عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 18 Dec 2014, 11:25 AM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

أحسن الله أخانا مرادًا، وبلَّغك مرادَك في خير وعافية.
هذه القضيَّة التي ثوَّرتها تتلجلج في صدري منذ مدَّة، لكن لا من جهة تسليمها، بل من جهة استشكال ما أبداه شيخ الإسلام رحمه الله، وأحبُّ أن أكتب هنا وجه الاستشكال الَّذي عرض لي في كلامه لينظَر فيه من له آلة النَّظر من إخواننا عسى ذلك أن يكون فتح باب علم وفهم علينا جميعًا.
ففي النَّصوص ما يفيد صحَّة هذا الإطلاق، وهو قوله تعالى: «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها»، فهو وإن كان نفيا كما قال الشيخ، إلا أنه نفيٌ في معنى الإثبات، ولذلك ذكر العلماء ـ ومنهم الشيخ تقي الدين في الفتوى الحموية ـ في أدلة إثبات صفة الحياء لله تعالى قوله تعالى: «إن الله لا يستحيي من الحق»، فمعناه أنه يستحيي مما ليس بحق، فكذلك قوله: «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها» معناه أنَّه كلَّف الأنفس ما في وسعها، فهو نص على صحة تسمية هذه الأمور بالتَّكاليف.
ووجه آخر، هو كون الأحكام الشَّرعية لذَّة وسروًرا لا تكليفًا ومشقَّة لا يكون في حقِّ جميع النَّاس بل في حقِّ الخاصَّة ممَّن جاهد نفسَه وروَّضها حتَّى انقادت ولانت وصارت أهواؤُها ورغباتها وفق الشَّريعة فصارت تتنعَّم بما يشقُّ على غيرها، وتلتذُّ بما يتأذَّى منه سواها، أمَّا الجمهور الأعظم من المكلَّفين فهي شاقَّةٌ عليهم ويحتاجون إلى صبر ومصابرة ومجاهدة، ولهذا جاء الأمر بهذه الأمور في الشَّرع، وشرع لنا النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن نسأل الله الإعانة على القيام بالشَّرع والدِّين.
ومن الأدلَّة الدالَّة على هذا ما اتَّفق عليه المتكلِّمون على مقصِد الشَّرع من التَّكليف وهو إخراج الإنسان من داعي الهوى، ولا شكَّ أنَّ في خروج الإنسان من داعي هواه وميله عنه مشقَّة عليه، بل شبَّهه ابن الجوزي رحمه الله في بعض كلامه بسير الماء في جهة العلوِّ، عكسَ مساره الطَّبيعي المعهود.
هذا من جهة واقع الحال، فإن قيل إنَّ المراد أنَّه الحال الَّذي ينبغي أن يكون عليه المسلم فيقال: إذن لا مانع من إطلاقه باعتبار المكلفين، وإن امتنع ذلك باعتبار ما ينبغي أن يكونوا عليه.
ثمَّ إنَّ هذه العبارة ليست من إحداث المتكلمين كما يُفهم من ربطكم ـ أخي مراد ـ بينها وبين مسألة الحكمة والتَّعليل، بل وقعت في كلام أكابر الأئمَّة كالشَّافعي ومحمَّد بن جرير الطبري ومحمَّد بن نصر المروزي ومن بعدهم كابن حبَّان وابن أبي زيد القيرواني والبغوي وغيرهم.
ومع هذا كلِّه فإنَّ ما أبداه الشيخ تقيُّ الدين من القوَّة على ما هو ظاهر، ولو قيل إنَّه يستفادُ من كلامه استحسان تجنُّب هذا الإطلاق لا عدُّه غلطًا أو من إحداث المتكلِّمين لكان قريبًا جيِّدًا، والله أعلم.

رد مع اقتباس