عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 11 Dec 2007, 04:53 PM
حيـــــدر حيـــــدر غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
الدولة: الجزائر
المشاركات: 151
إرسال رسالة عبر MSN إلى حيـــــدر
افتراضي

فينبغي أن يطلبَ هذا العِلم كما يُقال مِن المهدِ إلى اللَحد ، لا يرى نفسِه في يومٍ من الأيام أنهُ عالم وأنهُ قد أخذَ حظّهُ مِن العِلم ، بل


هو يطلُبُ المزِيد إلى آخِرِ أنفاسِهِ ، آخرِ لحظات حياتِهِ مِن المهدِ إلى اللَحد والعِلم كما يقولُ الإمام أحمد ﴿ الناسُ أشَدُّ إليهِ حاجة مِن

حَاجتِهِم إلى الطعامِ والشراب لأنهُم يكفيهِم في اليوم أكلَة أو أكلتين ولكِنَّ العِلم نَحتاجُهُ في كلِ لحظة وفي كلِّ نَفَسٍ مِن أنفاسِنا ،

هؤلاءِ قالوا هذا الكلام أدركُوا قيمةَ العِلم وأدرَكوا قيمة العمل ، وينبَغي أنْ يكونَ عِندنا من الفِقهِ والوَعيِ والهِمَمِ العاليَةِ ما يجعَلُنا

نرى منزِلة هذا العِلم ومكانَتَهُ ومكانة أهلِهِ مَن أرَادَ الله بِهِ خيراً يُفَقِههُ في الدّين ، تتَجِه لطلَبِ العِلم والتفقُه فيه والعمل بهِ هذا مِن

العلامات والأمارات الدالَة أنَّ الله قد أرادَ بهِ خيراً ، تسْتَبشِر وأحسِن الظنَّ بالله تبارك وتعالى وأخلِص للهِ تبارك وتعالى في قولِك

وعملِك وعِلمك ولا تَغْتَّر ، فنعوذُ بالله مِن الغُرُور ، ولا نأمَن مَكرَ الله ﴿ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ والمُؤمِن يخشى

دائِماً أنْ تتَغَير حالُه ﴿ يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وكان رسول الله يُكثِرُ مِن هذا الدُعاء فقالت لهُ عائشَة يا رسول الله

أراكَ تُكثِر مِن قول ( يا مقلِّبَ القلوب ثبت قلبي على دينك ) قالت هل تخافُ علينا يا رسول الله قال ﴿ كيف لا وقلوب بن آدم

بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ،هذا والله فِقه ، لا يأمَن الإنسان على نفسِهِ لأنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى

الدّم ، فليكُن حارسًا لقلبهِ وعَقلِهِ وعِلمِهِ حراسةً شدِيدةٍ أشدَّ مِما يحرُسُ مالَهُ وعِرضَهُ ومَن أُسِدَ إليهِ ولايَة أمرِهِ ، يجِب أنْ يهتَم

بِحراسَة قلبِهِ قبلَ كلِ شيء ﴿ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ وقد أشادَ القرآن

كثيراً بالعِلمِ والعُلماء قال تبارك وتعالى ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء العُلماء العَامِلون ، العُلماء الذين استفادوا مِن هذا

العِلم فعرفوا اللهَ بِأسمائِهِ وصِفاتِه عرفوا الله وعظّموه مِن خلالِ معرفَتِهِم بأسماءِ الله وصِفاتِهِ التي قلَّ ما تمُرُ آية مِن آيات القرآن إلا وفِيها

شيء مِن صِفات الله وأسمائِهِ فيقرأ القرآن وتَمُرّ عليهِ هذِهِ الصفات وكُلما مرّ بآية ازداد إيماناً ، وخاصة آياتِ التوحيد وآياتِ الأسماءِ

والصِفات ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ

يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ فأولئك المُؤمِنون الذين احتَلوا هذهِ المَرتبة العظِيمة التي نوّهَ الله عنها ، عُلماء عامِلون حقاً

ـ فقهاء ـ يفقهُون كِتاب الله وكُلما تُلِيَت عليهِم آية ازدادوا إيمانًا حتى يصيرَ إيمانُهُم أمثال الجبال ، يزداد ويزداد . . . وهكذا في نُمُو

