عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 29 Dec 2009, 08:32 AM
أبو أحمد ضياء التبسي أبو أحمد ضياء التبسي غير متواجد حالياً
.:. أصلحه الله .:.
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
المشاركات: 325
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو أحمد ضياء التبسي
افتراضي

بدعه إعطائهم العهود للأتباع

لست أعلم شبهة شرعية و لا مصلحة دنيوية قضت بها تصرفات الملة تبزر ما أحدثه أشياخ الطرائق؛ من إعطائهم هذه العهود التي فرضوها على الأمة، و من عقدهم هذه البيعات العامة الشاملة للذكور و الإناث، عقدا تغلغل في نفوسهم؛ فحرسوها بكل ما أوتوا من قوة، حتى إن الرومان و دوراته لم يستطع أن يغالبها و لا أن يقفل من أمرها شيئا، بل ما ازدادت الأيام تأخرا. و العلم ضعفا و الدين غربة إلا زادت صولة و قويت شوكة، مغايرة لكل سبب من أسباب الدين و العمران، و متميزة عن كل ما جاء به صاحب الملة، و لو كانت خيرا لقلت كالخير كله (29) .

و إذ كان الخير منها بعيدا و الشر منها قريبا بقيت حية يستطير شرها استطارة النار كلما زادت الأمة جهلا بدينها. و يا ليت شعرى! من أي نافذة من نوافذ الدين و أي باب من أبوابه خرجت إلينا هذه البيعة الشيعية؟ التي أنزلها شيوخ الطرائق من دين لأمة منزلة جواز السفر للنازحين من أوطانهم. و طالما فكرت في أمرها و بحثت عن مآخذ أهلها، و سند أربابها، و الآخذين بها، و الذائدين (30) عن حياضها، فما وقعت عيناي على شيء غير وساوس يعتمدها هؤلاء الناس الذين شرعوا لنا بيعة على طاعتهم و تقليدهم بعد رسول الله، صلى الله عليه و سلم و صحابته الأبرار و تابعيهم بإحسان.
فإن قام في نفسي أن هؤلاء الرهاط الذين يعطون العهود و يعقدون البيعات مستندون إلى بيعات صدرت منه صلى الله عليه وسلم في أحوال و لمقتضيات مختلفة لأقوام، صدني عما قام في نفسي أن هذا النوع من الاستدلال لا يتم إلا بجعل إحدى مقدماته الهوى.
و الطرقيون يأبون علينا هذا حتى رأيت بعض المتكلفين الذي رماني سوء البخت (31) بمقاولتهم (32) ، فيا له و يا للمسلمين و يا للعلم من هؤلاء العلماء الزائفين، و من أوهامهم و عظائمهم و اغترار الناس بهم.
أي شبه و أي مناسبة بين بيعات فعلها رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم بوحي إلهي لأمور رآها ليس شيء منها يصلح أن يكون دليلا و لا شبه دليل و بيعات الطرقيين؟؟ و لو أجهدت نفسك و نقبت مسالك العلل و الاستنباط لم تستطع أن تأتي بجامع بين بيعاته صلى الله عليه وسلم و بيعاتهم- عفا الله عنهم و رزقهم توبة تذهب عنهم الابتداع الذي مسخهم. فبيعاته صلى الله عليه وسلم كانت إما لأقوام حديثي عهد بكفر يبايعهم على التزام تكاليف الإسلام و يعاهدونه على أن لا يرجعوا إلى سابقهم المظلم، يأخذ عنهم العهد رجالا و نساء كما وقع يوم فتح مكة. و إما لمصلحة حربية كبيعة الرضوان. و أشياخ الطرائق يبايعون أمة إسلامية لا عهد لها بشرك، و بيعاتهم على أمور لم يبايع رسول الله صلى الله عليه و سلم أحدا من صحابته عليها و ما فهم الصحابة من بيعاته ما فهمه أشياخ الطرائق من مبايعة الأمة على أمر جعل الله أمرها في سعة. فمضت أيام الصحابة و أيام تابعيهم بإحسان على ذلك، و منهم من كان. يقتدي به حتى في الأمور العملية كعبد الله بن عمر رضي الله عنهما فإنه كان يوقف ناقته أين أوقف رسول الله ناقته. و ما حدثنا مؤرخ و لا قص علينا أثري و لا حدثنا محدث بأن السلف كانوا يعطون العهود و يلقنون الأتباع، و كيف يفعلون عبادة من تلقاء أنفسهم.
و قد تاه بعض المتكلفين فزعم أن القوم من الصحابة و التابعين إنما أهملوا أمر البيعة حذرا أن يتهموا في أمر الإمامة الكبرى، و ذهب مع الأغلوطات إلى أقصى غاية، و غفل عن مكانة القوم من الصحابة و التابعين الدينية و قاسهم على نفسه و فساد مذهبه، و وزن السلف- كذبا- بحالته. و ما درى المسكين أن أمور الدين فوق الأعاليل. أضف إلى ذلك أن منهم من لا يهتم بهذه الخلافة و هم كثرة مطلقة، و الخلفاء أنفسهم الذين استقر لهم الأمر لم يعطوا هذه العهود الفاسدة و لا أوصوا بها طول عمرهم أحدا.
و لعمري إن من يزعم هذا الزعم لهو راميهم بما لا يناسب ما هم عليه من العدالة و الدين الكامل، و المحافظة عليه، و إنكارهم على من خالف شيئا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم و إن كان خليفة أمر بذلك لملئت به صحائف المحدثين. و حكاياتهم مع معاوية رضي الله عن الجميع (في الماوزياد) (33) و في بعض تصرفاته حتى قال له أبو الدرداء: ((لا أساكنك بأرض الشام ))، أكبر مفند لهذه الدعاوي الباطلة.
و الصوفية (34) الذين شهد لهم أهل العلم بالاستقامة إنما بنوا طريقتهم على التأسي به صلى الله عليه وسلم في جميع أمورهم. وليس في السنة ما يدل على مشروعية هذه العهود الجارية بيننا. فمن أدخلها أو نسبها إليهم ككل هذه الشرور التي يتقلب فيها أبناء الزوايا و أذنابهم، فقد جنى عليهم رضي الله عنهم شر جناية و أدخل في طريقتهم ما تبرأوا منه من الابتداع منذ نشأتهم.
و إن ثبت عن أهل العدالة منهم شيء يخالف السنة فليظن بهم خيرا و أنهم اجتهدوا و أخطأوا، و لا إثم على من اجتهد مخلصا في نيته و إن أخطأ، و إنما الإثم و الابتداع و كل الشر في اعتقاد أنهم لا يخطؤون، أو السير وراءهم في خطئهم.
و ليعلم شيوخ الطرائق و ذيولهم، أنه لو شاهد أئمة الدين هذه العهود التي اتخذها أشياخ الطرائق حبالة (35) شيعية لتضليل الأمة و غلا ثقيلا يضعونه في أعناق أمة إسلامية جاهلة حتى رقوا منهم هذا المرقى الصعب؛ لكان لهم على الطرقيين و أتباعهم و بدعهم و ضلالاتهم مواقف مشهودة، و حملات شديدة تدع أشياخ الطرائق و صنائعهم عبرة للمعتبرين.


