عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 29 Dec 2009, 08:35 AM
أبو أحمد ضياء التبسي أبو أحمد ضياء التبسي غير متواجد حالياً
.:. أصلحه الله .:.
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
المشاركات: 325
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو أحمد ضياء التبسي
افتراضي

ملحق:

((إن كنت حاملا فلدي غلاما))
إلى (الناصر معروف)

كتب (الناصر معروف) مقالات مطولة في جريدة البلاغ (55) أكبرتها صحيفة البلاغ وأعلنت عنها قبل إذاعتها تنويها بها وأطرتها (56) بعد نشرها، وأهل البصيرة العلمية إذا ترامت إليهم لا يجدون فيها من الفوائد ما يساوي سماعها.

والمطلع على جريدة البلاغ يحكم بأن (الناصر معروف) في عالم جريدة البلاغ أمثل كاتب رمت به رياح الأقدار إلى الكتابة في هذه الجريدة. وإن كان سامحه الله لا زال يحمل ما يثقل ظهره من أخلاق وعادات كتاب تلك الجريدة الذين عرفناهم وعرفهم غيرنا بها منذ كانوا وكنا.
تلك العادات التي زهدت أهل العلم في مناقشتهم فيما يكتبون من المعتقدات والآراء، فإن من خبرهم (57) خبرة بعيدة عن الجهل، يجدهم يلقون الكلام على عواهنه (58) ، ويريدون أن يخضعوا العلم إلى شهواتهم ويحكموا عليه كما شاءت لهم أهوائهم، كأنما هؤلاء القوم يفهمون أن العلم شعبة من شعب السباب أو الهجر الذي مردوا عليه، وأتقنوا أساليبه وأنفقوا علينا (59) ما زينته لهم أنفسهم ولم يراعوا فينا إلا ولاذمة، ولا حسبوا للكرام الكاتبين حسابا ما دمنا لم نترك حقنا ونؤمن بباطلهم، وصفتهم هذه صفة رواد الحاجات لا صفة أهل الديانة.

