عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09 Feb 2017, 12:46 PM
عز الدين بن سالم أبو زخار عز الدين بن سالم أبو زخار غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
الدولة: ليبيا
المشاركات: 548
افتراضي تحذير الواقعين في الكفران بتشبههم بالشيطان (تسع صور)


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبِه ومن والاه.
أما بعد:
فهذا مقال يتعلق بالصور التي من وقع فيها وتشبه بالشيطان خرج من الملة وتلبس بالكفر، وليس كل من تشبه بالشيطان كَفر، وليس كل صور التشبه بالشيطان كُفر.
إبليس كافر، ولا يشك في كفره إلا من أظلم قلبه وانطمست بصيرته، مثل عمرو خالد الذي يقول: إبليس مكفرشي، والله تعالى يقول: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [الإسراء: 27].
فهذا بيان لكفر الشيطان وتحذير من الوقوع في حبائله، وكذلك التشبه به.
قال ابن عطية رحمه الله في ((المحرر الوجيز)): ((ذكر تعالى كفر الشيطان ليقع التحذير من التشبه به في الإفساد مستوعباً بيناً)) اهـ.
فمن صور التشبه بالشيطان التي توقع في الكفران:
1) الكفر بالله عز وجل: قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:34].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ةفي ((الإيمان الأوسط)): ((كفر إبليس وفرعون واليهود ونحوهم لم يكن أصله من جهة عدم التصديق والعلم؛ فإن إبليس لم يخبره أحد بخبر، بل أمره الله بالسجود لآدم فأبى واستكبر وكان من الكافرين؛ فكفره بالإباء والاستكبار وما يتبع ذلك، لا لأجل تكذيب)) اهـ.
وقال ابن القيم رحمه الله في ((مدارج السالكين)): ((وأما كفر الإباء الاستكبار: فنحو كفر إبليس؛ فإنه لم يجحد أمر الله ولا قابله بالإنكار، وإنما تلقاه بالإباء والاستكبار، ومن هذا كفر من عرف صدق الرسول وأنه جاء بالحق من عند الله، ولم يَنقَدْ له إباءً واستكباراً، وهو الأغلب على كفر أعداء الرسل)) اهـ.

2) السحر: قال الله تعالي: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ } [البقرة: 102].
قال العلامة حافظ حكمي رحمه الله في ((معارج القبول)): ((أكذب الله تعالي اليهود فيما نسبوه إلى نبيه سليمان عليه السلام بقوله وما كفر سليمان وهم إنما نسبوا السحر إليه ولازم ما نسبوه إليه هو الكفر لأن السحر كفر ولهذا أثبت كفر الشياطين بتعليمهم الناس السحر فقال تعالى ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وكذلك كل من تعلم السحر أو علمه أو عمل به يكفر ككفر الشياطين الذين علموه الناس إذا لا فرق بينه وبينهم بل هو تلميذ الشيطان وخريجه عنه روى وبه تخرج وإياه اتبع)) اهـ.
وقال العلامة الفوزان حفظه الله في ((إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد)): ((قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ}، هذا خبر من الله سبحانه وتعالى أنّ الكهان والسحرة يتلّقون عن الشياطين، فهذا فيه بُطلان السحر والكهانة، وأن مصدرهما واحد؛ عن الشياطين الذين هم أكفر الخلق، وأَغَشُّ الخلق للخلق.
والسحر معروف، وهو: عملية يعلمها الساحر إما بالعُقَد والنَّفْث {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ}، وإما بكلام الكفر والشرك، فهو عزائم ورُقى شيطانية)) اهـ.

3) الدعوة للشرك بالله عز وجل: عن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: ((ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا كل مال نحلته عبدا حلال وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا)) أخرجه مسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((اقتضاء الصراط المستقيم)): ((وأيضا فإن الله عاب على المشركين شيئين:
أحدهما: أنهم أشركوا به ما لم ينزل به سلطانا.
والثاني: تحريمهم ما لم يحرمه الله عليهم.
وبين النبي صلى الله عليه و سلم ذلك فيما رواه مسلم عن عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ((قال الله تعالى: إني جعلت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا)) قال سبحانه: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء}، فجمعوا بين الشرك والتحريم والشرك يدخل فيه كل عبادة لم يأذن الله بها فإن المشركين يزعمون أن عبادتهم إما واجبة وإما مستحبة وإن فعلها خير من تركها)) اهـ.

