عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 28 Jun 2011, 10:42 AM
خلفة أسامة الميلي خلفة أسامة الميلي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
الدولة: فرجيوة_حرسها الله_ شرق الجزائر
المشاركات: 167
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى خلفة أسامة الميلي إرسال رسالة عبر Skype إلى خلفة أسامة الميلي
افتراضي

ويقول الشيخ -رحمه الله- في كلامٍ له يؤكِّد فيه أنَّ الدعوة واحدةٌ لأنَّ الحقَّ واحدٌ وإن لم يتعارفِ الداعون إليها، كما هو شأن الجمعية ودعوة الشيخ ابن عبد الوهَّاب، قال: «وأصبحتِ الجماعة الداعية إلى الله يُدْعَوْنَ من الداعين إلى أنفُسِهم «الوهَّابيِّين»، ولا واللهِ ما كنتُ أملك يومئذٍ كتابًا واحدًا لابن عبد الوهَّاب، ولا أعرف من ترجمة حياته إلاَّ القليل، وواللهِ ما اشتريتُ كتابًا من كتبه إلى اليوم، وإنما هي أُفَيْكَاتُ قومٍ يهرفون بما لا يعرفون، ويحاولون إطفاء نور الله ما لا يستطيعون، وسنُعرض عنهم اليومَ وهم يدْعوننا «وهَّابيِّين» كما أعرضْنا عنهم بالأمس وهم يدعوننا «عبداويِّين»، ولنا أسوةٌ بمواقف أمثالنا مع أمثالهم من الماضين»(٤٩- العدد 3 من جريدة «السنّة النبويّة» (1)).

- وقال الشيخ البشير الإبراهيمي -رحمه الله- ما يزيد تأكيدًا لِما سبق: «يا قوم إنَّ الحقَّ فوق الأشخاص، وإنَّ السنَّة لا تُسمَّى باسم من أحياها، وإنَّ الوهَّابيِّين قومٌ مسلمون يشاركونكم في الانتساب إلى الإسلام، ويفوقونكم في إقامة شعائره وحدوده، ويفوقون جميع المسلمين في هذا العصر بواحدةٍ وهي أنهم لا يُقرُّون البدعة، وما ذنبُهم إذا أنكروا ما أنكره كتابُ الله وسنَّة رسوله، وتيسَّر لهم من وسائل الاستطاعة ما قدروا به على تغيير المنكر؟ أإذا وافقنا طائفةً من المسلمين في شيءٍ معلومٍ من الدين بالضرورة، وفي تغيير المنكرات الفاشية عندنا وعندهم -والمنكر لا يختلف حكمه باختلاف الأوطان- تنسبوننا إليهم تحقيرًا لنا ولهم، وازدراءً بنا وبهم، وإن فرَّقتْ بيننا وبينهم الاعتبارات؛ فنحن مالكيُّون برغم أنوفكم، وهم حنبليُّون برغم أنوفكم، ونحن في الجزائر وهم في الجزيرة، ونحن نُعمل في طرق الإصلاح الأقلام، وهم يُعملون فيها الأقدام، وهم يُعملون في الأضرحة المعاول، ونحن نُعمل في بانيها المقاول)(٥٠- انظر: «آثار الإبراهيمي» (1/123-124)).

- وقال الشيخ الطيِّب العقبي -رحمه الله- في مقالٍ له بعنوان «يقولون وأقول»: «يقولون لي: إنَّ عقائدك هذه هي عقائد الوهَّابية، فقلت لهم: إذن الوهَّابيَّة هم الموحِّدون»(٥١- العدد 119 من جريدة «الشهاب» (14)).

وقال -رحمه الله-: «هذا، وإنَّ دعوتنا الإصلاحيَّة -قبل كلِّ شيءٍ وبعده- هي دعوةٌ دينيَّةٌ محضةٌ، لا دَخْلَ لها في السياسة البتَّةَ، نريد منها تثقيف أمَّتنا وتهذيب مجتمعنا بتعاليم دين الإسلام الصحيحة، وهي تتلخَّص في كلمتين: أن لا نعبد إلاَّ الله وحده، وأن لا تكون عبادتنا له إلاَّ بما شرعه وجاء من عنده... ثمَّ ما هي هذه الوهَّابيَّة التي تَصَوَّرها المتخيِّلون أو صوَّرها لهم المجرمون بغير صورتها الحقيقيَّة؟ أهي حزبٌ سياسيٌّ؟... أم هي مذهبٌ دينيٌّ وعقيدةٌ إسلاميَّةٌ كغيرها من العقائد والمذاهب التي تنتحلها وتدين بها مذاهبُ وجماعاتٌ من المسلمين؟ وإذا كانت الوهَّابيَّة: هي عبادة الله وحده بما شرعه لعباده؛ فإنها هي مذهبنا وديننا وملَّتنا السمحة التي ندين الله بها، وعليها نحيا وعليها نموت ونُبعث إن شاء الله من الآمنين»(٥٢- العدد 2 من جريدة «السنّة» (7)).

- وقال الشيخ ابن باديس -رحمه الله- دفاعًا عن أتباع الشيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب وبيانًا لعقيدتهم السلفيَّة: «قام الشيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب بدعوةٍ دينيَّةٍ، فتبعه عليها قومٌ فلُقِّبوا ﺑ«الوهَّابيِّين»، لم يدعُ إلى مذهبٍ مستقلٍّ في الفقه؛ فإنَّ أتباعه النجديِّين كانوا قبله ولا زالوا إلى الآن بعده حنبليِّين؛ يدرسون الفقه في كتب الحنابلة، ولم يدعُ إلى مذهبٍ مستقلٍّ في العقائد؛ فإنَّ أتباعه كانوا قبله ولا زالوا إلى الآن سنِّيِّين سلفيِّين؛ أهل إثباتٍ وتنزيهٍ، يؤمنون بالقدر ويثبتون الكسب والاختيار، ويصدِّقون بالرؤية، ويُثبتون الشفاعة، ويترضَّوْن عن جميع السلف، ولا يُكفِّرون بالكبيرة، ويُثبتون الكرامة، وإنما كانت غاية دعوة ابن عبد الوهَّاب تطهير الدين من كلِّ ما أحدث فيه المحدثون من البدع، في الأقوال والأعمال والعقائد، والرجوع بالمسلمين إلى الصراط السويِّ من دينهم القويم بعد انحرافهم الكثير وزيغهم المبين، لم تكن هاته الغاية التي رمى إليها بالقريبة المنال ولا السهلة السبل، فإنَّ البدعَ والخرافاتِ باضَتْ وفرَّختْ في العقول، وانتشرت في سائر الطوائف وجميع الطبقات على تعاقُب الأجيال في العصور الطوال؛ يَشِبُّ عليها الصغير، ويشيب عليها الكبير، أقام لها إبليس من جنده من الجنِّ والإنس أعوانًا وأنصارًا، وحرَّاسًا كبارًا من زنادقةٍ منافقين، ومعمَّمين جامدين محرِّفين، ومتصوِّفةٍ جاهلين، وخطباءَ وضَّاعين، فما كانت -وهذا الرسوخُ رسوخُها، وهذه المَنَعَةُ مَنَعَتُها- لتقوى على فعلها طائفةٌ واحدةٌ ﻛ«الوهابيِّين» في مدَّةٍ قليلةٍ، ولو أعدَّت ما شاءت من العُدَّة، وارتكبت ما استطاعت من الشدَّة ... إنَّ الغاية التي رمى إليها ابن عبد الوهَّاب، وسعى إليها أتباعه، هي التي لا زال يسعى إليها الأئمَّة المجدِّدون والعلماء المصلحون في جميع الأزمان»(٥٣- «الآثار» (5/32-33)).

وقال أيضًا -رحمه الله- في مقام الدفاع والإنصاف لدعوة الشيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب: «وصار من يُريد معرفتهم لا يجد لها موردًا إلاَّ كُتُبَ خصومهم الذين ما كَتَبَ أكثرُهم إلاَّ تحت تأثير السياسة التركيَّة التي كانت تخشى من نجاحِ الوهَّابيِّين نهضةَ العرب كافَّةً، وأقلُّهم مَن كَتَبَ عن حُسْنِ قصدٍ من غير استقلالٍ في الفهم ولا تثبُّتٍ في النقل، فلم تسلمْ كتابته في الغالب من الخطأ والتحريف، وأنَّى تُعرف الحقائق من مثل هاته الكتب أو تلك، أم كيف تُؤخذ حقيقة قومٍ من كتب خصومهم، ولا سيَّما إذا كانوا مثل الصنفين المذكورين»(٥٤- «الآثار» (5/23-24)).

وقد نشر الشيخ -رحمه الله- في [العدد 40 و41] من مجلَّته «الشهاب» حوارًا مع رئيس القضاة في مكَّة: الشيخ عبد الله بن بلهيد -رحمه الله- نقلاً عن جريدة «السياسة» الأسبوعيَّة، وممَّا جاء فيه قول رئيس القضاة: «أهل نجدٍ هم جميعهم على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، فهُمْ سلفيَّة العقيدة (نسبةً إلى السلف) حنابلة المذهب، أمَّا تسميتهم بالوهَّابيِّين وتسمية مذهبهم بالوهَّابية فليست من عملهم، وإنما هي من عمل خصومهم الذين أرادوا تنفير الناس منهم بإيهامهم الناسَ أنَّ هذا مذهبٌ جديدٌ يخالف المذاهب الأربعة»(٥٥- «الشهاب» (2/119)).

وقال -رحمه الله- وهو يردُّ على أسلاف صاحب المقال، ويؤكِّد أنَّ دعوة الحقِّ دعوةٌ واحدةٌ رغم كيد الظالمين وجهل المتحاملين: «ثمَّ يرمي الجمعية بأنها تنشر المذهب الوهَّابي، أفتُعَدُّ الدعوة إلى الكتاب والسنَّة وما كان عليه سلف الأمَّة، وطرحُ البدع والضلالات، واجتنابُ المُرْدِيَاتِ والمهلكات؛ نشرًا للوهَّابية؟!! أم نشْرُ العلم والتهذيب وحريَّة الضمير وإجلال العقل واستعمال الفكر واستخدام الجوارح نشرٌ للوهَّابية؟!! إذًا فالعالَم المتمدِّن كلُّه وهَّابيٌّ! فأئمَّة الإسلام كلُّهم وهَّابيُّون! ما ضرَّنا إذا دعَوْنا إلى ما دعا إليه جميع أئمَّة الإسلام وقام عليه نظام التمدُّن في الأمم إن سمَّانا الجاهلون المتحاملون بما يشاءون، فنحن -إن شاء الله- فوق ما يظنُّون، والله وراء ما يكيد الظالمون»(٥٦- العدد 3 من جريدة «الصّراط السويّ» (4)).

ونشر الشيخ -رحمه الله- في «الشهاب» خطبةً نقلها عن «جريدة أمِّ القرى» كان قد ألقاها الملك ابن سعودٍ في قصره بمكَّة على خمسمائة رجلٍ من أعيان الحجيج، وممَّا جاء في هذه الخطبة: «يسمُّوننا بالوهَّابيِّين، ويسمُّون مذهبنا بالوهَّابيِّ باعتبار أنَّه مذهبٌ خاصٌّ، وهذا خطأٌ فاحشٌ نشأ عن الدعايات الكاذبة التي يبثُّها أهل الأغراض، نحن لسنا أصحاب مذهبٍ جديدٍ وعقيدةٍ جديدةٍ، ولم يأتِ محمَّد بن عبد الوهَّاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح، التي جاءت في كتاب الله وسنَّة رسوله، وما كان عليه السلف الصالح، ونحن نحترم الأئمَّة الأربعة، ولا فرْقَ عندنا بين مالكٍ والشافعيِّ وأحمد وأبي حنيفة، وكلُّهم محترَمون في نظرنا، هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمَّد بن عبد الوهَّاب يدعو إليها، وهذه هي عقيدتنا، وهي مبنيَّةٌ على توحيد الله -عزَّ وجلَّ-، خالصةٌ من كلِّ شائبةٍ، منزَّهةٌ عن كلِّ بدعةٍ، فعقيدة التوحيد -هذه- هي التي ندعو إليها، وهي التي تُنجينا ممَّا نحن فيه من إِحَنٍ وأوصابٍ»(٥٧- «الشهاب» (ج 6، م 5، ص 40-42)).

