عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 20 Aug 2017, 01:33 PM
عبد الباسط لهويمل عبد الباسط لهويمل غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: May 2017
الدولة: الجزائر
المشاركات: 96
افتراضي

المعنى الأول قولك ( فإذا جاءت امرأة وضربت الدف بين يديه فسكوته معناه جاز هذا ) فهذا دليل على عدم وقوفك عن المراد من الكلام الذي عقبت به على هذا المقال ، فإن المثل الذي ضربته أنت يدخل في الأحاديث وليس في الأخبار فانتبه . وحتى لو استعملنا منهج المؤرخين في نقد المتن لكان الخبر مردودا لمعارضته أصولا معلومة من الدين بالضرورة .
وقد صَدقَ فيكَ قولي إذ لم يستبن لك وجه ما ذكرته ؛ ومن ذاك حديثك عن رواة المغازي والسير في باب الأحاديث ؛ وهذا غلط -أبقاك الله- وعدم تميزك بين تعديلهم وتجريحهم في باب السير والمغازي وباب الأحاديث ؛ ثم إن تجريحك للواقدي ونقلك أقول الأئمة الأعلام كان يكون صحيحا لو كان الأمر يتعلق في روايته للأحاديث ؛ كيف ونحن نتحدث عن السير والمغازي ؟ وقد اتفق طائفة من المحققين على صحة مغازيه وسيره وإن جرحوه في رواية الأحاديث ؛ وما هذا إلا لعدم التمييز بين الفنين.
ثم رحت توَّجه ما ذكرت لك جملة عن شيخ الإسلام بكلام مهملج ؛ ولم تنظر في كلامه المنصص ؛ ثم بدأت تنقل أقوال العلماء في محمد بن السائب ؛ ولم نعدله وإنما ذكرنا أن شيخ تقي الدين ذكره في كتابه منهاج النبوة فيمن ذكر من رواة الأخبار .

فأخبار الواقدي وسيف بن عمر التميمي لا تقبل إلا بعد التثبت منها، سواء في علم الحديث أم في التاريخ، لتتابع كلام أئمة الجرح والتعديل على تضعيفهما، ولكن لا تهمل أقوالهما كما جرى على ذلك عمل كثير من المحققين الذين كتبوا في التاريخ والسير كابن كثير والذهبي وابن حجر، وقبل هؤلاء وبعدهم، قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في منهاج السنة: وكثير من الناس لا يحتج بروايته المفردة إما لسوء حفظه وإما لتهمة في تحسين الحديث، وإن كان له علم ومعرفة بأنواع من العلوم، ولكن يصلحون للاعتضاد والمتابعة كمقاتل بن سليمان ومحمد بن عمر الواقدي وأمثالهما، فإن كثرة الشهادات والأخبار قد توجب العلم، وإن لم يكن كل من المخبرين ثقة حافظا حتى يحصل العلم بمخبر الأخبار المتواترة وإن كان المخبرون من أهل الفسوق إذا لم يحصل بينهم تشاعر وتواطؤ، والقول الحق الذي يقوم عليه الدليل يقبل من كل من قاله وإن لم يقبل بمجرد إخبار المخبر به. انتهى.

وقال أيضا في مجموع الفتاوى: وَمَعْلُومٌ أَنَّ الواقدي نَفْسَهُ خَيْرٌ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ مِثْلِ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ وَأَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ وَأَمْثَالِهِمَا، وَقَدْ عُلِمَ كَلَامُ النَّاسِ فِي الواقدي، فَإِنَّ مَا يَذْكُرُهُ هُوَ وَأَمْثَالُهُ إنَّمَا يُعْتَضَدُ بِهِ وَيُسْتَأْنَسُ بِهِ، وَأَمَّا الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِهِ فِي الْعِلْمِ، فَهَذَا لَا يَصْلُحُ. انتهى.

وقال ابن كثير في البداية والنهاية: وَالْوَاقِدِيُّ عِنْدَهُ زِيَادَاتٌ حَسَنَةٌ وَتَارِيخٌ مُحَرَّرٌ غَالِبًا، فَإِنَّهُ مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ الْكِبَارِ، وَهُوَ صَدُوقٌ فِي نَفْسِهِ مِكْثَارٌ. انتهى.

