عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09 Jul 2016, 11:54 PM
عبد الله بوزنون عبد الله بوزنون غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2014
المشاركات: 187
افتراضي قاعدة أصولية :حمل المطلق على المقيد في الأمر و الإثبات لا في النفي و النهي.

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله أمّا بعد:
فإنّ من مباحث دلالات الألفاظ المطلق و المقيّد , فقد يأتي اللّفظ مطلقا . وقد يأتي مقيّدا , وقد يأتي مطلقا في سياق مقيّدا في سياق آخر , فيحمل المطلق على المقيّد إمّا على القول بموجب اللّغة , أو بالقياس في ذلك خلاف بين الأصوليّين[انظر تعارض دلالات الألفاظ ص(263)] .
و قداشترط الأصوليون لحمل المطلق على المقيد شروطا ,و الذي يهمّنا من هذه الشروط في هذا المبحث المتواضع الكلام على شرط حمل المطلق على المقيد الّذي ذكره بعض الأصوليين وهو أن يكون المطلق و المقيّد في باب الأوامر و الإثبات لا في النّهي أو النّفي.
أقوال العلماء في هذا الشرط:
المذهب الأول:
ظاهر كلام الرازي في المحصول عدم اشتراط هذا الشرط حيث قال في كتابه المحصول :" فإمّا أن يكون الخطاب الوارد فيه أمرا أو نهيا .. .. أما إذا كان السبب واحدا وجب حمل المطلق على المقيد ". (3/142).
وبهذا صرح الرازي في " المنتخب " كما في الغيث الهامع ص(344).
وتبع الأصبهاني الرّازي في إطلاق القول بحمل المطلق على المقيّد في سائر أنواع الكلام , فقال:" حمل المطلق على المقيد لا يختص بالأمر والنهي، بل يجري في جميع أقسام الكلام، نقول في الخبر: جاءني رجل من آل علي، ثم تقول: جاءني بقية العلويين. ومثال التمني: ليت لي مالا ثم تقول: ليت لي جملا فإنه يحمل عليه ". البحر المحيط(5/ 27).
المذهب الثاني :
ذهب جماعة من العلماء إلى اشتراط هذا الشرط منهم :
-الآمدي حيث قال في كتابه الإحكام في أصول الأحكام (3/5):" وأمّا إن كان دالاّ على نفيهما أو نهي عنهما، كما لو قال مثلا في كفارة الظهار: " لا تعتق مكاتبا كافرا " فهذا أيضا مما لا خلاف في العمل بمدلولهما، والجمع بينهما في النفي؛ إذ لا تعذّر فيه ".
- ابن الحاجب : قال في مختصره : " فإن كانا منفيّين عمل بهما ، مثل لا تعتق مكاتبا ، لا تعتق مكاتبا كافرا ". المختصر مع البيان (2/353).
- وممّن اشترط هذا الشرط القرافي :كما صرح به في شرح التنقيح ص(269), و نفائس الأصول(5/2167) و الفروق((1/191) بل و ادّعى أنّه لم ير أحداً سبقه إلى التفريق بين الأمر و النهي. شرح التنقيح ص(269).مع أنّ الآمدي وابن الحاجب سبقاه على التفرقة المذكورة .
-ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام(1/ 104), بل عدّى هذا الشرط إلى العامّ والخاص.
-ورجّحه الشوكاني حيث قال :"والحق: عدم الحمل في النفي والنهي". إرشاد الفحول(2/10)
دليل الفريقين:
دليل القول الأول:
قالوا بحمل المطلق على المقيّد مطلقا للدّليل العامّ في الحمل وهو " أنّ المطلق جزء من المقيد والآتي بالكل آت بالجزء لا محالة فالآتي بالمقيد يكون عاملا بالدليلين والآتي بغير ذلك المقيد لا يكون عاملا بالدليلين بل يكون تاركا لأحدهما والعمل بالدليلين عند إمكان العمل بهما أولى من الإتيان بأحدهما وإهمال الآخر" المحصول(3/142).
واستدلّوا بحجّية المفهوم للمقيّد , قال ابن العراقي :" فالقائل، بأنّ المفهوم حجّة يقيّد قوله: (لا تعتق مكاتبا) بمفهوم قوله: (لا تعتق مكاتبا كافرا) فيجوز إعتاق المكاتب المسلم ". الغيث الهامع ص(344).
دليل القول الثاني:
-قالوا لأنّه يلزم منه الإخلال باللّفظ المطلق مع تناول النهي.[تعارض دلالات الألفاظ ص(303)].
- قالوا أنّ هذا من باب العام و الخاص لأنّ النكرة في سياق النّفي تعمّ , و المقيّد لا يعدوا أن يكون ذكرا لبعض أفراد العام فلا يخصّص , قال القرافي في الفروق (1/191) :" وليس كذلك فإنّ صاحب الشرع لو قال لا تعتقوا رقبة ثم قال لا تعتقوا رقبة كافرة كان اللفظ الأول من صيغ العموم لأن النكرة في سياق النهي كالنكرة في سياق النفي تعم فيكون اللفظ الثاني لو حملنا الأول عليه مخصصا للأول فإنه يخرج الرقاب المؤمنة على امتناع العتق والعموم يتقاضاه فلم يكن فيه جمع بين الدليلين بل التزام للتخصيص بغير دليل وإلغاء للعموم من غير موجب بخلاف هذه النكرة لو كانت في سياق الأمر فإنها حينئذ لا تكون عامة بل مطلقة فيكون حملها على نص التقييد جمعا بين الدليلين وظهر أيضا الفرق بين الأمر والنهي".الفروق الفروق(1/193).