4) التشكيك في العقيدة: قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته)) متفق عليه.

5) تمثيل دور الشيطان: قال العلامة حمود بن عبد الله بن حمود التويجري رحمه الله في ((إقامة الدليل على المنع من الأناشيد الملحنة والتمثيل)): ((فمن ذلك ما فعله بعض الطلاب في بعض المراكز الصيفية حيث جعلوا شيطانا إنسياً يمثل إبليس ويمثل وسوسته للناس بترك المأمورات وفعل المنكرات، فجعل الشيطان الإنسي يدنو من بعض الحاضرين ويوسوس لهم بما يترتب عليه غضب الله وعقابه فيزين لهم الأشياء المحرمة ويأمرهم بفعلها ويهون عليهم أمر الفرائض والواجبات ويأمرهم بتركها، وجعل الحاضرون يضحكون من هذا التمثيل بملء أفواههم.
وهذه القصة السخيفة من أقبح القصص التي ذكرت عن المفتونين بالتمثيل وهي من تلاعب الشيطان بهم وسخريته منهم ومن الحاضرين عندهم)) اهـ.
ثم قال رحمه الله: ((وأما المتمثل بإبليس في هذه القصة، وفي القصة المذكورة قبلها، فهما أسوأ حالا من الذين أشركوا بالشجرة لأن كلا من هذين قد جعل نفسه بمنزلة الشيطان الرجيم الذي قد لعنه الله وطرده من الملأ الأعلى وآيسه من رحمته وأمر بني آدم أن يتخذوه عدواً، وحذرهم من فتنته، ولو كان عند المتمثل بإبليس دين ثابت لمنعه دينه من التعرض لسخط الله وأليم عقابه، ولو كان له عقل سليم لمنعه عقله مما يدنس ويُشين عند ذوي العقول السليمة)) اهـ.
وقال رحمه الله: ((وبالجملة فإن المتمثلين بإبليس وبالذين يدعون العزّى وغيرها من الأشجار قد وقعوا في خطر عظيم وأمر مناقض للإسلام؛ فعلى من فعل هذا المنكر الوخيم أن يتدارك نفسه بالتوبة النصوح والإنابة إلى الله تعالى والإكثار من الأعمال الصالحة فإن الحسنات يذهبن السيئات)) اهـ.

6) الإباء والاستكبار: قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:34].
عن ابن عيينة، قال: (من كانت معصيته في الشهوة فارج له التوبة، فإن آدم عليه السلام عصى مشتهيا فغفر له، وإذا كانت معصيته في كبر فاخش على صاحبه اللعنة فإن إبليس عصى مستكبرا فلعن) إسناده ضعيف أخرجه أبو نعيم في ((الحلية)) والبيهقي في ((الشعب)) ومداره على سنيد بن داود وهو: المصيصي أبو علي المحتسب واسمه : الحسين وسنيد لقب غلب عليه ضعيف كما في ((التقريب)).
قال أبو الحسين محمد بن أحمد الملطي رحمه الله في ((التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع)): ((لما قص الله عز وجل شأن آدم وأمره للملائكة بالسجود لآدم ونبهنا على جملة الخبر وقصة إبليس وكيف استكبر لما سبق فيه من الشقاء وكيف قاس فقال: {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ})) اهـ.
وقال القاضي أبو يعلى الفراء رحمه الله في ((إبطال التأويلات)): ((جنس الجبابرة وهم الكفرة المعاندون وقيل: المراد به إبليس وشيعته لأنه أول من استكبر، فقال تَعَالَى : {إِلا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ})) اهـ.