- وقال الشيخ محمَّد البشير الإبراهيمي -رحمه الله- في السياق ذاته: «ويقولون عنَّا إنَّنا وهَّابيُّون، كلمةٌ كثر تردادها في هذه الأيَّام الأخيرة حتَّى أنْسَتْ ما قبلها من كلماتٍ: عبداويِّين وإباضيِّين وخوارج، فنحن بحمد الله ثابتون في مكانٍ واحدٍ وهو مستقَرُّ الحقِّ، ولكنَّ القوم يصبغوننا في كلِّ يومٍ بصبغةٍ، ويَسِمُونَنَا في كلِّ لحظةٍ بِسِمَةٍ، وهُمْ يتَّخذون من هذه الأسماء المختلفة أدواتٍ لتنفير العامَّة منَّا وإبعادها عنَّا، وأسلحةً يقاتلوننا بها وكلَّما كلَّتْ أداةٌ جاءوا بأداةٍ، ومن طبيعة هذه الأسلحة الكلال وعدم الغَناء، وقد كان آخر طرازٍ من هذه الأسلحة المفلولة التي عرضوها في هذه الأيَّام كلمة «وهَّابي»، ولعلَّهم حشدوا لها ما لم يحشدوا لغيرها وحفلوا بها ما لم يحفلوا بسواها، ولعلَّهم كافأوا مبتدعها بلقب «مبدعٍ كبيرٍ»، إنَّ العامَّة لا تعرف من مدلول كلمة «وهَّابي» إلاَّ ما يعرِّفها به هؤلاء الكاذبون، وما يعرف منها هؤلاء إلاَّ الاسم، وأشهر خاصَّةٍ لهذا الاسم وهي أنه يذيب البدع كما تذيب النار الحديد، وأنَّ العاقل لا يدري: مِمَّ يعجب! أمِنْ تنفيرهم باسم لا يعرف حقيقتَه المخاطِبُ منهم ولا المخاطَب، أم من تعمُّدِهم تكفيرَ المسلم الذي لا يعرفونه نكايةً في المسلم الذي يعرفونه، فقد وُجِّهتْ أسئلةٌ من العامَّة إلى هؤلاء المفترين من «علماء السنَّة!!» عن معنى «الوهَّابي»؛ فقالوا هو الكافر بالله وبرسوله، ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا﴾، أمَّا نحن فلا يعسر علينا فهمُ هذه العقدة من أصحابنا بعد أنْ فَهِمْنا جميع عُقَدهم، وإذ قد عرفْنا مبلغ فهمهم للأشياء وعلمهم بالأشياء، فإنَّنا لا نردُّ ما صدر منهم إلى ما يعلمون منه، ولكنَّنا نردُّه إلى ما يقصدون به، وما يقصدون بهذه الكلمات إلاَّ تنفير الناس من دعاة الحقِّ، ولا دافِعَ لهم إلى الحشد في هذا إلاَّ أنهم موتورون لهذه الوهَّابية التي هدمتْ أنصابهم ومحتْ بِدَعَهم فيما وقع تحت سلطانها من أرض الله، وقد ضجَّ مبتدعة الحجاز فضجَّ هؤلاء لضجيجهم -والبدعة رحِمٌ ماسَّةٌ-، فليس ما نسمعه هنا من ترديد كلمة «وهَّابي» تُقذف في وجه كلِّ داعٍ إلى الحقِّ إلاَّ نواحًا مردَّدًا على البدع التي ذهبتْ صرعى هذه الوهَّابية، وتحرُّقًا على هذه الوهَّابية التي جرفتِ البدع، فما أبغض الوهَّابية إلى نفوس أصحابنا! وما أثقل هذا الاسم على أسماعهم! ولكن ما أخفَّه على ألسنتهم حين يتوسَّلون به إلى التنفير من المصلحين! وما أقسى هذه الوهَّابية التي فجعتِ المبتدعةَ في بدعهم -وهي أعزُّ عزيزٍ لديهم-، ولم ترحم النفوسَ الولهانة بحبِّها ولم ترْثِ للعبرات المراقة من أجلها!» (٥٨- العدد 9 من جريدة «السنّة» (3)).

وقال -رحمه الله-: «نسمع نغماتٍ مختلفةً ونقرؤها في بعض الأوقات: كلماتُ: مجسِّمة -صادرةٌ من بعض الجهات الإدارية أو الجهات الطُّرقية- تحمل عليها الوسوسة وعدم التبصُّر في الحقائق -من جهةٍ-، والتشفِّي والتشهير -من جهةٍ أخرى-، هذه النغمات هي رمي جمعية العلماء تارةً بأنها شيوعيَّةٌ، وتارةً بأنها محرَّكةٌ بيدٍ خفيَّةٍ أجنبيَّةٍ، وتارةً بأنها تعمل للجامعة الإسلامية أو العربية أو تعمل لنشر الوهَّابية، والطُّرقيون لا تهمُّهم إلاَّ هذه الكلمة الأخيرة، فهي التي تقضُّ مضاجعهم وتحرمهم لذيذ المنام، وحالُهم معها على الوجه الذي يقول فيه القائل:

فَإِذَا تَنَبَّهَ رُعْتَه وَإِذَا غَفَا * سَلَّتْ عَلَيْهِ سيوفَكَ الأَحْلاَمُ

وكيف لا يحقدون عن هادمة أنصابهم، وهازمة أحزابهم؟ فتراهم لاضطغانهم عليها يريدون أن يسبُّوها فيسبُّوننا بها من غير أن يتبيَّنوا حقيقتها أو حقيقتنا، والقوم جهَّالٌ ملتخون من الجهل، وحسْبُهم هذا»(٥٩- «آثاره» (1/198)).

- قال الشيخ أبو يعلى الزواوي -رحمه الله- في مقالٍ بعنوان «الوهَّابيُّون سنِّيُّون، وليسوا بمعتزلةٍ كما يقولون هنا عندنا بالجزائر»: «لمَّا سُئِلْتُ عن هذه الكلمة «الوهَّابيَّة» وعن عقيدة الإخوان النجديِّين، وسمعتْ أذناي ممَّن سألوني ومِن غيرهم قولَهم: إنَّ الوهَّابيِّين معتزلةٌ، وإنَّ الحُجَّاج منقبضون بسبب هذه الكلمة - الوهَّابية أو المعتزلة- المخالِفة على زعمهم؛ أجبتُ بالاختصار أنَّ الإخوان الوهَّابيِّين حنابلةٌ يتعبَّدون على مذهب الإمام أحمد بن حنبل الذي هو أحد المذاهب الأربعة المشهورة ... إنَّ ابن عبد الوهَّاب حنبليٌّ، وإنما هو عالِمٌ إصلاحيٌّ، وأتباعه -السلطان ابن السعود ورعيَّته وإمارته النجديَّة- إصلاحيُّون سلفيُّون سنِّيُّون حقيقيُّون على مذهب أحمد الإمام، وعلى طريقة الإمام تقيِّ الدين ابن تيميَّة في الإصلاح والعناية التامَّة بالسنَّة»(٦٠- العدد 98 من «الشهاب» (2)).

وقال -رحمه الله- في مقالٍ له بعنوان «وهَّابي»: «وقفتُ على ما جاء من مقال العلاَّمة الحجوي الوزير بالمغرب الأقصى في شأن إخواننا الحنابلة الذين يُدْعَوْنَ بل يُنْبَزُون بالوهَّابيِّين منذ قيام العلاَّمة المرحوم الشيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب القائم بدعوة الإصلاح والدعاء إلى الكتاب والسنَّة كما جاء عن الله وعن الرسول والرجوع إلى ذلك، وطرحِ ما أحدث المبتدعة المسمَّمين(٦١- كذا والصواب «المسمَّمون»، لأنه نعتُ فاعلٍ مرفوعٍ، فهو مرفوعٌ مثلُه) -باسم المفعول- بالباطنيَّة المدسوسة والموروثة منذ القرن الرابع عند قيام الدولة الفاطميَّة من مغربنا هذا بجحافلها، واحتلَّت القاهرةَ وسمَّمت الأمَّةَ كافَّةً وبعض العلماء خاصَّةً كمحيي الدين ابن العربي وابن الفارض والنجم الإسرائيلي وابن سبعين وابن سينا، الذين أحدثوا قَوْلَةَ القطب والغوث والأبدال، والسبعة والسبعين، والأربعة والأربعين، إلى غير ذلك ممَّا أبطله العلم الصحيح ولم يعترف به كالديوان وتصرُّف الأموات، وبناء القبور وزخرفتها وإعلاء القُبَبِ والطواف بها...»(٦٢- العدد 6 من جريدة «الصراط السويّ» (4)).

وقال -رحمه الله-: «ولهذا قلت وما زلت ولن أزال أقول: إنَّ المالكي الذي يطعن في الوهَّابيِّين يطعن في مالكٍ ومذهبِه من حيث يشعر أو لا يشعر، أو لأنه جاهلٌ أو متجاهلٌ»(٦٣- العدد 7 من جريدة «الصراط السويّ» (7)).

وقال -رحمه الله- في مقالٍ بعنوان «لِمَ كان أو صار الوهَّابيُّون سُبَّة ؟!!»: «فأهل العلم عمومًا وأهل الإسلام قاطبةً يعلمون أنَّ الوهَّابيِّين حنبليِّين(٦٤- كذا، والصواب: «حنبليون» رفعًا لأنه خبر «أنَّ») من أهل السنَّة والجماعة، ومن المذاهب الأربعة المجمع عليها، والشيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب مجدِّد مذهب الإمام أحمد، مع ترجيح مذهب السلف، وكتابه في العقيدة التوحيديَّة (يعني «كتاب التوحيد الذي هو حقُّ الله على العبيد») يباع بمكتبة ردوسي بمدينة الجزائر، ولا يستطيع سنِّيٌّ أن يردَّ فيه كلمةً واحدةً ولا نصف كلمةٍ، وأنَّ الوهَّابيِّين بإجماع الأمَّة مسلمون سنِّيُّون، من أهل القبلة)(٦٥- العدد 167 من جريدة «البصائر» (2)).



(ثانيًا) الرد التفصيلي:

بعد أن عَرَّفَنا علماءُ الجمعيّة -رحمهم الله- بعقيدتهم التي دعَوُا الناسَ إليها وكذا موقفهم من الصوفيَّة والأشعريَّة بكلامٍ واضحٍ محكمٍ ومفصَّلٍ لا يحتاج إلى شرحٍ ويحصل به الجواب الكافي للإشكالية التي يزعم حلَّها صاحب المقال، والكشف البيِّن الوافي لزيف ما أورده لإثبات دعواه من حججٍ بما يُغني عن الرَّدِّ عليها، فلا بأس أن نجيب عنها تنفيلاً فتُكشَف شُبَهُه جملةً وتفصيلاً، وسنورد هذه الشبه وننقل مقاطع من كلام صاحب المقال بحروفه ثم نَكِرُّ عليها بعون الله تعالى مفنِّدين لها واحدةً وحدةً.

