عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 05 Jun 2015, 04:26 PM
مهدي بن صالح البجائي مهدي بن صالح البجائي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 591
افتراضي ﴿إن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيه﴾

﴿إن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيه﴾


إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا، أما بعد:

فيقول ربُّنا جلَّ وعلا: ﴿أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾، ويقول سبحانه: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾، وقد أبان الله عزَّ وجلَّ عن نفسيَّات قوم عارضوا رسلَه (عليهم الصلاة والسلام)، وجحدوا رسالتهم، وجادلوا بالباطل، من غير حجَّة ولا برهان بل بالشبه والبهتان.

﴿إنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيه﴾


وهذه الآية العظيمة تكشف جانبا مهما مما تقدَّم، وتُظهر حقيقة لا مراء فيها من حقائق القوم، وهكذا هو كتاب ربِّنا تبارك وتعالى.

«وقد جاءت في سورة تضمَّنت أغراضا من أصول الدعوة إلى الإيمان، وجرى الكلام من أول السورة إليها في ميدان الردِّ على مجادلة المشركين في آيات الله، ودحض شبههم، وتوعدهم على كفرهم، وضرب الأمثال لهم بأمثالهم من أهل العناد، كما ذكرت أمثال أضدادهم من أهل الإيمان من حضر منهم ومن غبر، وختم ذلك بوعد النبيء - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين بالنصر كما نصر النبيئين من قبله والذين آمنوا بهم ، وأمر بالصبر على عناد قومه والتوجه إلى عبادة ربه ، فكان ذكر الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان عقب ذلك من باب المثل المشهور الشيء بالشيء يذكر، فانتقل إلى كشف ما تكنه صدور المجادلين من أسباب جدالهم بغير حق ، ليعلم الرسول - صلى الله عليه وسلم - دخيلتهم فلا يحسب أنهم يكذبونه تنقصا له ولا تجويزا للكذب عليه ، ولكن الذي يدفعهم إلى التكذيب هو التكبر عن أن يكونوا تبعا للرسول - صلى الله عليه وسلم - ووراء الذين سبقوهم بالإيمان ممن كانوا لا يعبئون بهم»(1)، وهذا قوله تعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ﴾.

وختم الله جلَّ وعلا الآية ببيان أنَّهم غير بالغي هذا الكبر الذي في صدورهم ﴿مَا هُم بِبَالِغِيه﴾، قال القرطبي (رحمه الله) في تفسيره : «قال الزجاج: «المعنى ما في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغي إرادتهم فيه»، قدره على الحذف، وقال غيره : المعنى ما هم ببالغي الكبر على غير حذف، لأن هؤلاء قوم رأوا أنهم إن اتبعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قل ارتفاعهم ، ونقصت أحوالهم ، وأنهم يرتفعون إذا لم يكونوا تبعا، فأعلم الله - عز وجل - أنهم لا يبلغون الارتفاع الذي أملوه بالتكذيب، والمراد المشركون، وقيل : اليهود ، فالآية مدنية على هذا كما تقدم أول السورة».

وقال الإمام المفسِّر الشنقيطي (رحمه الله) في «أضواء البيان» عند تفسير قوله تعالى: ﴿قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين﴾:

«بيَّن تعالى في هذه الآية الكريمة : أنه عامل إبليس اللعين بنقيض قصده حيث كان قصده التعاظم والتكبر، فأخرجه الله صاغرا حقيرا ذليلا، متصفا بنقيض ما كان يحاوله من العلو والعظمة، وذلك في قوله : ﴿فاخرج إنك من الصاغرين﴾، والصغار : أشد الذل والهوان ، وقوله: ﴿اخرج منها مذءوما مدحورا﴾ ، ونحو ذلك من الآيات ، ويفهم من الآية أن المتكبر لا ينال ما أراد من العظمة والرفعة ، وإنما يحصل له نقيض ذلك . وصرَّح تعالى بهذا المعنى في قوله: ﴿ إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه﴾، وبين في مواضع أخر كثيرا من العواقب السيئة التي تنشأ عن الكبر ، أعاذنا الله والمسلمين منه، فمن ذلك أنه سبب لصرف صاحبه عن فهم آيات الله، والاهتداء بها كما في قوله تعالى:﴿ سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق﴾ الآية... ».

فتأمَّل في هذه الدخيلة التي يكنُّها المجادلون في آيات الله بغير حق ولا برهان، واعتبر بحال من كفَر كُفر الحمقى –كما سمَّاه ابن الجوزي- من الملحدين تجد حالهم لا يعدو هذا المحلَّ، وأنَّه ما في صدورهم إلا كبر لن يبلغوه ولو شايعهم من شايعهم، ومجَّدهم من مجَّدهم ! والله المستعان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
(1)تفسير التحرير والتنوير، سورة غافر (المؤمن) بتصرُّف.


التعديل الأخير تم بواسطة مهدي بن صالح البجائي ; 06 Jun 2015 الساعة 02:06 PM
رد مع اقتباس