وقد أهدى إلي (الناصر معروف) كثيرا ما عنده من البهت، ورماني بما زين له شيطانه من ضعف الدين والجهل بالضروريات وقفة التثبت، ومع ذلك لا أجعل للشيطان علي سبيلا وأرميه ببعض ما هو فيه مما يقتنص من كلامه، لأني لا زلت أحاذر أن يصدق علي ولو بالمشابهة مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر)) (60) ، ولكني أقول له ما بقوله له كل من اطلع على كتاباته من أهل العلم: إنه ليسر من أهل العلم الراسخين فيه، ولا ممن يفهم مقاصد الكلام، ولا ممن يصح أن يعتمد على كلامه. وإني أنهي (61) إليك يا (ناصر معروف) أنه لولا مسحة ظاهرية من علم وطلاوة من الشبهات على كتابتك التي أردت أن تغوي بها ضعاف العقول وغوغاء الجهلة ممن يمكن حب الهوى في قلوبهم، لأعرضت عن إجابتك كما صنعت مع ذينك (62) ... وغيرهما، فإن عادتي أن لا أدخل في نزاع مع جاهل؛ ليس في الشغب معه إلا العناء وضياع الوقت في غير فائدة. وقد افتتحت ما زعمت أنه رد على مقالتي (بدعة الطرائق في الإسلام) بجمل خطابية وإلزامات وهمية لم نأخذ منها إلا أنك رجل خيالي. وقد شعرت من نفسك بخطل (63) هذه الجمل فاعتللت بأنك أردت أن تمثل إلي عاقبة أمري، وتلك شكاة ظاهر عنك عارها (64) .
ثم إنك تدعي أني أنكرت أمرا ضروريا، استدلالك عليه من قبيل السماء فوقنا والأرض تحتنا، ولما جئت تدلل عليه لم تقم ولم تقعد في علمه وإظهار الحق فيه، ولم تغن عنك دعوى الضرورة شيئا، بل أذنت لمن رأى دعواك وعجزك الفاضح أن يخاطبك بقول العرب: ((إن كنت حاملا فلدي غلاما)) (65) . وسيعلم (الناصر معروف) أنه تائه في عماية، ذاهب في غواية،لم يعلم حقا لينصره، ولا باطلا ليخذله، على رغم الدعاوي العريضة التي يدعيها، وأنه إلى الآن لم يشعر بنوع دليله الذي أراد أن يرد به علي وأن يجعله سندا للطرائق، أهو من نوع الألفاظ أم من نوع المعاني والأقيسة، بل تختط تخبط الممسوس وجمع بين ما لم أنكر وما أنكرت ورد الجميع بدليل لا يتناول ما أنكرته لا بلفظه ولا بمعناه.
وقد حصر (الناصر معروف) في مقالاته ما أراد أن يرده علي في ثلاث دعاوي:
1- توقيت الأوقات للأذكار هكذا على إطلاقه الصادق بكون رسول الله صلى الله عليه وسلم عين بعض الأوقات لبعض الأذكار. وإذا لم أنكره ولم أتعرض لإنكاره ولا فهمه أحد غير (الناصر معروف) ومن على هواه من كلامي، والصادق يكون زعيم من الزعماء يعين بعض الأوقات لأذكار يعطيها لأتباعه، وهذا هو الذي أنكرته وما إليه قصدت وما عجز (الناصر معروف) على التدليل عليه وما فهمه الناس من مقالتي بدعة تحديد الأذكار للأتباع.
2- تحديد الأذكار والكلام فيه كالكلام في سابقه تفصيلا واعترافا وإنكارا.
3- إعطاء العهود وطفق (الناصر معروف) يدلل على ما اعترفت به من كون رسول الله صلى الله عليه وسلم حدد بعض الأوقات أو الأذكار كأن منكرا في الوجود أنكر هذا وتخيل (الناصر معروف) أني أنكر صدور التحديد من رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأعداد أو الأوقات، وكلامي الذي يرد عليه صريح في أن رسول حدد بعض الأوقات وعين نوعا من الأذكار.
وإن كنت أيها القارئ في ريب فإني أعيد لك جملا من كلامي لترى معي أن (الناصر معروف) كان حقه أن يسمي نفسه الخاذل معروفا، فإن هذا أوفق بالمعنى الاشتقاقي وأقرب إلى الصدق.
وهاك هذه الجمل وهي قولي: ((وقد بوب رجال الصحاح للدعوات والأذكار)) إلى أن قلت: ((وقد أتوا على حالات الإنسان وتاراته اليومية والليلية وساقوا ما فيها من أحاديث وآثار)) وهذا الكلام لأداء معنى تحديد بعض الأوقات والأذكار من رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر أداء من (الناصر معروف) لنصر المعروف. ومن قرأه ثم اطلع على ما كتب المقنع بقناع (الناصر معروف) لابد من أن يقول له ما أجهلك بلغة قومك يا غلام. ولو أن (الناصر معروف) وضع عنه الهوى الذي حمله على هذا الفهم المعكوس، لعلم أن الإنكار الذي يصرح به كلامي إنما هو موجه إلى رؤساء الطرائق الذين اخترعوا لنا طرائق نحدد الأذكار، اختراعا لا عهد للإسلام به في عهد التشريع. وكلامي من أوله إلى آخره ينادي بهذا المعنى، والناصر معروف لم يستطع أن يأتي بما يدل على جواز تحديد الأذكار والأوقات من رؤساء الطرائق، بل كان من أعجز الناس عن مس ما كتبت ونقض ما أبرمت، وما استطاع أن يحوم حول التدليل على هذه الدعوى ولا أن يسوق إليها شاهدا واحدا يشهد بصحة تحديد الأذكار تحديدا مخترعا، وإنما ساق كلمة ربما يظن أنها تصلح للتدليل على مدعاه وسيعلم منقلبه فيها.
