عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02 May 2017, 10:45 PM
بلال بريغت بلال بريغت غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: قسنطينة / الجزائر.
المشاركات: 436
إرسال رسالة عبر Skype إلى بلال بريغت
افتراضي حجاب المرأة دين والمبالغة فيه عادة شريفة في الإسلام وقبله للأستاذ الأديب حمزة بكوشة رحمه الله الحلقة الثانية

حجاب المرأة دين والمبالغة فيه عادة شريفة في الإسلام وقبله
للأستاذ الأديب حمزة بكوشة رحمه الله الحلقة الثانية
أبيح للمرأة ترك البرقع عند أمن الفتنة(1) لأن الناظرين إذا افتتنوا بها نصبوا كل حبالة لاصطيادها مع إرسالهم النظرة بعد النظرات والزفرة إثر الزفرات لعدم مقدرتهم على كتمان عواطفهم؛ وهذا دأب الرجل منذ خلق الله السماوات والأرض، فلولا قيس ونظراته وزفراته وأبياته لما افتضحت ليلى بالحب وقلما يقرأ القارئ في التاريخ حادثة من حوادث الغرام أو الفجور والآثام ولا يجد الرجل أول داع إلى تمثيل أدوارها إذ المرأة تتظاهر غالبا بالرغبة عن الشيء والرجل يتجاهر بالرغبة فيه ولن تجد امرأة في الألف غير بغي تجسر على مد يدها للرجل إلا ما شذ أو كان لحكمة بالغة فوق إدراكات البشر كمراودة زليخاء ليوسف عليه السلام لهذا ألزم الفقهاء المرأة بالبرقع إذا استشرى الفساد لأنه السلاح الذي تقاوم به المرأة فسقة الرجال ويلجئهم للغض من أبصارهم.
أما هي فيغض من بصرها جمال الأنوثة المتكون من الخفر والحياء.
ثم إن أولئك الفقهاء الذين حاول حلوش تسفيه آرائهم –ولم يستطع ولن يستطع- لهم ما يتمسكون به من الآثار فيما ذهبوا إليه على خلاف فيه، أخرج ابن جرير(2) وابن أبي حاتم(3) وابن مردويه عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ﴾ الآية، قال: «أمر الله النساء المؤمنات إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة»(4).
وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي قال: «كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَتَعَرَّضُ لِنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُؤْذِيهِنَّ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ، قَالَ: كُنْتُ أَحْسَبُهَا أَمَةً، فَأَمَرَهُنَّ اللَّهُ أَنْ يُخَالِفْنَ زِيَّ الإِمَاءِ وَيُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ، تُخَمِّرُ وَجْهَهَا إِلا إِحْدَى عَيْنَيْهَا»(5).
وأخرج عبد الرزاق(6)، وعبد ابن حميد، وأبو داود(7)، عن أم سلمة قالت: «لما نزلت هذه الآية ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾ خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها»(8).
وأخرج ابن مرديه عن عائشة قالت: «رحم الله نساء الأنصار لما نزلت: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ الآية، شققن مروطهن فاعتجرن بها وصلين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسهن الغربان»(9).
ولنفرض أن ليس لهؤلاء الفقهاء أصل يتمسك به في هذا المقام فإن لهم من علم الأصول قواعد تنطبق على هذه القضية، ولا ينكر تلك القواعد إلا من لم يفقه أسرار الشريعة الإسلامية، فإذا قال لهم مثلا حلوش إن السفور فيه مصلحة يقولون له نعم وفيه مفسدة أيضا، و«درء المفاسد مقدم على جلب المصالح»، وهب أن السفور سالم من المفسدة فهو وسيلة إليها فسدا للذريعة يعدل عنه، ثم يقول حلوش: «ولقد كانت صيانة المرأة تتحقق وكرامة البيت تحفظ لو فرضنا على المرأة بدل الحجاب أن تتعلم»... إلخ.