وقال الذهبي ـ رحمه الله ـ في سير أعلام النبلاء: قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الوَاقِدِيَّ ضَعِيْفٌ، يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الغَزَوَاتِ وَالتَّارِيْخِ، وَنُوْرِدُ آثَارَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِجَاجٍ، أَمَّا فِي الفَرَائِضِ فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ، فَهَذِهِ الكُتُبُ السِّتَّةُ، وَمُسْنَدُ أَحْمَدَ، وَعَامَّةُ مَنْ جَمَعَ فِي الأَحْكَامِ، نَرَاهُم يَتَرَخَّصُوْنَ فِي إِخْرَاجِ أَحَادِيْثِ أُنَاسٍ ضُعَفَاءَ، بَلْ وَمَتْرُوْكِيْنَ، وَمَعَ هَذَا لاَ يُخَرِّجُوْنَ لِمُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ شَيْئاً، مَعَ أَنَّ وَزنَهُ عِنْدِي أَنَّهُ ـ مَعَ ضَعْفِهِ ـ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ وَيُرْوَى، لأَنِّي لاَ أَتَّهِمُهُ بِالوَضْعِ، وَقَوْلُ مَنْ أَهدَرَهُ، فِيْهِ مُجَازَفَةٌ مِنْ بَعْضِ الوُجُوْهِ، كَمَا أَنَّهُ لاَ عِبْرَةَ بِتَوْثِيقِ مَنْ وَثَّقَهُ: كَيَزِيْدَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَالصَّاغَانِيِّ، وَالحَرْبِيِّ، وَمَعْنٍ، وَتَمَّامِ عَشْرَةِ مُحَدِّثِيْنَ، إِذْ قَدِ انْعَقَدَ الإِجْمَاعُ اليَوْمَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَأَنَّ حَدِيْثَهَ فِي عِدَادِ الوَاهِي رَحِمَهُ اللهُ. انتهى.

وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: سيف بن عمر التميمي صاحب كتاب الردة، ويقال له الضبي، ويقال غير ذلك الكوفي ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ، أفحش ابن حبان القول فيه. انتهى
وهذا المبحث يحتاج إلى تحرير وشواهد ليس هذا موضع بسطه ؛ ولكن القصد ايراد المعنى مجملا ؛ فقد رأينا من اجتاح كتب التاريخ بالنظر في الآسانيد دون أن يستعمل منهج المؤرخين في نقد الأخبار وفقا لقواعد وضوابط معلومة ؛ وقد استعمل منها شيخ الإسلام ذلك حتى في كثير من الأحاديث الصحيحة ؛ ويوجد مؤَلف في نقد شيخ الإسلام لبعض المرويات من خلال المتن كقوله في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب فجاءت رواية عند مسلم يرقون ، وهي مخرجة في الصحيح يسترقون ، فقال إن لفظة ( يرقون ) غلط مع أنها مخرجة في صحيح مسلم واعتبر بغلط اللفظة باعتبارات خارجة عن الإسناد مع أن هذا لا يصلح في باب الفرائض والأحكام التي مدارها على صحة الأسانيد وسلامة رواتها من القدح لكنه قد يقع في بعض المروايات غلطا من أحد الرواة لسوء ضبطه لما تحمل فيصحح ذلك بالشواهد والمتابعات والأصل في اعمال ذلك في باب المرويات التاريخية فيما لا تعارض بينها وبين الثوابت والأصول ؛ فإن المروايات التاريخية التي يوردها أصحاب السير والمغازي تؤخذ مأخذ كلام أهل الكتاب فإن كان ما يعارض الشرع والأصول فيرد ولا كرامة ، وأما ما يوافق الشرع فيؤخذ به ؛ وأما لا نعرف صحته أو فساده نتوقف فيه ؛ كما أن رواة الاخبار العمدة في تعديلهم وتجريحهم هو صحة مخرج ما رووه أو كذبه ؛ فقد يكون راوي الخبر ثقة ولكن ينقل خبرا على غير وجهه الصحيح أو خبرا مكذوبا ابتداء ؛ ويقع العكس لدى من هو أدنى درجة من الثقة كالسيء الحفظ أو المتهم فيما يرويه ، ونحن نتكلم عن المرويات التاريخية لا عن الأحاديث ؛ فمثلا قد يأتيك رجل تجزم بسوء مذهبه وكذبه ، فيخبرك خبرا فلا تصدقه ، ثم تجد أن غيره قد أخبر بمثله أو نحوه من عدة طرق فتجزم بصحة مخرجه وإن كنت لا تجزم بصحة ما ورد فيه تفصيلا ؛ وهكذا في باب المرويات التاريخية فقد يروي محمد بن السائب الكلبي رواية في المغازي أو السير فلا تصدقه بل تكون تهمته بين عينيه ؛ ثم لا تبرح حتى تجد نفس الخبر الذي رواة ابن الكلبي قد رواه آخرون ممن هم أجود ضبطا وأصدق خبرا منه ، بخلاف الأحاديث فإن مدار الصحة والسلامة في صحة الأسانيد ؛ هذا ما حضرني السّاعة والامر يحتاج إلى بسط أكثر من ذلك ليس هذا موضعه ، ولا نحن فرسانه ، ولكن اللبيب بالإشارة يفهم وإلا فالسكوت حكمة

رد مع اقتباس