عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 05 Jul 2017, 10:08 AM
معبدندير معبدندير غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر العاصمة الولاية
المشاركات: 2,034
إرسال رسالة عبر MSN إلى معبدندير إرسال رسالة عبر Skype إلى معبدندير
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عاصم مصطفى السُّلمي مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله و كفى و صلى الله و سلم على المصطفى و على آله و صحبه و من اقتفى ، و بعد :
قال الله ﴿ شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَ المَلَائِكَةُ وَ أُلُوا العِلْمِ قَائِماً بِالقِسْطِ ﴾ [آل عمران 18]
قال القرطبي رحمه الله في "الجامع لأحكام القرآن"(4/44) : "في هذه الآية دليل على فضل العلم و شرف العلماء و فضلهم؛ فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه و اسم ملائكته كما قرن اسم العلماء"
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ , يَقُولُ : " إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا ، وَلا دِرْهَمًا ، وَأَوْرَثُوا الْعِلْمَ , فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ " . رواه أبو داود و الترمذي و ابن حبان و غيرهم و صححه الألباني
و روى البخاري و مسلم و غيرهما، عن معاوية، قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين "
و هذا كله يدل على شرف البقعة التي يسكنها العالم ، فأهلها يقيمُ بين ظهرانيهم أحد ورثة علم الأنبياء عليهم الصلاة و السلام ، و هم جيران امرئ قرن الله شهادتهُ بشهادتهِ و شهادة ملائكته ، محِلّةٌ أراد بها الله بها خيرا فقيّض لها من يُفقِّه أهلها في الدين ، و هم أوفر حظاًّ لأخذ ميراث الأنبياء عنه .
لكنّ النّعمة إذا كانت حاضرةً لم يقدرها أهلها حق قدرها ، وقد يَزهَدون بل و يُزهِّدون فيها ، كما ورد عن بعض التابعين : " أزهدُ الناسِ في العالِم أهله وجيرانه "
و هذا مما لمستُ ـ و لمسَ غيرنا ممن حاله أشبه بحالنا ـ شيئا منه ، فنحن أهل الصحراء ( الجنوب ) ننتظر العُطل السنوية بفارغ الصبر ، لنضرب أكباد الحافلات و القطارات لتكتحل أعيُننا برؤية طالب علمٍ فضلا عن عالم ، و ننتظر الساعاتِ عند مكتبة الشيخ أبي عبد المعز صلاة العصر لنشنِّفَ أسماعنا بفتاويه و ننهل من معين علمه حفظه الله ، و كنت استغربُ عندما يقول صاحبٌ لي ـ من أهل الجزائر العاصمة و لا يَفرِق بينه و بين الشيخ إلا أميالٌ معدودة ـ أنه لم ير الشيخ منذُ أشهرٍ . و لك أن تعرف مقدار الحزن و الأسف الذي يُصيب المرء و قد حضر عند الشيخ مرارا و قد حضّرَ نفسَهُ لإلقاء مسألته ثم يقدر الله أن لا تُشيرَ سبّابةُ الشيخِ إليكَ ـ و هو معذور طبعا ـ أو أن تخرج من صلاة العصر ثم لا تجد موطئ قدمٍ حتى على الرّصيف ، و أقرب ما بلغتُ منه يوما عندما استوقفَه و هو خارج من المكتبة أحد إخواننا قائلا إنّه من جاء من الشرق من قسنطينة ، فوقف الشيخ معه و فصّل له مسألته و هو واقفٌ ـ حفظه الله ـ و لما أنهى جوابه مددتُ يدي إليه فصافحته مسلّما ، و قلتُ إنني من أقصى الجنوب و لي مسألةٌ ، فضغط على يدي بلطفٍ و قال لو أجبتك فسيغضبُ الإخوان ، و قد أجبتُ على ستّ مسائل زيادة على المُقرر ، ثم اعتذر و انصرف . جزاه الله عن الإسلام و المسلمين خيرا .
