عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 29 Dec 2009, 08:29 AM
أبو أحمد ضياء التبسي أبو أحمد ضياء التبسي غير متواجد حالياً
.:. أصلحه الله .:.
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
المشاركات: 325
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو أحمد ضياء التبسي
افتراضي

المقدمة

شاء الله أن أهبط بلدة خنشلة (1) في صيف هذا العام، و شاء أن أتخذها محل إقامة خمسا و عشرين ليلة، و قدر لي أن اجتمعت أثناء هذه الليالي بأقوام يمثلون أغلب طبقاتها و استطلعت آراء عقلائها و مفكريها في حالتنا الدينية و ما أصابها من تدهور، و كانت نتيجة البحث مع العقلاء الذين حفظهم الله من بدعة الطرقيين استحسان الدعوة إلى كتاب الله و سنة رسوله و ما كان عليه سلف الأمة و إلى ترك ما أحدثه المحدثون. و هذه الظاهرة الدينية من أفهم الأدلة على أن أمتنا سدد الله خطى علمائها و العاملين لخير مفتها من الأمم التي أشربت حث دينها المحفوظ.
و كنت أفضي إلى من أجتمع به بما يتطلبه منا دين لا ببوية (2) و لا قساوسة و لا رهبان و لا كهنوتية (3) فيه، و أجد من فضلائها و أهل الروية و الثقافة العلمية بتلك البلدة الإسلامية رجالا يقدرون الدين حق قدره و يعلمون أنه دين رب العالمين، لا صنع رجال يصرفونه كيف شاؤوا و شاءت مآربهم (4) .
و قد منيت دعوة رجال الإصلاح الديني كما في كل مبدأ صحيح قبلها بأقوام يناهضون الحق بسلاح الأوهام و يعادون أهله، لا لأنهم شاقوا معصوما أو حاربوا صحيحا بل لأنهم سفهوا عوائد و طرحوا مألوفا تبين أنه لم يأت من طريق التوفيق.
و في بلدة خنشلة لسانان من ألسنة فلول الطرائق و خزائن الأخبار المحرفة و الأقاويل المضطربة- وقد حدثت عن هذين الأخوين في النسب والجهل بما يأتيان به من تنفير الناس من دعوة المصلحين و التقول عليهم بما يذكر بالقصص الإسرائيلي، فحاولت أن أجتمع بهما اجتماعا يمكنني من مفاوضتهما فجمع الله بيننا أمام قهوة عربية فجاذبتهما الحديث في شؤون، منها إعطاء العهود الموجودة بيننا من رؤساء الطرائق و تحديد الأذكار للأمة على هذا الوجه بدعة لا يعرفها السلف و لا يقبلها الشرع فزعما أن هذه العهود و ما لف لفها قد نقلت عن الحسن البصري، فأجبتهما بأن من نقل هذا عنه أراه قد كذب عليه.
و مسألة كمسألة العهود و تحديد الأذكار و وضع الطرائق للأمم ليس بسر من الأسرار حتى يمتاز بها الحسن، و محال أن يفعل شيئا لم يتلقه عمن قبله و لو فعله من قبله- و المسألة لها خطرها - لنقلت شائعة ذائعة كما هي الآن و هذه الكتب الصحاح التي غيرت رجالها و فحصت أخبارها لا يوجد فيها ما يصلح أن يكون دليلا أو شبه دليل.

فلما سدت في وجوههما مناهج التضليل انقلبا إلى السباب و الفضاضة و الفحش و الإذاية، فأعرضت عنهما و مررت بكلامهما مر الكرام و وعدت الحاضرين بالكتابة في بدعة الطرائق في الإسلام و ها أنا موفي بوعدي مقدم لأمتي ما أراه مناسبا للإذاعة في مجلة دينية ضيقة لها من الأعمال ما لو أصبحت يومية ما وسعتها، و أنا أعلم أن فريقا آخر من دخلاء العلم سيتلقون كلامي هذا ساخطين عليه مزورين عنه و أن فريقا آخر من حملة الهداية الصحيحة سيلقونه راضين عنه.
و أنا على غضب أولئك و برد هؤلاء سوف أذيع ما أراه حقا لا إجابة لهوى كمين في النفس و لا قضاء لشهوة من الشهوات و لا رغبة في الانتقام من فريق و لا حبا في تخطئة أناس أمر الله أن نقول في حقنا وحقهم: ( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ) (5) ، و إنما الدين يأمرنا أن ندفع عنه ما ليس منه والرجوع إلى حق تبين، أحسن من متابعة أناس في أمر تبين خطؤه. و قبل الشروع في المقصود ندلي بمقدمة نجعلها تمهيدا لما إليه قصدنا و على الله- المنفرد بالتشريع على لسان خير شفيع- اتكالي و هو حسبي و نعم الوكيل.


-- ------------------------
(1) إحدى مدن الشرق الجزائري.
(2) نسبة إلى البابا الرئيس الديني للكنيسة.
(3) نسبة إلى الكهنوت الذي هو وظيفة الكاهن ورتبته، ورجال الكهنوت هم رجال الدين عند اليهود والنصارى.
(4) حاجاتهم.
(5) سورة الحشر آية 10.

رد مع اقتباس