مُضطرِب وازديادٍ عظيم ، هؤلاءِ العُلماء الذين يُشيد الله بمكانَتِهِم لأنهُم يتفقهُون في كتابِ الله ويَزدادُون بتِلاوتِهِ وآياتِهِ إيمانًا . . ،

كما قُلنا يتأملون آياتِ التوحيد وآيات الأسماءِ والصِفات وآيات توحِيد العِبادَة وآيات الوعد و الوعِيد وهي كثيرةٌ في القرآن الكريم

وأوصاف الجنة ولما فيها مِن النعِيم لأهلِها من القُصور والحور والبِناء والأنهار . . إلخ والنار ولِما فيها مِن أغلال ومشاكِل وعذابٍ

شدِيد والعِياذُ بالله ، فيُؤمِن بالجنة ويزدادُ شوقاً إليها ويُؤمِن بالنار فيزدادُ هربًا مِنها لأنهُ مؤمِنٌ عامِلٌ عالِم ، هذا الطِراز هو الذي يرِيدُهُ

الله تبارك وتعالى .


هذهِ النُفُوس العظِيمة والأرواح العالِية هي التي يريدُها الله مِنّا أنْ نُربّيَ أنفُسَنا على كِتاب الله وعلى سنة رسُولِ الله ـ عليه الصلاة

والسلام ـ وأن نعرِف فيها ما ذكرناه مِن أصناف التوحيد وأنواعِهِ وأصنافِ الوعدِ والوعيد والحلال والحرام والأخلاق العالِية التي

يجِب أنْ يهتَم بِها المُسلِم كما كان يهتَمُ بِها رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ الذي شهِدَ لهُ ربّه أنهُ على خُلُقٍ عظيم ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى

خُلُقٍ عَظِيمٍ ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، وأخلاقِ رسول الله دُوّنَت في الدواوين العظيمة مِن صبرِهِ وحِلمِهِ ورِفقِهِ ولينِهِ ومُرُوءتِهِ

وشرَفِهِ ورحمتِهِ وهو لنا أسوَة في كل هذه الخصال ، يجِب أنْ نتحَلّى بِها ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو

اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً فكونوا مِن هذا الطِراز العالي .

يا معشرَ الشباب : والأمة تحتاج إلى هذِهِ النوعِيَات التي تفقه كتاب الله وتجعَل نصُوصهُ ونصُوص السنة نُصبَ الأعيُن في العقِيدة

والعبادة والسياسَة والانتماء والأخلاق وفي الاتصال بِكل شُؤون الحياة ، لا يَخطُ خطوة ولا يَقدِم على عمل إلا على بصِيرة ومعرفة

وبالعمَل والتطبيق يُحفظ العلم وكان السلف يقول إذا أردتَ أن تحفظ النص فاعمَل بِهِ فإنّ العمل يُثبّت العلم ، وإذَا كان يقرأ ويمشي

ولا يعمَل فإنه يضيعُ العلم ، فَأوصيكم بحِفظ العِلم بالحِفظ الواقِع فِعلا ثم الحِفاظ عليهِ بالعملِ والتطبيق ، تُصلي فكأنَمّا رسُول الله أمامَ

عينَيك ﴿ صَلوا كَمَا رأَيْتُمُوني أصلِي (1) ، فتُصلي وأنتَ تستَحضرُ رسُول الله وصلاتُهُ ـ عليه الصلاة والسلام ـ (2) ، على هذا

المِنوال الإنسان دائمًا ـ يعني ـ تعالِيم رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ وسُنته وتصرُّفاتُه كأنها نُصبَ عينيه ، هذا العِلم الذي يُشيدُ

الله بهِ ويُثني على أهلِهِ ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ بِمُجرد العِلم فقط ؟ يحفظ ويمشي ؟ لا، يعلَم

ويعمَل ويُربّي ويدعوا إلى هذا العِلم ويدعوا بهذا العلم ويدعوا إلى ما تضمنهُ هذا العلم مِن عقائد وعِبادات وأخلاق ، هذا العِلم الذي

يُشيدُ الله بِعلمِه ، وهذِه الجماعة الذين شهِد الله لهُم أنهُم هم الذين يخشَونهُ ، حَصر الخِشيةَ فيهِم

﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء(3) .