7) الاعتراض: قال الله تعالى: { أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } [الأعراف: 12].
قال الأشعري رحمه الله في ((رسالة إلى أهل الثغر)): ((وأجمعوا على أنه ليس لأحد من الخلق الاعتراض على الله تعالى في شيء من تدبيره ولا إنكار لشيء من أفعاله إذ كان مالك لما يشاء منها غير مملوك وأنه تعالى حكيم قبل أن يفعل سائر الأفعال وأن جميع ما يفعله لا يخرجه عن الحكمة وأن من يعترض عليه في أفعاله متبع لرأي الشيطان في ذلك حين امتنع من السجود لآدم عليه السلام وزعم أن ذلك فساد في التدبير وخروج من الحكمة حين قال: { أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين })) اهـ.

8) عداوة الأنبياء: قال الله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } [ الأنعام : 112 ].

9) الدعوة للبدعة: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم خطا ثم قال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ثم قال هذه سبل قال يزيد متفرقة على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ { إن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } أخرجه أحمد في ((المسند)) وصححه الإمام الألباني رحمه الله في تخريجه ((شرح الطحاوية لابن أبي العز)).
وفي رواية عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطا هكذا أمامه فقال هذا سبيل الله عز وجل وخطين عن يمينه وخطين عن شماله قال هذه سبيل الشيطان ثم وضع يده في الخط الأسود ثم تلا هذه الآية { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون })) أخرجه أحمد في ((المسند)) وقال محققوا المسند: حسن لغيره.
وعن الأوزاعي رحمه الله قال: قال إبليس لأوليائه: من أي شيء تأتون بني آدم.
فقالوا: من كل شيء قال فهل تأتونهم من قبل الاستغفار.
فقالوا: هيهات ذاك شيء قرن التوحيد.
قال: لأبثن فيهم شيئا لا يستغفرون الله منه قال فبث فيهم الأهواء.
أخرجه الدارمي في ((السنن)) والبيهقي في ((شعب الإيمان)) واللالكائي في ((شرح أصول الاعتقاد)) من طريقين والأثر بمجموعه صحيح لغيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة)): ((ومن قال في بعض البدع إنها بدعة حسنة فإنما ذلك إذا قام دليل شرعي على أنها مستحبة، فأما ما ليس بمستحب ولا واجب فلا يقول أحد من المسلمين إنها من الحسنات التي يتقرب بها إلى الله، ومن تقرب إلى الله بما ليس من الحسنات المأمور بها أمر إيجاب ولا استحباب فهو ضال متبع للشيطان، وسبيله من سبيل الشيطان)) اهـ.
وقال رحمه الله في ((قاعدة عظيمة نافعة في العبادات والفرق بين شرعيتها وبدعيتها)) (ص 72-73): ((وأهل " العبادات البدعية " يزين لهم الشيطان تلك العبادات ويبغض إليهم السبل الشرعية حتى يبغضهم في العلم والقرآن والحديث فلا يحبون سماع القرآن والحديث ولا ذكره وقد يبغض إليهم جنس الكتاب فلا يحبون كتابا ولا من معه كتاب، ولو كان مصحفا أو حديثا ؛ كما حكى النصر باذي أنهم كانوا يقولون : يدع علم الخرق ويأخذ علم الورق وقال : وكنت أستر ألواحي منهم فلما كبرت احتاجوا إلى علمي .
وكذلك حكى السري السقطي : أن واحدا منهم دخل عليه فلما رأى عنده محبرة وقلما خرج ولم يقعد عنده ؛ ولهذا قال سهل بن عبد الله التستري : يا معشر الصوفية لا تفارقوا السواد على البياض فما فارق أحد السواد على البياض إلا تزندق)) اهـ.
وقال الإمام ابن رجب رحمه الله في ((شرح حديث مثل الإسلام)) (ص 22-23): ((فالشيطانُ وأعوانه وأتباعه من الجن والإنس يدعون إِلَى بقية الطرق الخارجة عن الصراط المُستقيم؛ كما قال تعالى: {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 71])) اهـ.

تنبيه:
ليس كل من وقع في البدعة أو دعي إليها كفر، فليس كل بدعة مكفرة، فمنها المكفر ومنها المفسق، وكذلك الاعتراض والاستكبار.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الأحد 9 جمادي الآخر سنة 1438 هـ
الموافق لـ: 5 فبراير سنة 2017 ف

رد مع اقتباس