شُبَهٌ تَهَافَتُ كَالزُّجَاجِ تَخَالُهَا * حَقًّا وَكُلٌّ كَاسِرٌ مَكْسُورُ



الشبهة الأولى: علماء الجمعية يدرِّسون التوحيد وفق أصول الأشعرية والتصوُّف

قال صاحب المقال: [ماذا نجدُ في تراث الجمعيَّة:

أوَّلاً: جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تقرِّر تدريس التوحيد وفق أصول الأشاعرة، ومعلومٌ أنَّ الأشاعرة ليسوا من أهل السنَّة والجماعة عند السلفية المعاصرة، وقد كان العلاَّمة ابن باديس أدرج ضمن قائمة العلوم التي كان يدرِّسها لطلبة العلم، المتونَ التي تحكي أصول الأشاعرة في العقائد وأصول التصوُّف الصحيح في السلوك؛ كمتن ابن عاشر المعروف ﺑ«المرشد المعين على الضروريِّ من علوم الدين» للعلاَّمة عبد الواحد ابن عاشرٍ الفاسي، الذي استفتح متنه بقوله:

فِي عَقْدِ الاشْعَرِي وفِقْهِ مَالِكِ **** وفِي طَرِيقَةِ الجُنَيْدِ السَّالِكِ

فهل جمعية العلماء المسلمين كانت تدرِّس الأجيالَ حَمَلَةَ دين الله إلينا (التصوُّفي الخرافي!) و(عقيدة التعطيل!) كما تصفهما السلفية المعاصرة! فتأمَّلْ!].



الشبهة الثالثة: تدريس تلاميذ علماء الجمعية طلبتَهم -إلى اليوم- العقيدةَ الأشعريّة

ثمَّ أورد الشبهة الثالثة (على ترتيبه) فقال: [ثالثًا: تلامذة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلى يومنا هذا يُدرِّسون لطلبتهم العقيدة الأشعرية التي تلقَّوْها من شيوخهم؛ كما يفعل الفاضل الطاهر آيت علجت وغيره من إخوانه؛ وهم أعلم بمنهج الجمعية في العقيدة من غيرهم، مصداقه قوله تعالى [سورة فاطر: 14]: ﴿وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾، وقوله أيضًا [سورة الفرقان: 59]: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾، فكيف نعدل عن قول ابن الدار في الدار! فتأمَّلْ!].



الجواب عن الشبهة الأولى والثالثة:

من المعلوم والمتواتر أنَّ الشيخ عبد الحميد بن باديس -رحمه الله- كان يُملي على تلاميذه العقيدة السلفية على أصول أهل السنَّة والجماعة، وهي التي طُبعتْ بعد وفاته باسم «العقائد الإسلاميَّة من الآيات القرآنيَّة والأحاديث النبويَّة»، وعلى ذلك سارت الجمعيَّة متَّخذةً لها تلك العقيدة منهجًا تسترشد به في دعوتها بشهادة أخصِّ أصحاب الشيخ -رحمه الله- وأقرب طلاَّبه على عكس ما قال صاحب المقال.

- قال الشيخ البشير الإبراهيمي في تقديمه لكتاب صاحبه ورفيقه: «هذه عدَّةُ دروسٍ دينيَّةٍ، ممَّا كان يلقيه أخونا الإمام المبرور الشيخ عبد الحميد بن باديس، إمام النهضة الدينيَّة والعربيَّة والسياسيَّة في الجزائر غيرَ مدافَعٍ، على تلامذته في الجامع الأخضر بمدينة قسنطينة، في أصول العقائد الإسلاميَّة وأدلَّتها من القرآن، على الطريقة السلفيَّة، التي اتَّخذتْها جمعيَّة العلماء المسلمين الجزائريين منهاجًا لها بعد ذلك، وبنَتْ عليها جميع مبادئها ومناهجها في الإصلاح الديني مسترشدةً بتلك الأصول التي كان الإمام -رحمه الله- يأخذ بها تلامذته قبل تأسيس الجمعيَّة ...كان الإمام المبرور يصرف تلامذته من جميع الطبقات على تلك الطريقة السلفية ... والإمام رضي الله عنه كان منذ طلبه للعلم بتونس قبل ذلك -وهو في مقتبل الشباب- ينكر بذوقه ما كان يبني عليه مشائخه من تربية تلاميذتهم على طريقة المتكلِّمين في العقائد الإسلاميَّة، ويتمنَّى يوم أن يُخرجهم على الطريق القرآنيَّة السلفيَّة في العقائد يوم يصبح معلِّمًا، وقد بلَّغه الله أمنيَّته، فأخرج للأمَّة الجزائريَّة أجيالاً على هذه الطريقة السلفيَّة قاموا بحمل الأمانة من بعده، ووراءهم أجيالٌ أخرى من العوامِّ الذين سعدوا بحضور دروسه ومجالسه العلمية»(٦٦- «العقائد الإسلاميّة» (20)).

وقال كذلك -رحمه الله-: «وهذا درسٌ من دروسه ينشره اليوم في أصل العقيدة الإسلاميَّة بدلائلها من الكتاب والسنَّة تلميذه الصالح كاسمه محمَّد الصالح رمضان، فجاءت عقيدةً مثلى يتعلَّمها الطالب فيأتي منه مسلمٌ سلفيٌّ موحِّدٌ لربِّه بدلائل القرآن كأحسن ما يكون المسلم السلفي، ويستدلُّ على ما يعتقد في ربِّه بآيةٍ من كلام ربِّه، لا بقول السنوسي في عقيدته الصغرى: أمَّا برهان وجوده تعالى فحدوث العالم! .....»(٦٧- «العقائد الإسلاميّة» (22)).

- وقال تلميذه الأستاذ محمَّد الصالح رمضان -رحمه الله- في مقدِّمة الطبعة الأولى «العقائد الإسلامية»: «...وأنا واثقٌ من أنَّ هذه الطريقة السلفيَّة التي سار عليها أستاذنا الإمام في عرض العقيدة الإسلاميَّة هي الطريقة المثلى»(٦٨- «العقائد الإسلاميّة» (05)).

وقال -رحمه الله- في مقدِّمة الطبعة الأولى -أيضًا-: «تلقَّيْتُ هذه الدروس إملاءً عن أستاذنا الإمام مباشرةً في حِلَقٍ دراسيَّةٍ مسجديَّةٍ بالجامع الأخضر بقسنطينة في الفترة ما بين (16 رجب 1353 و25 صفر 1354 هجرية الموافقة لأكتوبر 34 وماي من 35 من السنة الميلاديَّة) أي في ثمانية أشهر، بنسبة حصَّةٍ واحدةٍ في الأسبوع لا تتجاوز الثلاثين دقيقةً، وسط جمعٍ من الطلاَّب يقارب أحيانًا المائة في أوَّل عهدي بالدراسة العربيَّة الإسلاميَّة ...»(٦٩- «العقائد الإسلاميّة» (06)).

وقال -رحمه الله- في مقدِّمة الطبعة الثانية: «وممَّا وعَيْتُه عنه هذه الإملاءاتُ في التوحيد من الآيات القرآنيَّة والأحاديث النبويَّة التي لم يَفُتْني منها شيءٌ والحمد لله، ... وكأنَّ صوت إمامنا ما يزال يَرِنُّ في أذني حين إملاء هذه الدروس بالجامع الأخضر، وقد حذا فيها الإمام حذو السلفيَّة الرشيدة، من اعتماد كتاب الله والصحيح من سنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قَبْلَ تفسيرات المذاهب المختلفة، وتأويلاتِ أصحابها في مرحلة الاختلاط، والاستشهادِ بما عند الأقدمين من أصحاب الأديان والفلسفات والمذاهب الأخرى»(٧٠- «العقائد الإسلاميّة» (12)).

فهذه إذًا شهاداتٌ وتصريحاتٌ من خواصِّ أصحاب الشيخ ابن باديس وتلاميذه تتعلَّق بالدروس المقرَّرة في العقيدة يظهر بها تلبيس صاحب المقال لمَّا قال بأنَّ «جمعية العلماء المسلمين الجزائريِّين تقرِّر تدريس التوحيد وفْق أصول الأشاعرة» وقوله «تلامذة جمعيَّة العلماء المسلمين الجزائريِّين إلى يومنا هذا يُدرِّسون لطلبتهم العقيدة الأشعريَّة التي تلقَّوْها من شيوخهم».

- أمَّا قوله «كما يفعل الفاضل الطاهر آيت علجت وغيره من إخوانه»، فيُقال له: نعم كما فعلوه هم من اختيارهم، لا كما نسبوه إلى علماء الجمعية أو أنهم درسوه عنهم، ولو أنهم زعموا ذلك لخطَّأتْهم النقولُ السابقة.

- أمَّا قوله مُلزمًا «وهم أعلم بمنهج الجمعية في العقيدة من غيرهم، مصداقه قوله تعالى [سورة فاطر: 14]: ﴿وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ وقوله أيضًا [سورة الفرقان: 59]: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾، فيقال له: لا يلزم بتاتًا من فعل أولئك المذكورين أنْ يكون هذا هو منهج الجمعية؛ لأنه إذا كان لازم المذهب الذي فعله الشخص ليس مذهبًا له فكيف يكون لازم مذهب ما فعله غيره مذهبًا له؟! كما لا يلزم -أيضًا- من اختيار التلميذ لقولٍ أو رأيٍ ما، أنه مذهب من درَّسه، هذا على فرض أنه لم يَلْقَ في حياته إلاَّ ذلك الشيخ ولم يستفد إلاَّ منه، فكيف إذا لقي غيره، ألا يكون قد تأثَّر بذلك الغير؟!، ولو سُلِّمتْ تلك اللوازم كلُّها جدلاً لصاحب المقال فقد نقلتُ من كلام علماء الجمعيَّة ما هو صريحٌ في نقضه ولا يُترك المنطوق الصريح إلى ما هو من اللازم.

- أمَّا قوله: «فكيف نعدل عن قول ابن الدار في الدار؟»، فيقال: وكيف نعدل عن قول ربِّ البيت والدار في ملكه وداره؟ ونذهب إلى فعل ابن الدار خاصَّةً وقد تنكَّر وخرج من الدار، وقد عارضه أخوه البارُّ؟

- أمَّا ما يتعلَّق بالنظم المعروف ﺑ«متن ابن عاشر» وقول صاحب المقال ملبِّسًا ومدلِّسًا: «وقد كان العلاَّمة ابن باديس أدرج ضمن قائمة العلوم التي كان يدرِّسها لطلبة العلم المتونَ التي تحكي أصول الأشاعرة في العقائد وأصول التصوُّف الصحيح في السلوك؛ كمتن ابن عاشرٍ المعروف ﺑ«المرشد المعين على الضروريِّ من علوم الدين» للعلاَّمة عبد الواحد بن عاشرٍ الفاسي، الذي استفتح متنه بقوله:

فِي عَقْدِ الاشْعَرِي وفِقْهِ مَالِكِ * وَفِي طَرِيقَةِ الجُنَيْدِ السَّالِكِ»

فيقال:لم يكن هذا النظم مقرَّرًا في درس العقيدة، بل كان مقرَّرًا في درس مادَّة الفقه للمبتدئين؛ لأنَّ المذهب المنتشر في المغرب هو مذهب مالكٍ، والطريقة المشتهرة عند المغاربة في دراسة الفقه هي البداءة بحفظ هذه المنظومة أوَّلاً ثمَّ الانتقال إلى غيرها، وهي عندهم من أفضل المختصرات في الفقه المالكي، وهي تحتوي على فقه العبادات فقط، إضافةً إلى مقدِّمةٍ في العقيدة الأشعرية وخاتمةٍ في التصوُّف، وهاتان الأخيرتان إنما جاءتا تبعًا وليستا مقصودتين في التدريس،لأنَّ الدرس في مادَّة الفقه، ومن المؤكَّد أنَّ الشيخ: إمَّا أنه كان يتجاوزهما ويتحاشاهما لِمَا تحويان من عقائدَ فاسدةٍ وشطحاتٍ كاسدةٍ قد بحَّ صوتُه وجفَّ قلمُه في التحذير منها، أو أنه تعرَّض لِمَا فيهما بالنقض والنقد على أصول العقيدة السلفية، إذ لا مانِعَ من تدريسها لبيان ما فيها.



