عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04 Aug 2013, 05:22 AM
بلال بريغت بلال بريغت غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: قسنطينة / الجزائر.
المشاركات: 436
إرسال رسالة عبر Skype إلى بلال بريغت
افتراضي

بعض الآثار عن السلف في صبرهم على طلب العلم
قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى : (كنا بمصر سبعة أشهر، لم نأكل فيها مرقة، كل نهارنا مقسم لمجالس الشيوخ، وبالليل: النسخ والمقابلة.
قال: فأتينا يوما أنا ورفيق لي شيخا، فقالوا: هو عليل، فرأينا في طريقنا سمكة أعجبتنا، فاشتريناها ، فلما صرنا إلى البيت، حضر وقت مجلس، فلم يمكنا إصلاحه، ومضينا إلى المجلس، فلم نزل حتى أتى عليه ثلاثة أيام، وكاد أن يتغير، فأكلناه نيئا، لم يكن لنا فراغ أن نعطيه من يشويه . ثم قال: لا يستطاع العلم براحة الجسد)([1]) .
قال أحمدُ بن حنبل رحمه الله: (أقام شعبة على الحكَم بنِ عُتَيْبةَ ثمانية عشَر شَهْراً-يعني يطلب الحديث-حتى باع جُذُوعَ بيته!)([2]).
قال أبو مسعود عبد الرحيم الحاجي : (سمعت ابن طاهر يقول:بلت الدم في طلب الحديث مرتين، مرة ببغداد، وأخرى بمكة، كنت أمشي حافيا في الحر، فلحقني ذلك، وما ركبت دابة قط في طلب الحديث، وكنت أحمل كتبي على ظهري، وما سألت في حال الطلب أحدا، كنت أعيش على ما يأتي) ([3]).
قلت : و الآثار عن السلف كثيرة و لولا أني خفت من أن يطول الموضوع لجمعت لك مجلدا كاملا حول ما لاقوه من أجل طلب هذا العلم الشريف ، و سأختم لك بإذن الله تعالى بهذه القصة المحزنة المبكية عن حال أحد السلف لما باع ثيابه و لم يستطع طلب الحديث من شدة الجوع ، قَالَ ابنُ أبي حَاتم رحمه الله : (سمعتُ أبي يقولُ: بَقِيتُ بالبصرةِ في سنةِ أربعَ عشرةَ ومائتين ثمانيةَ أشهرٍ، وَكَانَ في نفسِي أنْ أُقيمَ سنةً فانقطعَ نَفَقَتي، فَجَعلتُ أبيعُ ثيابَ بَدَني شيئاً بعدَ شيء حَتى بقيتُ بلا نفقةٍ، ومضيتُ أطوفُ مَعَ صديقٍ لي إلى المشيخةِ وأسمعُ منهمْ إلى المساءِ فانصرفَ رفيقي ورجعتُ إلى بيت خالٍ، فَجَعلتُ أشربُ الماءَ من الجوع.
ثمّ أصبحتُ من الغد، وغدا عليّ رفيقي، فجعلتُ أطوفُ مَعَهُ في سماعِ الحديثِ على جوعٍ شديدٍ، فانصرفَ عني وانصرفت جائعاً، فلمّا كَانَ مِنْ الغد غَدَا عليّ فَقَالَ: مُرّ بِنَا إلى المشايخِ، قلتُ: أنا ضعيفٌ، لا يمكنني قَالَ: مَا ضَعْفُكَ؟، قلتُ: لا أكتُمكَ أمري قد مَضَى يومانِ مَا طعمتُ فيهما شيئاً، فَقَالَ: قدْ بقي معي دينار فأنا أواسِيك بنصفهِ، ونجعلُ النصفَ الآخرَ في الكِراء، فخرجنا من البصرةِ وقبضتُ منه النصفَ دِينار)([4]).
قلت : انظر أيها المثقف المزعوم واحد بال الدم مرتين و آخر باع ثيابه و آخر لم يستطع سماع الحديث من شدة الجوع ، كل هذا من أجل طلب هذا العلم الشريف و ليصل إليك صافيا نقيا لا تشوبه شائبة ، ثم تأتي أنت و أمثالك و تتجاهلون جهود هؤلاء الفطاحلة و ترمون بما قدموه من خدمة للإسلام وراء ظهوركم و تجعلون تلفازكم شيخكم و أعداء الإسلام قدوتكم !! فيا للعجب من آخر الزمان ، نعم ففي آخر الزمان و لما كثر الأقزام ابتليت الأمة بما يسمى بالأفلام حتى صارت شعار سفهاء الأحلام في الدعوة إلى الله بلا علم و لا برهان ، تقربا من الكريم المنان ، ثم زينت ببنان أكثر الناس جهلا بالقرآن و زخرفت بأنامل الكهان و صارت تسمى بالأفلام و المسلسلات الدينية زورا و بهتانا ، و قد بدأ هؤلاء الفجرة بصنع هذه الأفلام بدءا بفيلم الرسالة الذي يحكي سيرة النبي المختار صلى الله عليه و سلم !!! إنتهاءً بمسلسل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، و القصد هنا ليس بيان حكم التمثيل لأن حكمه لا يتناطح فيه كبشان و لا يتنازع فيه عنزان فقد بين العلماء حكمه منذ أمد ، فحكم التمثيل واضحٌ ظاهرٌ لكل من له أدنى اهتمام بعلوم الشريعة ، و لكن الذي يلفت الانتباه في هذه الأفلام تلك المشاهد و القصص الباطلة التي تُحشى بها تزويرا للحقائق و غشا لأمة محمد صلى الله عليه و سلم ، و هنا أطرح سؤالا أريد الإجابة عنه : لم أيها الأخ الفاضل لم تكتشف و أنت المثقف في الدين!!! تلك الدسائس التي دست في فيلم الرسالة المقيت ؟ و أترك لك ثلاثة سنوات للإجابة كما كان يقول شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه لخصومه.
هذا و قد استعنت بالله عزوجل و بدأت بتبيين ما جاء في فيلم الرسالة خاصة لأنه يخص شخص النبي صلى الله عليه و سلم ، و كنت قد نشرت هذا النقد على الأنترنيت عبر حلقات و أول حديث بدأت به حديث العنكبوت التي سدت الغار لتموه عن الكفار حتى يعتقدوا أن الغار لم يدخله أحد ، و كنت في تلك الحلقات غير مرتب للأحاديث حسب الوقائع ، بل كل ما أتيحت لي الفرصة بينت حديثا ، سواء من البداية أم من الوسط أم من النهاية ، ثم بعدما انتهيت حملتني نفسي على جمع تلك الحلقات و تنقيحها بتصحيح الأخطاء التي وقعتُ فيها ، ثم أعدت تشكيلها في مقال واحد بأسلوب يفهمه العام و الخاص و سميته بـ ( إعلام العوام([5]) لما في فيلم الرسالة من طوام) فالحمد لله على توفيقه لهذا العمل و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