وإليك أيها القارئ هذه الكلمة، التي أراد (الناصر معروف) أن يرد بها على مقالاتي وأن تقوم حجة على دعواه: جواز تحديد الأذكار والأوقات لأتباع الطرقيين.
قال هكذا بالحرف الواحد بعد أن أورد جملة من الأحاديث ليس فيها إذن لأحد أن يخترع الأذكار المحدودة والأوقات المعينة، وإنما أثبت هذه الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدد بعض الأوقات لبعض الأذكار.
قال: ((وهل لا يؤخذ من ذلك وجوب المحافظة من جهة تعميرها (كذا) بأنواع القربات وأحرى الذكر المنصوص عليه (كذا) وهل ترى أن من فهم ذلك من الحديث (كذا) فألزم نفسه وأتباعه بشيء من الأذكار والدعوات الواردة (كذا) يعد مبتدعا)).
وفي هذه الكلمة ضروب من التلبيس والأعاجيب لمن تأملها فإن (الناصر معروف) ألبس فيها إلباسا اشتبك به الباطل بالباطل، و(الناصر معروف) يريد من الباطلين حقا، فإنه يدعي أن الطرقيين يذكرون الأذكار المنصوص عليها، ويتبعون الوارد منها ويلزمون أنفسهم وأتباعهم بها. وأنا أتحداه وأتحدى كل طرقي في الجزائر أن يدلني على طريقة تذكر الأذكار الواردة وترشد إليها من غير تغيير ولا تبديل. ولقد كنت يا (ناصر معروف) في كتابتك على حد المثل العربي: (أرني غياً أزد فيه) (66) .
أبهذه الجملة المختلفة التي ظاهرها رحمة وباطنها عذاب؛ تريد أن تستدل على اختراع تحديد الأوقات والأذكار الطرقية المزوقة في الأنظار وهي كما يراها الرائي لا تجتمع مع كلام والدعوى المتنازع فيها في عقل أحد غير كاتبهما ومن شاركه في الهوى؛ وها أنا أرددها على جميع المحامل التي تصلح أن تحمل عليها، وإن كانت بعيدة ثم أعرضها على كير (67) العلم لينفي خبثها ويظهر زيفها وتلبيس صاحبها على قراء صحيفته.
إن الأحاديث التي ملأت بها مقالاتك يا (ناصر معروف) لا تدل لغة على أكثر من ثبوت بعض الأوقات أو الأذكار محددة حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وليس فيها ما يدل على الإذن منه لأحد في التحديد في غير ما حدده. وعمل بها سلف الأمة بعده ولم يفهموا منها إذنا لهم بالتحديد لغيرهم ليكون تحديدهم كالتحديد النبوي. ونقلها أئمة الحديث كما نقلوا أحاديث الأحكام وأحاديث الأخلاق فلم يفهموا منها أن لهم أن يحددوا فيما لم يحدد فيه صاحب الملة. فوظيفتهم كالسلف وظيفة عامل أو مبلغ لا وظيفة مخترع تحديدا أو توقيتا زيادة على المحدد من صاحب الحنيف. فشأن الأذكار المحددة بالعدد أو الوقت شأن ركعتي الفجر. فكما أننا لا نخترع ركعتي فجر ولا نزيد على صفتها ولا نحدث لها طريقة تعطي ركعتي الفجر، كذلك الأذكار المحددة وقتا أو عددا. فبان بهذا أن اللغة وعمل السلف ليس واحد منها يدل أو يؤخذ منه تحديد الأوقات أو الأعداد. فقول (الناصر معروف) وهل لا يؤخذ... إلخ مؤاخذ عليه لغة وعملا لأنه استدل على جواز اختراع تحديد الأوقات والأعداد للغير بكون الشريعة فيها تحديد الأوقات والأعداد. وعلى هذه اللغة التي جاءنا بها (الناصر معروف) للطرقيين أن يحددوا صلوات أخر وزكوات أخر لأن دليل (الناصر معروف) ينتجه.
هذا ما أمكنني أن أوجه به هذا الكلام العليل لغة وإني كلما حاولت أن يستقيم كلام (الناصر معروف) في هذا المعنى ويدل عليه لغة أبى علي والله، لكأنما(الناصر معروف) خلق لقلب الحجج وإفساد اللغات.
هذا هو المقصد اللغوي والاحتمال اللفظي الذي يحتمله كلام (الناصر معروف) ويمكن أن يقصده(الناصر معروف) ويجعله دليلا على اختراع تحديد الأوقات والأذكار لأتباع الطرقيين، وقد أريناك أنه لا يدل على شهوة (الناصر معروف).

