عرض مشاركة واحدة
  #32  
قديم 06 Feb 2020, 01:22 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي





وهذا الحمام من أعجب الحيوان هداية حتى قال الشافعي: "أعقل الطير الحمام"

وبرد الحمام هي التي تحمل الرسائل والكتب ربّما زادت قيمة الطير منها على قيمة المملوك والعبد فإنّ الغرض الذي يحصل به لا يحصل بمملوك ولا بحيوان غيره لأنّه يذهب ويرجع إلى مكانه من مسيرة ألف فرسخ فما دونها وتنهي الأخبار والأغراض والمقاصد التي تتعلق بها مهمات الممالك والدول والقيّمون بأمرها يعتنون بأنسابها اعتناء عظيما، فيفرقون بين ذكورها وإناثها وقت السفاد وتنقل الذكور عن إناثها إلى غيرها والإناث عن ذكورها ويخافون عليها من فساد أنسابها وحملها من غيرها ويتعرفون صحة طرقها ومحلها لا يأمنون أن تفسد الأنثى ذكرا من عرض الحمام فتعتريها الهجنة

والقيّمون بأمرها لا يحفظون أرحام نسائهم ويحتاطون لها كما يحفظون أرحام حمامهم ويحتاطون لها. والقيّمون لهم في ذلك قواعد وطرق يعتنون بها غاية الاعتناء بحيث إذا رأوا حماما ساقطا لم يخف عليهم حسبها ونسبها وبلدها ويعظمون صاحب التجربة والمعرفة وتسمح أنفسهم بـالجعل الوافر له. ويختارون لحمل الكتب والرسائل الذكور منها ويقولون هو أحنّ إلى بيته لمكان أنثاه وهو أشد متنا وأقوى بدنا وأحسن اهتداء. وطائفة منهم يختار لذلك الإناث ويقولون الذكر إذا سافر وبعد عهده حنّ إلى الإناث وتاقت نفسه إليهن، فربّما رأى أنثى في طريقه ومجيئه فلا يصبر عنها فيترك المسير ومال إلى قضاء وطره منها.
وهدايته على قدر التعليم والتوطين والحمام موصوف باليمن والألف للناس ويحب الناس ويحبّونه ويألف المكان ويثبت على العهد والوفاء لصاحبه وإن أساء إليه، ويعود إليه من مسافات بعيدة وربّما صد فترك وطنه عشر حجج وهو ثابت على الوفاء حتى إذا وجد فرصة واستطاعة، عاد إليه.
والحمام إذا أراد السفاد يلطف للأنثى غاية اللطف فيبدأ بنشر ذنبه وإرخاء جناحه ثم يدنو من الأنثى فيهدر لها ويقبلها ويزفها وينتفش ويرفع صدره ثم يعتريه ضرب من الوله والأنثى في ذلك مرسلة جناحها وكتفها على الأرض فإذا قضى حاجته منها ركبته الأنثى وليس ذلك في شيء من الحيوان سواه وإذا علم الذكر أنّه أودع رحم الأنثى ما يكون منه الولد يقدم هو والأنثى بطلب القصب والحشيش وصغار العيدان فيعملان منه أفحوصة وينسجانها نسجا متداخلا في الوضع الذي يكون بقدر حيمان الحمامة ويجعلان حروفها شاخصة مرتفعة لئلا يتدحرج عنها البيض ويكون حصنا للحاضن ثم يتعاودان ذلك المكان ويتعاقبان الأفحوص يسخنانه ويطيبانه وينفيان طباعه الأول ويحدثان فيه طبعا آخر مشتقا ومستخرجا من طباع أبدانهما ورائحتهما لكي تقع البيضة إذا وقعت في مكان هو أشبه المواضع بأرحام الحمام ويكون على مقدار من الحر والبرد والرخاوة والصلابة ثم إذا ضربها المخاض بادرت إلى ذلك المكان ووضعت فيه البيض فإن أفزعها رعد قاصف رمت بالبيضة دون ذلك المكان الذي هيّأته كالمرأة التي تسقط من الفزع فإذا وضعت البيض في ذلك المكان لم يزالا يتعاقبان الحضن حتى إذا بلغ الحضن مداه وانتهت أيامه انصدع عن الفرخ فأعاناه على خروجه فيبدآن أولا بنفخ الريح في حلقه حتى تتسع حوصلته علما منهما بأن الحوصلة تضيق عن الغذاء فتتسع الحوصلة بعد التحامها وتنفتق بعد ارتقاقها ثم يعلمان أن الحوصلة وإن كانت قد اتسعت شيئا فإنها في أول الأمر لا تحتمل الغذاء فيزقانه بلعابهما المختلط بالغذاء وفيه قوى الطعم ثم يعلمان أن طبع الحوصلة تضعف عن استمرار الغذاء وأنها تحتاج إلى دفع وتقوية لتكون لها بعض المتانة، فيلقطان من الغيطان الحب اللين الرخو ويزقانه الفرخ ثم يزقانه بعد ذلك الحب الذي هو أقوى وأشد ولا يزالان يزقانه بالحب والماء على تدريج بحسب قوة الفرخ وهو يطلب ذلك منهما حتى إذا علما أنه قد أطاق اللقط منعاه بعض المنع ليحتاج إلى اللقط ويعتاده وإذا علما أنّ رئته قد قويت ونمت وأنّهما إن فطماه فطما تاما قوي على اللقط وتبلغ لنفسه ضرباه إذا سألهما الزق ومنعاه ثم تنزع تلك الرحمة العجيبة منهما وينسيان ذلك التعطف المتمكن حين يعلمان أنه قد أطاق القيام بنفسه والتكسب ثم يبتدآن العمل ابتداء على ذلك النظام.