وددت لو أن حلوش أول مرة في مقاله: «طرائف وفد المؤتمر» بدل أن يتأسف على عدم سفور المرأة المسلمة لعدم مشاركتها لليهودية والنصرانية في احتفال «باريقو» تأسف على عدم تعليمها لكنه –هداه الله- تأسف آنذاك على عدم سفورها ولما أدرك سوء مغبته أخذ يذر الرماد في العيون بنقل الأقوال التي تدل على إباحة كشف المرأة للوجه والكفين ويدعو إلى تعليمها بدل الحجاب، ونحن لم ننازعه في تعليمها والدعوة إليه ولا في كشفها للوجه والكفين أولا، وإنما نازعناه في الدعوة إلى السفور بذلك الأسف العميق والكلام المجمل الذي يحتاج إلى بيان وتفصيل ولما أتى يبين ما أجمله أنكر مشروعية الحجاب بالمرة واتخذ مسألة ستر الوجه والكفين التي هي جزئية من جزئيات الحجاب وهي مسألة خلافية كنافقاء اليربوع ليدخل منها كيف شاء ويخرج منها كيف شاء، فها أنا ذا جاريته فيها أيها القارئ الكريم كما ترى حتى كادت أن تنسد عليه في خصوصها منافذ الأهواء، وهبه وجد ملجأ أو مغارات أو مدخلا في هذه النافقاء فماذا عساه أن يجيب عن إنكاره لمشروعية الحجاب في قوله الحجاب عادة لا دين؟
وماذا عساه أن يجيب عن قوله: «ثم هي بعد ذلك تحكم حكمها في الحجاب المفروض عليها أخفيف أم ثقيل؟»، هذا القول الذي هو ألعن من سابقيه حيث أسند فيه الحكم للمرأة وأهوائها في الحجاب وهو اعتداء منه وتطاول صريح على السنة والكتاب، ينطق بالحق: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ﴾[المائدة:49]، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾[المائدة:47].
ولا أظن أحدا من أنصار المرأة المسلمين ولو رزق الشجاعة الأدبية بأتم معناها ودعا إلى السفور علانية من غير مشاغبة ولا مراوغة يجسر جسارة حلوش فينكر مشروعية الحجاب، فهذا قاسم أمين أمامهم رحمه الله مع دفاعه عن المرأة يعترف بمشروعية الحجاب قال رحمه الله: «ربما يتوهم الناظر أنني أرى رفع الحجاب بالمرأة ولكن الحقيقة أني أدافع عنه وأعتبره أصلا من أصول الآداب التي يلزم التمسك بها غير أني أطلب أن يكون منطبقا على ما جاء في الشريعة الإسلامية، وهو في تلك الشريعة يخالف ما تعارفه الناس عندنا، لأننا تغالينا في طلب التحجب والتحرج من ظهور النساء لأعين الرجال حتى حرمنا المرأة من كل المزايا العقلية الأدبية فتجازونا حدود الشريعة وأضررنا بمنافع الأمة وأني أرى أن الغربيين قد غلوا في إباحة التكشف للنساء إلى درجة يصعب معها أن تصان المرأة لمآرب الشهوة وما لا ترضاه عاطفة الحياء وبين هذين الطرفين وسط وهو الحجاب الشرعي وهو الذي أدعو إليه».
هكذا يقول قاسم أمين رحمه الله: «الحجاب الشرعي»، ويقول حلوش: «حجاب المرأة عادة لا دين»!!، فلو أنه أنكر جزئية من جزئيات الحجاب التي هي محل خلاف بين العلماء كمسألة الوجه والكفين لتركته وشأنه وقلت لكل وجهة هو موليها ولكل طريقة هو متبعها: أنا أتبع من يقول بستر الوجه والكفين فلا أسمح لإحدى النساء اللاتي لي سلطة عليهن بالعدول عن تلك الكيفية لا سيما في الوسط الجزائري أما هو- وهو يتبع من يقول بكشفها- فليأمر النساء اللاتي له سلطة عليهن بذلك ليطابق قوله فعله.
لكنه هداه الله أنكر مشروعية الحجاب بالمرة ولا أظن أحد المستشرقين المطلعين على الديانة الإسلامية ينكر وجود الحجاب فيها فضلا من أحد بنيها... هذا وليعلم دعاة السفور أن الحجاب دين لا عادة. ولأقسامه الثلاثة التي قدمناها في صدر المقال نقلا عن كتاب لباب الخيار – أصل في الدين ولنا مقدرة الدفاع عنه بالدين والعلم والعقل- لا بالميل والذوق والطبع وقبل لف هذا البساط أضع بين يدي القراء ثلاث نقاط وأرغب من الشيخ مصطفى حلوش الإجابة عنها.
1- أليس قولك في مقالك: «طرائف وفد المؤتمر»: «ولولا عادة الحجاب الثقيلة لكان إلى جنبهن من جنسنا اللطيف المسلم عدد غير قليل».
تبرما ما من حجاب المسلمة وأسفا منك على مسلم وقوفها بارزة للنظار مع اليهوديات والنصرانيات من غير شرط ولا قيد؟
2- أليس قولك حجاب المرأة عادة لا دين إنكارا لمشروعية الحجاب؟
3- أليس قولك ثم هي تحكم حكمها في الحجاب أخفيف أم ثقيل ردا لحكم المتنازع فيه إلى المرأة؟ والمولى تبارك تعالى يقول:﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾[النساء:59].