وإن أراد (الناصرمعروف) بقوله: (وهل لا يؤخذ... إلخ) أن وجود بعض الأذكار محددة الوقت أو العدد، يجوز لرؤساء الطرائق أن يحددوا قياسا على التحديد النبوي هذه الإرادة هي الظاهرة من كلامه إن كان له معنى (إن أراد هذا)، فإننا نقول له إن قياسك اختراع تحديد الأوقات والأعداد الطرقية على ما حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي يلعنه علم القياس ويبرأ منه القائسون إلى الله.
وها أنا أسوق إلى أهل العلم وإلى (الناصر معروف) نتفة أصولية تنير الموضوع وتظهر أن (الناصر معروف) سار في قياسه على غير هدى.
إن القياس من أركانه: العفة الجامعة بين المقيس(وهو التحديد المخترع عندنا في هذا الموضوع) والمقيس عليه (وهو التحديد النبوبي). وهذه العفة يجب أن تكون منصوصا عليها أو مستخرجة بمسلك من مسالك العلل المعروفة في علم الأصول. فالعلة في علم الأصول هي وجه الشبه عند علماء القسمان العربي، فكما يمتنع التشبيه لغة من غير وجه شبه، كذلك يمتنع القياس من غير عفة. والأذكار المحددة وقتا أو عددا ليس لأحد في الدنيا أن يقيس عليها، لعدم ظهور العلة بمظهرها المعتبر. ومن أجل هذا ذهب السادة الحنفية، وهم أعلام في القياس إلى امتناع دخول القياس في المقدرات وما شابهها لجزمهم بعدم إمكان ظهور العفة. ونحن (68) والشافعية وإن خالفناهم في الدعوى الإجمالية وجوزنا دخول القياس في المقدرات فإننا لا نجوز قياسا لم تظهر عفته، فالخلاف بيننا وبينهم في إمكان استخراج العلة فيها وعدم إمكانها، فنحن نجوز وهم يأبون. والأذكار المحددة شرعا وقتا أو عددا، إذا جئت تتفهم العلة فيها وفيما رتب عليها من المزايا كانت السماء أقرب إليك مسلكا من فهم العفة فيها. ووجه امتناع إدراك العفة أن الشارع إذا شرع عبادة مطلقة الوقت أو العدد رتب على فعلها جزاع يحصل لفاعله بحصول الفعل المطلوب في أي زمان لم ينه الشرع عن إيتاء العبادة فيه. فإن جاء دليل آخر من رسول الله يقتضي التقييد بالوقت أو العدد، رتب على المقيد بالوقت أو العدد حكما آخرا ومزية أخرى لا توجد مع الفعل المطلق عن التقييد الزمني أو العددي. فإذا عرضت الوقت أو العدد على المزية أو الحكم الفذين يختص بهما المقيد لم تجد مناسبة مدركة لنا نجعلها عفة لإلحاق غير المنصوص عليه بالمنصوص عليه، والقياس لا يكون إلا بعفة، والعلة في المقدر الوقتي أو العددي غير مفهومة لنا.
ولا بد من ضرب مثال لهذه القاعدة الأصولية تفضح جهالات الجاهلين الذين ظهروا فينا لطرد العلم من الأمة الجزائرية:
صوم النفل طلبه منا الشارع طلالقآ -كذا في الشَّاملة؛ و لعلَّها: إطلاقا.ضياء- عن الوقت المعين ورتب عليه ثوابا يحصل للصائمين في كل وقت غير منهتي عنه. ثم جاء صوم يوم عرفة مقيدا بالتاسع من ذي الحجة، ورتب عنه الشرع مزية لا توجد مع الصوم في غير يوم عرفة، تلك المزية هي تكفير سنة ماضية وسنة مقبلة (69) . فالمناسبة بين تكفير ذنوب سنتين ماضيه وسنة مقبله وبين اليوم التاسع من ذي الحجة غير مفهومة لنا. فمن حدثته نفسه بالقياس في المحدد فقد أراد أن يبعث بالملة الإسلامية. ولعل (الناصر معروف) يطلب مني مثالا يخص الأذكار وجري فيها وتنطبق عليها القاعدة المارة، فإن طلب هذا مني أقدم له ما يلقمه (70) حجرا.
الأذكار التي هي محور النزاع جاء طلبها مطلقا عن الوقت والعدد ورتب الشارع على فعلها ثوابا وأعطاها حكما ندبيا خفيفا يحصل الثواب بفعلها في أي وقت ويؤدى المندوب بأي عدد، ثم جاءت أذكارا شرعية مقيدة بالوقت أو العدد ورتب الشارع على هذه المقيدات مزايا وخواص لا توجد في المطلقات ، مثلا سبحان الله، والحمد لله ، والله أكبر دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين جاءت مقيدة بهذا العدد والوقت ورتب عليها الشارع مزية لا توجد مع الأذكار المطلقة عن الوقت والعدد حتى إنه جعلها تفوق غيرها من الأذكار وصاحبها لا يلحقه إلا من فعل فعله (71) . فهذا الذكر المعين والعدد المعين والوقت المعين لم تظهر المناسبة بينهما وبين هذا الفضل العظيم والثواب الجزيل المرتب عن المذكورات، فمن حام حول قياس كقياسك يا (ناصر معروف) كان قمينا بأن نتلوا عليه( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (72) .
مثالا آخر في الأذكار، الذكر الذي تضمنه الحديث الملقب بسيد الاستغفار المخرج عند البخاري عن شداد بن أوس، رتب عليه الشارع مزية وخواص لا توجد مع غيره من أنواع الاستغفار فإنه رتب عليه أن من قاله حين يمسي فمات دخل الجنة أو كان من أهل الجنة (73) . فإذا جئت لتفهم العفة في تعيين تلك الألفاظ والأوقات من بين الألفاظ الذكرية والأوقات من بين الألفاظ الذكرية والأوقات الليلية والنهارية؛ لم تهتد إلى عفة مناسبة لتحمل على هذا الذكر المقيد بهذا الوقت أذكارا أخر في أوقات أخر.
فلو جوزنا قياس (الناصر معروف) ذاك القياس الطرقي لا الأصولي الديني، وأبحنا لمشائخ الطرائق أن يحددوا للناس الأذكار والأوقات، فما هي المزايا التي يقتضيها تحديدهم؟.
فإن قال الطرقيون: مزايا وخصائص يعلمها الطرقيون.
قلنا لهم: أعظمتم الفرية فإن علم المزايا والخواص فوق يد الطرقيين وعدم تحديد رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الأذكار الطرقية يرد عليكم، فإنه يمتنع عقلا وشرعا أن تدركوا شيئا لم يدركه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإن قلتم: نحدد تحديدا مخترعا مبتدعا لا لمزية شرعية معتبرة.
قلنا لهم: حددوا في غير حفظ الله وطاعته، واعلموا أنكم بتحديدكم اعتديتم على الدين بزيادة لم يأذن فيها وأفسدتم ما فيه من حكم عالية مودعة في كل فضيلة من فضائل هذا الدين الذي ختم الله به الأديان، وجمع فيه ما تشتت من الفضائل والمزايا في بقية الملل والنحل.
وهذه نتفة صغيرة أصولية قدمناها لأهل العلم لا لأهل الجهل، ليدركوا بها قيمة (الناصر معروف)- وقيمة كل امرئ ما يحسن- العلمية. وظني أن ما بناه (الناصر معروف) من الأوهام في مقالاته قد تداعى بهذه المعاول التي نزلنا بها تلك الخيالات التي يظنها، لما وسمتها جريدة البلاغ، بأنها حكمة وفصل خطاب كأن (الناصر معروف) نبي الله داود عليه السلام. هان أراد الهادي المهتدي أن يرى سخافات (الناصر معروف) فليراجع مقاله الثالث الذي خصصه لإعطاء العهود فإنه يدعي أن تبليغ رسول الله،صلى الله عليه وسلم للأذكار إعطاء العهود الطرقية ولست أدري لم لم يدع (الناصر معروف) أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) إعطاء للعهود في فرائض الصلاة وسننها وما يلحقها. وقوله: ((خذوا عني مناسككم)) إعطاء العهود في مناسك الحج. ولولا ما أصبنا به من نكبات الجهل في أمتنا الجزائرية ما أقمت وزنا لكلام جريدة البلاغ وكتابها، ولو جمعوا جموعهم في صعيد واحد ما كونوا عالما من خصومهم. وفي أقلام أصحاب جريدة البلاغ عبرة علمية عظيمة، تلك العبرة أن قوانين العلم من عهد أرسطاطاليس وأفلاطون أن الدعوى المتنازع فيها لا تثبت إلا بأمرين:

الأول: إبطال دليل الخصم.
والثاني: سلامة دليل المبطل من القدح.
هكذا قال العلم قبل ظهور (الناصر معروف)
وأمثاله. أما الآن فقد تجددت مناهج العلم كما تجددت أساليب التصوف وصار (الناصر معروف) لا يبطل أدلة خصمه ولا يقيم دليلاً على دعواه ومع هذه المهزلة يزعم أنه يرد علي. ولعلك أيها القارئ العالم بدلالة الألفاظ فهمت سر قولي آنفا والناصر معروف يريد من الباطلين حقا.

وقبل أن أضع القلم ألقي كلمة في أذن (الناصر معروف) وجماعته هذه الكلمة هي أني أنصح لهم بأن يريحوا أنفسهم ولا يكلفونا بالرد عليهم مرة أخرى فإن أعادوا إلى تكثير الجهل في هذه الأمة التي لعبوا فيها لعبا لم يحك التاريخ مثله
فَإِنَّنَا أَقْوِيَاءُ فِي الْحَقِّ نَسِيرُ عَلَى مِشْكَاةِ الشَّرِيعَةِ الْمَعْصُومَةِ لاَ نَعْجَزُ عَنِ الدِّفَاعِ عَنْ حَوْمَةِ السُّنَّةِ.