والحمام يشاكل الناس في أكثر طباعه ومذاهبه، فإنّ من إناثه أنثى لا تريد إلا زوجها، وفيه أخرى لا ترد يد لامس وأخرى لا تنال إلا بعد الطلب الحثيث وأخرى تركب من أول وهلة وأول طلب وأخرى لها ذكر معروف بها وهي تمكن ذكرا آخر منها إذا غاب زوجها لم تمتنع ممن ركبها. وأخرى تمكن مَن يغنيها عن زوجها وهو يراهما ويشاهدهما ولا تبالي بحضوره. وأخرى تعمط الذكر وتدعوه إلى نفسها وأنثى تركب أنثى وتساحقها وذكر يركب ذكرا ويعسفه. وكل حالة توجد في الناس ذكورهم وإناثهم توجد في الحمام. وفيها مَن لا تبيض وإن باضت أفسدت البيضة، كالمرأة التي لا تريد الولد كيلا يشغلها عن شأنها.

وفي إناث الحمام مَن إذا عرض لها ذكر أي ذكر كان، أسرعت هاربة ولا تواتي غير زوجها ألبتة، بمنزلة المرأة الحرّة. ومنها ما يأخذ أنثى يتمتع بها تم ينتقل عنها إلى غيرها وكذلك الأنثى توافق ذكرا آخر عن زوجها وتنتقل عنه وإن كانوا جميعا في برج واحد. ومنها ما يتصالح على الأنثى منها ذكران أو أكثر فتعايرهم كلهم حتى إذا غلب واحد منهم لرفيقه وقهره مالت إليه وأعرضت عن المغلوب وفي الحديث أن النبي ﷺ: "رأى حمامة تتبع حمامة فقال شيطان يتبع شيطانه".

ومنها ما يزق فراخه خاصة ومنها ما فيه شفقة ورحمة بالغة يزق فراخه وغيرها.

ومن عجيب هداها أنها إذا حملت الرسائل سلكت الطرق البعيدة عن القرى ومواضع الناس لئلا يعرض لها مَن يصدها، ولا يرد مياههم بل يرد المياه التي لا يردها الناس، ومن هدايتها أيضا أنه إذا رأى الناس في الهواء عرف أي صنف يريده وأي نوع من الأنواع ضده، فيخالف فعله ليسلم منه.

ومن هدايته أنّه في أوّل نهوضه يغفل ويمر بين النسر والعقاب وبين الرخم والبازي، وبين الغراب والصقر فيعرف مَن يقصده ومَن لا يقصده. وإن رأى الشاهين فكأنه يرى السم الناقع وتأخذه حيرة كما يأخذ الشاة عند رؤية الذئب والحمار عند مشاهدة الأسد.

ومن هداية الحمام أنّ الذكر والأنثى يتقاسمان أمر الفراخ، فتكون الحضانة والتربية والكفالة على الأنثى وجلب القوت والزق على الذكر. فإنّ الأب هو صاحب العيال والكاسب لهم والأم هي التي تحبل وتلد وترضع.

ومن عجيب أمرها ما ذكره الجاحظ أنّ رجلا كان له زوج حمام مقصوص وزوج طيار وللطيار فرخان قال: ففتحت لهما في أعلى الغرفة كوة للدخول والخروج وزق فراخهما. قال: فحبسني السلطان فجأة، فاهتممت بشأن المقصوص غاية الاهتمام ولم أشك في موتهما لأنّهما لا يقدران على الخروج من الكوة وليس عندهما ما يأكلان ويشربان قال: فلمّا خلى سبيلي لم يكن لي همّ غيرهما، ففتحت البيت فوجدت الفراخ قد كبرت ووجدت المقصوص على أحسن حال، فعجبت فما لبث أن جاء الزوج الطيار، فدنا الزوج المقصوص إلى أفواههما يستطعمانهما كما يستطعم الفرخ، فزقاهم.