الشبهة الثانية: ما قرَّره الشيخ حمَّاني تلميذُ ابن باديس ومرآةُ الجمعية من أنَّ الأشاعرة من أهل السنَّة والجماعة وأنَّ السلف قبلوا التأويل والتفويض

قال في هذه الشبهة: [ثانيًا: قال الشيخ حمَّاني تلميذ العلاَّمة ابن باديس -رحمهما الله- ومرآة جمعية علماء المسلمين [فتاوى الشيخ ...]: وقد قَبِل أسلافنا تأويل الأشاعرة كما قبلوا تفويض السلف، اﻫ. وقال أيضًا -رحمه الله- [انظر: فتاوى الشيخ ...]: ومن تمعَّن في نصوص الشريعة جيِّدًا، ودرس حُجَجَ الفرق المتنازعة بإنصافٍ، حكم بأنَّ الحقَّ بجانب أهل السنَّة والجماعة، الذين منهم الأشاعرة، اﻫ].

ثمَّ قال صاحب المقال معلِّقًا وموجِّهًا [وها هو تلميذ الجمعيَّة البارُّ الشيخ حمَّاني يُقرِّر أنَّ : أ- سلفنا قَبِلَ التأويل، ب- سلفنا قَبِلَ التفويض، ﺟ- الأشاعرة من أهل السنَّة والجماعة. وكلٌّ من التأويل والتفويض رضي بهما كبار علماء الأمَّة؛ قال الإمام النووي في «المنهاج ...»: قَوْله صلَّى الله عليه وسلَّم: «يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ»، ‏ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ، وَفِيهِ مَذْهَبَانِ مَشْهُورَانِ لِلْعُلَمَاءِ سَبَقَ إِيضَاحُهمَا فِي كِتَابِ الإِيمَان، وَمُخْتَصَرُهمَا أَنَّ أَحَدهمَا وَهُوَ مَذْهَب جُمْهُورِ السَّلَفِ وَبَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ: أَنَّهُ يُؤْمِن بِأَنَّهَا حَقٌّ عَلَى مَا يَلِيقُ بِاللهِ تَعَالَى، وَأَنَّ ظَاهِرهَا الْمُتَعَارَفَ فِي حَقِّنَا غَيْرُ مُرَادٍ، وَلاَ يَتَكَلَّمُ فِي تَأْوِيلهَا مَعَ اِعْتِقَادِ تَنْزِيهِ اللهِ تَعَالَى عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ، وَعَنِ الانْتِقَالِ وَالْحَرَكَاتِ وَسَائِرِ سِمَاتِ الْخَلْقِ، وَالثَّانِي: مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَجَمَاعَاتٍ مِنْ السَّلَفِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ هُنَا عَنْ مَالِكٍ وَالأَوْزَاعِيِّ: أَنَّهَا تُتَأَوَّلُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهَا بِحَسَبِ مَوَاطِنِهَا، فَعَلَى هَذَا تَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ تَأْوِيلَيْنِ أَحَدُهمَا: تَأْوِيلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ، مَعْنَاهُ: تَنْزِلُ رَحْمَتُهُ وَأَمْرُهُ وَمَلاَئِكَتُهُ كَمَا يُقَالُ: فَعَلَ السُّلْطَانُ كَذَا إِذَا فَعَلَهُ أَتْبَاعُهُ بِأَمْرِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَلَى الاِسْتِعَارَةِ، وَمَعْنَاهُ : الإِقْبَالُ عَلَى الدَّاعِينَ بِالإِجَابَةِ وَاللُّطْفِ، وَاللهُ أَعْلَمُ، اﻫ].

ثمَّ قال صاحب المقال معلِّقًا [ومعلومٌ أنَّ التأويل والتفويض عند السلفيَّة المُعاصرة: (((ضلالٌ!!!))) و(((تعطيلٌ!!!)))! ومعلوم أيضًا أنَّ الأشاعرة من الفرق الضالَّة عند السلفيَّة المُعاصرة! فتأمَّلْ!]



الجواب عن الشبهة الثانية:

أوَّلاً: من قال بأنَّ الشيخ أحمد حمَّاني -رحمه الله- هو مرآة جمعيَّة العلماء المسلمين؟ بل مرآة الجمعيَّة بحقٍّ هي التي تعكس لنا أفعالهم وأقوالهم وما كان عليه اعتقادهم، وهذا يتمثَّل في المجلاَّت الأسبوعيَّة التي أسَّستْها وأصدرتْها باسمها، وهي «السنَّة المحمَّديَّة» (8 ذي الحجة 1351- 1933م)، ثمَّ خلفتْها «الشريعة المطهَّرة» (24 ربيع الأوَّل 1352 - 1933م)، ثمَّ تلتْها بعد منعها «الصِّراط السَّوِيّ» (21 جمادى الأولى 1352-1933م)، ثمَّ أسَّستِ الجمعيَّة بعد منع الحكومة الفرنسية لهذه الأخيرة -أيضًا- جريدة «البصائر» التي بقيت مستمرَّةً في أداء رسالتها بصفتها لسان حالٍ للجمعيَّة إلى غاية (1376-1953م)، قال الشيخ مبارك الميلي -رحمه الله-: «تشكَّلت الجمعيَّة سنة خمسين، فبثَّتِ الوعَّاظَ في الجهاتِ، وأنشأت الصحف الصادقةَ اللهجاتِ، وصبرت على ما تلاقيه من صدماتٍ، وها هي ذي في سنة خمس وخمسين تخاطب الضمائر بصحيفتها الحديثة المسمَّاة «البصائر»»(٧١- «رسالة الشرك ومظاهره» (37)).

إضافةً إلى مجلَّة «الشهاب» التي كانت ملكًا للشيخ ابن باديس -رحمه الله- وتصدر باسمه الشخصي مستقلَّةً عن الجمعيَّة، وكذلك الكتب والرسائل الفرديَّة التي ألَّفها علماء الجمعيَّة وطُبعتْ مستقلَّةً ممَّا لم يُنشر في المجلاَّت المذكورة سلفًا.

ثانيًا: لم يأتِ في فتوى الشيخ حمَّاني -رحمه الله- التي نقلها صاحب المقال ما يدلُّ على أنَّ ذلك هو اعتقاد علماء الجمعيَّة لا بصريح العبارة ولا بالتلميح والإشارة، خاصَّةً لو تَذَكَّر القارئ المنصف ما مرَّ علينا في بيان عقيدتهم من كلامهم -رحمهم الله-، ما يجعلنا نجزم بأنَّ ذلك رأيُه الخاصُّ، وهو في ذلك قد جانب الصوابَ وخالف سلفَ الأمَّة وأئمَّة السنَّة -رحمهم الله-، نسأل اللهَ أن يتجاوز عنه ذلك، ولسنا بصدد بيان ذلك حتَّى لا نخرج عن المقصود وهو تبرئة علماء الجمعيَّة مما أُلصق بهم فحسْب.



الشبهة الرابعة: طبعُ ابن باديس وتحقيقه لكتاب «العواصم من القواصم» وثناؤه عليه وعلى دحض مؤلِّفه ابن العربي الأشعري لعقائد الظاهرية كالذين يحملون حديث النزول على ظاهره

قال في هذه الشبهة: [رابعًا: الشيخ ابن باديس -رحمه الله- أوَّل من طبع وقام بتحقيق كتاب «العواصم من القواصم» لقاضي قضاة المالكيَّة الإمام ابن العربي الأشعري؛ فأثنى -ابن باديس- على الكتاب في مقالٍ حافلٍ، وخصَّ بالذكر دحْضَ صاحب الكتاب لعقائد الظاهريَّة والباطنيَّة، فإذا علمتَ أنَّ العلاَّمة ابن العربي أصَّل في كتابه هذا للعقيدة وفق أصول الأشاعرة ونقض وفق هذه الأصول مذاهب الظاهريَّة في العقيدة كالذين يحملون حديث النزول على ظاهره كما ذكر -رحمه الله-؛ ظهر جليًّا مذهب العلاَّمة ابن باديس -رحمه الله-.

قال الشيخ ابن باديس -رحمه الله- في التعريف بكتاب «العواصم من القواصم» للإمام ابن العربي: [ابن باديس حياته وآثاره ...]: قد كتب هذا الإمام في علوم الإسلام الكتب الممتعة الواسعة، وسار فيها كلِّها على خطَّة البحث والتحقيق والنظر والاستدلال بعلمٍ صحيحٍ وفكرٍ ثاقبٍ وعارضةٍ واسعةٍ، وعبارةٍ راقيةٍ في البلاغة، وأسلوبٍ حلوٍ جذَّابٍ في التعبير، وهذا كتاب «العواصم من القواصم» من آخر ما ألَّف، قد سار فيه على تلك الخطَّة، وجمع فيه على صغر حجمه بين سائر كتبه العلميَّة فوائدَ جمَّةً وعلومًا كثيرةً، فتعرَّض فيه لآراءٍ في العلم باطلةٍ، وعقائدَ في الدين ضالَّةٍ، وسمَّاها قواصم، وأعقبها بالآراء الصحيحة والعقائد الحقَّة المؤيَّدة بأدلَّتها النقليَّة، وبراهينها العقليَّة المزيِّفة لتلك الآراء والمبطلة لتلك العقائد وسمَّاها عواصم، فانتظم ذلك مناظرةَ السفسطائيِّين(٧٢- سقط من المقال قوله: «الفلاسفة» قبل «السفسطائيين») والطبائعيِّين والإلاهيِّين، ومناظرة الباطنيَّة والحلوليَّة، وأرباب الإشارات من غلاة الصوفيَّة وظاهريَّة العقائد، وظاهريَّة الأحكام، وغلاة الشيعة والفرقة المتعصِّبة للأشخاص باسم الإسلام، اﻫ].

ثمَّ قال صاحب المقال مفسِّرًا للكلام السابق [ثمَّ قال موضِّحًا طريقة الإمام ابن العربي -رحمه الله- في كتابه ذاك: (نفس المصدر ...) سالكًا -أي: ابن العربي- في سبيل الاحتجاج لعقائد الإسلام، وإبطال العقائد المحدثة عليه من المنتمين إليه السبيلَ الأقوم الأرشد، سبيلَ الاستدلال بالآيات القرآنيَّة والأحاديث النبويَّة التي هي أدلَّةٌ نقليَّةٌ في نصوصها عقليَّةٌ برهانيَّةٌ في مدلولها، وهذه الطريقة التي أرادها بقوله في هذا الكتاب: (وهكذا هي حقيقة الملَّة، من أراد أن يُدخل فيها داخلةً رُدَّ عنها إليها بأدلَّتها)، وهي طريقة القرآن الذي اتَّضح به كمال الشريعة في عقائدها وأدلَّتها، وإذ لم يكن بدٌّ من الخطإ لغير المعصوم، فليس تفاضُلُ الناس في السلامة منه، وإنما تفاضُلُهم في قلَّته وكثرة الصواب التي تغمره، وللإمام ابن العربي في كتابه هذا ممَّا ذكرْناه في وصفه من كمالٍ ما يذهب بما قد يكون فيه من بعضِ خطإٍ يسيرٍ لا يسلم منه بشرٌ، وحسْبُ كتابه هذا أن يكون موردًا مَعينًا لطلاَّب العقائد الإسلاميَّة الحقَّة بأدلَّتها القاطعة، وأصول الإسلام الخالية ممَّا أحدثه المحدِثون من خرابٍ وتدجيلٍ، وأن يكون أنموذجًا راقيًا في التحقيق في البحث، والتعمُّق في النظر، والاستقلال في الفكر، والرجوع إلى الدليل، والاعتضاد بأنظار الأئمَّة الكبار، وأن يكون صفحةَ تاريخٍ صادقٍ لِمَا كانت عليه الحالة الفكريَّة للمسلمين بالشرق والغرب في عصر المؤلِّف، وهو القرن الخامس الهجريُّ، وكفى بهذا كلِّه باعثًا لنا على طبعه ونشره وتعميم فائدته، اﻫ].

ثمَّ قال صاحب المقال [ومن رجع إلى الكتاب المذكور «العواصم من القواصم» يجدُ أنَّ العلاَّمة ابن العربي المالكي يقصد بظاهريَّة العقائد الذين يحملون المتشابه على ظاهره كحديث النزول وآيات الاستواء و... وغيرها، ومعلومٌ أنَّ هذا المذهب الذي نقضه ابن العربي هو مذهب السلفيَّة المعاصرة، ومنه يُعلم منهج العلاَّمة ابن باديس في العقيدة الموافق لِمَا عليه جمهور علماء المسلمين، إذ لا يصحُّ شرعًا ولا عقلاً أن يُثْنِيَ الشيخ ابن باديس على عقائد (أهل البدع والضلال فتأمَّلْ)].



