عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 27 Dec 2019, 01:18 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي





في سورة الكهف، من الفوائد الشرعية، والدرر النّفيسة، ما تدفع الحازم إلى اقتنائها، والتدبّر فيما تحتويه، من منافع الدنيا والآخرة. وتتركّز تلك الجواهر في آيات بيّنات من السورة، ننقلها على مراحل إن شاء الله.

وفي هذه العجالة، أذكر فائدة شرعية في معنى المشيئة الإنسانيّة التي يقصد الله ذكرها، في آية، في توجيه عباده إلى الطّريق المستقيم، في أسلوب تحذيري تهديدي لمَن كانت نفسه، تحتاج إلى ردع وترهيب حتّى تنتقل من التّعنّت والصّدود إلى الخضوع والامتثال لأمره، ممَن وفّقهم، وعلم أنّهم أهلاً لذلك.

فالله ربّنا ذو الرّحمة الواسعة، بعد أن وجّه نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم إلى أفضل سلوك ينال به الإرشاد التّام والهداية الكاملة في صُحبة مَن يذكرون الله في كلّ حين، ولايقصدون في أعمالهم إلاّ الله، ولايلتفتون إلى زخارف الدنيا وملذاتها. وهم أفضل ما يُستعان بهم على مواصلة الدّعوة إلى الله، وأفضل ما يكون بهم الثّبات على هدى الله.
صُحبة تذكّر الصّاحب بالله، وتعينه على الدّعوة إلى الله، وعلى الصّبر على المشاق في سبيل الله، لهي الصّحبة التي يتشبّت بأذيالها، مَن يريد النّجاة، والعافية في هذه الحياة.

يقول ربّنا سبحانه بعد هذا التّوجيه القويم من الخبير العليم، مخاطبًا نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، آمرًا له أن يعلن دعوة الحقّ، لينظر مَن يخضع عن طواعية منه، ومَن يكابر ويردّ ما فيه نجاته من هول الموقف يوم يقوم النّاس للحساب.

قال تعالى:"وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا(29)"




يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في تفسير الآية:

{ قال الله عز وجل : ((وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ)) ((قُل)) الخطاب لِمَن؟ للرسول صلى الله عليه وسلم أي قُلْها معلناً ((الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ)) لا من غيره فلا تطلب الحق من طريق غير طريق الله عز وجل. لأنّ الحقّ من عند الله ((فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)) والأمر في قوله: ((وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)) للتّهديد وليس للإباحة وليس ... بل هو للتّهديد كما يهدد الإنسان غيره فيقول: افعل كذا أو إن كنت صادقاً فافعل ذلك، ويدلّ لذلك قوله: ((إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا)) يعني مَن كفر فله النار قد أعدت وقوله : ((للظالمين)) المراد به الكافرين، والدليل على هذا قوله: ((فَلْيَكْفُرْ)) فإذا قال قائل: هل الكفر يسمّى ظلماً؟ الجواب: نعم، كما قال عز وجل: ((وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ))[البقرة:254]، ولا أحد أظلم ممّن جعل مع الله شريكاً وهو الذي خلقه وأمدّه وأعدّه، ((إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا)) ((أَحَاطَ بِهِمْ)) أي بالنار، ((سُرَادِقُهَا)) ما حولها يعني أنّ النّار أحاطت بهم والعياذ بالله، لا يمكن أن يفرّوا عنها يميناً ولا شمالاً، ((وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ)) يعني أنّ أهل النار أعاذني الله وإيّاكم منها إذا عطشوا عطشاً شديداً وذلك بأكل الزقوم أو بغير ذلك أغيثوا بهذا الماء أغيثوا بماء كالمهل يقول : "كعكل الزيت" يعني تفله أو ما أشبه ذلك ممّا هو منظر كريه ولا تقبله النفوس كما قال الله تعالى: ((وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ)) أي كالصديد ((يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ)) [إبراهيم:17].
((وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ)) أعوذ بالله إذا قرب منها شواها وتساقطت لأنّها تنهري والعياذ بالله من شدّة فيح هذا الماء، طيّب، وإذا وصل إلى أمعائهم قطعها كما قال جل وعلا: ((وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ))[محمد:15]، وما أعظم الوجع والألم فيما تقطع أمعاءهم من الداخل لكن مع ذلك تقطع وتعاد كالجلود ((كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا)) [النساء:56].
الله أكبر، سبحان القادر على كل شيء، وبلحظة يكون هذا الشيء متتابع، كلّما نضجت بدّلوا، كلّما تقطعت الأمعاء فإنّها توصل بسرعة، يقول عز وجل: ((بِئْسَ الشَّرَابُ)) هذا قدح في هذا الشراب، و ((بِئْسَ)) فعل ماضي لإنشاء الذم،بِئْسَ الشراب شرابهم والعياذ بالله، ((وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا)) أي قبح مرتفقها والارتفاق بها، المرتفق: ما يرتفق به الإنسان من سكن، وقد يكون حسناً وقد يكون سيئاً، فالجنّة حسنت مرتفقا، والنّار ساءت مرتفقاً} انتهـ.

للتّحميل والاستماع



ويقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآية: "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)"
{ أي: قُل للناس يا محمد: هو الحق من ربّكم أي: قد تبيّن الهدى من الضلال، والرشد من الغي، وصفات أهل السعادة، وصفات أهل الشقاوة، وذلك بما بيّنه الله على لسان رسوله، فإذا بان واتّضح، ولم يبق فيه شبهة.

(فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) أي: لم يبق إلاّ سلوك أحد الطريقين، بحسب توفيق العبد، وعدم توفيقه، وقد أعطاه الله مشيئة، بها يقدر على الإيمان والكفر، والخير والشر، فمَن آمن فقد وفّق للصواب، ومَن كفر فقد قامت عليه الحجة، وليس بمكره على الإيمان، كما قال تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) وليس في قوله: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ الإذن في كلا الأمرين، وإنّما ذلك تهديد ووعيد، لِمَن اختار الكفر بعد البيان التّام، كما ليس فيها ترك قتال الكافرين. ثم ذكر تعالى مآل الفريقين فقال: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ) بالكفر والفسوق والعصيان (نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا) أي: سورها المحيط بها، فليس لهم منفذ ولا طريق ولا مخلص منها، تصلاهم النار الحامية.

(وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا) أي: يطلبوا الشراب، ليطفئ ما نزل بهم من العطش الشديد.
(يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ) أي: كالرصاص المذاب، أو كعكر الزيت، من شدة حرارته.
(يَشْوِي الْوُجُوهَ) أي: فكيف بالأمعاء والبطون، كما قال تعالى (يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21))
(بِئْسَ الشَّرَابُ) الذي يراد ليطفئ العطش، ويدفع بعض العذاب، فيكون زيادة في عذابهم، وشدة عقابهم.
(وَسَاءَتْ) النار (مُرْتَفَقًا) وهذا ذمّ لحالة النار، أنّها ساءت المحلّ، الذي يرتفق به، فإنّها ليست فيها ارتفاق، وإنّما فيها العذاب العظيم الشاق، الذي لا يفتر عنهم ساعة، وهم فيه مبلسون قد أيسوا من كل خير، ونسيهم الرحيم في العذاب، كما نسوه.



ويقول الإمام البغوي رحمه الله في تفسير الآية: "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)"

(وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ) أي ما ذكر من الإيمان والقرآن معناه: قل يا محمد لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا : أيها الناس [قد جاءكم من ربّكم الحق] وإليه التوفيق والخذلان وبيده الهدى والضلال ليس إلي من ذلك شيء .

(فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) هذا على طريق التهديد والوعيد كقوله : "اعملوا ما شئتم" ( فصلت - 40 ) .

وقيل معنى الآية: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ) ولست بطارد المؤمنين لهواكم فإن شئتم فآمنوا وإن شئتم فاكفروا، فإن كفرتم فقد أعدّ لكم ربّكم نارا أحاط بكم سرادقها، وإن آمنتم فلكم ما وصف الله عز وجل لأهل طاعته.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في معنى الآية : مَن شاء الله له الإيمان آمن ومَن شاء له الكفر كفر وهو قوله : "وما تشاءون إلا أن يشاء الله" ( الإنسان - 30 ) .

(إِنَّا أَعْتَدْنَا) أعددنا وهيأنا من الإعداد وهو العدة (لِلظَّالِمِينَ) للكافرين (نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا) " السرادق " : الحجرة التي تطيف بالفساطيط .

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنبأنا محمد بن أحمد بن الحارث أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي أنبأنا عبد الله بن محمود أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال أنبأنا عبد الله بن المبارك عن رشدين بن سعد حدثني عمرو بن الحارث عن دراج بن أبي السمح عن أبي الهيثم بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنّه قال: " سرادق النار أربعة جدر كثف كل جدار مثل مسيرة أربعين سنة " .
قال ابن عباس : هو حائط من نار .
وقال الكلبي : هو عنق يخرج من النار فيحيط بالكفار كالحظيرة .
وقيل : هو دخان يحيط بالكفار وهو الذي ذكره الله تعالى: "انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب" ( المرسلات - 30 ).

(وَإِن يَسْتَغِيثُوا) من شدة العطش (يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ)
أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنبأنا محمد بن أحمد بن الحارث أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي أنبأنا عبد الله بن محمود أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال حدثنا عبد الله بن المبارك عن رشدين بن سعد حدثنا عمرو بن الحارث عن دراج بن أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " (بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ) قال كعكر الزيت فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه فيه " .
وقال ابن عباس : هو ماء غليظ مثل دردي الزيت .
وقال مجاهد : هو القيح والدم .
وسئل ابن مسعود عن : "المُهْل" فدعا بذهب وفضة فأوقد عليهما النار حتى ذابا ثم قال : هذا أشبه شيء بالمهل .
(يَشْوِي الْوُجُوهَ) ينضج الوجوه من حره .
(بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ) النار (مُرْتَفَقًا) قال ابن عباس : منزلا وقال مجاهد : مجتمعا وقال عطاء : مقرا . وقال القتيبي : مجلسا . وأصل "المرتفق" : المتّكأ .

-----------------------------
تعليق وانتقاء التفسيرات: أم وحيد بهية صابرين غفر الله لها ولوالديها ولجميع المسلمين





الصور المرفقة
نوع الملف: png من شاء فليؤمن.png‏ (97.8 كيلوبايت, المشاهدات 2989)
نوع الملف: png عسى ربكم.png‏ (104.4 كيلوبايت, المشاهدات 2533)
نوع الملف: png من كان يريد العاجلة.png‏ (102.0 كيلوبايت, المشاهدات 2489)
رد مع اقتباس