فانظر إلى هذه الهداية، فإنّ المقصوصبن لمّا شاهدا تلطف الفراخ للأبوين وكيف يستطعمانهما إذا اشتد بهما الجوع والعطش، فعلا كفعل الفرخين فأدركتهما رحمة الطيارين فزقاهما كما يزقان فرخيهما.

ونظير ذلك ما ذكره الجاحظ وغيره قال الجاحظ: "وهو أمر مشهور عندنا بالبصرة أنّه لمّا وقع الطاعون الجارف أتى على أهل دار فلم يشك أهل تلك المحلة أنّه لم يبق منهم أحد، فعمدوا إلى باب الدار فسدّوه وكان قد بقي صبي صغير يرضع ولم يفطنوا له. فلمّا كان بعد ذلك بمدّة تحوّل إليها بعض ورثة القوم، ففتح الباب، فلمّا أفضى إلى عرصة الدار، إذا هو بصبي يلعب مع جراء كلبة قد كانت لأهل الدار فراعه ذلك، فلم يلبث أن أقبلت كلبة قد كانت لأهل الدار، فلمّا رآها الصبي، حَبَا إليها، فأمكنته من أطبائها فمصها، وذلك أنّ الصبي لمّا اشتد جوعه ورأى جراء الكلبة يرتضعون من أطباء الكلبة حبا إليها فعطفت عليه، فلمّا سقته مرة أدامت له ذلك وأدام هو الطلب ولا يستبعد هذا"

وما هو أعجب منه فإنّ الّذي هدى المولود إلى مص إبهامه ساعة يولد ثم هداه إلى التقام حلمة ثدي لم يتقدم له به عادة كأنّه قد قيل له: هذه خزانة طعامك وشرابك التي كأنك لم تزل بها عارفا.

وفي هدايته للحيوان إلى مصالحة ما هو أعجب من ذلك ومن ذلك أنّ الدّيك الشاب إذا لقي حَبًا لم يأكله حتّى يفرقه فإذا هرم وشاخ أكله من غير تفريق كما قال المدائني "إنّ إياس بن معاوية مرّ بديك ينقر حبا ولا يفرقه فقال ينبغي أن يكون هرما فإن الديك الشاب يفرق الحب ليجتمع الدجاج حوله فتصيب منه. والهرم قد فنيت رغبته فليس له همّة إلا نفسه قال إياس: والدّيك يأخذ الحبّة فهو يريها الدجاجة حتى يلقيها من فيه والهرم يبتلعها ولا يلقيها للدجاجة" وذكر ابن الأعرابي قال: "أكلت حبّة بيض مكاء فجعل المكاء يصوت ويطير على رأسها ويدنو منها حتى إذا فتحت فاها وهمت به ألقى حسكة فأخذت بحلقها حتى ماتت" وأنشد أبو عمرو الشيباني في ذلك قول الأسدي:

إن كنت أبصرتني عيلا ومصطلما ∗∗∗ فربّما قتل المكاء ثعبانا

وهداية الحيوانات إلى مصالح معاشها كالبحر حدث عنه ولا حرج ومن عجيب هدايتها أنّ الثعلب إذا امتلأ من البراغيث أخذ صوفة بفمه ثم عمد إلى ماء رقيق فنزل فيه قليلا قليلا حتى ترتفع البراغيث إلى الصوفة فيلقيها في الماء ويخرج. ومن عجيب أمره أن ذئبا أكل أولاده وكان للذئب أولاد وهناك زبية فعمد الثعلب وألقى نفسه فيها وحفر فيها سردابا يخرج منه ثم عمد إلى أولاد الذئب فقتلهم وجلس ناحية ينتظر الذئب فلمّا أقبل وعرف أنّها فعلته، هرب قدامه وهو يتبعه، فألقى نفسه في الزبية ثم خرج من السرداب فألقى الذئب نفسه وراءه، فلم يجده ولم يطق الخروج فقتله أهل الناحية.

ومن عجيب أمره أنّ رجلا كان معه دجاجتان فاختفى له وخطف إحداهما وفرّ، ثم أعمل فكرة في أخذ الأخرى فتراأى لصاحبها من بعيد وفي فمه شيء شبيه بالطائر، وأطمعه في استعادتها بأن تركه وفرّ، فظن الرجل أنها الدجاجة فأسرع نحوها وخالفه الثعلب إلى أختها فأخذها وذهب.