و ها أنا وقفت بك أيها المسلم المحب لدينه المتبع لنبيه صلى الله عليه وسلم أن عهود أشياخ الطرائق ضلالة محدثة لم يفعلها صاحب الملة و لا سلف الأمة.
و كأني بجاهل يطعن في هذا الكلام بأن حاصله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم و صحابته و أئمة الاجتهاد تركوا هذه العهود و لم تعرف في أيامهم و حاصل ذلك ترك منهم و الترك لا يوجب حكما في المتروك و من أحدثها رام منها فوائد دينية إلى غير ذلك مما يقوله دخلاء العلم.
و قد سمعت ما يشبه هذه الجهالات من الأخوين الدجالين الذين جمعني بهما سوء البخت و موت العلم في هذه البلاد (36) حتى طمع فيها كل جاهل رمت به الجماعة إلى خنشلة المسكينة ليروج الأكاذيب و يتقول على الناس بما يعلم هو قتل سواه أنه كذب دعاه إليه ملء بطنه- إن طعن في هذا الكلام بهذا الطعن (37) ، قلنا: إن ترك صاحب الملة و سلف الأمة لأمر من الأمور على وجهين:

الأول: أن لا يوجد سببه و لا ينزل بالأمة ما يدعو له و لا إلى التكلم فيه، فهذا السكوت عنه لا يوجب حكما معينا في المتروك، دليله قائم في عمومات الشريعة اللفظية أو المعنوية.

الوجه الثاني: أن يوجد سببه و تتوفر علله و يترك العمل به منه صلى الله عليه و سلم أو من سلف الأمة، فالترك في مثل هذا كالنص اللفظي المحتم على أنه لا عمل فيه و أن الترك هو حكم الله.