البصائر: الجمعة 29 ذي الحجة1355 الموافق لـ 12مارس1927. السنة الثانية العدد58. ص:4.

- يتبع -


====

(1): فيه نظر فكشف المرأة لوجهها مباح دون أي شروط أو قيود، ولكن النساء مطالبين بغض أبصراهم كما في قوله تعالى: ﴿يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾، كما أن الفتنة واحدة في أي زمان ومكان، فهي لم تكن مأمونة في القرون المفضلة، والله تبارك وتعالى لم يضع الذرائع والسدود أمامها بما فرض على النساء من الحجاب، وبما أمر به الجنسين من غض البصر، وقال في ذلك: ﴿ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾[الأحزاب:53]، فالقائلون بهذا الكلام إذا يتناسون أن طبيعة البشر واحدة في كل زمان، كما جاء في القرآن: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ﴾[آل عمران: 14] وأنهم إنما يتفاوتون بالتقوى واتباع أحكام الله تعالى، ومن ذلك قصة الفضل بن العباس رضي الله عنهما مع الخثعمية الحسناء، وتكرار نظره إليها وهو حاج وكيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتفي بصرف وجهه عنها، ولا يأمرها بأن تسدل على وجهها، وهذا هو وقت الفتنة بها، وسد الذريعة دونها بزعمهم، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، فدل فعله صلى الله عليه وسلم على بطلان ما ذهبوا إليه من إيجاب الستر كما هو ظاهر؛ لاتفاق العلماء على أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.... فقول العباس رضي الله عنه كما في حديث علي: «يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما».
فهذا صريح في أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مخافة الفتنة؛ كما قال الشوكاني في نيل الأوطار (6/97)، فمن فعل في مثل هذه الحالة خلاف فعل النبي صلى الله عليه وسلم، لهذا استنبط ابن القطان جواز النظر عند أمن الفتنة؛ حيث لم يأمرها بتغطية وجهها، فلو لم يفهم العباس أن النظر جائز ما سأل، ولو لم يكن ما فهمه جائزا ما أقره عليه.
وخلاصة القول: إن الفتنة بالنساء كانت في زمن نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أجل ذلك شرع الله عزوجل من الأحكام للجنسين- سدا للذريعة – ما سبقت الإشارة إليه، فلو شاء الله تعالى أن يوجب على النساء أن يسترن وجوههن أمام الأجانب؛ لفعل سدا للذريعة أيضا، ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾[مريم: 64]، لأوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمر المرأة الخثعمية أن تستر وجهها، فإن هذا هو وقت البيان كما تقدم، ولكنه على خلاف ذلك أراد صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس أن يسفرن عن وجوههن إن شئن، وإنما بتطبيق قاعدة ﴿يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾، وذلك بصرف نظر الفضل عن المرأة.
ولربما كان الكلام مقبولا في هذه المسألة لو قيل: إذا خشيت المرأة أن يصيبها مكروه من بعض الرجال الأشرار بسبب إسفارها؛ فعليها أن لا تسفر سدا للذريعة والله تعالى أعلم.[ باختصار من الرد المفحم للشيخ الألباني رحمه الله، (ص127-132) مع تصرف في بعض الألفاظ].
(2): تفسير الطبري (19/181).ت: التركي.
(3): تفسير ابن أبي حاتم (ج10، ص3154). ت: أسعد محمد الطيب.
(4): وهذا الأثر لا يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال الألباني في جلباب المرأة المسلمة (ص:88): «أقول لا يصح هذا عن ابن عباس، لأن الطبري رواه من طريق علي عنه.
وعلي هذا هو ابن أبي طلحة كما علقه عنه ابن كثير، وهو مع أنه تكلم فيه بعض الأئمة، لم يسمع من ابن عباس، بل لم يره، وقد قيل: بينهما مجاهد، فإن صح هذا في هذا الأثر، فهو متصل، لكن في الطريق إليه أبو صالح، واسمه عبد الله بن صالح، وفيه ضعف، وقد روى ابن جرير عن ابن عباس خلاف هذا، ولكنه ضعيف الإسناد أيضا».