------------------


(55) جريدة البلاغ جريدة أسبوعية كانت تحت إشراف الطريقة العلوية( طريقة الشيخ أحمد بن عليوة المستغانمي الدرقاوية الشاذلية) وتقف في الصف المعارض للإصلاح وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
(56) الإطراء: المبالغة في المدح.
(57) جربهم.
(58) ((ألقني الكلام على عوهنه)) مثل يضرب لمن يتكلم من غير فكر ولا روية ولم يبال أخطأ أو أصاب.
(59) كذا بالأصل ولعل الصواب: عليه.
(60) البخاري 34 ومسلم 58 من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
(61) أنهى الرجل الشيء خبرا أو غيره: أوصله وأبلغه.
(62) لعله يقصد الأخوين الذين اجتمعا بهما في مدينة خنشلة.
(63) أي: بفسادها واضطرابها.
(64) في اللسان ما نصه: الشكاة توضع موضع العيب والذم، وعير رجل عبد الله بن الزبير بأمه فقال: يا ابن ذات النطاقين، فتمثل بقول الهذلي:
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها.
أراد أن تعييره إياه بأن أمه كانت ذات النطاقين ليس بعار.
ومعنى قوله: ظاهر عنك عارها أي: ناب أراد أن هذا ليس عارا يلزق به وأنه يفتخر بذلك لأنها إنما سميت بذات النطاقين أنه كان لها نطاقان تحمل في أحدهما الزاد إلى أبيها وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار وكانت تنتطق بالنطاق الآخر. وهي أسماء بنت أبي بكر.
(65) مثل يضرب للمتصلف يقول: هذا الأمر بيدي. والصلف التمدح بما ليس عندك.
(66) مثل للرجل يشتهي الشر.
(67) الكير في الأصل جهاز من جلد أو غيره يستخدمه الحداد للنفخ في النار ليشعلها. وفي الحديث الشريف: (( المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها)).
(68) المالكية.
(69) انظر صحيح مسلم حديث رقم 1162.
(70) ألقمه حجرا: أسكته.
(71) انظر صحيح مسلم4/ 2071.
(72) [ الإسراء: 36].


°°°°°°°°°°

اهـ. كلامُ الشيخ العربي بن بلقاسم التبسي -رحمه اللهُ تعالى-


سُبحانكَ اللهم و بحمدك لا إله إلا أنت أستغفر اللهَ و أتوب إليه.

رد مع اقتباس