الجواب عن الشبهة الرابعة:

طبعُ الشيخ ابن باديس -رحمه الله- لكتاب «العواصم من القواصم» وثناؤه عليه وعلى مؤلِّفه ابن العربي المالكي وطريقتِه فيه إنما كان قديمًا، وهذا في [(سنة 1345 ﻫ الموافق السنة 1926م)]، ثمَّ نجد الشيخ -رحمه الله- بعد ذلك بسنواتٍ وإلى قبل وفاته بقليلٍ يخالف ذلك، فيتبرَّأ من علم الكلام وأهله في غير ما موضعٍ، ويقرِّر عقيدة السلف بالمنطوق الصريح الذي لا يدخله أيُّ احتمالٍ، ما يجعلنا نجزم بأنَّ عقيدة السلف هي آخر ما استقرَّ عليه أمرُ الشيخ -رحمه الله-، ولهذا فمثلما أنَّ الشيخ -رحمه الله- أثنى على كتاب ابن العربي، نلفيه قد ذمَّ -بعد ذلك بنحو تسع سنواتٍ- كتابًا لا يقلُّ عن كتاب «العواصم» في الانتصار للأشعريَّة والسير على الأصول الكلاميَّة، وهوكتاب «إحياء علوم الدين» لأبي حامدٍ الغزَّالي، وصرَّح الشيخ -رحمه الله- بأنَّ في هذا الكتاب الخطأَ الضارَّ، وعدَّ من هذا الخطإ الضارِّ تأويلاتِ الأشاعرة، وهذا أثناء ترجمته لمحمَّد رشيد رضا صاحب المنار نشرها في «الشهاب» [(ج7 م11)] ومؤرَّخة [(غرَّة رجب 1354ﻫ الموافق أكتوبر 1935م)]، فبعد أن تكلَّم عن تأثُّره بكتاب «الإحياء» وتنسُّكه على الطريقة الشاذليَّة ثمَّ النقشبنديَّة، تكلَّم عن سبب تخلُّص نسكه ممَّا عَلِقه من الباطل والضلال جرَّاء مطالعته للإحياء فقال: «دعاه شغفُه بكتاب «الإحياء» إلى اقتناء شرحه الجليل للإمام المرتضى الحسيني، فلمَّا طالعه ورأى طريقته الأثريَّة في تخريج أحاديث «الإحياء» فُتح له باب الاشتغال بعلوم الحديث وكتب السنَّة، وتخلَّص ممَّا في كتاب «الإحياء» من الخطإ الضارِّ -وهو قليلٌ-، ولا سيَّما عقيدة الجبر والتأويلات الأشعريَّة والصوفيَّة والغلوّ في الزهد وبعض العبادات المبتدعة، وتَرَكَ أوراد الشاذليَّة لمَّا عَلِمَ أنَّ قراءتها من البدع التي جُعلتْ من قبيل الشعائر والشرائع التي شرعها الله تعالى على ما فيه (أي وِرْد السحر وأمثاله) من الأمور والأقسام المنتقدة شرعًا، واستبدل بها قراءة القرآن ووِرْدًا آخرَ في الصلاة على النبيِّ -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- (ليس فيه شبهةُ بدعةٍ من توقيتٍ وجهرٍ وصيغٍ منكرةٍ ومضاهاةٍ للشعائرِ الموهمةِ للمأثور عن الشارع)، كما ترك أوراد النقشبنديَّة وذِكرها (غير المشروع المخالف لجميع ما ورد في الذكر المأثور)، وبيَّن ما في رابطتها من شركٍ أو بدعةٍ، فتخلَّص نسكه -بعد طرح ذلك كلِّه للتنسُّك الإسلاميِّ من تجريد التوحيد وتزكية النفس، وتقويم الأعمال وتصحيح النية، ومحاسبة النفس ومراقبة الله في جميع الأعمال، والزهد في الدنيا والعمل للآخرة، والمبالغة في العبادات المشروعة والاعتصام بالورع، موزونًا ذلك كلُّه ومضبوطًا بالكتاب والسنَّة وما كان عليه أهل القرون الثلاثة: الصحابة والتابعون وأتباع التابعين رضي الله عنهم أجمعين»(٧٣- «آثار ابن باديس» (4/197-198)، جمع وترتيب: عمّار طالبي).

وللشيخ -رحمه الله- كلامٌ طويلٌ تحت عنوان «تثبيت القلوب بالقرآن العظيم» نشره في [(الشهاب: ج3، م8، ص 133- 139)] هو مؤرخ في [(غرَّة ذي القعدة 1350- مارس 1932م)]، (يعني بنحو ستَّة سنوات من طبعه لكتاب «العواصم»)، وممَّا جاء فيه أنه تحدَّث عن حال المعرضين عن القرآن الآخذين بمسلك الفلسفة والكلام، وكيف كان مصير هؤلاء إلى الشكِّ ومرض القلب فقال: «ولقد ذهب قومٌ مع تشكيكات الفلاسفة وفروضهم، ومماحكات المتكلِّمين ومناقضاتهم، فما ازدادوا إلاَّ شكًّا وما ازدادت قلوبهم إلاَّ مرضًا، حتَّى رجع كثيرٌ منهم في أواخر أيَّامهم إلى عقائد القرآن وأدلَّة القرآن، فشُفُوا بعد ما كادوا، كإمام الحرمين والفخر الرازي».

ولا ريب أنَّ إمام الحرمين والفخر الرازي -رحمهما الله- كانا من أئمَّة الأشاعرة، وكلام الشيخ واضحٌ في أنَّ رجوعهما عمَّا كانا عليه إلى عقيدة السلف هو سبب شفائهما من مرض القلب بعد أن كادا أن يهلكا، وعليه فقولُ صاحب المقال بأنَّ (ثناء ابن باديس على كتاب «العواصم» ودحض صاحبه لعقائد الظاهريَّة الذين يحملون حديث النزول على ظاهره يُظهر جليًّا مذهب العلاَّمة ابن باديس -رحمه الله-)، وقولُه (منه يُعلم منهج العلاَّمة ابن باديس في العقيدة الموافق لِمَا عليه جمهور علماء المسلمين) يُردُّ عليه بأنه: لو كان ذلك مذهبه إلى أن مات فكيف يسمِّي العقيدة الأشعريَّة شكًّا ومرضًا؟ أم كيف يصرِّح بأنَّ التأويلات الأشعرية خطرٌ ضارٌّ؟ إذ يلزم من هذا أنَّ الشيخ -رحمه الله- يُثني على ما أقرَّ بأنه ضارٌّ وأنه شكٌّ ومرضٌ ويذمُّ ما أقرَّ بأنه نفعٌ وشفاءٌ ويقينٌ، وإنما العدل والتوجيه السليم أن يُقالَ: إنَّ ذلك صدر منه قديمًا، ثمَّ تراجع عنه بدليل التاريخ، وممَّا يعزِّز هذا توضيحُه لعقيدته في الأسماء والصفات، وقد جاءت موافِقةً لعقيدة أهل السنَّة، وهي مسطَّرةٌ في كتابه «العقائد» وهو آخر ما بلغنا عنه -رحمه الله-، حيث قال: «نُثبت له ما أثبته لنفسه على لسان رسوله من ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله، وننتهي عند ذلك ولا نزيد عليه، وننزِّهه في ذلك عن مماثلةِ أو مشابهةِ شيءٍ من مخلوقاته، ونُثبت الاستواء والنزول ونحوهما، ونؤمن بحقيقتهما على ما يليق به تعالى بلا كيفٍ، وبأنَّ ظاهرها المتعارَفَ في حقِّنا غير مرادٍ»، اﻫ(٧٤- «العقائد الإسلاميّة» (71)).

وقال الأستاذ محمَّد الصالح رمضان في مقدِّمة الطبعة الأولى: «تلقَّيْتُ هذه الدروسَ إملاءً عن أستاذنا الإمام مباشرةً في حِلَقٍ دراسيَّةٍ مسجديَّةٍ بالجامع الأخضر بقسنطينة في الفترة ما بين (16 رجب 1353 و25 صفر 1354 هجرية الموافق لأكتوبر 34 وماي من 35 من السنة الميلادية)، أي في ثمانية أشهرٍ، بنسبة حصَّةٍ واحدةٍ في الأسبوع، لا تتجاوز الثلاثين دقيقةً، وسط جمعٍ من الطلاَّب يقارب أحيانًا المائة في أوَّل عهدي بالدراسة العربيَّة الإسلاميَّة ...»(٧٥- «العقائد الإسلاميّة (06))، وهذا يعني أنَّ هذه الدروس كانت خمس سنواتٍ فقط قبل وفاته -رحمه الله- وأيضًا في نشر الأستاذ محمَّد الصالح والشيخ البشير الإبراهيمي لهذا الكتاب وتقديمهما له دليلٌ على أنها العقيدة التي مات عليها الشيخ -رحمه الله-.

بقي قول صاحب المقال: «إذ لا يصحُّ شرعًا ولا عقلاً أن يُثنيَ الشيخ ابن باديس على عقائد أهل البدع والضلال فتأمَّلْ» فإنه يُشمُّ منه رائحة دعوى عصمةِ (أو «الحفظ» في اصطلاح المتصوِّفة) الشيخ -رحمه الله- من الأخطاء والمخالفات، وهذا اعتقاد الصوفيَّة في أوليائهم، وهي عندهم من أجلِّ الكرامات التي تكون للأولياء، وهُمْ في هذا قد قلَّدوا الشِّيعة الذين يعتقدون العصمة في أئمَّتهم، أمَّا أهل السنَّة والجماعة فمِن أصول اعتقادهم أنه لا أحدَ بعد الرسول الكريم -عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم- معصومٌ من الخطأ.



الشبهة الخامسة: تأويل الأخبار الإضافية

قال في هذه الشبهة: [خامسًا: الشيخ ابن باديس يتأوَّل في الأخبار الإضافيَّة.

عَنْ‏ ‏أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ ‏أَنَّ رَسُولَ اللهِ ‏صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ، إِذْ أَقْبَلَ نَفَرٌ ثَلاَثَةٌ ... فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ ‏صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏قَالَ:‏ «‏أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنْ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللهِ فَآوَاهُ اللهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ»، قال الشيخ ابن باديس عند شرح الحديث: [ابن باديس حياته وآثاره]: فاستحيا الله منه: ترك عقابه ولم يحرمه من ثوابٍ. أعرض: التفت إلى جهةٍ أخرى فذهب إليها، فأعرض الله عنه: حرمه من الثواب، اﻫ.

قال ربُّنا [الذاريات: 47]: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾، قال الشيخ ابن باديس [ابن باديس حياته وآثاره]: بِأَيْدٍ: بقوَّةٍ، اﻫ.

ثمَّ علَّق صاحب المقال قائلاً: «تأويلاتٌ محضةٌ وفق أصول الأشاعرة، وهي عند السلفيَّة المعاصرة من مذاهب (أهل البدع والمُعطِّلة!!!). فتأمَّلْ!».