- يتبع -
=======
[1]: تذكرة الحفاظ (3/830)

[2]: العلل ومعرفة الرجال (2/342).

[3]: سير أعلام النبلاء (19/363).

[4]: مقدمة الجرح والتعديل (ص363).

[5]: أريد أن أوضح أنّ ما أعنيه بلفظ ( العوام) هم من لا ينتمون إلى حركة إسلامية معينة مثل جماعة الإخوان ، أو أي جماعة ضالة كالخوارج و الإباضية و غيرهم ، كما أني أقصد بالعوام الذين لا ينشغلون بطلب العلم الشرعي، ولا أقصد من هذه اللفظة تنقصأ أو احتقارًا، بل من باب إنزال الناس منازلهم ، و لفظ العوام أو العامي مشتق من العمى وقد ذَكَرَه شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة (5/ 129) عن بعْضِ أئِمَّةِ اللُّغَةِ أَنَّهُ قال: (العَامَّةُ مُشْتَقٌّ مِنَ العَمَى!) ، وقَرِيبٌ مِنْ هذا قَوْلُ الإمام ابْنِ قُدَامَةَ المَقْدِسِيِّ في روضة النَّاظر(ص: 136) : (وَلأَنَّ العَامِّيَّ ليْسَ لَهُ آلَةُ هذَا الشَّأْنِ، فهو كالصَّبِيِّ في نُقْصَانِ الآلَةِ) اهـ.

رد مع اقتباس