مثلا الذكر أو العهود أسبابها قائمة و الداعي إليها موجود و رسول الله صلى الله عليه و سلم ترك تحديد الأذكار و العهود.
الأمر الذي ينشده أشياخ الطرائق عند حسن الظن بهم فيها موجود، و السلف تركوها و قد ظهر في أيامهم ممن لم يخالط بشاشة الإيمان قلبه ما ظهر من الردة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه و غيرها، فما أعطوا هذه العهود و لا سمع بها في أيامهم و ذلك دليل قاطع على أن العهود الطرقية لا يعرفونها، و أنه لا زيادة في الأذكار و الهداية الإسلامية على ما كان عليه سلف الأمة.

و إذا ذكرت أيها القارئ أن العبادات في أمنع مكان عن الأقيسة الواهية و الاستحسانات، فقل إلى أشياخ الطرائق: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (38) .

----------------
(29) أي كما قل الخير كله.
(30) جمع ذائد: الحامي.

(31) البخت: الحظ.(32) المقاولة: المناظرة في قضية ما.
(33) كذا في المطبوع.
(34) المراد بالتصوف هنا الزهد والتعبد على وفق ما جاءت به الشريعة غير أن استعمال هذه الكلمة بهذا المعنى لا يخلوا من نظر وقد وقفت على كلام نفيس للشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله له صلة بما نحن فيه، ذكره في ثنايا ردّه على الطرقيين.
قال عليه رحمة الله: ((... ونحن نعلم من طريق التاريخ لا من طريق الشهرة العامة أن بعض أصحاب هذه الأسماء الدائرة في عالم التصوف والطرق (أمثال الجنيد، القشيري، المحاسبي) كانوا على استقامة شرعية وعمل بالسنة ووقوف عند حدود الله. فهم صالحون بالمعنى الشرعي، ولكن الصلاح لم يأتهم من التصوف أو الطرق وإنما هو نتيجة التدين. وفي مثل هؤلاء الصالحين الشرعيين إنما نختلف في الأسماء فنحن نسميهم صالحي المؤمنين وهم يسمونهم صوفية وأصحاب طرق، فيا ويلهم إن طريقة الإسلام واحدة فما حاجة المسلمين إلى طرق كثيرة.
ما هذا التصوف الذي لا عهد للإسلام الفطري النقي به. إننا لا نقره مظهراً من مظاهر الدين أو مرتبة عليا من مراتبه. ولا تعترف من أسماء هذه المراتب إلا بما في القاموس الديني: النبوة والصديقية والصحية والاتّباع، ثم التقوى التي يتفاضل بها المؤمنون ثم الولاية التي هي أثر التقوى، وإن كنا نقره فلسفة روحانية جاءتنا من غير طريق الدين ونرغمها على الخضوع للتحليل الديني.
وهل ضاقت بنا الألفاظ الدينية ذات المفهوم الواضح والدّقة العجيبة في تحديد المعاني حتى نستعير من جرامقة اليونان أو جرامقة الفرس هذه اللفظة المبهمة الغامضة التي يتسع معناها لكل خير وشر.
ويمينا لو كان للمسلمين يوم اتسعت الفتوحات وتكونت (المعامل) الفكرية ببغداد ديوان تفتيش في العواصم ودروب الروم ومنافذ العراق العجمي لكانت هذه الكلمة من المواد الأولية المحرمة الدخول.. فقد أصبحت هذه الكلمة التي غفلوا عنها أُمّا ولوداً تلد البر والفاجر ثم تمادى بها الزمن فأصبحت قلعة محصنة تؤوي كل فاسق وكل زنديق وكل ممخرق وكل داعر وكل ساحر وكل لص وكل أفاك أثيم. وانظر طبقات الشعراني الكبرى وما طبع على غرارها من الكتب تجد أصناف المحتمين بهذه القلعة- وهم ببركة حمايتها- طلقاء من قيود الشريعة.
وإن هذه القلعة لهي المعقل الأسمى والملاذ الأحمى لأصحابنا اليوم فكل راقص صوفي، وكل ضارب بالطبل صوفي وكل عابث بأحكام الله صوفي، وكل ماجن خليع صوفي وكل آكل للدنيا بالدين صوفي، وكل ملحد في آيات الله صوفي، وهلم سحباً)). أهـ (سجل مؤتمر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ص30- 31).
(35) الحبالة: المصيدة.
(36) أي: مدينة خنشلة.
(37) وهو قوله: (( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وأئمة الاجتهاد تركوا هذه العهود ولم تعرف في أيامهم وحاصل ذلك ترك منهم والترك لا يوجب حكما في المتروك ومن أحدثها رام منها فوائد دينية)).
(38)[ النور: 63].

رد مع اقتباس