ومن عجيب أمره أنّه أتى إلى جزيرة فيها طير، فأعمل الحيلة كيف يأخذ منها شيئا فلم يطق، فذهب وجاء بـضغث من حشيش وألقاه في مجرى الماء الذي نحو الطير ففزع منه، فلمّا عرفت أنّه حشيش، رجعت إلى أماكنها، فعاد لذلك مرة ثانية وثالثة ورابعة حتى تواظب الطير على ذلك، وألفته، فعمد إلى جرزة أكبر من ذلك فدخل فيها وعبر إلى الطير فلم يشك الطير أنّه من جنس ما قبله، فلم تنفر منه فوثب على طائر منها وعدا به.

ومن عجيب أمر الذئب أنّه عرض لإنسان يريد قتله، فرأى معه قوسا وسهما، فذهب وجاء بعظم رأس جمل في فيه وأقبل نحو الرجل فجعل الرجل كلمّا رماه بسهم اتّقاه بذلك العظم، حتى أعجزه وعاين نفاذ سهمه فصادف مَن استعان به على طرد الذئب.

ومن عجيب أمر القرد ما ذكره البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون الأودي قال: "رأيت في الجاهلية قردا وقردة زنيا فاجتمع عليهما القرود فرجموهما حتى ماتا"

فهؤلاء القرود أقاموا حدّ الله حين عطّله بنو آدم. وهذه البقر يضرب ببلادتها المثل وقد أخبر النبي ﷺ: "أنّ رجلا بينا هو يسوق بقرة إذ ركبها فقالت: لم أخلق لهذا فقال الناس: سبحان الله بقرة تتكلم فقال: فإنّي أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر، وما هما، ثم قال: وبينا رجل يرعى غنما له إذ عدا الذئب على شاة منها فاستنقذها منه فقال الذئب: هذه استنقذتها منّي، فمَن لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري فقال الناس: سبحان الله ذئب يتكلم فقال رسول الله ﷺ: إنّي أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وما هما" تم.

ومن هداية الحمار الذي هو من أبلد الحيوان أنّ الرجل يسير به ويأتي به منزله من البعد في ليلة مظلمة، فيعرف المنزل، فإذا خلى جاء إليه، ويفرق بين الصوت الذي يستوقف به والصوت الذي يحث به على السير.

ومن عجيب أمر الفأر، أنّها إذا شربت من الزيت الذي في أعلى الجرّة، فنقص وعزّ عليها الوصول إليه، ذهبت وحملت في أفواهها ماء، وصبته في الجرة حتى يرتفع الزيت فتشربه.

والأطباء تزعم أنّ الحقنة أخذت من طائر طويل المنقار إذا تعسّر عليه الذرق جاء إلى البحر المالح وأخذ بمنقاره منه واحتقن به، فيخرج الذرق بسرعة. وهذا الثعلب، إذا اشتد به الجوع انتفخ ورمى بنفسه في الصحراء كأنّه جيفة، فتتداوله الطير، فلا يظهر حركة ولا نفسا، فلا تشك أنّه ميّت، حتى إذا نقر بمنقاره وثب عليها فضمها ضمة الموت.

وهذا ابن عرس والقنفذ إذا أكلا الأفاعي والحيات عمدا إلى الصعتر النهري فأكلاه كـالترياق لذلك.

ومن عجيب أمر الثعلب أنّه إذا أصاب القنفذ، قلبه لظهره لأجل شوكه، فيجتمع القنفذ حتى يصير كبة شوك، فيبول الثعلب على بطنه ما بين مغرز عجبه إلى فكيه فإذا أصابه البول اعتراه الأسر فانبسط، فيسلخه الثعلب من بطنه ويأكل مسلوخه.

وكثير من العقلاء يتعلم من الحيوانات البهم أمورا تنفعه في معاشه وأخلاقه وصناعته وحربه وحزمه وصبره وهداية الحيوان فوق هداية أكثر الناس قال تعالى: ﴿أمْ تَحْسَبُ أنَّ أكْثَرَهم يَسْمَعُونَ أوْ يَعْقِلُونَ إنْ هم إلاَّ كالأنْعامِ بَلْ هم أضَلُّ سَبِيلًا﴾.

قال أبو جعفر الباقر: والله ما اقتصر على تشبيههم بالأنعام حتى جعلهم أضل سبيلا منها.




الصور المرفقة
نوع الملف: png ما من دابة في الأرض ولاطائر.png‏ (422.2 كيلوبايت, المشاهدات 1731)
نوع الملف: png سبحان الله وبحمده.png‏ (457.8 كيلوبايت, المشاهدات 1916)
رد مع اقتباس