الجواب عن الشبهة الخامسة:

ممَّا سبق من النقول الكثيرة من كلام الشيخ عبد الحميد بن باديس -رحمه الله- في مسائل الاعتقاد والمنهج، نعلم أنه -رحمه الله- كان منطلقًا من مبدإ الاستسلام لدليل الوحيين: الكتاب والسنَّة، ومعوِّلاً على فهم سلف الأمَّة، وكان -رحمه الله- مجريًا لنصوص الصفات على ظاهرها على ما يليق بالله جلَّ في عُلاه من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ كما قرَّره -رحمه الله- في كتابه «العقائد»، فمِن الظلم أن نعدلَ عن ذلك الكثير المحقَّق الصريح وهو محكم نصِّه، ونأخذ بما يَدخله الاحتمال وهو متشابه قوله، ثم نغلِّب المتشابه على المحكم وهو قولٌ باطلٌ، كمثل ما أورده صاحب المقال في هذه الشبهة من شرح الشيخ -رحمه الله- لحديث أبي واقدٍ الليثي رضي الله عنه، إذ لا يُسَلَّم أن الشيخ -رحمه الله- وقع في التأويل، ذلك لأنه -رحمه الله- لم يتعرَّض للصفتين الواردتين فيه بالنفي والتعطيل الصريح، وإنما اكتفى في الشرح بذكر ما تقتضيه تلك الصفات، ولا يلزم من عدم تعرُّضه لهما نفيُهما، فقد يكون ذاهلاً عند ذلك ابتداءً، أو لأنَّ صفات الله وأسماءَه معلومة الإثبات والتنزيه عن مماثلة المخلوقين عنده على ما سبق من النقول الكثيرة عنه في تقريره لهذه العقيدة التي كان يدين الله بها ويدرسها لطلاَّبه.

قال شيخنا أبو عبد المعزِّ محمَّد عليِّ فركوس -حفظه الله تعالى- جوابًا عن سؤالٍ ورد على موقعه الرسميِّ عن حقيقة ما نُسب إلى الشيخ ابن باديس -رحمه الله- من تأويل صفتَيِ الحياء والإعراض في الحديث المذكور: «الحديث المذكور يدلُّ على إثبات صفتَيِ الاستحياء والإعراض لله تعالى على وجهٍ لا نقْصَ فيه كما يليق بجلاله وعظمته، و«الحييُّ» اسمٌ من أسمائه سبحانَه وتعالى، ويدلُّ على صفة الاستحياء قولُه تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ [البقرة: 26]، وقولُه تعالى: ﴿وَاللهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ [الأحزاب: 53]، وقولُه صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم: «إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ، فَيَرُدَّهُمَا صِفْرًا، -أَوْ قَالَ: خَائِبَتَيْنِ-»(٧٦- أخرجه أبو داود في «الصلاة» باب الدعاء (1488)، والترمذي في «الدعوات» (3556) وابن ماجه واللفظ له في «الدّعاء» باب رفع اليدين في الدّعاء (3865)، من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه، وصححه الألباني في «صحيح الجامع الصغير» (2070))، وأمَّا الإعراضُ فهو كالاستحياء صفةٌ خبريَّةٌ فعليَّةٌ ثابتةٌ، ويدلُّ عليها مقطعُ الحديثِ المذكور في السؤال: «فَأَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ».

وصفة الاستحياء والإعراض وغيرها -في النصوص الشرعية- هي صفاتٌ حقيقيةٌ يُوصف بها ربُّنا سبحانَه وتعالى على ما يليق به، ولا يلزم من إثباتها ووصفِه بها تشبيهُه بالمخلوقات ولا تمثيلُه بها، فاستحياؤه سبحانه ليس كاستحياء المخلوقين، الذي هو تغيُّرٌ وانكسارٌ يعتري الشخصَ عند خوفِ ما يُعابُ أو يُذَمُّ، وليس إعراضُه سبحانه كإعراض المخلوقين، الذي هو الصَّدُّ عن المُعْرَضِ عنه والذهابُ عرْضًا وطولاً، فإنَّ هذه الحالاتِ من الأمور الفطرية الإنسانية التي لا تليق بالله عزَّ وجلَّ، فكما أنَّ ذاتَ الله تعالى لا تماثل الذَّواتِ المخلوقةَ ولا تُشبهها، فكذلك صفاتُه سبحانَه وتعالى لا تماثل صفاتِ المخلوقين ولا تُشبهها، والقولُ في صفة الاستحياء والإعراض كالقول في سائر الصفاتِ ممَّا أثبته اللهُ لنفْسِه في كتابِه أو أثبته له رسولُه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بالسنَّة الصحيحة من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ؛ لأنه لا أحدَ أعلمُ بالله من نفسه، ولا مخلوقَ أعلمُ بخالقه من رسوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، لذلك كان المعتقَدُ الصحيحُ هو الإثباتَ مع نفيِ مماثلة المخلوقاتِ، جريًا على قاعدة الإثبات والتنزيه؛ فقولُه تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: 11]: ردٌّ على المشبِّهةِ، وقولُه تعالى: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11]: ردٌّ على المعطِّلةِ.

هذا، والمعطِّلةُ الذين عَدَلوا عن ظاهرِ اللفظِ من غيرِ موجِبٍ إنما دفعهم توهُّمُهم أنَّ إثباتَ صفتَيِ الاستحياء والإعراض يستلزم التشبيهَ والتمثيلَ؛ لذلك منعوا أن يُوصفَ ربُّنا عزَّ وجلَّ بهاتين الصفتين وغيرِهما من الصفات على جهة الحقيقة، بل أوَّلوها بما تستلزمه من معانٍ ومقتضَياتٍ.

وعليه، فالواجبُ -عند أهل السنَّة- إثباتُ صفة الاستحياء لله تعالى وما تستلزمه هذه الصفةُ من سَعةِ رحمته وكمالِ عطفِه وَجُودِه وعظيمِ عفوِه وحِلْمِه، وما تقتضيه من ثبوت الأجر للمستحيي الوارد في الحديث، كما أنَّ الواجب -أيضًا- إثباتُ صفة الإعراض لله تعالى، وما تستلزمه هذه الصفةُ من سخطِ الله وغضبِه وعدمِ رحمتِه وعفوِه، وما تقتضيه من حرمانِ المُعرِضِ من الأجرِ والثوابِ، فأهلُ السنَّةِ يُثبتون الصفةَ ولازِمَها خلافًا لأهلِ التعطيلِ الذين يُثبتون اللازمَ دون الملزوم.

وأمَّا اكتفاءُ الشيخ عبدِ الحميد بنِ باديسَ -رحمه اللهُ- في شرحه للحديث بإثبات ما تقتضيه صفةُ الاستحياء والإعراض دون التعرُّضِ للصفةِ ذاتِها؛ فإنه لا يلزم من عدمِ تعرُّضِه لها نفيُه أو تعطيلُه لها؛ لأنه -رحمه الله- لم يصرِّحْ بنفيِ الصفة، وقد يكون ذاهلاً عنها، أو لأنَّ صفاتِ اللهِ وأسماءَه معلومةُ الإثباتِ ونفيِ المماثلةِ للمخلوقين، على ما قرَّره -رحمه اللهُ- في كتابه: «العقائد الإسلاميَّة» في الأسماء والصفات من عقيدة الإثبات والتنزيه، كما نصَّ على ذلك -بوضوحٍ- في قوله: «نُثبت له تعالى ما أثبته لنفسه على لسان رسوله من ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله، وننتهي عند ذلك ولا نزيد، وننزِّهه في ذلك عن مماثلةِ أو مشابهةِ شيءٍ من مخلوقاتِه»(٧٧- «العقائد الإسلامية» لابن باديس (73))، وقد كان -رحمه الله- يردِّد البيتين:

فَنَحْنُ مَعْشَرَ فَرِيقِ السُّنَّهْ * السَّالِكِينَ فِي طَرِيقِ الجَنَّهْ

نَقُولُ بِالإِثْبَاتِ وَالتَّنْزِيهْ * مِنْ غَيْرِ تَعْطِيلٍ وَلاَ تَشْبِيهْ(٧٨- انظر: تعليق محمد الصالح رمضان على «العقائد الإسلاميّة» (73))

لذلك وجب حملُ كلام الشيخ عبدِ الحميد بنِ باديسَ -رحمه اللهُ- على أحسن المحامل، توافقًا مع أصولِه وقواعدِه، وخاصَّةً وأنَّ سيرةَ المتكلِّمِ حسنةٌ، فيُحمل كلامُه على الوجهِ الحسنِ، مصداقًا لقولِه تعالى: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ [الأعراف: 58]»، اﻫ(٧٩- انظر الفتوى رقم (1094) الموسومة «في صفة الاستحياء والإعراض» على الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز حفظه الله).

وفي هذا يقول السبكي -رحمه الله-: «فإذا كان الرجل ثقةً مشهودًا له بالإيمان والاستقامة؛ فلا ينبغي أن يُحْمَلَ كلامُه وألفاظ كتابته على غير ما تُعُوِّد منه ومن أمثاله، بل ينبغي التأويل الصالح وحُسن الظنِّ الواجبُ به وبأمثاله»(٨٠- «قاعدة في الجرح والتعديل» (ص 93)).

وإن سُلِّم لصاحب المقال مرادُه فقد ظهر أمرُ عقيدة الشيخ ابن باديس -رحمه الله- موضَّحًا في كتابه: «العقائد الإسلامية»، إذ هو آخِرُ ما بَلَغَنَا عنه -رحمه الله-، وهذا قبل وفاته -رحمه الله- بخمس سنواتٍ كما سبق، وهذا لا يُخرجه البتَّةَ من دائرة أهل السنَّة ما دام أنه يقرِّر العقيدة على أصول أهل السنَّة والجماعة في الصفات، وهو يبذل الوُسْع في تحرِّي الكتاب والسنَّة على فهم سلف الأمَّة، ومَن كان هذا حالَه فله عذرُه وعند الله أجرُه، مع وجوب التنبيه على ما قد يجانب فيه العالم السنِّيُّ الصوابَ في اجتهاده بحسنِ أدبٍ وتوقيرٍ وحفظِ قدرِه، حيث يصدق عليه قول الله تعالى: ﴿رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: 286]، وقولُ الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- من حديث عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» [متفق عليه](٨١- أخرجه البخاري في «الاعتصام بالكتاب والسنَّة» (7352)، ومسلم في «الأقضية» (1716)، من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه). فهذا معتقد أهل السنَّة، ولله الحمد والمنَّة، فخطأُ المجتهد الذي تحقَّقتْ أهليَّته مغفورٌ، وهو على ما بذله من جهدٍ مأجورٌ، سواء كان خطؤُه في العقائد أو في الأحكام، قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه الله-: «فصل: والخطأُ المغفور في الاجتهاد هو في نوعَيِ المسائل الخبرية والعلمية كما قد بُسط في غير موضعٍ، كمن اعتقد ثبوتَ شيءٍ لدلالةِ آيةٍ أو حديثٍ وكان لذلك ما يعارضه ويبيِّن المرادَ ولم يعرفْه، مثل من اعتقد أنَّ الذَّبيح إسحاقُ لحديثٍ اعتقد ثبوتَه، أو اعتقد أنَّ الله لا يُرى؛ لقوله: ﴿لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: 103]، ولقوله: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الشورى: 51]، كما احتجَّتْ عائشة بهاتين الآيتين على انتفاء الرؤية في حقِّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وإنما يدلاَّن بطريق العموم، وكما نُقل عن بعض التابعين أنَّ الله لا يُرى وفسَّروا قوله: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: 22-23] بأنها تنتظر ثوابَ ربِّها كما نُقل عن مجاهدٍ وأبي صالحٍ، أو مَن اعتقد أنَّ الميِّت لا يُعَذَّب ببكاء الحيِّ؛ لاعتقاده أنَّ قوله: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ يدلُّ على ذلك وأنَّ ذلك يُقَدَّم على رواية الراوي لأنَّ السمع يغلط كما اعتقد ذلك طائفةٌ من السلف والخَلَف، أو اعتقد أنَّ الميِّت لا يسمع خطابَ الحيِّ؛ لاعتقاده أنَّ قوله: ﴿فَإنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ [الروم: 52] يدلُّ على ذلك، أو اعتقد أنَّ الله لا يَعْجَبُ كما اعتقد ذلك شُرَيْحٌ؛ لاعتقاده أنَّ العَجَبَ إنما يكون مِنْ جَهْلِ السبب، وَاللهُ مُنَزَّهٌ عن الجهل، أو اعتقد أنَّ عليًّا أَفْضَلُ الصحابة؛ لاعتقاده صحَّةَ حديث الطير؛ وأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «اللَّهُمَّ ائْتِنِي بِأَحَبِّ الْخَلْقِ إِلَيْكَ؛ يَأْكُلُ مَعِي مِنْ هَذَا الطَّائِرِ»، أو اعتقد أنَّ مَنْ جسَّ للعدوِّ وأَعلمَهم بغزو النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فهو منافقٌ كما اعتقد ذلك عمرُ في حاطبٍ وقال: «دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ»، أو اعتقد أنَّ مَنْ غضب لبعض المنافقين غَضْبَةً فهو منافقٌ كما اعتقد ذلك أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ في سعدِ بن عُبادة وقال: «إنَّك مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ»، أو اعتقد أنَّ بعض الكلمات أو الآيات أنها ليست من القرآن؛ لأنَّ ذلك لم يثبتْ عنده بالنقل الثابت كما نُقل عن غير واحدٍ من السلف أنهم أنكروا ألفاظًا من القرآن كإنكار بعضِهم: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ﴾ وقال: إنما هي ووصَّى ربُّك، وإنكارِ بعضِهم قولَه: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ﴾، وقال: إنما هو: ميثاق بني إسرائيل، وكذلك هي في قراءة عبد الله، وإنكار بعضهم ﴿أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ إنما هي: أَوَلَمْ يتبيَّن الذين آمنوا، وكما أنكر عمر على هشام بن الحَكَمِ(٨٢- كذا، والمعروف أنه هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنهما) لمَّا رآه يقرأ سورة الفرقان على غير ما قرأها، وكما أنكر طائفةٌ من السلف على بعض القرَّاء بحروفٍ لم يعرفوها حتى جمعهم عثمان على المصحف الإمام، وكما أنكر طائفةٌ من السلف والخلف أَنَّ الله يريد المعاصيَ؛ لاعتقادهم أنَّ معناه أنَّ الله يحبُّ ذلك ويرضاه ويأمر به، وأنكر طائفةٌ من السلف والخلف أنَّ الله يريد المعاصي؛ لكونهم ظنُّوا أنَّ الإرادة لا تكون إلاَّ بمعنى المشيئة لِخَلْقِها وقد علموا أنَّ الله خالق كلِّ شيءٍ؛ وأنه ما شاء كان وما لم يشأْ لم يكنْ، والقرآن قد جاء بلفظ الإرادة بهذا المعنى وبهذا المعنى، لكنَّ كلَّ طائفةٍ عرفتْ أحد المعنيين وأنكرتِ الآخَر، وكالذي قال لأهله: «إذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ ذُرُّونِي فِي الْيَمِّ فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَرَ اللهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِي عَذَابًا لاَ يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ»، وكما قد ذكره طائفةٌ من السلف في قوله: ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ﴾، وفي قول الحواريِّين: ﴿هل يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾، وكالصحابة الذين سألوا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟»، فلم يكونوا يعلمون أنهم يرَوْنه، وكثيرٌ من الناس لا يعلم ذلك: إمَّا لأنه لم تبلغْه الأحاديث، وإمَّا لأنه ظنَّ أنه كذبٌ وغلطٌ»(٨٣- «مجموع الفتاوى» (20 / 33-36)).