-و أجابوا عن الدّليل العام بأنّ التّسوية في الحمل بين الإثبات و النهي غير ممكن لأنّه في باب الأمر و الإثبات "يلزم من تحصيل المقيّد تحصيل المطلق، أما في النهي فلا، بسبب أنه إذا قال لا تشرب مائعاً هو خمر، إن حملنا المطلق على المقيد هذا خرج كلّ مائع ليس بخمر، فيقع التعارض، والتخصيص ..، فمتى اعتبرنا المقيد في النهي أو خبر النفي تعذر علينا اعتبار المطلق من حيث هو مطلق، بخلاف الأمر وخبر الثبوت لا يحمل من أمر المطلق شيء، بل التقييد زائد عليه". شرح تنقيح الفصول ص(268).
و أمّا الجواب عن حجّيّة المفهوم فيقال : و إن كان المفهوم حجّة لكن عارضه ظاهر العموم , قال ابن دقيق العيد وهو يتكلّم عن حديث مسّ الذّكر عند البول قال:" وهذا كلّه بعد النظر في تقديم المفهوم على ظاهر العموم ".(1/ 105).
تطبيقات القاعدة :
هذه بعض الأحاديث التي خرّج الأصوليون الكلام فيها على وفق هذه القاعدة وقالوا لا يمكن فيها حمل المطلق على المقيّد :
1-منها:حديث أخرجه مسلم عن أبي قتادة - رضي الله عنه -: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يمسكنّ أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول , ولا يتمسح من الخلاء بيمينه ولا يتنفس في الإناء» . وورد في رواية أخرى في النّهي عن مسّه باليمين مطلقا.
قال ابن دقيق العيد :" وقد يسبق إلى الفهم: أنّ المطلق يحمل على المقيّد ، فيختصّ النّهي بهذه الحالة وفيه بحث؛ لأن هذا الذي يقال يتجه في باب الأمر والإثبات فإنا لو جعلنا الحكم للمطلق، أو العام في صورة الإطلاق، أو العموم مثلا: كان فيه إخلال باللفظ الدال على المقيد وقد تناوله لفظ الأمر وذلك غير جائز.
وأما في باب النهي: فإنا إذا جعلنا الحكم للمقيد أخللنا بمقتضى اللفظ المطلق، مع تناول النهي له وذلك غير سائغ ".إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 104).
2- ومنها :
ما ورد في حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه ، مرفوعا :" إذا اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه أخرجه الترمذي , وقال : حديث حسن صحيح , وجاء في السنة " نهيه عن بيع الطعام قبل قبضه ".
فأخذ الشافعي بعموم الأول, و خصّص المالكية المنع في بيع الطعام فقط, قال القرافي عن دليل المالكية:" واختلفت مداركهم في ذلك فمنهم من يقول هو من باب حمل المطلق على المقيد ... ومنهم من يقول الأول عام والثاني خاص وإذا تعارض العام والخاص قدم الخاص على العام والمدركان باطلان:
- أمّا الأوّل: فلأنّه وقد تقدّم أنّ المطلق إنّما يحمل على المقيّد في الكلّيّ دون الكلّيّة وهذا الحديث الأول عام فهو كلية فلا يصحّ فيه حمل المطلق على المقيد.
وأمّا المدرك الثاني: فهو من باب تخصيص العموم بذكر بعضه وهو باطل كما تقرر في أصول الفقه فإنه لا منافاة بين ذكر الشيء وذكر بعضه والطعام هو بعض ما تناوله العموم الأول فلا يصح تخصيصه فيه فبقيت المسألة مشكلة علينا ويظهر أن الصواب مع الشافعي". الفروق(1/193).
3-ومنها :حديث رواه الترمذي (١٧٨٣) مرفوعا : " لا حقّ للكعبيين في الإزار", مع حديث :"لا ينظر الله إلى من جرّ ثوبه خيلاء" البخاري (٥٤٤٦).
فهذان حديثان وردا في النّهي عن الإسبال فلا يقال بحمل المطلق على المقيّد ,لأنّ المقام مقام النهي فيكون من باب ذكر بعض أفراد العام الذي لا يخصّص به الحديث العام, قال الشيخ أبو عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله :" فقد جاءت روايةُ النهيِ عن الإسبال إلى ما دون الكعبين المتضمّنة للتوعّد بالنار مطلقةً عن تقييدٍ ...، ومن جهة أخرى جاء النهيُ مقيّدًا بالخُيَلاَءِ والبَطَرِ ... وقد اشترط الآمديُّ وابنُ الحاجبِ أن يكون حَمْلُ المطلقِ على المقيَّد في باب الأوامر والإثبات، أمّا جانب النفي والنهي فلا يصحُّ؛ ......قـلت: وقد يكون من قبيل التنصيص على أفراد بعض مدلول العامّ وبه قال الزركشي، فلو قال: «لا تُسبِلْ إزارك» وقال: «لا تسبل إزارك خيلاء» فصار الإسبال خيلاء من قبيل التنصيص على أفراد بعض مدلول العامِّ الذي يؤكّد العامَّ في خصوصه ولا ينافيه أو يعارضه في عمومه، ولا موجب لتخصيص العموم بالمفهوم "اهـــ كلامه الفتوى (٧٠٨).
و ا
لحمد لله رب العالمين.


التعديل الأخير تم بواسطة عبد الله بوزنون ; 10 Jul 2016 الساعة 12:03 AM
رد مع اقتباس