وردت أحاديث كثيرة في العِلم عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ مِنها ما قال ( ... ) مُعاوية ـ رضي الله عنه ـ ﴿ مَن يُرِد الله بهِ خير

يُفقِههُ في الدّين ومِنها حديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ ﴿ لا حَسَدَ إلا في اثنَتَين : رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مالا فسَلَّطَهُ على هلكَتِهِ في

الحَق ، ورَجُلٌ آتاهُ اللهُ الحِكمَة (4) فهو يقضي بِها ويُعَلِّمُها ( ... ) أنفَع الناس للناس ، إنسان أعطاه الله مالا جزِيلا فهُو ينفِقُهُ في

وجُوه الحق والخير ، لا يبذِّر ولا يُسرف ولا يُنفق في وجوه الحرام ولا بما يسخط الله إنمّا هذا المال كلهُ يصُبُّه في اتِّجاهٍ واحِد الاتِّجاه

الذي يُرضي الله تبارك وتعالى في الحًق ، وآخَر عالِم عامِل أعطاهُ الله الحِكمة وهو العَقل والعِلم ويُعلِّمُ الناس عقائِدَهُم وعِبادتهم

وأعمالِهِم .. ، فهؤلاء الذين يجوز للمُسلِم أن يَغبَطهُم لأنّ الحسد هذا معهُ الغِبطَة وهي أن تتمنى مِثل ما حصل لفلان مِن العلم أو

تتمنى أنْ تكُون عالما مثل فلان فأعمَل مثلَ عمَلِهِ ، هذا لا حرجَ فيه ، الحسد المذمُوم أنْ تحسَد الشخص على ما آتاهُ الله مِن الخير مِن

مال أو غيرُهُ وتتمنى زوالِ هذهِ النِعمة عنهُ فهذا هُو الحَسد الخبيث المذمُوم أهلُه ـ بارك الله فيكم ـ أمّا الحسد مع الغِبطة أن تتمنى مِن

الخير مثل ما حصل لهذا الرجُل من الخير والمال أو ممّا حصلَ لِفُلان مِن الخير والعِلم أن تكون مِثلَهُ في العِلم النافِع والعمل الصالِح

والدعوة إلى الله والتربِية على هذا العِلم ، هذا مشرُوعٌ فيهِ الغِبطَة ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ أمور الآخِرة يُشرع فيها

التنافُس (5) .


ويقُول الرسُول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ﴿ مثلُ ما بَعثَني الله بِهِ مِنَ العِلمِ والهُدى كَمَثلِ غيْثٍ أصَابَ أَرْضاً فكَانَت مِنهَا طائِفَةٌ طَيّبَة

قَبِلَت المَاء فأَنبتَتِ الكلأ والعُشبَ الكَثِيف ، وكَانت طائفةً مِنها أجادِب أمسَكتِ المَاء فانتَفَعَ بِهَا النَاس فشَرِبوا وسَقوا وزرعُوا ،

وكانت طائِفةٌ أخرى إنما هِي قِيعاَن لا تُمسِكُ ماءً ولا تُنبِتُ كلأَ فذلِك مَثَلُ من فَقُهَ في دينِ الله فنَفَعَهُ الله بما أرسلني بِهِ فعَلِم وعلّم

ومثلُ مَن لم يرفع بذلك رأسا فشبّهَ العِلم بالغيث لأنّ حياةَ الناس بالمطَر وبالعِلم ، فالعِلم تحي بهِ القُلُوب والمَطر والغيث تحي بهِ

الأبدان ، وبعضُ القُلُوب مثل الأرض الطيّبة التي تقبَل الماء وتُنبِت وتُعشِب ويرعَى الناس ويأكُلون ويطعمُون و يَشرَبون . . ، وناس

قُلوبُهُم يعني تعي العلم لكن ما عِندها ذاك الفِقه لكِنها في نفس الوقت لها ميزَة أنها تعي هذا العِلم وتُبَلِّغُه إلى الناس كما هُو فَيَنْتفِع بِهِ

الناس مِثل الأرض التي تحبِس الماء فيَشرِب الناس مِنها ويسقُون ويزرَعون ، وطائِفة أخرى ثالِثة كالأرض السبِخة والأرض الملساء التي

لا تُمسِك مِن الماء شيئاً مهما ما صبّ مِن الأمطار لا تُمسِكُ منهُ شيئا ولا تُنبِت كلأ فهذِه مثل القلوب التي لا تعي عنِ الله شيئاً ، لا

تُقبِل على عِلم ولا تحفظهُ ولا تريدُهُ ـ نعُوذ بالله من ذلك ـ .