وأمَّا ما يتعلَّق بقوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ [الذاريات: 47] وقول الشيخ ابن باديس بِأَيْدٍ: بقوَّةٍ، فقد قاله ابن عبَّاسٍ ومجاهدٌ وقتادةُ والثوري وغير واحدٍ من السلف، وهذا ليس بتأويلٍ، والآية ليست من آيات الصفات، لأنَّ قوله تعالى: ﴿بِأَيْدٍ﴾ ليس جمع «يد» فتكون صفة الله، وإنما الأيد القوَّة مصدر «آد، يئيد»، ومنه قوله تعالى: ﴿دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ﴾، فالأيد في لغة العرب القوَّة، ورجلٌ أيدٌ أي قويٌّ، ومنه قوله تعالى: ﴿وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ [البقرة:87]، أي قوَّيناه به فقوله تعالى ﴿بِأَيْدٍ﴾ على وزن (فَعْل): فالهمزة أصليةٌ في مكان الفاء، والياءُ في مكان العين، والدالُ في مكان اللام(٨٤- قال زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي في «مختار الصحاح» (309): «قلت: قوله تعالى: ﴿بأيد﴾ [الذاريات: 47] أي بقوة، وهو مصدر آد - يئيد إذا قوي، وليس جمعا ليد ليذكر هنا بل موضعه باب الدال. وقد نصّ الأزهري على هذه الآية في الأيد بمعنى المصدر. ولا أعرف أحدا من أئمّة اللغة أو التفسير ذهب إلى ما ذهب إليه الجوهري من أنها جمع يد»)، أمَّا جمع (يد) فأيدي على وزن (أَفْعِل): والهمزة زائدة، والياءُ في مكان الفاء، والدالُ في مكان العين، والياءُ المحذوفة لكونه منقوصًا هي اللام كقوله: ﴿أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ﴾(٨٥- انظر: «تفسير ابن كثير» (4/286)، «أضواء البيان» (7/442)، «مختار الصحاح» (309)).



خاتمة: في بيان منهج أهل الأهواء والبدع في إرادة النيل من أهل السنَّة بنبزهم بالألقاب المشينة

هذا، وقبل أن نُنهيَ البحث نعود ونلفت النظر مجدَّدًا إلى أسلوب صاحب المقال التهكُّمي، وما حواه من ألفاظِ نبزٍ ولمزٍ لأهل السنَّة(٨٦- قد نقلْنا بعضها في أوَّل الردّ)، لننبِّه على أنَّ هذا أسلوب القوم العتيق وطريقتهم المثلى للنيل من أصحاب العقيدة السلفية منذ أن ظهرت مخالفة أولئك لأهل السنَّة في مسائل التوحيد والعقيدة، حتى أصبح من المعروف والمقرَّر المألوف عند أعلام السنَّة أنَّ من سمات أهل البدع والضلال وعلاماتهم الظاهرة وقيعتَهم في أهل الأثر وبُغْضَهم وسبَّهم وتعييرهم وإطلاق الألقاب المشينة عليهم قصد انتقاصهم والاستخفاف بهم والتنفير منهم.

قال جعفر بنُ أحمدَ بنِ سنانٍ: سمعْتُ أبي يقول: «لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مُبْتَدِعٌ إِلاَّ يُبْغِضُ أَصْحَابَ الحَدِيْثِ، وَإِذَا ابْتَدَعَ الرَّجُلُ بِدْعَةً نُزِعَتْ حَلاَوَةُ الحَدِيثِ مِنْ قَلْبِهِ»، اﻫ(٨٧- «سير أعلام النبلاء» (23/237)).

وقيل للإِمام أَحمد بن حنبل -رحمه الله-: «ذكروا لابن قتيلة بمكَّة أَصحاب الحديث، فقال : أَصحاب الحديث قومُ سوءٍ! فقام أَحمد بن حنبل وهو ينفض ثوبه ويقول: زنْديق، زنْديق، زنْديق؛ حتى دخل البيتَ»، اﻫ(٨٨- «عقيدة السلف أصحاب الحديث» (ص103)).

وقال الإِمام أَبو حاتمٍ الرازي -رحمه الله تعالى-: «وعلامةُ أهل البِدَعِ الوقيعةُ في أهل الأثر، وعلامةُ الزنادقة تَسْميَتُهُمْ أهلَ السنَّة حَشْوِيَّةً، يريدون إبطالَ الآثار، وعلامةُ الجهمية تَسْميَتُهم أهلَ السنَّة مُشبِّهةً، وعلامةُ القدرية تَسْميَتُهم أَهلَ الأثر مُجْبِرَةً، وعلامةُ المرجئَة تَسْميَتُهم أَهلَ السنَّة مُخالِفةً وَنُقصانيةً ، وعلامةُ الرافضة تَسْمِيَتُهِم أَهلَ السنَّة ناصبةً، ولا يَلْحقُ أهلَ السنَّة إلا اسْم وَاحِدٌ، ويستحيل أن تجمعهم هذه الأسماءُ»، اﻫ(٨٩- «شرح أصول اعتقاد أهل السنّة والجماعة» (2/179)).

وقول الإمام البربهاري -رحمه الله-: «وإن سمعتَ الرجل يقول: فلان مشبِّهٌ وفلان يتكلَّم بالتشبيه فاتَّهمه واعلم أنه جهمي، وإذا سمعتَ الرجل يقول: فلان ناصبيٌّ فاعلم أنه رافضيٌّ، وإذا سمعتَ الرجل يقول: تكلَّمْ بالتوحيد واشرحْ لي التوحيد فاعلمْ أنه خارجيٌّ معتزليٌ، أو يقول: فلان مُجْبِرٌ أو يتكلَّم بالإجبار، أو يتكلَّم بالعدل فاعلم أنه قدريٌّ؛ لأنَّ هذه الأسماء محدثةٌ أحدثها أهل الأهواء»، اﻫ(٩٠- «شرح السنّة» (ص51)).

وقال الحاكم النيسابوري -رحمه الله تعالى-: «وعلى هذا عَهِدْنا في أسفارنا وأوطاننا كلَّ من يُنسب إلى نوعٍ من الإلحاد والبدع لا ينظر إلى الطائفة المنصورة إلا بعين الحقارة ويسمِّيها الحشوية»، اﻫ(٩١- «معرفة علوم الحديث» (ص 4)).

وقال أبو عثمان الصابوني -رحمه الله تعالى-: «وعلامات البدع على أهلها باديةٌ ظاهرةٌ، وأظهر آياتهم وعلاماتهم شدَّةُ معاداتهم لحملة أخبار النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، واحتقارُهم لهم وتسميتهم إياهم حشويةً وجَهَلَةً وظاهريةً ومشبِّهةً، اعتقادًا منهم في أخبار الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم أنها بمعزل عن العلم، وأنَّ العلم ما يلقيه الشيطان إليهم من نتاج عقولهم الفاسدة، ووساوس صدورهم المظلمة، وهواجس قلوبهم الخالية عن الخير، وكلماتهم وحججهم العاطلة بل شبههم الداحضة الباطلة، ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ، فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾، ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾»، اﻫ(٩٢- «عقيدة السلف أصحاب الحديث» (ص 110)).

وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله: «... وهذا نظيرُ ما تحكي الرافضةُ عن أهل السنَّة من أَهل الحديث والفقه والعبادة والمعرفة أنهم ناصبةٌ، وتحكي القدرية عنهم أنهم مُجْبِرَةٌ، وتحكي الجهمية عنهم أنهم مشبِّهةٌ، وَيحكي مَن خالف الحديثَ ونابذ أَهلَه عنهم: أنهم نابتةٌ وحشْويةٌ وغُثاءٌ وغَثَرًا إلى غير ذلك من الأسماء المكذوبة ...»، اﻫ(٩٣- «مجموع الفتاوى» (33/171)).

وقال أبو إسحاق الشاطبي: «ورُوي عن إسماعيل بن عُليَّة قال: حدَّثني اليسع قال: تكلَّمَ واصل بن عطاءٍ يومًا -يعني المعتزلي- فقال عمرو بن عبيدٍ: (ألا تسمعون؟ ما كلام الحسن وابن سيرين عند ما تسمعون إلاَّ خِرْقةُ حيضٍ ملقاةٌ)، وروي أنَّ زعيما من زعماء أهل البدعة كان يريد تفضيل الكلام على الفقه فكان يقول: (إنَّ علم الشافعي وأبي حنيفة جملته لا يخرج من سراويل امرأة) هذا كلام هؤلاء الزائغين قاتلهم الله»، اﻫ(٩٤- «الاعتصام» (2/239)).

وقال السفاريني رحمه الله: «ولسْنا بصدد ذكر مناقب أهل الحديث، فإنَّ مناقبهم شهيرةٌ ومآثرهم كثيرةٌ وفضائلهم غزيرةٌ، فمن انتقصهم فهو خسيسٌ ناقصٌ، ومن أبغضهم فهو من حزب إبليس ناكصٌ»(٩٥- «لوائح الأنوار السنيّة» (2/355)).

