عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 05 Aug 2011, 07:07 PM
أبو عبيد الله عبد الله أبو عبيد الله عبد الله غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: عين البنيان - الجزائر
المشاركات: 82
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبيد الله عبد الله إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبيد الله عبد الله
افتراضي

المطلب الرابع:
منهج أهل السنة والجماعة في الأسماء الحسنى إجمالا(1)



تنبيه:
منهج السلف في الأسماء هو منهجهم في الصفات لا فرق، فأسماء الله أعلام وأوصاف، وأسماء الله دالة على صفات كماله، ولذلك قال أهل العلم: إن من شرط صحة الإيمان بالاسم: إثبات الاسم، وإثبات ما دل عليه من الصفة، وإثبات الحكم المترتب على هذه الصفة (الذي يعبر عنه بالأثر).
وقد كان السلف –رضوان الله عليهم- في ذكرهم معتقد أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات،
لا يذكرون الأسماء الحسنى غالبا، وإنما يكتفون بذكر الصفات،
وذلك محمول على أحد وجهين:

أ- إما لأنه ما من اسم إلا ويتضمن صفة.

ب- أو لأن الخلاف في الأسماء خلاف ضعيف، لم ينكره إلا غلاة الجهمية والمعتزلة.

أهل السنة والجماعة يثبتون من الأسماء الحسنى ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يتجاوزون فيها التوقيف، فلا مجال للعقل فيها، لأنها من الأمور الغيبية، والأمور الغيبية لا تؤخذ إلا من الكتاب والسنة، فلا يجوز إثبات شيء من الأسماء إلا ما أثبته الشرع، ولا نفي ما أثبته الشرع.
قال الإمام الخطابي عليه رحمة الله:
"ومن عِلم هذا الباب أعني الأسماء والصفات ومما يدخل في أحكامه ويتعلق به من شرائط: أنه لا يتجاوز فيها التوقيف".
وقال الإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي عليه رحمة الله:
"ومذهب السلف رحمة الله عليهم الإيمان بصفات الله تعالى وأسمائه التي وصف بها نفسه في آياته وتنزيله، وعلى لسان رسوله، من غير زيادة عليها، ولا نقص منها".
وقال رحمه الله : "ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه، بلا حد ولا غاية { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى:11]، ونقول كما قال، ونصفه بما وصف به نفسه، لا نتعدى ذلك.. ولا نتعدى القرآن والحديث.. وعلى هذا درج السلف، وأئمة الخلف رضي الله عنهم، كلهم متفقون على الإقرار، والإمرار، والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب الله، وسنة رسوله".
ولا يتم الإيمان بالاسم عند أهل السنة والجماعة إلا بثلاثة أركان: الإيمان بالإسم، وبما دل عليه من معنى، وبما تعلق به من أثر.
1- فالركن الأول: وهو الإيمان بالاسم يتضمن:
أ‌- إثبات الاسم حقيقة لله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وقد اتفق جميع أهل الإثبات على أن الله حي حقيقة، عليم حقيقة، قدير حقيقة، سميع حقيقة، بصير حقيقة.
ومن الإيمان بالإسم: الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى منزه عن مماثلة المخلوقين، لقوله تعالى:
{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُوقوله تعالى:{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا }[مريم:65]، ولأنه قد علم من طريق المشاهدة أن بعض المخلوقات تتفق في الأسماء، وتختلف في الحقيقة والكيفية، فنشاهد –على سبيل المثال- أن للإنسان يدا ليست كيد الفيل، وله قوة ليست كقوة الجمل، مع الاتفاق في الاسم، هذا بين المخلوقين أنفسهم، وأما بين الخالق والمخلوق فوضوح التباين أجلى وأقوى، فإن الأسماء تتفق وتتماثل، ولا يعني تماثلها تماثل المسميات، بل تختلف باختلاف الإضافة والتخصيص، فما أضيف لله فلا يدخل في معناه المخلوق، بل هو خاص به سبحانه، فما أضيف المخلوق فلا يدخل في معناه الخالق، بل هو خاص بالمخلوق، وإنما تتماثل الأسماء عند الإطلاق فقط، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"ليس للمطلق مسمى موجود في الخارج، ولكن العقل يفهم من المطلق قدرا مشتركا من المسلمين، وعند الاختصاص يقيّد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق، والمخلوق عن الخالق، ولا بد من هذا في جميع أسماء الله وصفاته، يفهم منها ما دل عليه بالمواطأة والاتفاق، وما دل عليه بالإضافة والاختصاص".
ثم يسرد رحمه الله بعض النصوص القرآنية الموضحة اتفاق الاسمين عند الإطلاق، واختلافهما عند الإضافة والتخصيص، مثل تسمية الله نفسه حيا في قوله:{ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ }[البقرة:255]، وتسمية بعض عباده حيّا في قوله:{ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ }[الروم:19]، وليس الحي كالحي، وكذلك سمى الله نفسه عليم حليما، وسمى بعض عباده عليما حليما، فقال سبحانه : { وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ }[النساء:12]، وقال: { وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ }[الذاريات:28]، وقال: { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ }[الصافات:101]، وليس العليم كالعليم ولا الحليم كالحليم، وسمى نفسه سميعا بصيرا، فقال: { إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا }[النساء:58]، وسمى بعض خلقه سميعا بصيرا، فقال:{ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا }[الإنسان:02]وليس السميع كالسميع، ولا البصير كالبصير.