و بتُّ عند أخٍ فاضلٍ من برج الكيفان ، فأخذني للمسجد الذي يؤم الناسَ فيه الشيخُ الفاضل عمر الحاج مسعود ، وقتَ صلاة الصبح ، و بعدها ذهبتُ إليه و أخبرته أنني من الجنوب و عندي مسائل ، فقال لي أُعطيك عشر دقائق ، لأن عندي عملا مستعجلا في المجلة ( مجلة الإصلاح ) فقبلتُ فأجابني عن بعضها و أحالني على الشيخ فركوس في بعضها و كانت مدة الجلسة أربعين دقيقة تقريبا ، فقد رقّ لحالي لما علم أنني من أقصى الجنوب و أسكنُ منطقة نائية ، لم تكتحل أبصار أهلها بأحدٍ من أهل العلم ، ثم أعطاني مجموعة من الرسائل أوزعها على الإخوان عندنا فجزاه الله خيرا و أحسن إليه .
عشر دقائق أو وقفة عابرةٌ مع عالم أو طالب علم نراها غنيمة ، تهون دونها المشاق و المسافات ، و تجد جيران العالم و أهل بلده في المتنزّهات و الشواطئ و المحلاّت ، و قد تمر الأشهر و السّنواتُ و لا تطرُق سمع أحدهم كلمةٌ نطقها لسان عالِمِهم ، و لا تتشرف ركبتاه بمسِّ الأرض في مجلسه .
و هكذا تجد أن أعرف الناس بقدر العلم و العالم من كانت أقطارهم خواء من أهل العلم و الفضل ، لكن في الليلة الظلماء يفتقد البدرُ ، فالعالم اليوم فوق سطح الأرض و غدا تحتها ، و الموفَّق من أخذ حظّه منه ، و المحروم من زهد في حظّه منه .
و لقد أخبرني من رأى أخاً أردنيا ، إذا ذُكر بحضرته الشيخُ الألباني خنقته العَبرة ، و اغرورقت عيناه ، لأنه كان في حياة الألباني لا يعرف المنهج السّلفي ، و هو من جيران الشيخ ، و كان يراه كثيرا ، لكن لم يكن يعرف قدر الشيخ آنذاك ، ثم ذهب إلى الدّراسة في السّعودية فاستقام هناك و عرف قيمة الألباني و جهودَه العلمية ، و وجد الناسَ هناك يعلمون عن الألباني ما لم يعرفه عنه جاره ، فكان بالشوق للُقياهُ ، لكن المنيّة كانت إلى الشيخِ أسبق من الفتى ، و كان يتمثل كثيرا بقول أبي فراس الحمداني :
سَيَذْكُـرُنـي قـومـي إذا جَـــدَّ جِـدُّهُــمْ ............ وفــي اللّيـلـةِ الظَّلْـمـاءِ يُفْـتَـقَـدُ الـبَــدْرُ
فقد كان رميةَ حجرٍ أو أقرب ليُعدّ من تلاميذ الألباني رحمه الله ( إن عصمه الله مما وقع فيه الحلبي و جماعته ـ هداهم الله ـ )
و والله إنّنا نحسدكم يا جيران أهل العلم ، و السّاكنينَ مَصراً شرّفه الله بوجودهم فيه و بين أهله ، و استشعروا نعمة الله عليكم ، فقولوا لي بربِّكم أعمّانُ اليومَ خيرٌ أم يوم كان الألباني يمشي في طرقاتها و يُصلّي في مساجدها و يصدح بالحق في جنباتها ، و اذكُر عُنيزةَ اليوم و هي بالشوقِ إلى مثل ابن عثيمين و ابن سعدي ـ رحم الله جميعهم و جزاهم خير الجزاء
فقد قَالَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ :" إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا " . رواه البخاري
و هذا المقال أقصد به أهل الغفلة و الزهد في أهل العلم لا غيرهم ، و إلا فمجالس علمائنا و مشايخنا بفضل الله عامرة بمنْ منّ الله عليهم بمعرفة قدر العالم ، و استشعار قيمة وجوده ، فهم يسابقون الزمن ليُحصلوا حظّهم و نصيبهم من ميراث الأنبياء صلوات الله و سلامه عليهم
هذا ما أردتُ أن أُذكر به نفسي و إخواني و الله من وراء القصد و هو يهدي السبيل

كتبه أبو عاصم مصطفى بن محمد
السُّلمي

تبلبالة ضحى يوم الجمعة لسبع خلون من رجب 1437 هــ
جزاكم الله خيرا.

رد مع اقتباس