عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09 Mar 2017, 12:29 PM
أبو عاصم مصطفى السُّلمي أبو عاصم مصطفى السُّلمي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2016
المشاركات: 607
افتراضي الشّباب والإعراب والإغراب

بـــسم الله الرحمن الرحيـــم

الشّباب و الإعراب و الإغراب

فإنّ من أشدِّ الغُبن ، و أَنْوَكِ الحُمق ، استفراغُ الأعمار ، و إفناء الأزمان ، في ما لا ينفع المرءَ تحصيلُه ، و ما لا يضُرُّه تفويتُه . و أغبن منه و أنوكُ ، رجلٌ قد حصّل ما فيه ضررُه و عطبُه ، و فرّط في أسباب نفعه و موجبات فلاحه .
و ممّن يُمثّلون هؤلاء ، أهل الإدمان على الصُّحف و الجرائد ، و عُشّاق الرّوايات و القصص ، و أتباع المنتخبات و المنتديات الرّياضيّة . فيا ليت شعري : ما الذي حصّلوه ؟!! و ما الذي ضيّعوه ؟!!
عندما يصير (ميسي) و (رونالدو) أبطالا ، و فلانٌ الممثل صاحب رسالة ، و فلان المغني نجما ، و كتّاب الإباحية و الإلحاد أعلاما
فأين نصنّف الرّسل و الأنبياء ، و الصحابة و التابعين و الأئمة و العلماء و الفاتحين ، و غيرهم من الأبطال و النجوم و الأعلام
و إنّه ليَحزُنُك أن ترى شباب الإسلام و عُدّته و عمدَتَه ، يصفون الكَفَرَة و أعداء الإسلام بالأبطال و النجوم و النّجباء ، بل يعرفون منهم ما لا يعلم عدده إلا الله ، و يعرفون عنهم من التّفاصيل ـ في حيواتهم و سِيرهم و إنجازاتهم ، ما قد يكون الواحدُ منهم ، نسيهُ عن نفسه ، و عَزَبَ عن أذهان أهله و أقاربه ، لكنّه قد علِقَ في أذهان شبابنا ، و التصق بها التصاقا لا يزيله شيء

و إن كنت في شَكٍّ مما أقول ، فاعمد إلى أول شابّ يقع بصرُك عليه ، و اسأله عن عشرة أفضل لاعبين ، ثم اسأله عن العشرة المبشرين
اسأله عن أفضل خمسة ممثلين ، ثم اسأله عن أولي العزم من الرسل ، اسأله عن خمسة من غزوات الرسول صلى الله عليه و سلم ، ثم اسأله عن خمسة من مباريات ميسي أو رونالدو ( بل اسألهم عن عشرين )
اسأل أحدهم كم صحيفة يقرأها في اليوم ، ثم اسأله عن عهده بالمصحف و القرآن ، اسأله كم نشرة إخبارية أو رياضية يشاهدها في اليوم ، ثم اسأله عن عهده بدرس في العقيدة أو الفقه أو الحديث
اسأله عما يستغرق فيه وقته من الأحاديث و الأخبار و النقاشات ، يُستنفَذ كلُّ ذلك في السفاسف و التفاهات و المهازل فضلا عن الغيبة و النميمة و السخرية ، فضلا عن سبّ الذات الإلهية العلِيّة و سب الدين و لعن الوالدين
تجد الغالب منهم (إلا من رحم الله) يُجيبك عن الأوائل بالوفاء في الكيل و الرِّبَى في الجواب ، لكنّه لن يُحير جوابا ، أو يذكرَ شيئا و تغيب عنه أشياء ، في الحزمة الثانية من المسائل
لتعلم محلَّ شبابنا من الإعراب ، و أنهم أسوأ حالا من جهلة الأعراب ، و أنهم قد أوغلوا في دهاليز التّيه و الإغراب

هذا و إنّ النّاظرَ اليوم إلى السّوادِ الأعظمِ من هذه الأمّةِ ، بعين النّاقدِ البصيرِ ، يرى ـ و لا بدّ أن يرى ـ أنّ جُلَّ ما صارت تشتغلُ به ، سفاسفَ الأمورِ و مُحقِّراتِها ، و قعدت بها هِمّتُها عن طلب المعالي و السّعيِ و راء السُّؤدد
بعد أن كانت مضرِبَ المثلِ و معقدَ الأمل في سُموِّ الغايات و نبلِ المقاصد . قال أحد العقلاء قديما لصبيّ صغير من هذه الأمة : أيسرُّك أن يكون لك مائةُ ألف و أنّك أحمق ؟ قال الصبيّ : لا ، يا عمّ ، فقال الرجلُ : و لمَ ؟! فقال : أخاف أن يجنيَ عليّ حمقي جنايةً تُذهِب مالي و يبقى حُمقي .
و انظرِ الآنَ إلى من يُعدُّ من جملة العقلاء بل من الأعلام و الكُبراء ، و لا يهمُّه من أين حصّل المال ، و لو كان في مهنةٍ يُزري بها على نفسه و أهله و عشيرته ، ألست تراهم في الشاشات يقومون بما يوجب أن يتبخّر منه ماء الوجه خجلاً ، و يموتَ العاقلُ من فعله وجلاً . تراه عارٍ إلا من لُبسة المُتفضِّل ، و تراه ... ، و تراه ...... ، ممّا أُجلُّ مقالي هذا أن أذكره فيه ، فإنّ له كريحة الجيفة و لو نقلاً . و ترى الرجل الذي يشغَل فضاء شاسعا ، يُمثِّل ما جاء في كتاب ( خوارم المروءة ) باباً باباً ، و هو يشاهد مباراةً لكرة القدم ، و إذا أفاق لا يقرع على فعلته سنّ النّدم .
هذا ، و حدث و لا حرج ، و ربّ شدّة يعقبها فرج .
و خير الختام كلام سيد الأنام
قال صلّى الله عليه و سلّم
((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُورِ وَأَشرَافَهَا ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا ))
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 3 / 131 ) ، وحسَّنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 1627 ) .

قال المتنبّي :

وَآنَفُ مِنْ أخـــي لأبي وَأُمّي .................. إذا مَا لم أجِــدْهُ مِنَ الكِرامِ
أرَى الأجْــــدادَ تَغْلِبُهَا كَثِيراً ................... على الأوْلادِ أخْــــلاقُ اللّئَامِ
و لَسْـــتُ بقانِعٍ مِن كلّ فَضْلٍ .................. بأنْ أُعْزَى إلى جَدٍّ هُمَــــامِ
عَجِبْتُ لمَــــــنْ لَهُ قَدٌّ وَحَدٌّ ................... وَيَنْبُو نَبْوَةَ القَضِـــــمِ الكَـــهَامِ
وَمَنْ يَجِـــدُ الطّرِيقَ إلى المَعَالي .................. فَلا يَذَرُ المَطيَّ بِلا سَــنَامِ
وَلم أرَ في عُيُوبِ النّاسِ شَيْئاً ................... كَنَقصِ القادِرِينَ على التّمَامِ


أبو عاصم مصطفى بن محمد السُّلمي
تبلبــــــــــــــــــــالة


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عاصم مصطفى السُّلمي ; 24 Apr 2017 الساعة 03:00 PM
رد مع اقتباس