بهذا القدر يتبين لنا أن اتفاق الأسماء عند الإطلاق لا يعني اتفاق المسميات عند الإضافة والتخصيص، وبهذه القاعدة يرد على المشبهة(3) القائلين بمشابهة صفات الخالق لصفات المخلوقين، ويرد على المعطلة الذين نفوا الأسماء والصفات وأولوها من التشبيه.
والعصمة في هذا الباب أن يوصف الله بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل.
جـ- ومن تمام الإيمان بالاسم: الإيمان بأن أسماء الله حسنى بالغة في الحسن كماله وغايته، قال تعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا }[الأعراف:180]، وذلك لأنها متضمنة صفات الكمال، لا نقص فيها بوجه من الوجوه، لا احتمالا ولا تقديرا.
والحسن في أسماء الله تعالى يكون باعتبار كل اسم على انفراده، ويكون باعتبار جمعه إلى غيره، فيحصل بجمع الإسم إلى الآخر كمال فوق كمال.
2- وأما الركن الثاني من أركان الإيمان بالإسم فهو:الإيمان بما دل عليه الإسم من معنى، ويتضمن:
أ- الإيمان بأن للأسماء معاني معلومة واضحة، وأن لكل اسم معنى يخصه غيرالاسم الآخر، وليس معنى الاسم هو الذات فقط، إلا أن تلك الأسماء غير معومة الحقيقة والكيفية.
فإن كان القول في المعنى، فالمعاني معلومة لنا واضحة جلية، وأما إن كان القول في الحقيقة والكيفية، فنتوقف في ذلك لعدم إدراكنا لها، ونُمرّ النصوص كما جاءت بلا كيف، وقد حكى ابن قدامة المقدسي عليه رحمة الله إجماع السلف على ذلك.
وقد كان السلف رضوان الله عليهم، يفوّضون علم الحقائق والكيفيات في الصفات إلى الله سبحانه وتعالى، مع إثبات اللفظ والمعنى لله سبحانه وتعالى.
ب- ويتضمن الإيمان بما دل عليه الإسم من معنى كالإيمان بأن أسماء الله أعلام وأوصاف، فهي اعلان باعتبار ما دلت عليه من المعاني، قال تعالى:{ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }[الأحقاف:08]، وقال:{ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ }[الكهف:58]، فإن الآية الأولى أثبتت أن اسم الله (الرحيم)، وفي الآية الثانية أثبتت صفة الرحمة التي تضمنها اسم الله (الرحيم).
وهذه الأسماء الكثيرة كلها اتفقت في دلالتها على ذات الله، مع تنوع معانيها، فهي مترادفة من حيث الذات، لدلالتها على مسمى واحد وهو الله عز وجل، ومتباينة من جهة الصفات، لدلالة كل واحد منها على معناه الخاص، فأسماء الله مثل (الغفور، الرحيم، العزيز، الحكيم) كلها لمسمى واحد، لكن معنى الغفور غير معنى الرحيم، ومعنى العزيز غير معنى الحكيم، وهكذا.
وإثبات هذه الأسماء بمعانيها، دال على صفات الكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وذلك يتضح بأمور:
أولا: أن نفي معاني أسماء الله الحسنى من أعظم الإلحاد فيها، قال تعالى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[الأعراف:180].
ثانيا: أنه لو لم تكن الأسماء الحسنى ذوات معان وأوصاف لكانت جامدة كالأعلام المحضة التي لم توضع لمسماها باعتبار معنى قام به.
ولو كانت الأسماء أعلاما جامدة لا تدل على معنى، لما كان هناك فرق بين اسم واسم، فلا فرق بين اسم الرحمن، واسم الجبار، فلا يلحد في اسم دون اسم، ولو كانت الأسماء أعلاما جامدة لا معاني لها لما اقر المشركون ببعض الأسماء مثل: الخالق، الرازق، وامتنعوا عن بعضها مثل الرحمن.
ثالثا: الله سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى دون السوأى، وإنما يتميز الاسم الحسن عن الاسم السيئ بمعناه، فلو لم تكن أسماء الله متضمنة صفات الكمال المطلق لله، لما كانت أسماء حسنى بالغة في الحسن.
جـ- ويتضمن الإيمان بما دل عليه الاسم من معنى: أن هذا المعنى هو المتبادر إلى الذهن من ظاهر النص، وأنه ليس للنص معنى يخالف هذا الظاهر، وهذا الظاهر يختلف بحسب السياق، وما يضاف إليه من الكلام، فالكلمة الواحدة يكون لها معنى في السياق، ومعنى آخر في سياق آخر.
فنؤمن بالاسم، وبما دل عليه من معنى، وأن هذا المعنى هو المتبادر إلى الذهن مما يليق بجلال الله وعظمته من ظاهر النص.
وأما الركن الثالث من أركان الإيمان بالاسم فهو: الإيمان بما يتعلق به من آثار، وهذا الأثر هو الحكم والمقتضى، وهو ليس عاما في جميع الأسماء ، فإن أسماء الله تعالى إن دلت على وصف متعد فإنه يُثبَت الاسم، وما دل عليه من معنى –كما سبق في الركنين السابقين- ، وبما دل عليه من حكم ومقتضى، مثل: اسم الله (الرحيم)، متضمن لصفة الرحمة، ويتعلق به الأثر.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: " فانظر إلى ما في الوجود من آثار رحمته الخاصة والعامة، فبرحمته أرسل إلينا رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنزل علينا كتابه، وعلمنا من الجهالة، وهدانا من الضلالة وبصرنا من العمى، وأرشدنا من الغي، وبرحمته عرفنا من أسمائه وصفاته وأفعاله ما عرفنا به أنه ربنا ومولانا، وبرحمته علمنا ما لم نكن نعلم، وأرشدنا لصالح ديننا ودنيانا، وبرحمته أطلع الشمس والقمر، وجعل الليل والنهار..."
وإن دلت الأسماء على وصف لازم غير متعد، فإن هذه الأسماء تتضمن أمرين فقط، وهما: ثبوت ذلك الاسم لله عز وجل، وثبوت الصفة التي تضمنها الاسم لله عز وجل، وليس لها أثر أو حكم، لأنه وصف لازم لا يتعدى إلى الغير، مثل اسم (الحي)، وهو متضمن لصفة (الحياة) لله عز وجل.
وختامها من تسنيم: قال ابن القيم رحمه الله في النونية:

فصل في بيان حقيقة الإلحاد في أسماء رب العالمين وذكر انقسام الملحدين

أسماؤه أوصاف مدح كلها *** مشتقة قد حملت لمعان
إياك والإلحاد فيها أنه *** كفر معاذ الله من كفران
وحقيقة الإلحاد فيها الميــل *** بالإشراك والتعطيل والنكران
فالملحدون إذا ثلاث طوائف *** فعليهم غضب من الرحمن
المشركون لأنهم سموا بها *** أوثانهم قالوا اله ثان
هم شبهوا المخلوق بالخلاق *** عكـس مشبه الخلاق بالإنسان
وكذلك أهل الاتحاد فإنهم *** أخوانهم من أقرب الإخوان
أعطوا الوجود جميعه أسماءه *** إذ كان عين الله ذي السلطان
والمشركون أقل شركا منهم *** خم خصصوا ذا الاسم بالأوثان
وذاك كانوا أهل شرك عندهم *** لو عمموا ما كان من كفران
والملحد الثاني فذو التعطيل إذ *** ينفي حقائقها بلا برهان
ما ثم غير الاسم أوله بما *** ينفي الحقيقة نفي ذي بطلان
فالله سائلنا وسائلهم عن الا *** ثبات والتعطيل بعد زمان
فأعد حينئذ جوابا كافــــيـــا *** عند السؤال يكون ذا تبيان
هذا وثالثهم فنافيها و نــــــا *** فى ما تدل عليه بالبهتان
ذا جاحد الرحمن رأسا لم يقر *** بخالق أبدا ولا رحمن
هذا هو الإلحاد فاحذره لعـ *** ـل الله أن ينجيك من نيران
وتفوز بالزلفى لديه وجنة المـ *** ـأوى مع الغفران والرضوان
لا توحشنك غربة بين الورى *** فالناس كالأموات في الحسبان
أو ما علمت بأن أهل السنة *** الغرباء حقا عند كل زمان
قل لي متى سلم الرسول وصحبه *** والتابعون لهم على الإحسان
من جاهل ومعاند ومنافق *** ومحارب بالبغي والطغيان
وتظن أنك وارث لهم وما *** ذقت الأذى في نصرة الرحمن
كلا ولا جاهدت حق جهاده *** في الله لا بيد ولا لسان
منّتك والله المحال النفس فاسـ *** ـتحدث سوى ذا الرأي والحسبان
لو كنت وارثه لآذاك الألى *** ورثوا عداه بسائر الألوان


ـــــــــــــــــ

1- جلُّ المطلب نقلا من: عبد الله بن صالح الغصن، أسماء الله الحسنى ص: 47-56.
2- المشبهة: اسم لطوائف متعددة، وهم الذين شبهوا الله بخلقه، وهم صنفان: صنف شبهوا ذات البري بذات غيره، وأول ظهور التشبيه من هذا النوع صدر عن الروافض الغلاة، وصنف شبهوا صفاته بصفات غيره، منهم المعتزلة البصرية، والكرامية.

رد مع اقتباس