(5): طبقات ابن سعد (8/176). قال: «أخبرنا محمد بن عمر عن ابن أبي سبرة عن أبي صخر عن ابن كعب القرظي قال: كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المؤمنين ... الحديث». فلا يصح بل هو ضعيف جدًّا لأمور:
ذكرها الألباني رحمه الله في جلباب المرأة المسلمة (ص:90-94) فقال: « الأول: أن ابن كعب القرظي - واسمه محمد - تابعي لم يدرك عصر النبوة ، فهو مرسل .
الثاني: أن ابن أبي سبرة وهو أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة ضعيف جدًّا قال الحافظ في التقريب: «رموه بالوضع».
والثالث: ضعف محمد بن عمر وهو الواقدي، وهو مشهور بذلك عند المحدثين، بل هو متهم.
وفي معنى هذه الرواية روايات أخرى أوردها السيوطي في «الدر المنثور» وبعضها عند ابن جرير وغيره وكلها مرسلة لا تصح؛ لأن منتهاها إلى أبي مالك وأبي صالح والكلبي ومعاوية بن قرة والحسن البصري، ولم يأت شيء منها مسندًا، فلا يحتج بها، ولا سيما أن ظاهرها مما لا تقبله الشريعة المطهرة ولا العقول النيرة؛ لأنها توهم أن الله تعالى أقر إماء المسلمين - وفيهن مسلمات قطعًا- على حالهن من ترك التستر، ولم يأمرهن بالجلباب ليدفعن به إيذاء المنافقين لهن.
ومن العجائب أن يغتر بعض المفسرين بهذه الروايات الضعيفة فيذهبوا بسببها إلى تقييد قوله تعالى: ﴿وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأحزاب: 59] بالحرائر دون الإماء، وبنوا على ذلك أنه لا يجب على الأمة ما يجب على الحرة، من ستر الرأس والشعر، بل بالغ بعض المذاهب فذكر أن عورتها مثل عورة الرجل: من السرة إلى الركبة، وقالوا: «فيجوز للأجنبي النظر إلى شعر الأمة وذراعها وساقها وصدرها وثديها».
وهذا -مع أنه لا دليل عليه من كتاب أو سنة- : مخالف لعموم قوله تعالى: ﴿وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[الأحزاب: 59]؛ فإنه من حيث العموم كقوله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ﴾ الآية [النساء: 43] ولهذا قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره : «البحر المحيط»(7/ 250): «والظاهر أن قوله : ﴿وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾: يشمل الحرائر والإماء، والفتنة بالإماء أكثر؛ لكثرة تصرفهن، بخلاف الحرائر؛ فيحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح».
وسبقه إلى ذلك الحافظ ابن القطان في «أحكام النظر» (ق 24/ 2) وغيره.
وما أحسن ما قال ابن حزم في «المحلى» (3/ 218 – 219): «وأما الفرق بين الحرة والأمة: فدين الله واحد، والخلقة والطبيعة واحدة؛ كل ذلك في الحرائر والإماء سواء، حتى يأتي نص في الفرق بينهم في شيء، فيوقف عنده».
قال: «وقد ذهب بعض من وهل في قول الله تعالى: ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ﴾؛ إلى أنه إنما أمر الله تعالى بذلك؛ لأن الفساق كانوا يتعرضون للنساء للفسق، فأمر الحرائر بأن يلبسن الجلابيب ليعرف الفساق أنهن حرائر فلا يتعرضوهن».
ونحن نبرأ من هذا التفسير الفاسد، الذي هو إما زلة عالم، أو وهلة فاضل عاقل، أو افتراء كاذب فاسق؛ لأن فيه أن الله تعالى أطلق الفساق على أعراض إماء المسلمين، وهذه مصيبة الأبد، وما اختلف اثنان من أهل الإسلام في أن تحريم الزنا بالحرة كتحريمه بالأمة، وأن الحد على الزاني بالحرة، كالحد على الزاني بالأمة، ولا فرق. وأن تعرض الحرة في التحريم، كتعرض الأمة ولا فرق، ولهذا وشبهه: وجب أن لا يقبل قول أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بأن يسنده إليه عليه السلام».
(6): تفسير عبد الرزاق (3/51) ط. دار الكتب العلمية.
(7): سنن أبي داود: كتاب اللباس: باب في قوله تعالى: ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ﴾، رقم (4101).
(8): قال الألباني في جلباب المرأة المسلمة (ص:83) ط. دار السلام: «أخرجه أبو داود (2/182)، بإسناد صحيح، وأورده في الدر (5/221)، برواية عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبي داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من حديث أم سلمة بلفظ: «من أكسية سود يلبسنها».
والغربان: جمع غراب شبهت الأكسية في سوادها بالغربان».
(9): فتح القدير للشوكاني (4/ 307).

رد مع اقتباس