فاحرِص يا طالِب العلم أن تكون واحِداً من الاثنَين السابِقين ، إمّا علم وفقه ودعوة وإما علمٌ وإنْ ضَعُفَ الفِقه ، فهُو نافِع يأتي بالبلاغ

والتبلِيغ وتأدِية هذه الأمانة ـ أمانة العلم ـ إلى الناس فرُبَّ مُبلغ أوعى مِن سامِع ﴿ نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه كما سمعه فرب

مبلغ أوعى من سامع فهذا الذي حَفِظ العِلم ونقلَهُ إلى غيرِهِ قد يكون فيهِ من هو أفقهُ مِنهُ فَينفعُ الله بِهِ ـ بارك الله فيك ـ بِنقلِه لهذا

العِلم ، بِخِلاف مَن لا يقبَل العِلم ولا يقبل هذا الهُدى ـ والعِياذُ بالله ـ مثل الأرض السبِخة لا تقبلُ ماءاً ولا تُنبِتُ كلأ .

فهذا مِثالٌ عظيم للعِلم وأصناف الناس منهُ وكيف يستفِيدون وكيف يُحرمون الاستفادة مِنه ـ فنعوذُ بالله من الحِرمان ـ .

فهذِهِ بعضُ الأحاديث عنِ الإشادة بالعِلم وعن آثارِهِ النافِعة وعن حِرمان من لا يهتم بالعِلم وحالِهِ السيئة ـ والعياذ بالله ـ وقد يكُون

هذا كافِرًا أو فاسِقًا أو مُبتدِعًا لا يهتم بالعلم ـ والعياذ بالله ـ

ومِن الأحاديث التي وردت في شأنِ العِلم قول النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ﴿ بلغوا عني ولو آية وتحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج

ومن كذبَ عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار فأنتَ مأمورٌ بتبليغِ العِلم الذي يأتيك وتنالُه وتُبلِغُهُ كثيرًا كان أو قليلا وإيّاك و

الكذِب على رسُول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإنّ بعض الناس قد تدفَعُهم العواطف العمياء والجَهل إلى الكذبِ على رسولِ الله

ـ صلى الله عليه وسلم ـ بِأن يقول قال رسول الله كذا وكذا فينقُل حديثًا مكذوبًا ، هذا إمّا أن يخترِع حديثًا فيكُون قد كذبَ على

الرسول مُتعمِداً فليتبوأ مقعدهُ من النار ، وإمّا أن ينقُلَ حديثًا اخترَعهُ غيرُه فيصدُق عليهِ ﴿ مَن روى عني حديثًا يُرى أنهُ كذب فهو

أحل الكذّابين على أحد الروايات .

فناقُل الكذبِ كاذِب ، فإذا رَويت حديثًا كذِباً على رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ فأنت أحدُ الكاذِبَيْن ـ والعياذ بالله ـ ،

فاحرِص على تبليغِ العِلم على الوجهِ الصحيح وبالأمانة التي حمّلها الله تبارك وتعالى السموات والأرض فأبيْنا أن يحمِلنها وحملها

الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا وجاءت نصُوص في وعِيد من يطلُب العِلم ولا يُبلِغهُ قال الله تبارك وتعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا

أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ يكتُم هذا الهدى وهذِه الآياتِ

البيّنات التي أنزَلها الله لهِدايةِ الناس ولِيستَفيدَ مِنها الناس ولِيقِيموا عليها عباداتِهم وأعمالِهِم وحياتَهُم ، فيكتمُ هذا العِلم فهذا يستحِق

هذا اللعن وهذا الوعيد الشديد ، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ

يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ويقول الرسول ـ عليه الصلاة والسلامـ ﴿ من سُئَل عن عِلمٍ فَكَتَمَهُ ، ألجَمَ يومَ القِيامَة بِلِجامٍ مِن

نارـ والعياذ بالله ـ فإذا بلغَكَ شيء مِن العِلم في العقيدة أوالعبادة أو الحلال أو الحرام فبلِغ الناس بالحِكمةِ والموعِظة الحسنة ﴿ ادْعُ

إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فنحنُ مأمورون بالدعوةِ إلى الله تبارك وتعالى وبالأسلوبِ

الطيّب والمُقنِع وبالحُجة الواضحة وبالحِكمة واللُطف واللين وغيرُ ذلك ، كما كان رسول الله وصحابتهُ الكِرام وتبليغ هذا العِلم

