية إلى المقصود من التّفسير، بقوله رحمه الله:
[فتأويل الكلام لو كان الأمر على ما وصفنا: إن تحرص يا محمد على هداهم، فإنّ مَن أضلّه الله فلا هادي له، فلا تجهد نفسك في أمره، وبلغه ما أرسلت به لتتمّ عليه الحجّة. ]انتهـ النقل المقصود.

وبهذا نجد أنّ هداية الدّلالة والبيان والدّعوة إلى الله، وظيفة الرُّسُل (عليهم الصلاة والسّلام) وأتباعهم، ليس لهم فيها من أمر هداية التّوفيق للحقّ وقبوله، شيئًا.

قال الله تعالى:"تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)"

قال الإمام ابن كثير رحمه الله:
[ (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) أي : هذه آيات القرآن المبين، أي : البيّن الواضح ، الّذي يفصل بين الحق والباطل، والغيّ والرّشاد.]
وقوله: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ) أي : مهلك (نَّفْسَكَ) أي : ممّا تحرص [ عليهم ] وتحزن عليهم (أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) ، وهذه تسلية من الله لرسوله، صلوات الله وسلامه عليه ، في عدم إيمان مَن لم يؤمن به من الكفار، كما قال تعالى: (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) [ فاطر : 8 ] ، وقال: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) [ الكهف : 6 ] .
قال مجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، وعطية ، والضحاك : (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ) أي : قاتل نفسك . قال الشاعر:
ألا أيهذا الباخع الحزن نفسه لشيء نحته عن يديه المقادر.] انتهـ.

وقال الشيخ السعدي رحمه الله مفسّرا للآيتين: "تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3))
[يشير الباري تعالى إشارة, تدل على التعظيم لآيات الكتاب المبين البيّن الواضح, الدال على جميع المطالب الإلهية, والمقاصد الشرعية, بحيث لا يبقى عند الناظر فيه, شك ولا شبهة فيما أخبر به, أو حكم به, لوضوحه, ودلالته على أشرف المعاني, وارتباط الأحكام بحكمها, وتعليقها بمناسبها، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينذر به الناس, ويهدي به الصراط المستقيم، فيهتدي بذلك عباد الله المتّقون, ويعرض عنه من كتب عليه الشقاء، فكان يحزن حزنا شديدا, على عدم إيمانهم, حرصا منه على الخير, ونصحا لهم.

فلهذا قال تعالى عنه: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ) أي: مهلكها وشاق عليها، (أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) أي: فلا تفعل, ولا تذهب نفسك عليهم حسرات, فإنّ الهداية بيد الله, وقد أدّيت ما عليك من التّبليغ، وليس فوق هذا القرآن المبين ، آية, حتّى ننزلها, ليؤمنوا [بها], فإنّه كافٍ شافٍ, لِمَن يريد الهداية.] انتهـ.

وأجمل ما أريد نقله إليكم من الكلام في: الهداية وأنواعها، ما كتبه فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، وقد نقلته من أحد المواقع، من فرط إعجابي بمحتوى الكلام، المبسّط والشّارح للمسألة، بأسهل أسلوب و(إن شاء الله) أقربه إلى فهم الغاية التي خُلق لأجلها الإنسان.

قال الشبخ العثيمين رحمه الله في كتابه:"رسالة في القضاء والقدر"، ص:14-21:
[ " إذا كان الأمر راجعا إلى مشيئة الله تبارك وتعالى ، وأنّ الأمر كلّه بيده، فما طريق الإنسان إذن ، وما حيلة الإنسان إذا كان الله تعالى قد قَدَّر عليه أن يضل ولا يهتدي؟

