عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 17 Sep 2014, 03:16 PM
ابومارية عباس البسكري ابومارية عباس البسكري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: الجزائر بسكرة
المشاركات: 703
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى ابومارية عباس البسكري
افتراضي أشعار في القناعة

عن "النضر بن شميل" قال: دخلت على أمير المؤمنين "المأمون" بمرو, فقال: أَنْشِدْنِي أَقْنَعَ بيتٍ للعرب، فأنشدته قول "الحكم بن عبدل":


إني امرؤ لم أَزَلْ وذاك من الله ... أديبا أُعَلِّمُ الأَدَبَا
أقيمُ بالدار ما اطمأنت بي ... الدارُ وإن كنت نازعا طربا
لا أجتوي خلّةَ الصديقِ ولا ... أُتْبِعُ نفسي شيئا إذا ذهبا
أطلبُ ما يطلبُ الكريمُ من ... الرزقَ بنفسي وأجملُ الطلبا
وأَحلبُ الثرّة الصفيّ ولا ... أُجْهِدُ أخلافَ غيرها حَلَبَا
إني رأيتُ الفتى الكريم إذا ... رغّبته في صنيعة رَغِبَا
والعبد لا يُحسنُ العطاءَ ولا ... يُعطِيكَ شيئا إلا إذا رهبا
مثل الحمارِ المعقب السّوء لا ... يُحسِن مَشْياً إلا إذا ضُرِبَا
ولم أَجِدْ عِزَّةَ الخَلائِق إلا ... الدين لما اعتبرتُ والحَسَبَا
قد يُرْزَقُ الخافضُ المقيمُ وما ... شَدَّ لِعِيسٍ رَحْلاً ولا قَتَبَا
ويُحرَمُ الرزقُ ذُو المطيةِ والـ ... رَّحْلِ ومن لا يزال مُغْتَرِبا
قلت - رحم الله والدي-:
ولـ: "عروة بن أذينة", وكان من أعيان العلماء وكبار الصالحين, أبيات مشهورة في القناعة وعزة النفس, قال رحمه الله:

لقد علمت وما الإشرافُ من خُلُقِي ... أنّ الّذي هو رِزقي سوف يأتيني
أسعــى له فيُعَنِّينِي تَطَلُّبُـُه ... ولـو جلست أتاني لا يُعَنِّينِــي
وأيّ حــظّ امرئٍ لابدّ يبلغه ... يومــاً ولابدّ أن يحتازه دوني
لا خير في طمع يهدي إلى طبعٍ ... وعُلْقَةٌ من قليلِ العيشِ تَكْفِينِي
لا أركبُ الأمرَ تُزْرِي بِي عَوَاقِبُه ... ولا يُعَابُ به عِرضي ولا ديني
أقومُ بالأمر إمّا كان من أَرَبِي ... وأُكْثِرُ الصمتَ فيما ليس يعنيني
كم من فقير غَنِيِّ النّفسِ تعرفه ... ومن غنيّ فقيرِ النّفسِ مِسكين
وكم عدوّ رماني لو قَصَدْتُ له ... لم يأخذ البعض منّي حين يرميني
وكم أخ لي طوى كشحاً فقلت له ... إنّ انطواءك عنّي سوف يطويني
لا أبتغي وَصْلَ من يَبْغِي مُفَارَقَتي ... ولا أَلِينُ لمن لا يَبْتَغِي لِينِي

قال "ابن خلكان" في "وفيات الأعيان"[2 / 395]: كان "عروة" المذكور كثير القناعة، وله في ذلك أشعار سائرة, وكان قد وفد من الحجاز على "هشام بن عبد الملك" بالشام في جماعة من الشعراء، فلما دخلوا عليه عرف "عروة"، فقال له: ألست القائل:

لقد علمت وما الإشراف من خلقي ... أن الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى له فيعنيني تطلبهُ ... ولو قعدت أتاني لا يُعنيني

وما أراك فعلت كما قلت، فإنك أتيت من الحجاز إلى الشام في طلب الرزق، فقال: لقد وعظت يا أمير المؤمنين فبالغت في الوعظ، وأَذْكَرت ما أنسانيه الدهر، وخرج من فوره إلى راحلته فركبها, وتوجه راجعاً إلى الحجاز، فمكث "هشام" يومه غافلاً عنه، فلما كان في الليل استيقظ من منامه وذكره، وقال: هذا رجل من قريش, قال حكمة, ووفد إلي فجبهته, ورددته عن حاجته، وهو مع هذا شاعر لا آمن لسانه، فلما أصبح سأل عنه، فأخبر بانصرافه، فقال: لا جرم ليعلمن أن الرزق سيأتيه، ثم دعا بمولى له, وأعطاه ألفي دينار، وقال: الحق بهذه "عروة بن أذينة" فأعطه إياها، قال: فلم أدركه إلا وقد دخل بيته، فقرعت عليه الباب، فخرج فأعطيته المال، فقال: أبلغ أمير المؤمنين السلام, وقل له: كيف رأيت قولي, سَعيتُ فأكْدَيْتُ، ورجعت إلى بيتي فأتاني فيه الرزق.
ولبعض المعاصرين وهو "محمد بن إدريس" المعروف بـ: "مرج كحل" الأندلسي [ت634ه] في معنى هذين البيتين، وأحسن فيه:

مثل الرزق الذي تطلبه ... مثل الظل الذي يمشي معك
أنت لا تدركه متبعاً ... فإذا وليت عنه تبعك

المصدر: [ معجم الأدباء 3 / 1190]

رد مع اقتباس