مقرون بهذِه الأخلاق العالية والصِفاتِ النبيلة دين و رفق ﴿ ما كان الرِفق في شيءٍ إلا زانه ولا نُزِع من شيء إلا شانه و ﴿ إن الله

رفيق يحب الرفق في الأمر كلهِ فنحنُ مُكلّفون بالدعوة إلى الله تبارك وتعالى ، الذي نتعلّمُه نُبلّغُهُ للناس ولو كان لآيةً واحِدة يُرافِقُهُ

أخلاقٌ عالِية وشرٍيفة أخلاقُ محمدٍ ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي اقتبسنها مِنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا

السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ

عَظِيمٍ فنحنُ مأمورون أن نتعلم ، علَينا أنْ نتعلّم وأن نعمَل وأنْ ندعوَ إلى اللهِ تبارك وتعالى بالطُرق التي بيّنها الله لنا وبيّنها رسوله

وطبّقها ـ عليه الصلاة والسلام ـ وطبّقها صحابَتُهُ الكرام مِن بعدِهِ إذ نشروا الإسلامَ في الدُنيا كلِها في مُختلفِ الشُعوب ، أكثر ما تمَّ

انتشار هذا العِلم والخير عن طريق الأخلاق والصبر والحِلم والأمانة والصِدق والمُروءة والشرف ( ... ) والوفاء بالعهد وما شابه ذلِك

هذِه الأخلاق ظهرت بالناس فجاءت الشُعوب تُقبِل بِقلُوبِها وأسماعِها وأبصارِها على هذا الهُدى والنور الذي كان يحمِله أصحاب

محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنتُم تشدون الرّحال مِن أفاقٍ بعِيدة إلى الجامِعةِ الإسلامية وتنهلون من هذا العِلم .

وأقول لكُم بِهذه المُناسبة : إنّ منهج الجامِعة الإسلامية منهجٌ عظيم ووضعهُ أئمةٌ أعلام ، وضعُوها لإعادةِ مجد الأمة الإسلامية على ما

كان عليه في عهدِ رسول الله وأصحابهِ ، على الكِتاب والسنة وعلى منهجِ السلف الصالِح ، وبعدَ أن رأوْ أنّ العَالَمَ الإسلامي في

وضعٍ مؤلِم جداً مِن الجهل وانتشار البِدع والخُرافات وضياع التوحيد ومكانتُه إلا مَن سلّم الله تبارك وتعالى ، فأُنشِئت هذِه الجامِعة

لقصدِ تجديد الإسلام على أيدِ خِرِّيجي هذهِ الجامِعة كلٌّ يعودُ إلى بلدِه ، بعض الناس يتعلّم ويجلِس هنا ما يأخُذ بقول الله تبارك وتعالى

﴿ فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ وكأنّه في عهدِ رسول

الله يشدُّون الرحال إلى رسول الله يتعلّمُون منهُ ( ... ) ثم يعودون إلى بُلدانِهِم لِيُبلّغُوهُم رسالةَ الله تبارك وتعالى ﴿ فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ

فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إذا رجعوا إليهم ، الإنذار يتم بالعِلم والحُجة والبُرهان فيرجعُ وعِندهُ الحُجج

والبراهين وعندهُ العِلم الصحيح والعقيدة الصحيحة فيُحاول إصلاح ما استطاع في بلدِهِ (6) ، والدعوة التي خلت مِن الحِكمة ومِن

العِلم والحُجة تصير وبالا على صاحِبِها وعلى الناس .

والأخلاق لها آثارُها البعِيدة والعمِيقة ولِهذا يَحُثُّ الله عليها ويحثُّ عليها رسولهُ ـ عليه الصلاة والسلام ـ وكان يتعامَل رسولُ الله مع

الناس بِهذِه الأخلاق (7) .

أسأل الله تبارك وتعالى أن يَرزُقَنا وإيّاكُم العِلم النافع والعملَ الصالِح وأنْ يجعلنا مِن الدعاةِ إليه المُخلصين لهُ في أقولِنا وأفعالِنا وأعمالِنا

وأنْ يجعلنا هُداةً مهديين إنّا ربّنا سميعُ الدعاء وصلى اللهُ على نبينا محمد وعلى آلِهِ وصحبِه وسلم والسلامُ عليكم وبركاته .

رد مع اقتباس