فنقول : الجواب عن ذلك أنّ الله تبارك وتعالى إنّما يهدي مَن كان أهلاً للهداية ، ويضلّ من كان أهلاً للضلالة، ويقول الله تبارك وتعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) الصف/5 ، ويقول تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) المائدة/13 .
فبيّن الله تبارك وتعالى أن أسباب إضلاله لِمَن ضلّ، إنّما هو بسبب من العبد نفسه، والعبد لا يدرى ما قَدَّر الله تعالى له، لأنّه لا يعلم بالقدر إلاّ بعد وقوع المقدور . فهو لا يدري هل قدّر الله له أن يكون ضَالاًّ أم أن يكون مهتديًا ؟
فما باله يسلك طريق الضلال، ثم يحتج بأنّ الله تعالى قد أراد له ذلك!
أفلا يجدر به أن يسلك طريق الهداية ثم يقول: إنّ الله تعالى قد هداني للصراط المستقيم.
أيجدر به أن يكون جبريًا عند الضلالة، وقدريًا عند الطّاعة ! كلا ، لا يليق بالإنسان أن يكون جبريًا عند الضلالة والمعصية، فإذا ضلّ أو عصى الله قال: هذا أمر قد كُتب علي وقُدِّر علي ولا يمكنني أن أخرج عمّا قضى الله تعالى .
فالإنسان في الحقيقة له قدرة وله اختيار، وليس باب الهداية بأخفى من باب الرزق، والإنسان كما هو معلوم لدى الجميع قد قُدِّر له ما قُدِّر من الرزق ، ومع ذلك هو يسعى في أسباب الرزق في بلده وخارج بلده يميناً وشمالاً ، لا يجلس في بيته ويقول : إن قُدِر لي رزق فإنّه يأتيني، بل يسعى في أسباب الزرق مع أنّ الرزق نفسه مقرون بالعمل، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فهذا الرزق أيضا مكتوب، كما أنّ العمل من صالح أو سيئ مكتوب ، فما بالك تذهب يمينا وشمالاً وتجوب الأرض والفيافي طلباً لرزق الدنيا، ولا تعمل عملا صالحا لطلب رزق الآخرة والفوز بدار النعيم!!
إنّ البابين واحد ، ليس بينهما فرق ، فكما أنّك تسعى لرزقك وتسعى لحياتك وامتداد أجلك، فإذا مرضت بمرض ذهبت إلى أقطار الدنيا تريد الطبيب الماهر الذي يداوي مرضك، ومع ذلك فإنّ لك ما قُدِّر من الأجل لا يزيد ولا ينقص، ولست تعتمد على هذا وتقول : أبقى في بيتي مريضاً طريحاً وإن قُدِّر الله لي أن يمتد الأجل امتد. بل نجدك تسعى بكل ما تستطيع من قوّة وبحث لتبحث عن الطبيب الذي ترى أنه أقرب الناس أن يُقَدِّر الله الشفاء على يديه.
فلماذا لا يكون عملك في طريق الآخرة وفى العمل الصالح كطريقك فيما تعمل للدنيا؟
وقد سبق أن قلنا : إنّ القضاء سرّ مكتوم لا يمكن أن تعلم عنه .
فأنت الآن بين طريقين :
-طريق يؤدّى بك إلى السلامة وإلى الفوز والسعادة والكرامة .
طريق يؤدّى بك إلى الهلاك والندامة والمهانة .
وأنت الآن واقف بينهما ومخيّر، ليس أمامك مَن يمنعك من سلوك طريق اليمين، ولا من سلوك طريق الشمال، إذا شئت ذهبت إلى هذا، وإذا شئت ذهبت إلى هذا.
بهذا تبيّن لنا أنّ الإنسان يسير في عمله الاختياري سيراً اختيارياً، وأنّه كما يسير لعمل دنياه سيراً اختيارياً، فكذلك أيضا هو في سيره إلى الآخرة يسير سيراً اختيارياً، بل إنّ طرق الآخرة أبين بكثير من طرق الدنيا، لأنّ مبيّن طرق الآخرة هو الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم . فلا بدّ أن تكون طرق الآخرة أكثر بيانا وأجلى وضوحا من طرق الدنيا. ومع ذلك فإنّ الإنسان يسير في طرق الدنيا التي ليس ضامنا لنتائجها، ولكنّه يدع طرق الآخرة التي نتائجها مضمونة معلومة، لأنّها ثابتة بوعد الله، والله تبارك وتعالى لا يخلف الميعاد.
بعد هذا نقول:
إنّ أهل السُّنَّة والجماعة قرّروا هذا ، وجعلوا عقيدتهم ومذهبهم أنّ الإنسان يفعل باختياره، وأنّه يقول كما يريد، ولكن إرادته واختياره تابعان لإرادة الله تبارك وتعالى ومشيئته.

ثم يؤمن أهل السُّنَّة والجماعة بأنّ مشيئة الله تعالى تابعة لحكمته، وأنّه سبحانه وتعالى ليس مشيئته مطلقة مجرّدة، ولكنها مشيئة تابعة لحكمته، لأنّ من أسماء الله تعالى: الحكيم ، والحكيم هو الحاكم المحكم الذي يحكم الأشياء كوناً وشرعاً، ويحكمها عملاً وصنعاً، والله تعالى بحكمته يقَدِّر الهداية لِمَن أرادها، لِمَن يعلم سبحانه وتعالى أنّه يريد الحق ، وأنّ قلبه على الاستقامة . ويقَدِّر الضلالة لِمَن لم يكن كذلك، لِمَن إذا عرض عليه الإسلام يضيق صدره كأنّما يصعد في السّماء ، فإنّ حكمة الله تبارك وتعالى تأبى أن يكون هذا من المهتدين، إلاّ أن يجدّد الله له عزماً ويقلّب إرادته إلى إرادة أخرى، والله تعالى على كل شيء قدير ، ولكنّ حكمة الله تأبى إلاّ أن تكون الأسباب مربوطة بها مسبّباتها".انتهـ النّقل مختصرا من النّاقل.

اللّهمّ اهدنا وسدّدنا.


رد مع اقتباس