ونختم في الأخير بنقل بعض الأبيات من فصلٍ كاملٍ قد عقده ابن القيِّم -رحمه الله- في نونيَّته يتعلَّق بما نحن فيه، وترجم له الإمام ﺑ: «فصل في بيان عداوتهم في تلقيب أهل القرآن والحديث بالمجسِّمة وبيان أنهم أولى بكلِّ لقبٍ خبيثٍ»، ومما قال فيه:

«كَمْ ذَا مُشَبِّهَةٌ مُجَسِّمَةٌ نَوَا * بِتَةٌ مَسَبَّةَ جَاهِلٍ فَتَّانِ

أَسْمَاءُ سَمَّيْتُمْ بِهَا أَهْلَ الحَدِيـ * ـثِ وَنَاصِرِي القُرْآنِ وَالإِيمَانِ

سَمَّيْتُمُوهُمْ أَنْتُمُ وُشُيُوخُكُمْ * بَهْتًا بِهَا مِنْ غَيْرِ مَا سُلْطَانِ

وَجَعَلْتُمُوهَا سُبَّةً لِتُنَفِّرُوا * عَنْهُمْ كَفِعْلِ السَّاحِرِ الشَّيْطَانِ

مَا ذَنْبُهُمْ وَاللهِ إِلاَّ أَنَّهُمْ * أَخَذُوا بِوَحْيِ اللهِ وَالفُرْقَانِ

وَأَبَوْا بِأَنْ يَتَحَيَّزُوا لِمَقَالَةٍ * غَيْرِ الحَدِيثِ وَمُقْتَضَى القُرْآنِ

وَأَبَوْا يَدِينُوا بِالَّذِي دِنْتُمْ بِهِ * مِنْ هَذِهِ الآرَاءِ وَالهَذَيَانِ

وَصَفُوهُ بِالأَوْصَافِ فِي النَّصَّيْنِ مِنْ * خَبَرٍ صَحِيحٍ ثُمَّ مِنْ قُرْآنِ»(٩٦- «متن القصيدة النونية» لابن القيِّم (ص 146))

وقال -أيضًا- رحمه الله:

«وَإِذَا سَبَبْتُمْ بِالمُحَالِ فَسَبُّنَا * بِأَدِلَّةٍ وَحِجَاجِ ذِي بُرْهَانِ

تُبْدِي فَضَائِحَكُمْ وَتَهْتِكُ سِتْرَكُمْ * وَتُبِينُ جَهْلَكُمُ مَعَ العُدْوَانِ

يَا بُعْدَ مَا بَيْنَ السِّبَابِ بِذَاكُمُ * وَسِبَابِكِمْ بِالكِذْبِ وَالطُّغْيَانِ»(٩٧- «متن القصيدة النونية» لابن القيِّم (ص 148))

هذا ما استطعنا جمعه وترتيبه بتوفيق الله ومَنِّه، فله الحمد والشكر وحده جلَّ في علاه، والصلاة والسلام على نبينا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه ومن اتَّبع هداه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



١- وسيأتي نقل شيءٍ منه موثَّقًا بالمرجع والصفحة.

٢- كذا قال صاحب المقال، والصواب: «العلماء».

٣- «فتاوى الشيخ أحمد حمّاني» (2/597)، منشوارت وزارة الشؤون الدينية - الجزائر.

٤- انظر: «فتاوى الشيخ أحمد حمّاني» (1/261)، منشوارت وزارة الشؤون الدينية - الجزائر.

٥- سقط من المقال قوله: «الفلاسفة» قبل «السفسطائيين».

٦- «من وثائق جمعيّة العلماء المسلمين» (17).

٧- «من وثائق جمعيّة العلماء المسلمين» (19).

٨- «رسالة الشرك ومظاهره» (27).

٩- «العقائد الإسلاميّة» (71).

١٠- «آثار ابن باديس» (1/272)، جمع وترتيب: عمّار طالبي.

١١- «آثار ابن باديس» (1/407)، جمع وترتيب: عمّار طالبي.

١٢- «آثار ابن باديس» (1/416 - 417)، جمع وترتيب: عمّار طالبي.

١٣- «آثار ابن باديس» (3/222)، جمع وترتيب: عمّار طالبي.

١٤- «العقائد الإسلاميّة» (17)، و«آثار ابن باديس» (3/132).

١٥- «آثار ابن باديس» (5/435)، جمع وترتيب: عمّار طالبي.

١٦- «الشهاب» (ج11 م 10/478-481)، و«آثار ابن باديس» (3/219).

١٧- «آثار ابن باديس» جمع وترتيب: عمّار طالبي (1/225).

١٨- «العقائد الإسلاميّة» (20).

١٩- «العقائد الإسلاميّة» (19).

٢٠- «العقائد الإسلاميّة» (22).

٢١- «العقائد الإسلاميّة» (23).

٢٢- «العقائد الإسلاميّة (24).

٢٣- «الآثار» (1/362)، و«مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير» (453).

٢٤- «مجالس التّذكير من كلام الحكيم الخبير» (453).

٢٥- «آثاره» (4/125).

٢٦- «تاريخ الجزائر في القديم والحديث» (711 ).

٢٧- «الشرك ومظاهره» (26).

تنبيه: في الجملة الأخيرة من كلام الشيخ مبارك الميلي -رحمه الله- إشارةٌ إلى ما كان من الإمام أبي الحسن الأشعري في آخر حياته من الرجوع إلى عقيدة السلف، وقد قرّر هذا في كتابه: «الإبانة عن أصول الديانة»، وهو آخر كتبه، ومما قال فيه (ص20): «قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها التمسّك بكتاب ربّنا عزّ وجلّ وبسنّة نبيّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم، وما روي عن السادة الصحابة والتابعين وأئمّة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن حنبل -نضّر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مثوبته- قائلون، ولما خالف قوله مخالفون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق، ودفع به الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به المبتدعين وزيغ الزائغين وشكّ الشاكِّين، فرحمة الله عليه من إمامٍ مقدَّمٍ وجليلٍ معظَّمٍ وكبيرٍ مفخَّمٍ».

وقد كان الإمام أبو الحسن الأشعري في أوّل أمره على مذهب المعتزلة، وبقي على ذلك إلى سنّ الأربعين يقرأ على أبي علي الجبائي، ثم انتقل إلى المذهب الكُلاَّبي وهي مرحلةٌ ثانية مرّ بها -وإليها ينتسب كل من يزعم أنه أشعري-، قبل أن يضع رَحْلَه على متن سفينة السلف مع أهل السنّة والجماعة فيسير على منهج أهل الحديث ويتخلّى عن طريقة ابن كُلاَّب.

٢٨- «الإسلام الصحيح» (94).

٢٩- العدد 90 من «الشهاب» (2/951).

٣٠- العدد 81 من «الشّهاب» (2/768).

٣١- «المقالات» (1/115).

٣٢- «بدعة الطرائق في الإسلام» (25).

٣٣- «بدعة الطرائق في الإسلام» (28).

٣٤- «المقالات» (2/27).

٣٥- «من وثائق جمعيّة العلماء المسلمين» (15).

٣٦- «من وثائق جمعيّة العلماء المسلمين» (19).

٣٧- العدد 117 من «الشهاب» (15- 16).

٣٨- «الآثار» (1/172).

٣٩- «الآثار» (1/166).

٤٠- «الآثار» (1/168).

٤١- «الآثار» (1/304).

٤٢- «الآثار» (1/303).

٤٣- «الآثار» (1/168).

٤٤- «الآثار» (1/170).

٤٥- «الآثار» (1/176-175).

٤٦- «الآثار» (1/171).

٤٧- «المقالات» (2/34).

٤٨- العدد 164 من جريدة «الشهاب» (2-3).

٤٩- العدد 3 من جريدة «السنّة النبويّة» (1).

٥٠- انظر: «آثار الإبراهيمي» (1/123-124).

٥١- العدد 119 من جريدة «الشهاب» (14).

٥٢- العدد 2 من جريدة «السنّة» (7).

٥٣- «الآثار» (5/32-33).

٥٤- «الآثار» (5/23-24).

٥٥- «الشهاب» (2/119).

٥٦- العدد 3 من جريدة «الصّراط السويّ» (4).

٥٧- «الشهاب» (ج 6، م 5، ص 40-42).

٥٨- العدد 9 من جريدة «السنّة» (3).

٥٩- «آثاره» (1/198).

٦٠- العدد 98 من «الشهاب» (2).

٦١- كذا والصواب «المسمَّمون»، لأنه نعتُ فاعلٍ مرفوعٍ، فهو مرفوعٌ مثلُه.

٦٢- العدد 6 من جريدة «الصراط السويّ» (4).

٦٣- العدد 7 من جريدة «الصراط السويّ» (7).

٦٤- كذا، والصواب: «حنبليون» رفعًا لأنه خبر «أنَّ».

٦٥- العدد 167 من جريدة «البصائر» (2).

٦٦- «العقائد الإسلاميّة» (20).

٦٧- «العقائد الإسلاميّة» (22).

٦٨- «العقائد الإسلاميّة» (05).

٦٩- «العقائد الإسلاميّة» (06).

٧٠- «العقائد الإسلاميّة» (12).

٧١- «رسالة الشرك ومظاهره» (37).

٧٢- سقط من المقال قوله: «الفلاسفة» قبل «السفسطائيين».

٧٣- «آثار ابن باديس» (4/197-198)، جمع وترتيب: عمّار طالبي.

٧٤- «العقائد الإسلاميّة» (71).

٧٥- «العقائد الإسلاميّة (06).

٧٦- أخرجه أبو داود في «الصلاة» باب الدعاء (1488)، والترمذي في «الدعوات» (3556) وابن ماجه واللفظ له في «الدّعاء» باب رفع اليدين في الدّعاء (3865)، من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه، وصححه الألباني في «صحيح الجامع الصغير» (2070).

٧٧- «العقائد الإسلامية» لابن باديس (73).

٧٨- انظر: تعليق محمد الصالح رمضان على «العقائد الإسلاميّة» (73).

٧٩- انظر الفتوى رقم (1094) الموسومة «في صفة الاستحياء والإعراض» على الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز حفظه الله.

٨٠- «قاعدة في الجرح والتعديل» (ص 93)

٨١- أخرجه البخاري في «الاعتصام بالكتاب والسنَّة» (7352)، ومسلم في «الأقضية» (1716)، من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.

٨٢- كذا، والمعروف أنه هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنهما.

٨٣- «مجموع الفتاوى» (20 / 33-36).

٨٤- قال زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي في «مختار الصحاح» (309): «قلت: قوله تعالى: ﴿بأيد﴾ [الذاريات: 47] أي بقوة، وهو مصدر آد - يئيد إذا قوي، وليس جمعا ليد ليذكر هنا بل موضعه باب الدال. وقد نصّ الأزهري على هذه الآية في الأيد بمعنى المصدر. ولا أعرف أحدا من أئمّة اللغة أو التفسير ذهب إلى ما ذهب إليه الجوهري من أنها جمع يد».

٨٥- انظر: «تفسير ابن كثير» (4/286)، «أضواء البيان» (7/442)، «مختار الصحاح» (309).

٨٦- قد نقلْنا بعضها في أوَّل الردّ.

٨٧- «سير أعلام النبلاء» (23/237).

٨٨- «عقيدة السلف أصحاب الحديث» (ص103).

٨٩- «شرح أصول اعتقاد أهل السنّة والجماعة» (2/179).

٩٠- «شرح السنّة» (ص51).

٩١- «معرفة علوم الحديث» (ص 4).

٩٢- «عقيدة السلف أصحاب الحديث» (ص 110).

٩٣- «مجموع الفتاوى» (33/171).

٩٤- «الاعتصام» (2/239).

٩٥- «لوائح الأنوار السنيّة» (2/355).

٩٦- «متن القصيدة النونية» لابن القيِّم (ص 146).

٩٧- «متن القصيدة النونية» لابن القيِّم (ص 148).


من موقع الشيخ -حفظه الله-


التعديل الأخير تم بواسطة خلفة أسامة الميلي ; 28 Jun 2011 الساعة 10:46 AM
رد مع اقتباس